
ثمة نموذج واضح لما سيكون عليه لبنان بعد علاقته مع صندوق النقد الدولي: مصر. صحيح أن شكل الاقتصاد والنموذج الاقتصادي هناك مختلف عن لبنان، لجهة عدد السكان والتنوّع والموارد الطبيعية مثل الغاز، إلا أن ذلك لم يعفِ مصر من الوقوع مجدداً في أزمة لأنها باتت مدمنة على التمويل الخارجي، مثلما كان لبنان، وربما مثلما سيكون لاحقاً.
لكن من أبرز المؤشرات التي تكشف عن حجم الأزمة في مصر، عجز الحساب الجاري الذي تراكم فيه منذ 2016 لغاية اليوم نحو 79 مليار دولار، أي أكثر من ضعفَي الاحتياطات المتوافرة حالياً. الحساب الجاري يكون عاجزاً عندما يسجّل فيه خروج أموال بالعملة الأجنبية من البلد أكثر مما دخل إليه. وبنتيجة كل هذه الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد المصري، فإنّ أكثر من ثلث المقيمين في مصر يعدّون فقراء أو ما يعادل 30 مليون شخص. كذلك فإن معدلات الادخار في مصر انخفضت بشكل واسع بالتوازي مع ارتفاع معدّلات الدَّين إلى أكثر من 94٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وفي مقابل ثبات الأجور، كان التضخّم يسير بوتيرة ثابتة طوال السنوات الخمس الماضية، ما ترك أثراً واسعاً على أصحاب الدخل المتوسط والمحدود.
ثمة الكثير من المؤشرات التي يمكن تعدادها عن حالة مصر بعد الانخراط مع صندوق النقد الدولي بكل ما يطلبه من إجراءات وإصلاحات… يومها طلب الرئيس المصري من المصريين التحمّل، تماماً كما قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي: بدنا نتحمّل بعض. عملياً، يجب أن نتحمّل حتى تمرّ الأزمة في لبنان من دون أي تمسّ ثروات فئة الـ 1٪، أو من دون أن يلحقها ضرر جسيم كالذي لحق العاملين بأجر في لبنان. ولو قرّر لبنان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ضمن سلّة من الإجراءات وما يسمّونه إصلاحات يندرج ضمنها تحرير سعر الصرف، إعادة هيكلة المصارف، تقييد حركة رؤوس الأموال، وتعديلات على السرية المصرفية… كل ذلك يبقى بلا طائل إذا كان لبنان يسير نحو أهداف رسمها صندوق النقد بوصفة موحّدة وشاملة يقترحها لكل الدول هي وصفة المزيد من الفقر. فإذا لم يتم تحديد الأهداف التي سيسير عليها الاقتصاد في لبنان على المدى الطويل، فإن كل الإجراءات ستعيد إنتاج الأزمة، سواء بحدّة أعلى أو أقل. إذ إن استمرار الاعتماد على التدفقات الخارجية لتمويل الاستهلاك المحلي، بل تعزيز قدرات الامتصاص الداخلية (زيادة التصنيع والتصدير وخلق أدوات تكبح اللامساواة) لن يكون لبنان قادراً على النهوض مجدداً، مع غاز أو بدونه. انظروا إلى مصر التي تملك الغاز ولديها مغتربون وصادرات وقدرات زراعية وتصنيعية وسياحة أكبر بكثير من لبنان، فها هي تقع مجدداً. مشكلة لبنان أنه يسعى اليوم الى استبدال حكّام ينهبون البلد بمنظومة عالمية للهيمنة.
مرتبط
المصدر
hanay shamout الكاتب:
lebanoneconomy.netالموقع :
2022-08-05 07:34:03 نشر الخبر اول مرة بتاريخ :
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي