صحافة

أسئلة وشبهات حول المقاومة والمحور

في ظل التطورات الحساسة التي تعيشها منطقتنا، والتي بدأت منذ عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من تشرين الأول / أكتوبر 2023، مروراً باندلاع معركة أولي البأس بين المقاومة الإسلامية في لبنان والكيان المؤقت، وصولاً الى التحول الدراماتيكي الأخير في سوريا. بدأت تُطرح العديد من الإشكاليات والأسئلة من قبل بعض الأشخاص من جمهور المقاومة، يجب الالتفات لها والإجابة عليها، وقد حاولنا ذلك بالاستناد الى المعطيات التاريخية والميدانية والتطلعات الواقعية.

أبرز الأسئلة والإشكاليات

1)محور المقاومة بات ضعيفاً ومنهكاً والوقت المطلوب لترميمه هو لصالح تحقيق اسرائيل مزيد من المكاسب، فكيف سيمكنه الاستمرار؟

باعتراف الجميع، ومن خلال تقصي المسار الزمني الحقيقي لمحور المقاومة، والتدقيق في إنجازاته خلال الأعوام السابقة منذ 1979 حتى يومنا هذا. فقد شكلت التطورات المفصلية في منطقتنا دائماً، رافعة نوعية لمحور المقاومة، ومكّنته دائماً من تحويل الأزمة الى فرصة (كما نظّر لذلك القائد الأول لمحور المقاومة الإمام روح الله الموسوي الخميني الراحل، وكما يؤكّد على ذلك اليوم قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي).

فيكفي للمرء أن يتأمل التحديات والمنعطفات التاريخية، وكيف انعكست إيجاباً على محور المقاومة حتى قبل انطلاقته:

1)العام 1977 بدء مسار الاستسلام والانهزام بمواجهة إسرائيل، لإحدى الدول العربية الأساسية في المواجهة وهي مصر برئاسة أنور السادات، عندما زار كيان الاحتلال والكنيست الإسرائيلي، فكان أول المطبعين والمستسلمين للكيان.

2)العام 1979 انتصار الثورة الإسلامية في إيران، التي أعلنت منذ اللحظات الأولى تبنيها للقضية الفلسطينية وعداءها للكيان المؤقت وسعيها لإزالته من الوجود ورفضها ومواجهتها لدول الاستكبار والاستعمار الطامعة في منطقتنا، من خلال دعم قوى وحركات التحرر الوطني والإسلامي.

3)العام 1980 اندلاع حرب الدفاع المقدس التي شنها صدام حسين ضد الجمهورية الإسلامية، بدعم عربي وأمريكي وغربي وشرقي لا محدود. لكن هذه الحرب بتضحيات شعب إيران وقواه المسلحة وحكمة قيادته، حوّلت إيران المحاصرة بعد 8 أعوام، الى دولة قادرة على تصنيع ما تحتاجه من مواد أساسية في كل المجالات لا سيما العسكرية منها.

4)العام 1982: الاجتياح الإسرائيلي للبنان، الذي كان السبب في انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، والتي استطاعت خلال الأيام الأولى، تكبيد الاحتلال الإسرائيلي أشد الخسائر في صفوفه، وكذلك استطاع الشباب المناصر لها خلال ذلك العام وبعده، طرد القوات متعددة الجنسيات (الأمريكية والفرنسية) من لبنان بعد تنفيذهم لسلسلة عمليات نوعية.

5)عامي 2001 و2003: غزو أفغانستان والعراق اللذان أديا الى نشوء قوى مقاومة في هذين البلدين، التي استطاعت بعد أعوام من طرد قوات الاحتلال الأمريكية والغربية ((العراق بعد 8 أعوام تقريباً وأفغانستان بعد حوالي 20 عاماً).

6)عام 2006: حرب تموز / يوليو التي شنتها إسرائيل من أجل القضاء على لبنان، وفي سعي منها لإقامة شرق أوسط جديد أمريكي الطابع، لكن المقاومة استطاعت الصمود وتحولت الى قوة إقليمية.

7)عام 2011: بدء الحرب على سوريا بدعم أمريكي وغربي لإسقاط النظام العربي الوحيد الداعم لخيار المقاومة، وما أدته هذه الحرب من نشوء لتنظيمات إرهابية ومنها تنظيم داعش الوهابي الإرهابي. هذه الحرب أدت الى نشوء قوى جديدة في محور المقاومة في سوريا والعراق وباكستان وأفغانستان، وتوسع محور المقاومة ليصبح قوة ذات بعد إقليمي ودولي.

8)عام 2015: بدء العدوان السعودي الأمريكي على اليمن من أجل القضاء على حركة أنصار الله، التي استطاعت بفضل صمودها وصمود الشعب اليمني تحويل البلد الى ركن من أركان محور المقاومة، واستطاع يقدم إضافة نوعية داعمة ومساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته خلال معركة طوفان الأقصى.

9)عام 2020: إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صفقة القرن، والتي كانت فتيلاً لمعركة سيف القدس ولاحقاً لعملية ومعركة طوفان الأقصى.

كل هذا المسار، يظهر بأن محور المقاومة في سياقه التاريخي قد استطاع تحويل المخاطر الى فرص للتطور والنمو. وعليه فإن المستجد السوري اليوم، سيكون منطلقاً حتماً لتطور نوعي وكمي لمحور المقاومة، بحيث يشمل كل منطقة غربي آسيا.

وهذا ما عبّر عنه قائد الثورة الإمام الخامنئي في خطابه الأخير حول التطورات السورية في بتاريخ 11/12/2024 حيث أكّد بأن ما حدث في سوريا كان نتاج مخطّط أمريكي وصهيوني، وأنّ جبهة المقاومة ستتوسع ولن تضعف وستطرد أمريكا من المنطقة وستجتثّ جذور الصهيونيّة.

لذلك كما أظهر محور المقاومة مرونة في الماضي، سيستطيع فعل ذلك في المرحلة المقبلة مستفيداً من:

_الالتزام الإيديولوجي: فالمحور يتمتع برابطة ثقافية وايديلوجية بين أعضائه، تحركها المقاومة لإسرائيل ورفض الاستكبار الغربي، وهذا ما يوفر عاملاً موحداً له، بالرغم من كل الاختلافات الأخرى (المذاهب والرؤى السياسية المختلفة)، ويمكّن من جذب قوى وربما حكومات ودول أخرى في المنطقة للانضمام له أو على الأقل التنسيق معه في القضايا الكبرى، خاصةً القضية الفلسطينية.

_القدرة على التكيف: لقد أثبتت إيران وجميع قوى محور المقاومة قدرتها على العمل والتكيف خلال كل التحديات والاستحقاقات، مثل الحروب وفي ظل الحصار والعقوبات، باستخدام استراتيجيات غير متناظرة، وبالاعتماد على ما يُعرف بصراع العقول لتجاوز العقبات.

كما إن مبدأ “الصبر الاستراتيجي” والصمود، الذي يميزهم عن غيرهم، سيسمح لهم من إعادة بناء قوتهم مع مرور الوقت، بتصميم وعزيمة أكبر، وربما تدفعهم التحديات الحالية، الى تعزيز مبدأ الاكتفاء الذاتي لكل طرف في المحور.

_المرونة: يتميز كل طرف في المحور بالاستقلالية والمرونة، لذلك يمكن له اتباع استراتيجية منخفضة التكلفة ولكنها فعالة ضد إسرائيل.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإن أحلامها في الهيمنة الإقليمية تعاني من عدة نقاط ضعف رئيسية، ستجعل ما حققته من إنجازات تكتيكية، من غير تأثير استراتيجي على صعيد الصراع بالمجمل. وأبرز نقاط الضعف هذه:

1)ستبقى إسرائيل بنظر شعوب المنطقة والعالم مهما حاولت، قوة احتلال مكروهة، وذات نوايا توسعية، ومدانة بجرائم حرب وإبادة.

فمعركة طوفان الأقصى، عرّت إسرائيل على حقيقتها، وباتت القضية الفلسطينية من أبرز القضايا ذات الاهتمام في العالم، بعد عقود من محاولات طمسها أو تصفيتها. وفي المقابل، فقدت إسرائيل ومستوطنوها الشعور بالأمان، والاحترام والتعاطف في فلسطين وخارجها، وحلّ مكانها الشعور بالقلق على الصعيد الفردي والجمعي.

2)على الرغم من كل ما تتمتع به إسرائيل من قوة تكنولوجية وعسكرية، فإنها كيان جغرافي صغير لا يتجاوز عدد مستوطنيه 8 ملايين نسمة.

3)التوغل الإسرائيلي في سوريا واستمرار احتلال مناطق في قطاع غزة، سيثبت للعالم وخاصة العربي منه، بأن الكيان لا يؤمن إلا بالتوسع، ولا قيمة لديه لما يُعرف بحل الدولتين وأنه يشكل خطراً على الأنظمة العربية مهما قدموا من تنازلات أو طبعوا معه. وهذا ما سيعزّز خيار المقاومة، بأنه الخيار الوحيد الكفيل بتحرير الأراضي المحتلة سواء في سوريا أم في فلسطين.

2)ما هو التأثير السياسي لحزب الله في الداخل اللبناني – بعد ما واجهه من حرب إسرائيلية – انطلاقاً من انتخابات رئاسة الجمهورية؟

في الشأن السياسي الداخلي، لطالما اعتمد حزب الله منهجاً توافقياً لا يعتمد فيه على تسييل قوته وانجازاته العسكرية في الداخل اللبناني، بل يشجع على الحوار والوصول الى تفاهمات بالتعاون مع حلفائه، ووفق المسار الديمقراطي، لأنه يعلم بأن لا إمكانية ومستقبل لأي طرف في لبنان أن ينجح بالاستفراد. وعليه فإنه من غير المرجّح أن تؤثر نتائج معركة أولي البأس في المعادلات الداخلية أصلاً، وهذا ما عبّر عنه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في خطابه التلفزيوني في 14/12/2024، عندما حدد الأولويات الداخلية بـ “انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني لتنطلق عجلة الدولة، والمشاركة في برنامج إصلاحي إنقاذي من أجل بلاد تقوم على المواطنة والمساواة تحت سقف القانون واتفاق الطائف، والدخول في حوار إيجابي حول القضايا الإشكالية”.

أمّا إذا فكّرت بعض القوى الانعزالية المدعومة من بعض الدول الغربية والعربية، فرض معادلات داخلية ضد المقاومة، ومحاولة العبث في الاستقرار اللبناني -خاصةً أمنيا وعسكرياً وهو أمر غير مرجح – فإنها ستلقى من المقاومة رداً قوياً ومناسباً على ذلك بكل تأكيد.

3)خطة الحرب التي وضعها حزب الله لم تنجح ولم يُنفذ منها الا القليل واليوم يرزح تحت عبء النزوح والمساعدات والايواء والاعمار واعادة بناء القوة العسكرية فهل سيقدر؟ وهل سيكون هذا في المدى المنظور؟

إن كل تطورات معركة “أولي البأس” تؤكّد بأن الحزب حقق إنجازاً عسكرياً أسطورياً غير مسبوق في العالم، عندما استطاع الصمود بفضل مقاوميه، ومنع جيش الاحتلال من تحقيق إنجازات عسكرية ميدانية، بالرغم مما تعرض له من ضربات قاسية _ لو تعرضت لها جيوش لانهارت_ ويمكن في هذا الاطار مقارنة ما حصل في جنوبي لبنان خلال 66 يوماً مع المقاومة بمواجهة أقوى جيش في منطقة غربي آسيا، مع ما حصل في سوريا من انهيار سريع للجيش السوري أمام الجماعات المسلّحة – كاغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله وتفجيرات البايجر والأجهزة اللاسلكية واغتيال القيادات العسكرية. كل هذا الواقع العسكري، دفع الكيان الى الرضوخ للخيار الدبلوماسي، والموافقة على اتفاق وقف لإطلاق النار، بعدما كان يتوقع بأنه يستطيع تغيير وجه المنطقة بالانطلاق من لبنان. وعليه مهما حصل في المنطقة من تغيرات جيوستراتيجية، فإن ذلك معرض للتغيير حتماً، طالما حزب الله لا يزال موجوداً، لأنه قادر على التعافي وقد بدأ بالتعافي بالفعل، بعد إجراء تقييم ومعالجات على كافة الصعد للمرحلة السابقة، على قلب الموازين من جديد، في لبنان وفي المنطقة ككل، وهذا ما سيشهده الجميع في المستقبل القريب.

وعلى صعيد الإعمار، وما يصفه البعض بالأعباء، فإن المقاومة عبر مؤسساتها التنظيمية – المستقلة تماماً عن الجسم العسكري لها – قادرة على تحقيق وعد أمينها العام السيد الشهيد حسن نصر الله. وهذا ما بدأت بوادر تحقيقه فعلياً، من خلال توزيع مساعدات الإيواء على المتضررين، وتكليف حوالي 10 شركات لإزالة الركام من الضاحية الجنوبية لبيروت، من أجل البدء بعملية إعادة الإعمار، وإنشاء ماكينة هندسية واستشارية ضخمة لإطلاق عجلة الإعمار في كل لبنان لتعود هذه المناطق المتضررة في الجنوب والبقاع والضاحية أجمل مما كانت، كما حصل تماما عام 2006 مما سيعزز صمود الناس وقناعاتهم بخيار وجدوى المقاومة، والثقة بخياراتهم في مواجهة الحرب الناعمة التي تسعى لزعزعة الثقة واليقين لديهم دون جدوى.

4)إيران تركت سوريا، ويمكن أن تترك الحزب مستقبلا، وبالتالي قد يصبح الحزب بلا نصير؟

بالنسبة للنقطة الأولى، فإن الجمهورية الإسلامية في إيران لم تتخلى عن سوريا إطلاقاً، وهذا ما كشفه قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، وكبار القادة السياسيين والعسكريين بالمعطيات المهمة التي تثبت ذلك. فقد حذروا القيادتين السياسية والعسكرية في سوريا، قبل وقوع هجوم الجماعات المسلحة بحوالي 3 أشهر، ثم أخبروهما بالاستعداد لتقديم كل أشكال الدعم لا سيما العسكري منه، للمساعدة في التصدي لذلك، إلا أن الجانب السوري رفض ذلك. وكان لانهيار الجيش السوري السريع والمفاجئ واستسلام عناصره وقادته، أثره الكبير في نجاح الجماعات المسلحة المعارضة السيطرة على البلاد خلال أيام معدودة، وهذا ما فاجئ الرئيس الأسد أيضاً. وفي سياق متصل حاولت الجمهورية الإسلامية إرسال مساعدات بالرجال والعتاد والتجهيزات الى إحدى المناطق السورية، إلا أن قوات الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي منعتا وصول هذه المساعدات براً أو جواً، كما أن القيادة السورية امتنعت عن قبول هذه المساعدات، ظناً منها بأن لا تحتاج إليها، وأن ضمانات بعض الدول العربية الخليجية تكفي لحمايتها من السقوط. (تفاصيل هذه الرواية وسقوط النظام نقلاً عن مصادر خاصة نشرناها في أكثر من مقال ).

أما بالنسبة للنقطة الثانية، فمسار العلاقات ما بين الجمهورية الإسلامية وحزب الله يكشف بأن الأولى وقفت الى جانب مقاومة الشعب اللبناني منذ البدايات حتى يومنا هذا، وكان دعمها للمقاومة شاملاً لكل المجالات (استشارات ودعم في التدريب وفي السلاح والتجهيز والإعداد ودعم في المجالات الاجتماعية وغيره)، لأنها خبرت إيمان وثبات وعزيمة هذا الشعب بخيار المقاومة كسبيل وحيد للتحرر من الاحتلال، ولم تكن في أي من الأوقات بديلةً عنه لا في التخطيط ولا في التنفيذ. وهذا ما جعل العلاقة بينهما هي علاقة تحالف وشراكة، وليست علاقة تبعية ووكالة. كما أن الحزب خلال أكثر من 4 عقود من تأسيسه، لم يحتج الى دعم عسكري ميداني من الجمهورية الإسلامية، رغم كل الحروب والمعارك الصعبة والقاسية والوجودية التي خاضها وأخرها معركة أولي البأس.

وعليه لا يُمكن اتهام إيران أو حتى محور المقاومة بالتخلي عن سوريا ونظامها برئاسة بشار الأسد، بعد كل هذه السنوات من الدعم الكبير الذي قدّموه له (بشرياً ومادياً منذ العام 2011)، بل إن الأسد وجيشه هم الذين لم يصمدوا هذه المرة، وبالتالي لم يكن بإمكانهم القيام بأي شيء لمنع نظام من السقوط وهو يسعى فعلاً لذلك.

أما الشق الثاني من السؤال، فإن الجواب بأن المحور منذ انطلاقته قبل 4 عقود، تميز بمرونته وتكيفه مع كل ما يحصل من متغيرات، ونسج التحالفات في الداخل والخارج، انطلاقاً من ثوابت العداء لإسرائيل، ومن وجود قوات الاحتلال الأمريكية في المنطقة.

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :alkhanadeq.org.lb
بتاريخ:
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

/a>

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى