إسرائيل اليوم: اختبار جنين
إسرائيل اليوم 27/12/2024، يوآف ليمور: اختبار جنين
سوريا
في الأسبوعين الأخيرين تحطم إسرائيل الرأس لتعرف اذا كان التحول الذي اجتازه زعيم الثوار السوري أبو محمد الجولاني (احمد الشرع)، حقيقي ام هو جزء من حملة تضليل ذكية.
ظاهرا، كل شيء يشير الى الاتجاه المحتمل الأول. فقد استبدل البزة العسكرية بالبدلة، استبدل الخطاب الكفاحي بحلو اللسان وبالوعود بالوحدة والمصالحة. واستبدل العمل العسكري الجهادي برسائل السلام. بالمقابل، هو لا يزال رئيس فرع القاعدة في سوريا، ولا يزال متمسكا بالاسم الذي اختاره لنفسه – الجولان، الذي يدل على ان اصله من الجولان، ولعله أيضا يلمح بخططه المستقبلة.
صحيح حتى هذه اللحظة، العالم أُسر بسحره. وفود دبلوماسية تهبط في دمشق وتقلع منها بوتيرة يدور لها الرأس، بما فيها من الدول الهامة في العالم – وعلى رأسها الولايات المتحدة التي سارعت الى الإعلان بانها سترفع العقوبات الشخصية التي فرضتها عليه في عهد الحرب الاهلية قد نحو عقد. في أوروبا أيضا وقعوا في حب المخرب الذي اصبح دبلوماسيا. الوحيدون الذين يرفضون الانجراف في الانفعال العام هم الزعماء العرب المعتدلون الذين يخافون من أن يكونوا التالين في الدور.
طلب الامريكيون من إسرائيل أيضا إعطاء الجولاني فرصة ومحاولة الحديث معه. لإسرائيل كل الأسباب في العالم لعمل هذا: من تقليص تهديدات محتملة في الحدود الشمالية – الشرقية، عبر تقييد النفوذ الخطير لتركيا على سوريا المستقبلية وحتى التأكد من أن ايران ستبقى خارج دوائر العمل في سوريا. السؤال هو كم سيكون الزعيم السوري الجديد مستعدا لمثل هذه الخطوة. على هذا توجد ثلاثة أجوبة محتملة. الأول – ان يرفض بأدب. والمعاذير سيجدها بوفرة: من استمرار احتلال الجولان وحتى استمرار الحرب في غزة. الامكانية الثانية هي ان يوافق. احتمال ذلك يبدو طفيفا هذه اللحظة. الامكانية الثالثة هي ان يوافق جزئيا، بمعنى ان يتسكع سرا مع الفكرة ويحاول أن يستخلص منها اقصى وافضل ما يكون. مثلا، مساعدة إسرائيلية مباشرة او غير مباشرة ضد ما ومن كفيل بان يهدد حكمه. ايران وفروعها من جهة، داعش وفروعه – الذين اعلنوا بان الجولاني خان طريق الإسلام – من الجهة الأخرى. الربح المتبادل هنا سيكون كبيرا: للجولاني هو كفيل بان يمدد حياته، ولاسرائيل سيقلل آلام الرأس.
في هذه الاثناء، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بجبل الشيخ السوري وبمناطق في مجال الفصل شرقي الحدود الدولية. القسم الأول ضروري لاجل العثور، التشخيص وعند الحاجة إبادة التهديدات. القسم الثاني هو إمكانية كامنة للتورط – مع السكان في الجولان السوري، الذين في البداية أرادوا التواجد الإسرائيلي ومنذ هذا الا سبوع أظهروا (في قسم منهم) استياء وجد تعبيره في احتجاج علني، وامام العالم مما سيستدعي من إسرائيل في لحظة ما أن تنسحب عائدة الى حدود (مؤشرات على ذلك تنطلق منذ الان من أروقة الأمم المتحدة).
معقول لهذا التواجد الا يستمر الى الابد. سيكمل الجيش الإسرائيلي إقامة العائق المكثف على طول الحدود ويسحب قواته (ناقص جبل الشيخ). حتى ذلك الحين سيحاولة تثبيت العلاقات مع المحليين، وكما اسلفنا، ربما أيضا مع الحكم الجديد في دمشق. في هذه الاثناء، يحاول ان يتساءل حول الزعيم ولكن أيضا حول من يحيط به. ان يرسم خريطة الأشخاص، جماعات القوة، القدرات العسكرية. كل المعلومات التي تجمعت في عشرات السنين حيال سوريا أصبحت غير ذات صلة مع تغيير الشخصيات في دمشق ومع تدمير القدرات العسكرية التي ترافقت معها. الان يجب بدء كل شيء من جديد. وهذا تحدٍ استخباري وعملياتي هائل.
وكلمة أخرى عن الجولان: قبل نحو عقد في ذروة الحرب الاهلية في سوريا، وصلت الى إسرائيل معلومات عن أن رجاله يخططون لعملية تسلل من الجولان السوري الى احد الكيبوتسات في هضبة الجولان. أتاحت المعلومات احباط العملية التي كان يفترض ان تقتل إسرائيليين. الجولاني نفسه قررها. الفترة القريبة القادمة ستفيدنا اذا كان تبقى مخربا (لكن في بدلة) ام أنه قطع كل الطريق ليصبح في نهايته أنور السادات
جنين
في الأسابيع الأخيرة، يتابع جهاز الامن باهتمام الحملة التي تخوضها أجهزة الامن الفلسطينية في جنين. ليس لاحد أوهام في أن السلطة بدأت فجأة تخوض حرب إبادة للارهاب. بالمقابل، بدأت أخيرا تفعل ما تطالبها به إسرائيل منذ سنوات. فاعليتها محدودة في هذه الاثناء. لكن ينبغي الثناء عليها وان كان بسبب الكثافة: فكل عملية تحبطها، كل مخرب يعتقل، كل عبوة تشغل، لا تلتقي في النهاية جنود الجيش الإسرائيلي او مواطنين إسرائيليين.
بدأت هذه الحملة عندما سرق نشطاء إرهاب في جنين سيارتي تندر من قوات امن السلطة. ليس صعبا أن نتخيل ما رأى السارقون امام عيونهم: مخربي النخبة الذين اندفعوا على التندرات نحو النقب في 7 أكتوبر او أولئك الذين اندفعوا على تندرات مشابهة في سوريا في الطريق الى اسقاط الرئيس الأسد. السلطة ورئيسها، الذين يعتبرون فاسدين وغير شعبيين، فهموا التلميح: تندرات تسرق في المعركة الأولى ستندفع نحو المقاطعة في رام الله في المعركة الثالثة.
في إسرائيل رأوا الصور ذاتها وتوصلوا الى الاستنتاجات ذاتها، غير أن مكان المقاطعة في رام الله رأوا امام ناظريهم ارئيل وبيت ايل او نتانيا والعفولة (وليس لان سيطرة جهة متطرفة على السلطة هي سيناريو مرغوب فيه من ناحية إسرائيل). لو لم تعمل السلطة لكان الجيش الاسرائيل عمل، مثلما عمل في حالات لا تحصى في السنة الماضية، وقبلها أيضا. يحتمل أن يكون مطالبا بان يفعل هذا، اذا لم تحقق الاعمال الفلسطينية الحالية أهدافها.
صحيح حتى يوم امس، اعتقل الفلسطينيون عشرات نشطاء الإرهاب في جنين، وضعوا اليد على كميات كبيرة من السلاح وعثروا وعطلوا عبوات ناسفة كثيرة زرعت تحت محاور السير. هم أيضا دفعوا ثمنا – ثلاثة من الشرطة الفلسطينية قتلوا حتى الان في المعارك مع المخربين.
من يبحث عن ادلة عن جدية الحملة سيجدها في حجم القوات. الحملة لا تقوم فقط على قوات محلية بل ضمت كتيبتين من السلطة والكتيبة 101 – اللتين عادة تكونا في منطقة أريحا. من يبحث عن ادلة بغياب الجدية في الحملة سيجدها في وتيرة التقدم: حتى الان لم تصل قوات السلطة الى قلب الموضوع. ما يستغرق الجيش عمله بضع ساعات يستغرقهم بضعة أسابيع.
مصدر كبير قال لي اول أمس انه من السابق لاوانه حياكة البدلات. الفلسطينيون مصممون اكثر من أي وقت مضى، لكنهم لن يعملوا في جنين الى الابد، كما أنهم لا يعملون بالتوازي بذات التصميم في جبهات أخرى. هذا الأسبوع فقط، بالتوازي مع الاحداث في شمال السامرة، كان الجيش الإسرائيلي مطالبا بان يعمل في طولكرم، بما في ذلك في هجوم من الجو واعتقل عشرات المخربين في كل ارجاء الضفة. هذا ينضم الى المعطيات العامة للعام 2024 التي تنتهي مع نحو 2500 اعتقال لنشطاء إرهاب ووضع اليد على اكثر من 1000 قطعة سلاح. هذا العمل المكثف أدى الى انخفاض في معطيات الإرهاب الصعب (من نحو 850 عملية في 2023 الى نحو 250 عملية هذه السنة)، والى انخفاض موازٍ في احداث الإرهاب الشعبي (من نحو 3200 حدث في السنة الماضية الى نحو 1100 حدث هذه السنة.
سألته أي علامة تعطيها للعمل الفلسطيني. قال ان الطلب الإسرائيلي منهم واضح: عالجوا او تنحوا جانبا ونحن نعالج. في هذه الاثناء هذا ينجح، وهذا يخدم مصلحة إسرائيل أيضا، في هذه الحالة يناسبها الكليشيه الذي يقول ان نجاحهم هو نجاحنا.
ثمة من يدعي بان عمل السلطة هذا هو نتيجة إحساس بالكرامة. فسرقة التندرات مهين للأجهزة التي قررت أن تريهم من هو السيد. آخرون يدعون بان هذه نتيجة خوف مما يحصل في سوريا وربما مما ستفعله إسرائيل اذا لم تعمل هي.
وهناك احتمال ان تكون الدوافع مختلفة تماما. فترامب سيكون رئيسا بعد لحظة والسلطة تريد أن تريه بانها تجتهد. هذا هام لها مرتين. كي تري انها جيدة ليس فقط في الاقوال والوعود بل وفي الأفعال أيضا. ولسبب عمليا اكثر أيضا. السلطة معنية بان تعود الى غزة وتتلقى السيطرة في اليوم التالي للحرب. من ناحيتها جنين هي اختبار دليل – على القوة، لإسرائيل وللعالم أيضا.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2024-12-27 14:22:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>