اشترك في :

قناة واتس اب
العرب و العالم

تقریر؛كيف شكل التنوع العرقي والديني هوية سوريا

شفقنا- كانت سوريا على مر العصور نقطة تلاقي الحضارات والثقافات المختلفة، مما جعلها واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعاً من الناحية الطائفية والعرقية والثقافية.

تعتبر هذه الأرض واحدة من أقدم مراكز الاستيطان البشري في العالم، وقد شهدت العديد من الحضارات. بدأت هذه التحولات الثقافية والحضارية من ممالك سامية قديمة مثل إبلا وماري وأوغاريت، وتواصلت مع حكم الحيثيين والآراميين والآشوريين والبابليين والإيرانيين.

لاحقاً، وقعت سوريا تحت سيطرة الإسكندر الأكبر وخلفائه، ثم الإمبراطورية الرومانية وبيزنطة، حتى أسفرت سيطرة المسلمين على المنطقة عن إقامة الدولة الأموية التي اتخذت من دمشق عاصمة لها.

في العصر الحديث، حكم العثمانيون سوريا لمدة أربعة قرون حتى هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وتفكك مستعمراتها، حيث خضعت سوريا للانتداب الفرنسي حتى نالت استقلالها في عام 1946.

وبذلك، مرت سوريا بتاريخ طويل ومتعدد الثقافات.

في هذا التقرير، سنتناول الطوائف والمجموعات الدينية التي تقيم في سوريا والتي تشكل نسيج الهوية السورية، وسنتتبع مواقفهم تجاه الاحتجاجات السورية التي بدأت في عام 2011 ثم الحرب الأهلية وصولاً إلى سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من هذا العام.

الطوائف الدينية: حكم الأقلية على الأغلبية

تبلغ مساحة سوريا 185180 كيلومتر مربع، ويعيش في هذه المساحة العديد من المجتمعات الدينية المختلفة.

يشكل المسلمون السنة الغالبية العظمى من سكان هذا البلد. ورغم أن الإحصاءات الرسمية لا تتضمن توزيع السكان وفقاً للاعتقادات الدينية والعرقية، إلا أن تقرير “الحرية الدينية” الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2022 يشير إلى أن السنة يشكلون 74% من السكان، وهم من خلفيات عرقية متنوعة تشمل العرب والكرد والشيشانيين والتركمان والشركس.

يتوزع السنة في معظم المدن والقرى السورية، ويتركز وجودهم في دمشق وحلب وحمص.

في عام 2020، خلص مقال نشر في مجلة “أوريان 21” إلى أن الحرب الأهلية السورية قد غيرت التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، بحيث لم يعد العرب السنة يشكلون أكثر من نصف السكان.

وأوضح الكاتب بيير-إيف باي أن هذا التغيير كان نتيجة لجوء عدد كبير من العرب السنة إلى دول أخرى، بالإضافة إلى الصراع الطائفي الذي مارسه بشار الأسد ضد معارضيه.

من الصعب تحديد عدد السكان في سوريا منذ بداية الحرب التي استمرت 13 سنة، لكن البنك الدولي يقدر عدد السوريين في عام 2023 بحوالي 23 مليون نسمة.

كما يقدر مركز دراسات جوسور أن عدد سكان سوريا في عام 2023 بلغ حوالي 26 مليون نسمة، منهم حوالي 16 مليون داخل سوريا و9 ملايين في الخارج، مع الأخذ في الحسبان أن حوالي 897000 شخص هم من القتلى والمفقودين في الحرب.

ووفقاً لتقديرات وزارة الخارجية الأمريكية، يشكل العلويون والإسماعيليون والطوائف الشيعية الأخرى نحو 13% من السكان.

يعتبر العلويون أحد الطوائف الشيعية في الإسلام، ويعني اسم “علوي” اتباع علي بن أبي طالب، ابن عم وزوج النبي محمد. بحسب تقرير وكالة رويترز، يشكل العلويون في سوريا 10% من إجمالي السكان، وهم أكبر أقلية دينية في البلاد.

استقر العلويون في سوريا منذ القرن الثاني عشر، وتواجدهم بشكل رئيسي على السواحل السورية في مدينتي اللاذقية وطرطوس.

تاريخياً، كان العلويون يعتبرون من الفئات المهمشة في المجتمع السوري، ولكن الوضع تغير جذرياً مع وصول عائلة الأسد إلى السلطة. بعد انقلاب عام 1970 بقيادة حافظ الأسد، والد بشار الأسد، تم تثبيت سلطة العلويين في المؤسسات الحكومية والأمنية، وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الهيكل الحكومي.

سوريا أيضاً هي موطن مجتمع الإسماعيليين النزاريين، الذين يعتبرون أكبر مجموعة شيعية بعد الشيعة الإثني عشرية.

يبلغ عدد الإسماعيليين حوالي 250 ألف نسمة، أي نحو 1% من إجمالي السكان، ويعيشون بشكل رئيسي في مدينة سلمية في شرق حماة، وكذلك في العديد من القرى والبلدات حول حماة مثل مصياف وقدموس.

الدروز، الذين يعتقدون بوحدانية الله، يشكلون 3% من سكان سوريا، أي حوالي 700 ألف نسمة. يعتقد البعض أن الديانة الدرزية انفصلت عن الإسماعيلية في عهد الخلافة الفاطمية في القرن العاشر، بينما يرى آخرون أنها ديانة مستقلة. يعود تاريخ وجود الدروز في سوريا إلى حوالي ألف سنة، ولهم دور بارز في مقاومة الاستعمار الفرنسي في سوريا.

أغلب الدروز يعيشون في مدن السويداء، صلخد، شهبا، قري، جرامانا قرب دمشق، ومجدل شمس في هضبة الجولان المحتلة.

قبل عام 2011، كان يعيش في سوريا حوالي 2.2 مليون مسيحي، يشكلون نحو 10% من السكان. ومع بداية الحرب، فر العديد من المسيحيين، وتقدر منظمة “أوبن دورز” الأمريكية أن حوالي 638,000 مسيحي ما زالوا في سوريا، يشكلون نحو 3% من السكان. أغلب المسيحيين ما زالوا يعيشون في دمشق، حلب، حمص، حماة، اللاذقية، وبعض المناطق الأخرى.

يعيش المسيحيون في سوريا ضمن عدة طوائف مثل الأرثوذكس، الكاثوليك، والبروتستانت.

إلى جانب الطوائف المذكورة، يعيش في سوريا الأيزيديون، الذين يتواجدون بشكل رئيسي في الحسكة وريفها، حلب وضواحيها، وكذلك في مدينة عفرين. يتحدث الأيزيديون غالباً باللغة الكردية، ويقدر عددهم بنحو 2000 نسمة بعد أن كان عددهم قبل عام 2011 نحو 50-60 ألف نسمة.

دولة ذات تنوع عرقي واسع

لا يقتصر التنوع السكاني في سوريا على الطوائف الدينية فقط، بل يشمل أيضاً العديد من المجموعات العرقية مثل الأكراد، الأرمن، التركمان، الشركس وغيرهم.

يعتبر الأكراد، الذين يشكلون ثاني أكبر مجموعة عرقية بعد العرب، من بين أبرز الأقليات في سوريا. لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة عن عدد الأكراد، لكن معظم التقديرات، بما في ذلك تقرير مركز دراسات جوسور، تشير إلى أن عددهم يتراوح بين 2 إلى 3 مليون نسمة، ويعيشون أساساً في مناطق الحسكة، القامشلي، عين العرب، عفرين، وبعض أحياء دمشق وحلب.

لم تعترف الحكومات السورية المتعاقبة بالهوية الكردية، حيث كان محظوراً استخدام اللغة الكردية في المدارس والصحف والكتب. منذ الستينات، لم تمنح الحكومة السورية الجنسية لـ 300 ألف كردي، كما تمت مصادرة أراضي الأكراد ضمن سياسة “التعريب”.

معظم الأكراد في سوريا هم من المسلمين السنة، بينما يوجد عدد قليل منهم مسيحيون وأيزيديون.

يشكل الأرمن أيضاً جزءاً من التركيبة السكانية في سوريا. قدم الأرمن إلى سوريا في عام 1915 هرباً من المجازر التي ارتكبها الجيش العثماني بحقهم.

قبل عام 2011، كان عدد الأرمن في سوريا حوالي 100 ألف نسمة، حيث كان يعيش أكثر من 60,000 منهم في حلب، بينما كان الباقون يقطنون في مدن مثل كسب، القامشلي، يعقوبية، عين العرب، دير الزور ودمشق.

منذ عام 1928، كان للأرمن ممثلون في البرلمان السوري، وسوريا كانت ثاني دولة عربية بعد لبنان تعترف بالإبادة الجماعية للأرمن.

أثرت الحرب الداخلية على وجود الأرمن في سوريا، حيث بلغ عدد اللاجئين الأرمن السوريين في أرمينيا أكثر من 15,000 شخص في عام 2015.

دخل التركمان سوريا في القرن الحادي عشر، ويعيشون بشكل رئيسي في شمال البلاد، في منطقة جبال التركمان قرب الحدود التركية، وكذلك في حلب، إدلب، حمص، طرطوس ومنطقة دمشق.

لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد التركمان في سوريا، لكن تقديراتهم تتراوح بين 1.5 إلى 3.5 مليون نسمة. في عهد الأسد، تم منع التركمان من التحدث أو الكتابة باللغة التركمانية، ولم تعترف الحكومة بهويتهم.

الشركس، الذين يعود أصلهم إلى منطقة القوقاز، دخلوا سوريا في عام 1878، واستقروا في ثلاث مناطق رئيسية: محافظة القنيطرة (قبل الاحتلال الإسرائيلي للجولان)، منطقة حلب، دمشق وبعض القرى في الضواحي. الشركس هم من المسلمين السنة.

الطوائف والعرقيات بعد عام 2011

بدأت الثورة السورية بتظاهرات سلمية ضد بشار الأسد بسبب البطالة المرتفعة، الفساد، وفقدان الحريات السياسية.

كانت أولى التظاهرات في مدن ذات أغلبية سنية مثل درعا، حمص، وحماة، حيث شعر الكثير من سكانها أنهم يعيشون تحت نظام يعتمد بشكل كبير على دعم الأقليات، وأنهم مهمشون سياسياً واجتماعياً.

نتيجة لذلك، كانت مناطق الأغلبية السنية هي المهد الرئيسي لحركة المعارضة، ومع تصاعد العنف، تحولت هذه المناطق إلى مراكز رئيسية للصراع.

وبما أن بشار الأسد ينتمي إلى الطائفة العلوية، فإن الكثير من العلويين كانوا يدعمون النظام خوفاً من الانتقام الطائفي في حال سقوطه.

مع ذلك، بدأ الظهور تدريجياً أصوات معارضة داخل الطائفة العلوية، رغم أن هذا المعارض كان محدوداً مقارنةً بدعم الأغلبية للنظام.

اتخذ الأكراد موقفاً محايداً في بداية الثورة، ولم ينضموا إلى التمرد ضد النظام.

في منتصف عام 2012، انسحبت القوات الحكومية من المناطق الكردية لتركيز جهودها على محاربة المعارضة المسلحة في مناطق أخرى، ومن ثم تولى الأكراد السيطرة على هذه المناطق.

في عام 2014، أعلن الأكراد عن تشكيل حكومة محلية في مناطقهم، مؤكدين أنهم ليسوا انفصاليين وإنما يسعون فقط “لإدارة ديمقراطية لشؤونهم المحلية”.

كانت هناك تحفظات بين المسيحيين في الثورة، حيث كانوا خائفين من صعود الحركات الإسلامية المتطرفة التي قد تهدد وجودهم.

بينما فضل بعض المسيحيين دعم المعارضة، بقي العديد منهم محايدين أو دعموا نظام الأسد.

ذكرت صحيفة “تلغراف” البريطانية في عام 2012 أن “المجتمع المسيحي السوري حاول الحفاظ على حياديته، ولكن في حلب قرروا حماية الكنائس عن طريق تجنيد الكشافة، وعندما امتدت الحرب إلى المدينة وضواحيها، حملوا الأسلحة ووقفوا إلى جانب الجيش السوري”.

حاولت طائفة الدروز الحفاظ على حياد نسبي في الحرب.

رغم بعض الحركات ضد النظام في مدينة السويداء، فضل معظم الدروز تجنب المواجهة مع النظام وحافظوا على المسافة من الصراع العسكري في مناطقهم.

انضم التركمان إلى صفوف المعارضة، وشكلوا مجموعة مسلحة كانت تقاتل ضد الجيش السوري وتنظيم داعش.

بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أسفرت الحرب التي استمرت 13 عاماً عن مقتل 600,000 شخص على الأقل، وترك الملايين وطنهم بسبب ما وصفته وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بأكبر أزمة لاجئين في العصر الحديث.

النهایة

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.shafaqna.com
بتاريخ:2024-12-23 20:05:00
الكاتب:Shafaqna1
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

/a>

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى