ورقة قانونية | استهداف المراكز الصحية جريمة حرب موصوفة.. أي قوانين تحمي الأطقم الطبية؟؟

الهيئة الصحية الاسلامية

<

p style=”text-align: justify”>حوّل الكيان الصهيوني المستشفيات والبنية الصحية في لبنان إلى بنك أهداف بعد ان أعلن عن ذلك صراحة مدعيا انها مراكز ومنشآت تستخدم لاهداف عسكرية، فحاصرها وقصفها واستهدف طواقمها الطبية والمدنيين الذين لجؤوا إليها، وكل هذا تحت ذريعة وجود أهداف عسكرية ومراكز قيادة للمقاومة تحت هذه المستشفيات.

يشير مصطلح “الوحدات الطبية” إلى المنشآت وغيرها من الوحدات، عسكرية كانت أم مدنية، التي تم تنظيمها للأغراض الطبية، أكانت ثابتة أم متحركة، ودائمة أم مؤقتة.

ويشمل المصطلح، على سبيل المثال، المستشفيات وغيرها من الوحدات المشابهة، ومراكز نقل الدم، ومراكز ومعاهد الطب الوقائي، والمستودعات الطبية، والمخازن الطبية والصيدلية لهذه الوحدات.

ويستند هذا التعريف إلى المادة 19 من اتفاقية جنيف الأولى والمادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة، ويرد في المادة 8 (هـ) من البروتوكول الإضافي الأول. ورغم عجز الكيان عن إثبات أي من ادعاءاته، فإنه ما زال مصرا على تدمير البنية الصحية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وصولا الى مشارف العاصمة بيروت، فقد استهدف على سبيل المثال لا الحصر مستشفى صلاح غندور بشكل مباشر بعد تهديده للاطقم الطبية واجبارهم على الخروج من المشفى، كما مستشفى مرجعيون الذي خرج من الخدمة بسبب القصف المباشر، إضافة الى مراكز الهيئة الصحية وسيارات الاسعاف والمسعفين في الميدان الذين استهدفوا بشكل مباشر، أمام صمت العالم والمؤسسات الدولية.

ليبقى السؤال ماذا يقول القانون الدولي عن استهداف المستشفيات خلال الحروب؟ وما الاتفاقيات الدولية التي تحمي المستشفيات الصحية؟ وما العقوبات التي قد تطال مرتكبي الاعتداءات على المستشفيات؟ إنّ القانون الدولي الإنساني يوفر حماية عامة وخاصة للمواقع المدنية وذلك في اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977)، واتفاقية لاهاي (1954). وتشمل المواقع المدنية كلا من المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة وغيرها من المنشآت المحمية بموجب القانون.

في هذا الاطار علينا الاشارة إلى:
1- الاتفاقيات والقوانين التي تستوجب حماية المنشآت الطبية وأطقمها.
2- القانون الدولي الانساني العرفي وضرورة حماية المنشآت الطبية وطواقمها.
3- افتراض وجود هدف عسكري داخل المستشفيات لا يبرر استهدافها.
4- تصنيف استهداف المستشفيات كجريمة حرب
5- ضرورة ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم في المحاكم الدولية

الاتفاقيات الدولية والقوانين التي تحمي المستشفيات خلال فترات الحروب

ينص القانون الدولي الانساني على قواعد تحمي الحصول على خدمات الرعاية الصحية في أوقات النزاعات المسلحة. وتلزم هذه القواعد الدول والجماعات المسلحة من غير الدول. وتعتبر المستشفيات والمرافق الصحية، أماكن مدنية ولها حماية خاصة في القانون الدولي الإنساني أو “قانون الحرب”، وحسب القانون الدولي، فإن هذه المستشفيات يجب أن يتم احترامها وحمايتها وعدم استهدافها تحت أي ظرف من الظروف. وحسب اتفاقية جنيف الرابعة التي تغطي كيفية حماية المدنيين خلال فترة الحروب، فإنها توسع مفهوم المرافق الطبية لتطال كل البنايات التي يوجد فيها مصابون أو مرضى، وتتم العناية بهم، وليس فقط المستشفيات:

• حسب المادة 18 من هذه الاتفاقية، فإنها تنص على أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والأمهات هدفا للهجوم، بل يجب على أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات”.
• حسب الاتفاقية نفسها، فإن أي خرق لحماية هذه المؤسسات الصحية، من خلال هجمات تؤدي لمفاقمة معاناة الموجودين في هذه المؤسسات، أو تتسبب في إصابتهم أو جرحهم تعتبر خرقا خطيرا للقانون الدولي أو جريمة حرب، ويمكن أن تؤدي بمن يقترفها إلى مواجهة تهم جنائية حسب القانون الدولي.
• حسب البروتوكولات الإضافية لاتفاقية جنيف سنة 1977، فهناك بنود تنص على حماية المستشفيات، حيث تنص المادة 12 على أن “الوحدات الطبية يجب أن تكون محمية، ويتم احترامها في جميع الأوقات، ولا يمكن استهدافها تحت أي ظرف”.
• حسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المادة 8 منها تنص على “الهجوم المتعمد ضد مستشفيات وأماكن يوجد فيها أشخاص مرضى وجرحى، ولا يوجد دليل أنها أهداف عسكرية يعتبر جريمة حرب”.

القانون الدولي الانساني العرفي وضرورة حماية المنشآت الطبية وطواقمها

تشير المادة 28 من موسوعة القانون الدولي الانساني العرفي الى أنه” يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الوحدات الطبية المخصّصة لأغراض طبية دون غيرها، وتفقد هذه الحماية إذا استخدمت لارتكاب أعمال ضارة بالعدو وتخرج عن نطاق وظيفتها الإنسانية.”

تعود هذه القاعدة إلى الحماية الممنوحة “للمستشفيات والأماكن التي يجمع فيها المرضى والجرحى” في لائحة لاهاي (لائحة لاهاي للعامين 1899 و1907، المادة 27). وترد في اتفاقيتي جنيف الأولى والرابعة( اتفاقية جنيف الأولى، المادة 19)، وتوسّع نطاقها في البروتوكول الإضافي الأول لتغطي الوحدات الطبية المدنية إضافةً إلى الوحدات الطبية العسكرية، وفي كل الظروف.( البروتوكول الإضافي الأول، المادة 12 ). وتدعم ممارسة الدول هذا التوسّع بشكل كبير، إذ يشار عموماً إلى الوحدات الطبية دون تفرقة بين الوحدات العسكرية أو المدنية. كما تدعمها أيضاً دول ليست، أو لم تكن في حينه، أطرافاً في البروتوكول الأول.وبمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُشكّل تعمّد توجيه هجمات ضد “المستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شريطة ألّا تكون أهدافاً عسكرية” وضد “الوحدات الطبية… من مستعملي الشعارات المميّزة المبيّنة في اتفاقيات جنيف طبقاً للقانون الدولي” جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية(النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (ب) .(9″)

تتضمّن ممارسة الدول التفسيرات التالية لمعنى عبارة “الاحترام والحماية”. فوفقاً لكتيّبات الدليل العسكري لألمانيا، تعني هذه العبارة وجوب عدم مهاجمة الوحدات الطبية، ووجوب تأمين استمرارية خدماتها دون أية عراقيل. ويتضمّن الدليل العسكري الأساسي لسويسرا رأياً مماثلاً، إذ ينصّ على “وجوب عدم مهاجمة الوحدات الطبية، وعدم إلحاق أي ضرر بها، وعدم إعاقة عملها، حتى وإن كانت خالية، في حينه، من الجرحى والمرضى”. وعلى نحو مماثل، يذكر دليل قائد القوات الجوية الأمريكية وجوب “ألّا يُتعمّد الهجوم على الوحدات الطبية، أو إطلاق النار عليها، أو منعها دون ضرورة من القيام بواجباتها الطبية”.

افتراض وجود هدف عسكري داخل المستشفيات لا يبرر استهدافها

تصبح المستشفيات والوحدات الصحية خارج حماية القانون الدولي فقط “إذا تم استخدامها خارج وظيفتها الإنسانية واستعمالها لاستهداف العدو” وذلك حسب المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة وحسب المادة 13 من البروتوكولات الإضافية لاتفاقية جنيف، ويشمل هذا الأمر “استخدام المستشفى كمأوى للمقاتلين أو الهاربين، أو كمخزن للأسلحة أو الذخيرة”. ومع ذلك، حتى لو استخدمت القوات المسلحة المستشفيات بشكل غير قانوني لإخفاء المقاتلين أو تخزين الأسلحة، فيجب على أي جيش مهاجم أن يصدر تحذيرا مباشرا للمقاتلين، مما يتيح لهم الوقت الكافي للامتثال لوضع حد لأي سوء استخدام، إذا كان هناك أي شك وعدم يقين لدى الجيش المهاجم، فلا يجوز مهاجمة المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى.

ولا يمكن لأي طرف أن يجبر مستشفى بأكمله يعالج المرضى والجرحى على الإخلاء، ولا يُسمح لأي طرف بالهجوم إلا بعد عدم الاستجابة للتحذير. كما يتعين عليهم إثبات أن المقاتلين كانوا لا يزالون موجودين داخل المستشفى قبل أي هجوم، يجب أن يتوافق أي هجوم مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني المتمثلة في التناسب والتمييز والحذر.

بالتأكيد أن كل محاولات الكيان التضليل والتزييف والكذب وادعاءاته بتواجد مقاتلين داخل مراكز الهيئة الصحية ومرافقها هو مدعى للاستغراب والاستهجان، ولا يمكن ان يصدق ولا يوجد اي دليل واقعي ملموس عليه. لذلك حتى على فرض استخدمت هذه المرافق لنقل أو استقبال جرحى من المقاتلين فهذا لا يسمح للعدو باستهدافهم لانهم موجودين في مرافق مدنية ولانهم كجرحى اصبحوا يتمتعون بحصانة مدنية، فهم لا يحملون سلاحا ولا يقاتلون.

إنّ التناسب يعني أن أي خسارة في أرواح المدنيين يجب أن تكون متناسبة مع الميزة العسكرية المكتسبة. فالهجمات التي تكون فيها الخسائر في أرواح المدنيين وممتلكاتهم مفرطة مقارنة بالمكاسب العسكرية الملموسة والمباشرة هي هجمات غير متناسبة، وتصبح المخاوف بشأن الهجمات غير المتناسبة أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالمستشفيات، لأنها مليئة بالأشخاص الضعفاء والمرضى والجرحى، وحتى الهجوم البسيط يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على حياة المرضى أو موتهم. أما التمييز، فيعني أنه يجب على أطراف النزاع في جميع الأوقات التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية. ولا يجوز توجيه الهجمات إلا ضد الأهداف العسكرية.

تصنيف استهداف المستشفيات كجريمة حرب

هي جريمة حرب حسب المادة 8 من نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية لسنة 1998، والذي وضع لائحة بجرائم الحرب، ومنها “الاستهداف المتعمد والمباشر للمستشفيات والأماكن التي يتجمع فيها أشخاص مرضى أو الجرحى، والتي لا يوجد فيها أي هدف عسكري”.

ضرورة ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم في المحاكم الدولية

يمكن ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم في المحكمة الجنائية الدولية، ويمكن محاكمة قادة هذه الهجمات، أو من أمر بتنفيذها إذا توفرت أدلة واضحة على استهداف المستشفيات بشكل متعمد وهي خالية من أي هدف عسكري، وقد فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا في الوضع في فلسطين عام 2021، ولها ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية -غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية- منذ 13 يونيو/حزيران 2014.

وعليه بالامكان للبنان حكومة ومنظمات وجمعيات انسانية وحقوقية التوجه في هذا المسار وذلك بجمع الدلائل والقرائن والشهادات الحية للضحايا (من الاطقم الطبية والهيئات الصحية) ومراكز الايواء الصحية لتكون ادعاء متكامل الاطراف يدين هذا العدو وانتهاكاته الجسيمة في حق المدنيين والمنشآت المدنية.

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.almanar.com.lb
بتاريخ:2024-10-05 18:26:46
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version