تركيا تريد نقل المواجهة الى البيت الأبيض من اجل لجم إسرائيل

هآرتس 7/4/2025، تسفي برئيل: تركيا تريد نقل المواجهة الى البيت الأبيض من اجل لجم إسرائيل
“نحن لا نريد رؤية مواجهة مع إسرائيل في سوريا، لأن سوريا هي للسوريين”، هذا ما قاله وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في مؤتمر صحفي اجراه في يوم الجمعة الماضي. هذا كان تصريح تركي رسمي أول بعد سلسلة من القصف الذي نفذته إسرائيل في الأسابيع الأخيرة في مطارات ومنشآت أخرى في سوريا، الذي أدى الى تدمير شبه مطلق للمطار الكبير “تي 4” في حمص، ومطار قرب حماة، ومركز أبحاث في برزة قرب دمشق.
حسب المركز السوري لحقوق الانسان، الذي مقره في لندن، فان إسرائيل قامت بتنفيذ اكثر من 500 هجوم في سوريا منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول. في بعض الحالات تمت مهاجمة نفس الأهداف عدة مرات. هدف إسرائيل العلني هو تدمير بقايا التسليح والمعدات العسكرية التي بقيت في سوريا، وبالاساس الاضرار بالقدرة المستقبلية على تشكيل جيش جديد في سوريا، الإمكانية التي يمكن أن تكون موجهة ضد إسرائيل مثل الصواريخ والطائرات ومراكز انتاج لمواد كيميائية، مثلا، المركز في برزة الذي تم تدميره في العام 2018. وزير الخارجية التركي تطرق الى هذه القضية لأن ما ظهر وكأنه تحرك عسكري تكتيكي، الذي يهدف الى تدمير القدرات، تطور الى صراع بين إسرائيل وتركيا على السيطرة، الامر الذي يمكن أن يتدهور ويصبح مواجهة عسكرية أولى بين الدولتين.
تركيا ساعدت عسكريا وسياسيا احمد الشرع ومليشيا هيئة تحرير الشام على اسقاط الأسد. وهي كانت الدولة الأولى التي اعترفت بالنظام الجديد والشخصيات الرفيعة فيها، بما في ذلك فيدان ورئيس المخابرات في تركيا إبراهيم كالين، وصلت الى دمشق بعد فترة قصيرة على استيلاء الشرع على الحكم ووضعوا انفسهم لخدمته. صحيح أن تركيا ليست الدولة الوحيدة المؤيدة للشرع. فالسعودية سارعت أيضا الى عرض مساعدات سخية لاعادة الاعمار، أيضا قطر واتحاد الامارات والاتحاد الأوروبي والإدارة الامريكية، في أواخر رئاسة بايدن، الذي وافق على تجميد بعض العقوبات لنصف سنة.
لكن بين النظام الجديد في سوريا وتركيا نشأت شبكة علاقات خاصة وطيدة، ليس فقط بسبب المساعدات الكبيرة والتقارب بين النظامين، بل طموح تركيا الفوري الى ابعاد “قوات سوريا الديمقراطية”، الذراع العسكري في إدارة الحكم الذاتي الكردي، التي تسيطر على عدة محافظات في شمال سوريا على طول الحدود مع تركيا. انقرة تعتبرها منظمة إرهابية تتعاون مع حزب العمال الكردستاني “بي.كي.كي”، الذي تجري تركيا ضده حرب دموية منذ أربعين سنة تقريبا. ولكن اذا كانت تركيا اكتفت حتى سقوط الأسد باحتلال مناطق في سوريا وخلق جيوب تسيطر عليها مليشيات تمولها وتدربها، فانه بعد سقوط الأسد سنحت بالنسبة لها فرصة تحويل سوريا الى دولة رعاية يمكن أن تخدم مصالح تركيا، إقليميا، اكثر من حماية الحدود، لأن من يؤثر على عملية اتخاذ القرارات في سوريا سيؤثر أيضا على العلاقات بين سوريا والعراق، وبينها وبين لبنان، ويمكنه توجيه تدخل الدول العظمى في سوريا، وهكذا زيادة مكانته امامها. هذا الآن هو الموقف القوي لتركيا في سوريا.
في فترة حكم الأسد اقترح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على الرئيس جو بايدن خدماته وكأنه يعمل ضد داعش في سوريا، شريطة أن تتوقف الولايات المتحدة عن دعم الاكراد وأن تقوم بسحب قواتها من سوريا. بايدن الذي كان يمقت اردوغان ولا يثق به، رفض هذا الاقتراح. نفس الاقتراح يمكن أن يغري ترامب الآن، الذي يعمل على تقليص تواجد القوات الامريكية في المنطقة. أيضا الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين القوات الكردية والنظام السوري، بدعم امريكي وتركي، والذي بحسبه هذه القوات ستندمج في الجيش السوري الجديد، يعطي تركيا أداة تأثير جديدة لم تكن موجودة في عهد الأسد.
أساس نفوذ تركيا تنوي تحقيقه من خلال بناء جيش سوري جديد إضافة الى المساعدات الاقتصادية السخية التي ستضع الأساس لاعادة الاعمار، الذي ستنفذ جزء رئيسي فيه شركات تركية. تركيا تعرض الخطة كجزء لا يتجزأ من محاربة الإرهاب، لا سيما ضد داعش، وهذا ادعاء يخدم بشكل جيد من يضعون السياسة الامريكية. حسب تفسير تركيا، إقامة جيش سوري جديد يمكنه العمل باستقلالية ضد “القوات المعادية” هي عملية ستستغرق وقت، وحتى ذلك الحين مهم أن يكون تواجد عسكري تركي لمساعدة النظام على الصمود امام هذه التحديات.
تركيا بدأت في فحص مواقع وقواعد يمكن أن تكون مناسبة لهذا التمركز، وضمن أمور أخرى قامت بفحص قواعد سلاح الجو التي قامت إسرائيل بمهاجمتها. حتى أن وفد عسكري تركي خطط لزيارة قاعدة “تي 4” في 25 آذار الماضي، لكن هجوم إسرائيل وتدمير القاعدة عمل على تأجيل هذه الزيارة في هذه الاثناء.
إقامة جيش سوري جديد، مزود ومدرب جيدا، هي مشروع معقد وبعيد المدى وباهظ الثمن، الذي اذا ادارته تركيا فسيعطيها مكانة تشبه مكانة الولايات المتحدة أمام إسرائيل. طموح الشرع لاقامة جيش بحجم 350 ألف جندي، سيلزمه بالتقرير أي سلاح سيتم تزويد الجيش به، وهل سيكون سلاح غربي أو صيني، وماذا ستكون نظرية القتال، ومن وكيف سيحدد أعداء الدولة، ومن هنا أيضا أين ستتموضع سوريا على الخارطة الاستراتيجية الإقليمية، وهل ستكون “حيادية” أو مؤيدة للغرب. هذه القرارات ثقيلة الوزن يتوقع أن تلعب تركيا دور رئيسي، وهي الآن تطرح على واشنطن افضليتها، البارز في ذلك عضويتها في الناتو.
أي أنه بعد الفترة التي سيطرت فيها ايران وروسيا فمن الأفضل للغرب أن تكون دولة عضوة في الناتو هي صاحبة البيت وتضمن مصالح الغرب. ولكن هذا المبرر يقتضي اقناع الناتو بأن تدخله في سوريا لن يجره الى مواجهات في مناطق خطيرة لا توجد له فيها أي مصالح. هذا بالذات في الوقت الذي مطلوب فيه من الناتو أن يفحص موقفه في مواجهة التهديد الروسي وإزاء تنكر ترامب له.
على هذه الخلفية فان تهدئة فيدان، التي بحسبها هو لا يريد رؤية مواجهة مع إسرائيل، تستهدف بالأساس أذن ترامب ورؤساء الناتو، وبدرجة لا تقل عن ذلك زعماء الدول العربية، لا سيما دول الخليج التي تعتبر نفسها شريكة محتملة في إعادة اعمار سوريا. ورغم توطيد العلاقات بينها وبين تركيا في السنتين الأخيرتين فان سيطرة تركيا على دولة عربية ليست بالضبط هو ما تطمح اليه. توجد لتركيا أيضا مصلحة ملموسة فورية لتهدئة أجواء المواجهة المحتدمة مع إسرائيل. من اجل البدء في إعادة الاعمار وبناء الجيش فانه من الحيوي انهاء، بشكل كامل، العقوبات الامريكية. وطالما أنها سارية المفعول فانه تقريبا من غير المحتمل اجراء منظومة نقل أموال قانونية، وسوريا لن تتمكن من الحصول على القروض أو شراء السلاح من فوق الرفوف.
هذا سيكون الموضوع الرئيسي الذي ينوي اردوغان مناقشته مع ترامب في اللقاء المتوقع بينهما في هذا الشهر. واشنطن تميل مبدئيا الى رفع العقوبات، ولكنها وضعت ستة شروط تشمل مكابحة الإرهاب وقمعه بشكل كامل، ابعاد رجال المليشيات الأجنبية عن مناصب رفيعة في الحكومة السورية، ابعاد ايران عن التدخل، تدمير الترسانة الكيميائية بشكل مؤكد، إعادة المخطوفين والأسرى الأمريكيين وضمان أمن وحقوق الأقليات في سوريا. بعض هذه الشروط تمت صياغتها بدقة بحيث تمكن من الرقابة والتحقيق، مثل تدمير السلاح الكيميائي أو ابعاد الأجانب، بما في ذلك الجهاديين من الشيشان وتركيا ومصر وغيرهم، الذين تم تعيينهم في مناصب رفيعة مقابل قتالهم ومساعدتهم في اسقاط نظام الأسد.
الصياغة العامة للشروط الأخرى مثل محاربة الإرهاب وضمان حقوق الأقليات تعطي هامش واسع للتفسير، بصورة تساعد تركيا على اقناع الإدارة الامريكية بأن تدخلها في سوريا هو فقط سيضمن تنفيذها.
تركيا يمكنها أن تضع أيضا شروط خاصة بها، ألمح اليها فيدان وتتناول التواجد الإسرائيلي في سوريا. “في الفترة الانتقالية تركيا لا تريد رؤية أن داعش أو حزب العمال الكردستاني يستغلان غياب تواجد قوات سورية نظامية ووجود قدرات سورية عسكرية. للأسف الشديد، إسرائيل تقوم بتحييد هذه القدرات واحدة تلو الأخرى، التي يمكن أن تستخدمها الدولة السورية الجديدة ضد داعش وتهديدات إرهابية أخرى”. تركيا لا تقصد فقط هجمات إسرائيل وتواجدها المادي، بل هي تطرح العلاقات التي تقيمها إسرائيل مع أبناء الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، وتصريحات الدعم للاكراد كتهديد لقدرة النظام على فرض سيادته في كل ارجاء الدولة ومكافحة الإرهاب بشكل ناجع. تركيا لا تريد مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وهي ستحاول نقل ساحة المواجهة السياسية بينها وبين إسرائيل الى البيت الأبيض. هناك، كما تقدر، توجد في يدها ورقة لعب افضل من التي توجد في يد إسرائيل.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-04-07 17:22:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>