معالجة ركام الحرب: إعادة التدوير لخفض كلفة الإعمار
بخطوات ثقيلة يسير ملف إعادة الإعمار بعد الحرب، فظروف البلد ليست بأفضل حال على المستوى السياسي والاقتصادي، لكن ذلك لا يعفي من ضرورة التحرّك سريعاً لإزالة ركام الأبنية المدمّرة. وفي حين لا تزال آلية إزالة الردم وتجميعه والاستفادة منه غير واضحة، إلاّ أن لجنة الطوارىء الحكومية حدّدت، بالتعاون مع وزارة البيئة، بعض الأماكن التي سيُجمَع فيها الركام، تمهيداً لفرزه ومعالجته والاستفادة منه في إعادة الإعمار. والمعالجة العلمية الصحيحة للركام تتيح التخفيف من آثاره السلبية على البيئة وصحة الإنسان وتخفِّف كلفة إعادة الإعمار، سيّما وأن التقديرات تشير إلى إمكانية إعادة تدوير الجزء الأكبر من الركام. فهل تسير العملية بشكلها الصحيح وفق التصوّرات العلمية أم تخرقها التجاوزات على أرض الواقع؟.
حجم الركام وإدارته
بانتظار حسم قرار إعادة الإعمار وتأمين تمويله، تعمل وزارة البيئة على تحديد حجم الركام وطريقة تجميعه وفرزه، وذلك “بالتعاون مع خلية الأزمة في الأمم المتحدة وخبراء من كلية الهندسة في الجامعة الأميركية”، وفق ما يقوله مستشار وزير البيئة والأستاذ المشارك في دائرة الصحة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت ومستشار التعافي الأخضر في البنك الدولي، حسن دهيني، الذي يشير أيضاً في حديث لـ”المدن” إلى أن التقديرات الأوّلية لحجم الركام “تتراوح بين 50 إلى 100 مليون متر مكعب، وهو ما يمثِّل كمية أكبر بـ5 إلى 10 مرات حجم الركام الناتج عن حرب تموز 2006. وهذا تقدير أوّلي للحجم، ومن الممكن أن يكون أكبر بعد عملية المسح التي ستجري بواسطة الأقمار الاصطناعية”.
تحديد حجم الركام يحيل إلى الخطوة الأخرى المرتبطة بإدارته، أي أولاّ تحديد المواقع التي سيتم جمعها فيها تحضيراً للخطوة التالية. وبحسب دهيني، فإن الخطوة التالية ستكون عملية الفرز لإعادة التدوير التي تشكِّل نقطة محورية بالنسبة لدهيني، كونها حاسمة في عملية الاستفادة من الركام بالطريقة الصحيحة. والمدخل الأوّلي لإدارة الركام هو “التجميع في المواقع المؤقّتة”، ولا يخفي دهيني التدرّج في صعوبات إيجاد المواقع بحسب طبيعة كل منطقة، ويلفت النظر إلى أنه “على أرض الواقع، تم تحديد مواقع مؤقّتة لجمع الركام في محافظات الجنوب والنبطية والبقاع وجبل لبنان التي تتبع لها منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، على أن التحدّي الأكبر في إيجاد المواقع، يكمن في مدينة بيروت نفسها، بسبب عدم وجود مساحات مناسبة ولا كسارات”. وأسهل الخيارات كانت في البقاع والجنوب “وفي النبطية الخيارات أقل، أما في الضاحية، فلم يُتَّخَذ القرار بعد ولا يزال موضوع الركام في الضاحية ضبابياً”. ورغم تعدّد الأماكن، إلاّ أنها كلّها “أملاك عامة”. ولأن بعض المناطق تشهد صعوبات في تحديد الأماكن التي ستستقبل الردم، يشير دهيني إلى أن الحل هو “بنقل الردم إلى أماكن عامة في محافظات أخرى، أو اعتماد كسّارات قديمة بأملاك خاصة، على أن يجري اعتماد تسوية معيّنة مع صاحب الأرض. فالكسارات القديمة عليها مستحقات مالية للدولة بفعل المخالفات، ومن الممكن إجراء تسوية مع صاحب الأرض. ووزارة البيئة لديها دراسة حول كل الكسارات في لبنان، ويمكن الاستعانة بها لتحديد المواقع”.
إعادة التدوير وامتلاك الردم
نقل الركام إلى الأماكن المختارة “سيتم بآلية يُعلَن عنها بالتنسيق مع وزارتيّ الداخلية والأشغال العامة، ويصدر حينها تعميم للمحافظين والبلديات يحدِّد أين يوضَع الركام”. في الخطوة الثانية “تتم عملية إعادة التدوير بعد فرز الركام. ومن المتوقَّع الوصول إلى نسبة تدوير تقارب 70 بالمئة ويذهب الباقي إلى مطامر صحية خاصة”، وفق دهيني الذي يوضح أن إعادة التدوير ستساعد في توفير مواد تدخل بتصنيع الترابة وتأهيل البنية التحتية والطرقات.
وهذه العملية ليست سهلة كفاية، سيّما وأن “الركام يحتوي على مواد ضارّة صحياً كاليورانيوم والفوسفور وقد يحتوي على ألغام ومواد قد تنفجر أثناء رفع الركام، وهذا ما يستدعي التنسيق مع الجيش اللبناني”.
التحضير لهذه العملية لا ينفصل تماماً عن تحديد هوية مالكي الركام. فهو عبارة عن أبنية ومحال ومؤسسات مدمَّرة، لكن لها أصحابها الذين يحقّ لهم الاستفادة من قيمة الركام. وعليه، يؤكّد دهيني أنه بالتوازي مع مرحلة إعادة التدوير “علينا تحديد أصحاب الركام الذي يحتوي على مواد يعاد تدويرها، كالحديد والألمنيوم والزجاج وغير ذلك، ويحق لهم أخذ قيمتها. وهنا لا بد من تحديد آلية الاستفادة، فهل سيُدفَع لأصحاب الركام مبالغ مالية؟”، ويلفت دهيني النظر إلى أن هذه الآلية لم تُحسَم بعد.
المخاوف موجودة
الإطار النظري للتخلّص من الركام بات شبه مُنجَز، لكن التطبيق يحتاج إلى التروّي قليلاً وتحديد الخطوات الممكن تنفيذها على أرض الواقع، والأهم، مراقبة تنفيذها لضمان عدم خرقها، وهو خوف مشروع في ظل التجربة اللبنانية في مختلف المشاريع. وهذا الخوف مشروع بالنسبة لدهيني الذي يرفض “الرمي العشوائي للركام” سواء في اليابسة أو البحر. فالرمي بدون معالجة وإعادة تدوير، يعني “زيادة الكلفة البيئية وكلفة إعادة الإعمار، لأن عدم استعمال الركام يعني الحاجة لمواد بناء إضافية، أي كلفة إضافية، في حين يمكن استخدام الركام المعاد تدويره”. ويلفت دهيني النظر إلى أن “ردم البحر لتوسيع المرافىء او المساحات العامة ليس مرفوضاً بحدّ ذاته، إذ هناك بعض الأماكن التي تحتاج إلى توسيع، لكن المرفوض هو الردم العشوائي. ولذلك، المطلوب هو الالتزام بالمخطط التوجيهي لكل منطقة والتوسيع حسب الحاجة”.
بانتظار التنفيذ
تنفيذ خطة إزالة الركام ومعالجته ينتظر “قرارات مجلس الوزراء، ليبنى على الشيء مقتضاه”، وفق ما قاله وزير الأشغال العامة علي حمية. وخلال اجتماع عقده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، اليوم الخميس، ضمّ حمية والأمين العام للهيئة العليا للإغاثة العميد بسام النابلسي وممثلين عن مجلسي الجنوب والإنماء والإعمار والاستشاري خطيب وعلمي واختصاصيين وخبراء، أشار حمية إلى أنه سيتم “إعداد دفتر شروط قانوني وشفّاف بامتياز، مطابق لقانون الشراء العام في ظل حالات الطوارئ التي نمر بها، أضف إلى ذلك الإسراع في عملية رفع الأنقاض بمجرد اتخاذ قرار في مجلس الوزراء”. على أن إعداد دفتر الشروط سيجري بإشراف “مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والاعمار والاستشاري خطيب وعلمي واختصاصيين وخبراء في الموضوع”. علماً أن ملفّ دفتر الشروط سيكون “في صلب اجتماع جلسة مجلس الوزراء يوم السبت المقبل في مدينة صور”. ومن المفترض أن تجهِّز “الجهات المعنية” دفتر الشروط وكل أوراقها قبل جلسة يوم السبت.
ولفت حمية النظر إلى أن المجلس سينظر يوم السبت في موضوع نقل ركام الضاحية الجنوبية إلى “أمام الكوستابرافا”، معتبراً أن هذه العملية هي “الحل الوحيد”.
خطوة اعتماد التدوير لمعالجة ركام الحرب والاستفادة منه بإعادة الإعمار، أمر مثالي ومطلوب، لكن العبرة تبقى في الخواتيم، خصوصاً وأن الركام الذي لا يُعاد تدويره سيذهب إلى المطامر، وتجربة المطامر على الطريقة اللبنانية غير مشجِّعة.
The post معالجة ركام الحرب: إعادة التدوير لخفض كلفة الإعمار appeared first on Lebanon Economy.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :lebanoneconomy.net بتاريخ:2024-12-06 06:33:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي