صحافة

إلّا أنت، لم أحسن القول فيك!

كتبت سلام المقداد بمناسبة الذكرى الثالثة لاستشهاد الشهيد الحاج قاسم سليماني

إلّا أنت، لم أحسن القول فيك! وكأنّك قبل رحيلك جمعت كلّ الحروف وخبّأتها في جيب ثوبك التّرابيّ بلون روحك الّتي ما أنست بغير التراب..

وكأنّك منذ سنين مضت عَصرت المعاني وعتّقتها في ذينك الحقّين الكريمين ففاضت لآلئ من عشقٍ على وجنتيك تصاحب اختناق كلماتك كلّما تحدّثت عمّن سبقوك إلى حلم العمر..
وكأنّ فيض صورك المتلاحقة على عيني، وعلى جرح قلبي الطريّ منذ تلك اللّيلة الكئيبة، قد أبكم الألسنة والأقلام ولم يُبقِ على لغةٍ سوى ما يخطّه ماء العيون، وإلّا فما سرّ هذا الغيث الهاطل لمرآك حتّى ممّن لم يعتَدْ سخاء الدّمع؟ .
أتأمّل سيل صورك العارم على حياة واحدة، صورٌ في زيّ الكادحين، بمنديل قد عُقِد حول رأسك كما الصّنّاع والفلاّحين.

وأيّ صانع! تصنع للمشرّدين والمقهورين أثواب عزّ وتطرّزها بأغلى سنيّ عمرك. وأي فلاح! تفلح الصّلد فيزهر نصراً وتبذر جدب الأرض فتُنبِت حريّة..
أتأمل صورك اللّاحقة.. بكتفين قد تراخيا حدّ الانحناء..بيدين على الخصر تسندان ظهرك وقد أثقلته آلام الموجوعين إذ حملتها حبّاً ورضا تحت أنظار السّنين.

أغرق في لجّة الصّور، أبصرها تهزأ بكلّ ما قيل وكُتب في قوانين الحرب و هندام القادة وأوهام الهيبة ولوازم السّلطة.
ترى ما سرّك أيها الطيف الهارب من أساطير الحرب والحبّ؟.

لعلّك استشهدت منذ زمن.. لعلّك رحلت مع رفاقك في تلك الحرب الأولى. لعلّ ما كان بيننا هو فيض وهج الشّهيد، وإلّا فما سرّ كلّ هذا الألق؟.

ترضيني هذه الفكرة، تجيب الكثير من الأسئلة. كيف كنت تتواجد دوماً حيثما احتاجتك المواقف، كيف كنت تضحك كثيراً من اقتراحات المناصب، كيف كنت رسول الشّهداء إلى ذويهم كلّما برّح بهم الشّوق واستشعروا الحاجة إلى الطمأنينة؟ كيف وكيف وكيف؟؟ قصصٌ لا تنتهي..

يرضيني هذا التّفسير! يشرح اتّساع حيّز تواجدك في نواحي هذه الأرض المكلومة واتّساع صدرك حتّى لصغائر أوجاع المقهورين من بنيها، يفسّر كونك كتيبة في رجل! كتيبة من الشّهداء في رجل!

لعلّك كنت وديعة الكتيبة فينا كي لا يبرّح بنا قهرُ الزّمن.  لعلّهم اختاروك لنا: أشجعهم.. أصبرهم.. أجملهم ..أكملهم.. أحلمهم.. سمحوا لنا بك ردحاً من الزّمن..  أودعوك فينا وتداً تشدّ بحنوّ يديك أركان بلادنا المشرذمة وتضمّ في فيء جفنيك آلام مستضعفيها وأحلامهم.

وحين تشرذمت أشلاؤك في تلك اللّيلة المشؤومة كادت الأرض تميد بنا.. كم هو قاسٍ صقيع الفقد بعدك! وكم غدا عظيماً خوفنا على من بقي لنا.. يعزّينا فقط أنّك وافيت أخيراً استراحتك، التحقت بأحبّة اشتقتهم واشتاقوك. يعزّينا فقط أنّك حقّقت حلم العمر ولو بعد حين.

تبقى صورة واحدة.. حين يتملّكني التفكير في سرّك، يتراءى لي رجلٌ وسط الصّحراء قد خرج للتوّ من معركة هزم فيها الوحش الكونيّ، وقد جلس القرفصاء يتوضّأ للصّلاة من قربة ماء شربه.. يومها طال النّقاش وقالوا لي في ما قالوا : “هو فقط جزء من شخصيّته، شيء إلى جانب شيء.”
أمّا أنا فأصررت: بل هو والله كل شيء!

 

المصدر
الكاتب:
الموقع : almanar.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-01-03 15:37:55
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى