إيداع الأمم المتحدة إحداثيات جديدة للحدود الجنوبية وفقاً للخط 29 لا يستدعي تعديلاً للمرسوم 6433(أنطونيوس أبو كسم)
بقلم البروفسور أنطونيوس أبو كسم*- خاص الحوار نيوز
إنّ بدء سفينة Energean power نشاطها في حقل “كاريش” المتنازع عليه، والمكلفة من السلطات الإسرائيلية انتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه بالتوازي مع ثلاث سفن أخرى: “Boka Sherpa” (الخاصة بإطفاء الحرائق)، “Aaron S McCal” (الخاصة بنقل الطواقم والعاملين)، و”FPSO” (الخاصة بسحب الغاز)، يهدف إلى مدّ وتثبيت القواطع والوصلات باتجاه شاطئ dor الإسرائيلي لتبدأ بعدها مرحلة الإنتاج.
على المستوى القانوني، إنّ لبنان الرسمي لم يعدّل بإحداثيات المنطقة الاقتصادية الخالصة التي أودعها الأمانة العامة للأمم المتحدة بتاريخ الأوّل تشرين الأول 2011 والملحقة بالمرسوم 6433/2011، والتي تعتمد جنوباً الخط 23.
وبالتالي، لم تعتمد بعد الحكومة اللبنانية الخط 29، بل اكتفت برسالة مؤرخة في 28 كانون الأول 2022 والتي أودعت مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ الأول من شباط 2022 كوثيقة تحمل الرقم – S/2022/84 A/76/675، والتي بموجبها ردّت على رسالة اعتراض إسرائيلية (23/12/2021 – وثيقة رقم S/2021/1085) على دورة التراخيص الأخيرة التي أطلقتها الحكومة اللبنانية لمنع ترخيص للاستكشاف في عرض البحر والادعاء بأنها تقع في مناطق بحرية إسرائيلية.
إنّ سقف خطاب لبنان الرسمي عبّرت عنه هذه الرسالة حيث ورد فيها أنّه لم يتمّ التوصّل بعد إلى “الخطّ التفاوضي” عبر المفاوضات غير المباشرة، وبالتالي لا يمكن الادعاء بأنّ هناك منطقة اقتصادية إسرائيلية خالصة مثبّتة من ضمنها حقل كاريش، حيث اعتبرها لبنان منطقة متنازعا عليها، تكراراً للموقف اللبناني المعبّر عنه في رسالة سابقة مؤرّخة في 18/9/2021 (وثيقة رقم S/2021/812 ).
وبالتالي، وبحسب الموقع الالكتروني لقانون البحار والمحيطات في الأمم المتحدة وحسب آخر تحديث للصفحة في 11/2/2022، إنّ لبنان لم يودع إحداثيات جديدة للحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، وبالتالي إنّ الخط 29 هو خطّ تفاوضيّ تقنيّ من قبل الجانب اللبناني، بالرغم من صحّته في القانون الدوليّ، إلا أنّه لا يعتدّ به بعد كخطّ رسمي لدى الأمم المتحدة.
كان حريّا بالحكومة اللبنانية إيداع الأمم المتحدة إحداثيات جديدة للحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة وفقاً الخط 29، وهذا الأمر لا يستدعي تعديلاً للمرسوم 6433/2011 كما يشاع، بل تطبيق مادته الثالثة. إن القانون الدولي (المادة 75-2 اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار) يشترط فقط أن تعلن الدولة الساحلية الإعلان الواجب عن هذه الخرائط أو قوائم الإحداثيات الجغرافية على أن تودعها الأمانة العامة للأمم المتحدة”.
علماً أنه قبل إقرار المرسوم 6433، كانت الحكومة اللبنانية قد أودعت إحداثيات للحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة من دون إقرار مرسوم جديد، بل بواسطة رسائل مرسلة بواسطة بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة: الكتاب رقم 1506/10 تاريخ 14/7/2010 والكتاب رقم 2399/10 تاريخ 19/10/2010.
أمّا بعد صدور المرسوم 6433، أودعت الحكومة اللبنانية إحداثيات جديدة معدّلة للحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة بموجب رسالة مؤرخة في 19/10/2011 (وثيقة رقم M.Z.N.85.2011.L.O.S) وفقاً للمادة 75 فقرة ثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، إذن من دون إقرار مرسوم جديد ومن دون تعديل المرسوم 6433.
وللأسف، وفقاً للقانون الدولي، إن دولة العدوّ ببدء نشاطها في حقل كاريش، تخرق موجبا تفاوضيا محضا وليس موجباً قانونياً تعاقدياً.
ورقة ضغط
إنّ بدء أعمال التنقيب في حقل كاريش من قبل العدوّ الإسرائيلي، يشكّل ورقة ضغط إسرائيلية لاستدراج لبنان إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعيف، وسط التخبط الرسمي والجدل ما بين المعنيين حول اعتماد الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، ناهيك عن الثغرة القانونية التي تستغلها إسرائيل حيث لا أحد يجبرها على احترام قواعد تعاقدية للقانون الدولي لم تصادق عليها. فإسرائيل ليست دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، كما وأنّ القانون الدولي العرفي لا يلزم اسرائيل إلا لدى المحاكم الدولية.
وإذا قرّر لبنان مقاضاة إسرائيل، العائق الأبرز هو أنّ اسرائيل لم تعترف لا باختصاص محكمة العدل الدولية ولا باختصاص المحكمة الدولية لقانون البحار. ووسط غياب المرجعية القانونية الدولية لبتّ الموضوع قضائياً يجعل تسويته سياسية، حيث أنّ القانون الدولي ليس ملزماً لمن لا يعترف به، عطفاً على أنّه قانون الأقوى وليس قانون الضعيف.
وعليه، على لبنان اللجوء إلى مجلس الأمن تحت ذريعة أنّ هذا النشاط الإسرائيلي في حقل كاريش قد يهدّد السلم والأمن الدوليين، وبالتالي يقتضي بمجلس الأمن توصيف الحالة لاتخاذ الإجراءات أو التوصيات المناسبة، علماً أنّ مجلس الأمن قد نادى بترسيم الحدود الدولية للبنان في عام 2006 عبر قراريه 1680 و1701.
وبالتالي، بإمكان لبنان اللجوء إلى مجلس الأمن استناداً إلى هذين القرارين، ويطلب تكليف لجنة لتعيين الحدود ما بين لبنان والدول المجاورة، كقضية تعيين الحدود الكويتية العراقية بموجب قرار مجلس الأمن 833 (1993) المتّخذ تحت الفصل السابع؛ إلّا أنّ هذا الأمر يتطلب إجماع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبالتالي يتطلب تسوية أميركية روسية، إذ إن النزاع يتعلق بالنفط في منطقة الشرق الأوسط. يبدو أنّ هذا الأمر بعيد المنال بسبب شبه تعطيل أعمال مجلس الأمن جراء النزاع الروسي الأوكراني.
بدلاً من أن يشكّل الملف اللبناني التقني المبني على مسوغات القانون الدولي ورقة تفاوضيّة قوّية بيد الدولة اللبنانية، حوّلها إلى طرف ضعيف جراء الامتناع عن اعتماد النقطة 29. حيث أنّه إذا كان لبنان قد اتبع أصولاً أخرى للترسيم وفقاً للقانون الدولي، فإن النقطة 29 هي الأقرب شمالاً وليست الأبعد جنوباً.
إنّ الخطوة الإسرائيلية خطوة متقدّمة تجعل المفاوضات صعبة بسبب المكتسبات الاسرائيلية، وما زال الطرف اللبناني يبحث في جنس وجنسية بما يسمّى الخطّ التفاوضي.
*أستاذ في القانون الدولي
الكاتب : hiwarnews
الموقع :al-hiwarnews.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2022-06-05 21:29:11
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي