هل نحن قريبون من اكتشاف لقاح فيروس نقص المناعة البشرية؟

لا يمكننا إنكار أننا قطعنا شوطًا كبيرًا فيما يتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية منذ أن بدأت الجائحة في الظهور. فبفضل ما توصلنا إليه حتى الآن من عقاقير، أصبح بإمكان مصابي الفيروس ممارسة حياة صحية، بل وامتد الأمر إلى تفادي نقل العدوى إلى شركائهم.

لكن يبقى فيروس نقص المناعة البشرية على لائحة الأمراض الرئيسة المهددة للحياة على مستوى العالم.

إلى جانب السل، ما نزال بحاجة إلى ابتكار لقاح مضاد له. بلغ عدد حالات فيروس نقص المناعة البشرية نحو 1,3 مليون مصاب وفقًا لإحصائيات عام 2022، وقد أودى بحياة 630 ألف شخص نتيجة توابع الفيروس ومضاعفاته؛ ما دفع المنظمات الوطنية والعالمية لتكريس خبرتهم للقضاء على تلك الجائحة.

البحث في تطوير لقاح فيروس نقص المناعة البشرية:

نظرًا إلى أن الفيروس بطبيعته كائن طفيلي قابل للتكيف؛ أصبحت مهمة التوصل إلى لقاح مهمة شاقة وعسيرة، وهذا ما ثبت في أثناء المحاولات العدة التي أجراها الباحثون عبر السنوات الماضية.

يقول الدكتور يوهان فيكيمانز، كبير المستشارين العلميين والطبيين ورائد المبادرة الدولية لتطوير لقاح فيروس نقص المناعة البشرية: «يتفوق فيروس نقص المناعة البشرية في التهرب من جهاز المناعة البشري. وسرعان ما يتخذ الخلايا ملاذًا له؛ فيتداخل مع أحماضها النووية، محتميًا بدرع واقٍ من الجليكان حول غلافه البروتيني الخارجي؛ فيدمر الخلايا المناعية ويحجب الأجسام المستضدة عنها، فلا تُستثار.

إنه بارع في خلق استجابات مناعية وأجسام مضادة ذات تأثير غير وقائي، فلا تعادل تأثير الفيروس ولا تقاومه. يشكل ذلك أحد أكبر التحديات التي تواجهنا، ولكن أكبرها حقًا هو التنوع الهائل في الغلاف البروتيني للفيروس. يظهر هذا التنوع لدى الجسم العائل في صورة مجموعة من الفيروسات».

نستنتج من قوله أن الفيروس قادر على التخفي وتدمير الخلايا المناعية، وإن تمكنت الخلايا من خلق استجابة مناعية؛ فإنها تصبح عديمة التأثير والفائدة.

جعلت خصائص الفيروس، التي تتمثل في تنوع سلالات الفيروس بالفرد العائل الواحد، وسيلة دفاع الجسم التقليدية دون جدوى، وبالتالي أصبح من الصعب القضاء عليه ومقاومة انتشاره؛ ولهذا السبب لم ينجح العلماء حتى الآن في ابتكار علاج أو لقاح للوقاية منه.

آخر ما توصل إليه العلماء:

من المؤكد أن الفشل في التوصل إلى لقاح فعال أمرٌ محبط، ولكن العلماء ما يزالون مستمرين في البحث. فكل تجربة تمنحهم المزيد من الفهم حول آلية عمل الفيروس حتى مع فشلها، لعلهم يتوصلون يومًا ما إلى كيفية إيقافه.

ملَّ العلماء فكرة العقار المثالي بقدرته على إثارة استجابة مناعية تنتج أجسامًا مضادة معادلة واسعة المجال؛ فتقتل أنواع الفيروس المختلفة وتمنعها من إصابة الخلايا بالعدوى. يكون ذلك بتحفيز الخلايا التائية لإثارة استجابة مناعية إضافية تستطيع الوصول إلى الخلايا المصابة بالعدوى وقتلها؛ ما قد يعزز فرص التوصل إلى علاج.

يقول الدكتور فيكيمانز: «نستبدل بالنهج التقليدي المبني على التجربة في مجال تطوير العقاقير آخر مبنيًا على النتائج والأدلة، وهو ما نطبقه على الجيل المستهدف من الأجسام المضادة المعادلة والخلايا التائية المُساعدة. لذلك من الجدير بالذكر أننا نتعلم من الطبيعة».

على سبيل المثال، أدت الدراسة التي أجريت على مرضى فيروس نقص المناعة البشرية مع إصابتهم بعدوى مزمنة، إلى توصلنا إلى رؤىً حول الأجسام المضادة المحايدة واسعة المجال؛ فالقدرة على تحفيز مثل هذه الاستجابة المناعية تعد طريقًا مثمرًا يمكن اتباعه في سبيل ابتكار لقاح وقائي لفيروس نقص المناعة البشرية.

هذا ما اقترب العلماء منه بضع مرات؛ فقد كان أحد اللقاحات المحتملة ذا فضل في تقديم بوادر الأجسام المضادة المحايدة في مرحلتها الأولى من التجارب السريرية.

ما تزال هناك تجربتان سريريتان للقاح الغرض منهما تزويد الاستجابة المناعية بالمزيد من التوجيه؛ إحداهما تُجرى في الولايات المتحدة والأخرى في أفريقيا بقيادة علماء أفارقة. زُودت المستمنعات المُهندسة في هذه الدراسة المسؤولة عن تحفيز الاستجابة المناعية باستخدام تكنولوجيا (mRNA).

أضاف الدكتور فيكيمانز: «هناك أيضًا بحث جارٍ في المجال العلاجي. وقد يكون من الجدير بالذكر أن الاستفادة في المجالين تعد متبادلة؛ فقد يزداد فهمنا لكيفية الوقاية من الفيروس والقضاء عليه عبر النهج العلاجي عن طريق الجمع بين نتائج كلا المجالين».

اختتمت تجربة سريرية أولية للتوصل إلى لقاح لتحفيز الخلايا التائية شهر يوليو الماضي بنتائج من المتوقع نشرها قريبًا. ما يزال التحقق قائمًا من نُهُج أخرى عبر أبحاث أساسية تدعمها المعرفة التي حصدها العلماء على مر العقود، إلى جانب ابتكار تكنولوجيا جديدة تتضمن خوارزميات التعلم الآلي.

يقول الدكتور فيكيمانز: «الدرس المستفاد هو أن علينا وضع خطة مبنية على الاستنتاجات السابقة. ومن غاية الأهمية فهم الاستجابة المناعية الوقائية وإتقانها واتباع النهج الذي يركز على خلق الاستجابة المناعية الوقائية الملائمة وتحفيزها بحق».

ما التوقعات لمواجهة فيروس نقص المناعة البشرية:

على الرغم من افتقارنا إلى لقاح مقاوم للفيروس، لا يمكننا القول إننا نقف أمامه مكتوفي الأيدي، إذ يمكننا السيطرة عليه إلى حد ما بنشر التوعية، والوقاية منه قبل التعرض له عبر استخدام العقاقير المخصصة لذلك. توجد أنواع جديدة من تلك العقاقير أطول مفعولًا وأسهل تناولًا، أكثرها حداثة تلك القابلة للحقن، التي يمكنها منع انتقال العدوى.

بالنسبة إلى حاملي الفيروس، وعلى الرغم من عدم وجود لقاح بعد، فإن التقدم الذي أحرزناه قادنا إلى التوصل لابتكار العقاقير المضادة للفيروسات العكوسة، التي تمنحهم فرصة عيش حياة صحية تمامًا. علاوةً على ذلك، يفقد الفيروس قدرته على الانتقال من فرد إلى آخر عندما يتعثر اكتشاف مكانه في الجسم العائل؛ وهو ما تنطبق عليه عبارة «ما هو غير قابل للاكتشاف يساوي ما لا يمكن نقله».

رغم التقدم العلمي، يستمر وصم مصابي فيروس نقص المناعة البشرية بالعار، وتمييزهم أيًا كانت الأسباب؛ دينية أو سياسية أو بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وهو ما يؤثر على إمكانية حصول الأفراد الأكثر عرضة لخطورة الفيروس على العقاقير التي قد تنقذ حياتهم، أو البقاء على اطلاع حول المرض.

اقرأ أيضًا:

لماذا يمتلك البعض مناعة طبيعية ضد فيروس نقص المناعة البشرية HIV؟

عقار معالجة إدمان الكحول قد يعالج أيضًا فيروس نقص المناعة البشرية

ترجمة: سامية الشرقاوي

تدقيق: تسنيم المنجد

المصدر

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.ibelieveinsci.com بتاريخ:2024-06-14 02:30:03
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version