العرب و العالم

أوكرانيا والناتو وإدارة التحولات العالمية 

شفقنا-أصبح انتهاء عامين من الحرب في أوكرانيا ودخول العام الثالث منها، لدى المحللين والمعنيين بالعلاقات الدولية، قضية أساسية في فهم طبيعة التطورات العالمية في الوضع الراهن. من الواضح أن الصراع بين كييف وموسكو ليس مجرد قضية ثنائية، وأن جميع أنواع الجهات الفاعلة الدولية متورطة بشكل مباشر وغير مباشر في الحرب في أوكرانيا.

تعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا الظاهرة الأكثر عالمية في حقبة ما بعد الحرب الباردة في العقود الثلاثة الماضية. وان أحد الناشطين في هذه الحرب هو الناتو.

ولعله خلال العامين الماضيين في هذه الحرب المدمرة، أصبحت كلمة “الناتو” هي الكلمة الأكثر تداولا في الأدبيات السياسية العالمية، إلى جانب اسمي روسيا وأوكرانيا. لدى الناتو علاقة هيكلية بالحرب في أوكرانيا.

إن حلف شمال الأطلسي هو أحد مكونات هذا الصراع وركائزه، وفي الوقت نفسه، منذ تأسيسه في عام 1949، تحول حلف شمال الأطلسي وتكيف مع العديد من التحولات العالمية.

إدارة التحولات العالمية

إن هذه المجموعة ونظام ردود الفعل المتعلقة بمنظمة الأمن الجماعي تطرح علينا سؤالا جديا، وهو كيف يمكن تقييم وتحليل العلاقة بين الحرب في أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي والسياسة الدولية؟ إن “مركزية الناتو في الحرب”، و”هوية الناتو المتغيرة”، و”إدارة التحولات العالمية” هي مفاهيم مهمة للإجابة على السؤال المطروح.

لا شك أن حلف شمال الأطلسي هو أحد المحاور الرئيسية للحرب في أوكرانيا وربما أهمها. وفي رسالته الخاصة في نهاية عامين من الحرب، أكد الأمين العام لحلف الناتو على أهمية هذا الصراع ومصيره النهائي بالنسبة للناتو.

في مقابلة مهمة جدا لبوتين مع تاكر كارلسون، الصحفي الأمريكي اليميني، في 9 فبراير 2024، والتي حظيت بتغطية دولية كبيرة، يشرح بوتين كيف تمت مناقشة توسع الناتو وحساسية روسيا تجاهه مع كبار المسؤولين الأمريكيين ولم يكتفوا بتجاهل وعودهم فحسب، بل تصرفوا أيضا بما يتعارض مع هذه الوعود وواصلوا المزيد من التفاعل بين حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا.

في العامين الماضيين منذ الحرب، كان انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعضويتها الكاملة في هذه المنظمة العسكرية والسياسية المتعددة الأطراف هو الطلب الرئيس لزيلينسكي، رئيس أوكرانيا، وتمت متابعة هذه القضية خطوة بخطوة. بعبارة أجل أن الناتو في تعاملاته مع دول الاتحاد السوفييتي السابق كان له فئات وحدود خاصة وشكل مجموعة من المفاهيم والمؤسسات في هذا الصدد.

مجلس الناتو-أوكرانيا

ومن بين دول الكتلة الشرقية السابقة، تتمتع البوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا بمكانة خاصة في حلف شمال الأطلسي. وفيما يتعلق بأوكرانيا، تم إنشاء اللجنة المشتركة بين الناتو وأوكرانيا في عام 1993. وفي عام 2023، تمت ترقية هذه المنظمة الاستشارية التشغيلية وظهر مجلس الناتو-أوكرانيا. ويقوم أساسه على تعميق العلاقات بين حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا واقتراب أوكرانيا من حدود العضوية الكاملة. وهي قضية تواجه روسيا العديد من التحديات معها.

وخلال العامين اللذين انقضيا على الحرب، أصبحت فنلندا والسويد اللتان اشتهرتا بـ “عدم الانحياز العسكري” في أوروبا، كاملتي العضوية في الناتو وبعضويتهما وصل عدد أعضاء الناتو إلى 31 دولة، منها دولتان، أي كندا والولايات المتحدة، على أحد جانبي المحيط الأطلسي، وفي قارة أمريكا الشمالية، وتقع 29 دولة على الجانب الآخر من ذلك المحيط، في أوروبا.

لذلك، فإن الاستنتاج بأن حلف شمال الأطلسي هو ناشط مهم ورئيس في الصراع الأوكراني هو الصحيح وهذا الافتراض دقيق لأنه في حرب أوكرانيا، لا يمكن إنكار مركزية حلف شمال الأطلسي في الإدراك والعقلية الاستراتيجية والحركات التنظيمية والعملياتية.

ولكن هذه الأهمية المركزية ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار إلى جانب قضية أخرى مهمة، ألا وهي هوية حلف شمال الأطلسي. كانت الهوية الأساسية لحلف شمال الأطلسي في المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في واشنطن عام 1949 هي هوية عسكرية واستراتيجية في الغالب في دوامة حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي ذلك المؤتمر تمت الموافقة على معاهدة واشنطن بـ 14 مادة، أهمها المادة 5، وهي الأساس المفاهيمي لحلف شمال الأطلسي وهي الدفاع الجماعي. وهذا يعني أن الاعتداء على أحد أعضاء هذه الاتفاقية يعتبر بمثابة الاعتداء على جميع الأعضاء.

تم تفعيل هذه المادة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة. لكن هذه الهوية الاستراتيجية كانت بالأساس ضد الاتحاد السوفيتي الذي شكل حلف وارسو، وبالطبع المثير للاهتمام هو أنه مع انهيار الاتحاد السوفيتي أصبح حلف وارسو في خبر كن، لكن الناتو بقي واستمر في الوجود. 

فالغرب يحافظ على كل ما لديه، وتم الحفاظ على حلف شمال الأطلسي وتوسيعه من الناحية المفاهيمية والعملياتية والجغرافية. في هوية الناتو، العدو المشترك الذي كان الاتحاد السوفيتي، مع مجموعة متنوعة من الأعمال العدائية بما في ذلك الإرهابيين والإرهاب المملوء في ميدان العمليات، وجد الناتو دورا رئيسيا ومهما للغاية في التفجيرات الضخمة في البلقان في التسعينيات.

وفي المراحل اللاحقة، وبعد أحداث 11 سبتمبر واحتلال أمريكا لأفغانستان، دخلت في تلك البلاد عسكريا، وبعد احتلال أمريكا للعراق، دخل في مشاريع التدريب العسكري للجيش العراقي. وفي أفريقيا، شارك في عمليات مكافحة الإرهاب.

ولكن الأهم من ذلك أنها تحولت من منظمة معاهدة دفاع جماعية إلى معاهدة عسكرية وسياسية ومعيارية ودخلت الساحات العالمية وعبر أوروبا وعبر الأطلسي.

وفي العقد السابق، وفي هذا الاتجاه، أنتجت المؤسسات الغربية خطاب تحت عنوان “الناتو العالمي”، وبعد ذلك قل استخدام كلمة “الناتو العالمي”، إلا أن الناتو أصبح أداة لإدارة التحولات العالمية. وبعد ذلك دخلت الصين ومشكلة الصين، الاهتمامات الرئيسية لحلف شمال الأطلسي.

لكن في هذه الأثناء، لا تبدو إدارة التحولات بهذه البساطة. ويواجه حلف شمال الأطلسي تحدي التحولات من الداخل، خاصة إذا فاز ترامب، وخارجيا فإن قضية أوكرانيا حاسمة.

هل تهزم أوكرانيا روسيا؟ ولم يحدث هذا خلال هذين العامين والمستقبل ليس واضحا تماما. والأمر الواضح الآن هو البروز الأكثر خطورة لحلف شمال الأطلسي باعتباره نشاطا متعدد الطبقات في الساحة الأوروبية وخارج أوروبا.

المصدر: صحيفة اطلاعات

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-03-06 00:33:08
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من Beiruttime اخبار لبنان والعالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading