وأوضح أن “إسرائيل اليوم، لم تعد حرة في اختيار كيفية الرد على الهجمات الإيرانية، في ظل ورطتها في غزة، وعدم تحقيقها أي إنجاز في مقابل مقاومة قوية”، بحيث أثبتت الهجمات الإيرانية بأن الإحتلال الإسرائيلي يحتاج إلى غيره ليدافعوا عنه.
هذا ومع تعثر هجوم “إسرائيل” داخل غزة، وتصاعد المعارضة لقيادة نتنياهو، وتعرضه لضغوط حقيقية من أجل إبرام صفقة تفضي إلى استعادة الاسرى وهم على قيد الحياة من جهة، وخروج خلافاته مع داعمه الأول جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة، من جهة أخرى، أدرك نتنياهو بأنه يخسر بشكل متسارع الرأي العام العالمي، فهنا مرة أخرى، احتاج الكيان الإسرائيلي الى أن يلعب دور الضحية، وذلك حتى يحافظ على أسطورة أنه يقاتل “دفاعا عن وجوده” ولم يجد نتنياهو المقامر وقتا أفضل حتى يلقي بحجارة النرد، ويهاجم القنصلية الإيرانية في دمشق، مع علمه التام بما يعنيه ذلك.
فانتظرت إيران بترقب. ثم ما لبثت أن رأت ما جرى في مجلس الأمن الدولي، عندما أسقطت أمريكا ومعها بريطانيا وفرنسا عبر ممارستها لحق الفيتو بياناً صاغته روسيا يندد بالهجوم على القنصلية. ثم قالت إيران إنها لن تضرب “إسرائيل” إذا تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار في غزة. إلا أن هذا أيضاً تم تجاهله. ثم لم يكن من بلدان الغرب، الواحدة تلو الأخرى، إلا أن ناشدوا إيران بعدم ضرب “إسرائيل”. وأما بايدن، فلم يوجه للإيرانيين سوى نصيحة من كلمة واحدة “إياكم”.
عندما جاءت الضربة، تبين أنها صممت بعناية لتوجيه عدد من الرسائل للولايات المتحدة ولـ”إسرائيل” وللمنطقة العربية.
أرادت طهران التأسيس لسابقة مفادها أن بإمكانها ضرب “إسرائيل” مباشرة بدون إشعال فتيل حرب شاملة. أرادت أن تخبر “إسرائيل” بأن بإمكانها أن تضربها، وأرادت أن تخبر الولايات المتحدة بأن إيران قوة في الخليج الفارسي، وأنها موجودة لتبقى، وأنها هي من يتحكم بمضيق هرمز. وأرادت إخبار كل واحد من الأنظمة العربية التي تتزلف “إسرائيل” بأن نفس الشيء يمكن أن يحصل لها.
حفنة فقط من الصواريخ وصلت إلى أهدافها، ولكن كل واحدة من الرسائل التي حملتها وصلت. وبذلك فقد كان الهجوم نجاحاً استراتيجياً وانتكاساً لسمعة “إسرائيل” بوصفها الولد المتنمر الرئيس داخل المجمع.
بدأ إيصال هذه الرسائل المتعددة باستيلاء حرس الثورة الإسلامية في ايران على سفينة إم إس سي إيريز التي ترفع العلم البرتغالي، والتي – بحسب ما قالت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) – تدار من قبل شركة يرأس مجلس إدارتها الملياردير المولود في “إسرائيل” إيال أوفر.
ثم أطلقت أسراباً من المسيرات “الرخيصة” باتجاه “إسرائيل” وأخبرت الجميع بأن لديهم 8 ساعات للاستعداد. وتكبدت “إسرائيل” ما يزيد على المليار دولار فقط لتشغيل أنظمة دفاعها الجوية، بحسب ما ذكره لشبكة واي نيت اللواء ريم أمينوآتش، لربما كان ذلك هو الجزء الأصغر من الفاتورة.
بالمقابل استخدمت إيران 170 مسيرة “رخيصة”، بينما أسقطت “إسرائيل” 25 من أصل 30 صاروخا انسيابيا (كروز)، كانت عبارة عن طُعم. أما الأسلحة فكانت صواريخ باليستية، عدد صغير منها تمكن من اختراق الدفاعات الإسرائيلية وأصاب قاعدة نيفاتيم الجوية في جنوب “إسرائيل”.
قال المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري إن تلك الصواريخ تسببت في أضرار بنيوية خفيفة. وهو ما لن نعرفه بتاتاً، وإن كنا نعرف أن الرسالة وصلت إلى “إسرائيل” بأن إيران لديها القدرة على ضربها وعلى ضرب أهداف عن بعد، بدون الحاجة إلى استخدام حزب الله أو أنصار الله في اليمن أو حلفائها في العراق.
كانت الأسلحة المستخدمة عينة مجانية عن ما لديها من قوة نارية حقيقية. ولذلك بادرت إيران بعد الضربة بتحذير الولايات المتحدة من أنه فيما لو ردت “إسرائيل” بالمثل، فإن قواعدها عبر المياه في الخليج الفارسي وفي أنحاء العراق سوف تصبح أهدافاً كما حدث بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في عام 2020.
إن الرسالة الموجهة إلى الولايات المتحدة على نفس القدر من القوة، ومفادها أن إيران مستعدة لمهاجمة “إسرائيل” بالصواريخ البالستية في تحد للغرب، وفي تحذير مباشر لبايدن، وأن بإمكانهم أن يفعلوا نفس الشيء ضد أي حليف للولايات المتحدة في منطقة الخليج الفارسي. لا تريد إيران الحرب، ولكن لديها القدرة على الرد.
فإذا كانت لا تريد الحرب، فإن الرسالة إلى الولايات المتحدة هي أن عليها أن تلجم طفلها المراهق والعنيد، “إسرائيل”، ذلك الطفل المدلل، الذي أفسده دلال والده له، حتى بات يظن أن بإمكانه أن يفعل في المنطقة ما يحلو له.
بات نتنياهو الآن في حيرة من أمره. بإمكانه أن يختار إرضاء اليمين المتطرف وتوجيه ضربة مضادة “ساحقة” لإيران، ولكنه لن يحظى في ذلك بمساعدة الولايات المتحدة. وإذا لم يتحقق له ذلك، فقد يجد المجال الجوي بين تل أبيب وطهران أشد صعوبة.
فيما لو هاجم نتنياهو إيران، فإن علاقته المهتزة مع الولايات المتحدة سوف تتجه من سيء إلى أسوأ. كما أنه سوف يشن هجوماً كبيراً تعترض عليه المؤسستان الدفاعية والأمنية، واللتان حالتا بينه وبين فعل شيء مشابه في عام 2010.
وإذا لم يفعل شيئا، فإنه سيبدو أضعف مما هو عليه الآن، وبذلك يتكبد خسارة لصالح زعيم المعارضة بيني غانتز، رغم أنه شريكه في وزارة الحرب، والذي تحدث يوم الأحد عن هجوم دبلوماسي ضد طهران، وهي نفس الصيغة التي تستخدمها الدول العربية كلما لحقت بها “هزيمة ساحقة” من قبل “إسرائيل”.
تجد الولايات المتحدة للمرة الخامسة في ثلاثة عقود أن ركيزة رئيسية من ركائز السياسة الخارجية تنهار في يديها.
قرار الإطاحة بطالبان في أفغانستان، وغزو العراق، والإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، ومحاولة الإطاحة ببشار الأسد – جميع هذه الكوارث في السياسة الخارجية تتوجها الآن كارثة خامسة، ألا وهي قرار دعم الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة.
إلا أنها بالطبع لا تدرك بيسر حجم سوء التقدير الذي مارسته بدعمها لـ”إسرائيل” إلى أقصى درجة بعد هجوم السابع من أكتوبر من قبل حماس. ولكنها أيضاً استغرقت زمناً طويلاً إلى أن أدركت حجم الخطيئة التي ارتكبتها بغزوها للعراق.
لقد ذكّرت شهادة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أمام الكونغرس بأن الولايات المتحدة ليس لديها دليل على أن “إسرائيل” ارتكبت إبادة جماعية في غزة بخطاب كولن باول الذي قال فيه إن لديه دليلاً يثبت حيازة صدام حسين لأسلحة دمار شامل. كان خطاب باول في عام 2003 لحظة مؤثرة أفقدت الولايات المتحدة مصداقيتها على المستوى الدولي. ولم تزل تغرق أكثر فأكثر، وبسرعة أكبر، منذ ذلك الحين.
ندم باول فيما بعد عن ما قاله، ولا مفر من أن أوستن سيفعل نفس الشيء في يوم ما.
والآن، قادت “إسرائيل” داعميها إلى جحر الجحيم، حيث لا سلام، ولا أفق للسلام حتى، ولا هزيمة لحماس، ولا أفق لحكومة ما بعد الحرب، وحيث يتراجع الردع في وجه كل الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة، وحيث يتزايد احتمال اندلاع حرب إقليمية متدنية المستوى على كل الجبهات مع “إسرائيل”، وبشكل متزامن.
ولربما كان أغبى شيء فعلته المصادر الأمنية الإسرائيلية يوم الأحد هو التبجح علانية بما حصلوا عليه من تعاون من قبل سلاح الجو الأردني، الذي ساعدهم في إسقاط المسيرات والصواريخ الانسيابية.
تبجحت المصادر الإسرائيلية بأن الصواريخ المتجهة نحو القدس اعترضها الجانب الأردني من وادي الأردن بينما تم اعتراض صواريخ أخرى قريباً من الحدود مع سوريا.
والرسالة التي أراد الكيان الإسرائيلي توجيهها هو أنه على الرغم من المظاهر، فإن لدى “إسرائيل” حلفاء في المنطقة على استعداد للدفاع عنها.
إلا أن هذه لعبة حمقاء تخوض فيها “إسرائيل” لو كانت تريد بالفعل الإبقاء على النظام الملكي الأردني الهش، والذي يجابه الآن طوفاناً من الرأي العام الذي يريد اجتياح الحدود.
صحيح أن الأردن كان يتعامل بوجهين في الماضي، وأن الملك حسين قام بالفعل بتسريب معلومات استخباراتية إلى صديقه الذي كان يستمتع معه بتدخين السيجار، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين.
ولكن هذه المرة الأولى التي أتذكر أن الجيش الأردني، والذي ما زال يحتفظ بنفس الاسم منذ زمن التحرر من الإمبراطورية العثمانية، الجيش العربي، انضم فعلياً إلى القتال لحماية الحدود الإسرائيلية.
لقد أثبتت إيران ما كانت تريد، ونتيجة لذلك فقد غدت “إسرائيل” أضعف من أي وقت مضى.
هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها “إسرائيل” لهجوم مباشر من قبل إيران، والتي – مثلها مثل حماس – كانت تعطي انطباعاً بأنها لا تريد الحرب. كما أنها المرة الأولى التي ينهى فيها بايدن “إسرائيل” عن الرد. ولذلك تبدو الأمور بعد هذا الهجوم غاية في السوء: تحتاج “إسرائيل” إلى الآخرين ليدافعوا عنها، بينما لا تملك حرية اختيار كيفية الرد على من يهاجمها.
كما ترك الهجوم حاميها، الولايات المتحدة، في حالة من الحيرة بحثاً عن خياراته.
الأمر برمته، في هذه اللحظة، لا يبشر “إسرائيل” بخير.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir
بتاريخ:2024-04-17 01:04:03
الكاتب: