العرب و العالم

اجتماع “صيغة موسكو” وحكومة طالبان.. هل من جديد يُذكر؟

شفقنا-انعقد اجتماع “صيغة موسكو” السادس حول أفغانستان، قبل شهر، في مدينة موسكو، عاصمة روسيا. وبدأ الاجتماع بكلمة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، واستمر خلف أبواب مغلقة.

وعقد هذا الاجتماع بعد عام واحد من الاجتماع الخامس لصيغة موسكو. ومما لا شك فيه أن فترة العام الواحد تبدو فرصة مناسبة نسبيا للوفاء ببعض التزامات اجتماع صيغة موسكو. من ناحية أخرى، شهدت السنة الماضية تطورات ملحوظة على المستوى الإقليمي والدولي. ومن خلال هذه المقاربة، من الضروري دراسة اجتماع صيغة موسكو السادس من بعض الزوايا.

 دعوة رسمية من ممثل حكومة طالبان

تعتبر الدول الإقليمية وخارجها حكومة طالبان هي القوة الحاكمة الوحيدة في أفغانستان، وتحاول جميعها إقامة علاقات فعلية بطريقة أو بأخرى مع هذه الحكومة القائمة. ولذلك فإن حضور ممثل لحكومة طالبان في الاجتماعات الإقليمية والدولية لا يبدو غير عادي. 

وفي الاجتماع الخامس لصيغة موسكو، الذي عقد في أكتوبر من العام الماضي في مدينة كازان الروسية، حضر مولوي أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير خارجية حكومة طالبان، بصفة ضيف. ورغم ذلك فإن حضوره في الاجتماع السادس لصيغة موسكو كان مختلفا عما كان عليه في الماضي. وفي هذا الاجتماع على غرار اجتماع موسكو، تمت دعوة مولوي أمير خان متقي، وزير خارجية حكومة طالبان، كضيف خاص.

 وللضيف الخاص مكانة مهمة وهادفة في اللقاءات الرسمية بين الدول، على المستوى الدبلوماسي. ووفقا لمبادئ وقواعد الدبلوماسية، فإن دعوة وزير خارجية حكومة طالبان كضيف خاص تشير إلى النظرة الخاصة للدول الأعضاء في صيغة موسكو تجاه حكومة طالبان.

ويبدو أن الموقف والمواجهة المتبادلة بين الدول الغربية وحكومة طالبان في الأشهر الأخيرة لم يكن لها تأثير على نظرة دول المنطقة إلى حكومة طالبان، ودعوة وزير خارجية حكومة طالبان بصفة ضيف في اجتماع تنسيق موسكو ينبع من هذا الأمر.

 مستوى العلاقات صيغة موسكو وحكومة طالبان

ومع انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان وإعادة تشكيل حكومة طالبان، كانت الفرضية المحتملة هي أن مستوى العلاقات الرسمية بين حكومة طالبان والدول الأعضاء في صيغة موسكو سوف تتحسن وتتطور كما هو مطلوب. ورغم هذا التوقع، فإن مستوى العلاقات الدبلوماسية بين حكومة طالبان ودول المنطقة ظل على نفس حال العلاقات الفعلية.

ورغم مرور عام على الاجتماع الخامس لصيغة موسكو، لم يطرأ أي تغيير يذكر في العلاقات الرسمية والدبلوماسية بين الدول الأعضاء في صيغة موسكو وحكومة طالبان. وعلى وجه الخصوص، لم تظهر أي من الدول الأعضاء في صيغة موسكو الاستعداد اللازم للاعتراف الرسمي بحكومة طالبان. ومن ناحية أخرى، لم تتخذ حكومة طالبان خطوة فعالة في اتجاه تقديم وخلق متطلبات الاعتراف الرسمي بها من قبل الدول الأخرى.

 هذا والقضية اللافتة للنظر هي مستوى العلاقات بين حكومة طالبان ودولة باكستان. على الرغم من وجود تقلبات كبيرة في مستوى العلاقات بين حكومة طالبان وباكستان منذ عام 2022 فصاعدا، إلا أن هذا الوضع لم يؤد إلى توتر دبلوماسي بين كابول وإسلام آباد.

وتشير الأدلة إلى أنه منذ صيف العام الجاري، دخلت العلاقات الدبلوماسية بين حكومة طالبان والحكومة الباكستانية مرحلة من التوتر السياسي. ورغم أن حكومة طالبان تتسامح باستمرار مع الحكومة الباكستانية، فقد اتهمت مؤخرا ضمنا وأحيانا صراحة الحكومة الباكستانية باستضافة داعش خراسان لضرب حكومة طالبان. وفي المقابل، اتهمت الحكومة الباكستانية بشكل أكثر وضوحا حكومة طالبان باستضافة حركة طالبان الباكستانية. ولا شك أن التوتر الخطير بين الحكومة الباكستانية وحكومة طالبان، إذا لم تتم إدارته، لن يخلو من التأثير على آليات وأهداف صيغة موسكو بشأن مصير أفغانستان المستقبلي.

وعلى الرغم من التوتر السياسي بين حكومة طالبان والحكومة الباكستانية، يبدو أن الأعضاء المتبقين في صيغة موسكو يحاولون الحفاظ على علاقات الأمر الواقع والتفاعل العملي مع حكومة طالبان.

 كيف تستجيب حكومة طالبان لمطالب صيغة موسكو؟

يظهر سلوك حكومة طالبان أن كابول لم تظهر بعد الاستعداد اللازم للاستجابة لمطالب صيغة موسكو. ووفقا للتقييمات، لم تتخذ حكومة طالبان أي خطوات فعالة تتماشى مع مطالب القمة الخامسة بصيغة موسكو من كابول.

ودعا المشاركون في اجتماع موسكو الخامس إلى تشكيل حكومة شاملة واحترام عادل لحقوق المجموعات العرقية والديانات من قبل حكومة طالبان. وجاء في البيان الختامي لقمة موسكو الخامسة: من المؤسف أنه لم يتم إحراز أي تقدم نحو تشكيل حكومة شاملة حقا في أفغانستان تعكس مصالح جميع المجموعات العرقية والسياسية في البلاد.

ودعا الاجتماع حركة طالبان إلى بدء حوار عملي وذات أهداف مع ممثلي الجماعات العرقية والسياسية لاستكمال عملية السلام وتشكيل حكومة متوازنة وشاملة وخاضعة للمساءلة.

والآن، بعد مرور عام على طرح هذه المطالب في قمة موسكو الخامسة، لم يطرأ أي تغيير على النهج السياسي الذي تتبناه طالبان في تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان واحترام حقوق المجموعات العرقية والديانات في البلاد.

مطالب دول المنطقة في قمة صيغة موسكو السادسة

إن صيغة موسكو عبارة عن آلية سياسية إقليمية تعمل معا للتأثير على تشكيل المستقبل السياسي لأفغانستان. ومن هنا، ينبغي النظر في نقطتين حول عمل صيغة موسكو والغرض منها. أولا، ان المصالح الوطنية لكل عضو في صيغة موسكو لها الأسبقية على مصالح الآخرين، بما في ذلك أفغانستان. ثانيا، تؤثر التطورات الدولية والمنافسة الكلية على المستويين الإقليمي والعالمي على نهج موسكو وأولوياتها تجاه أفغانستان.

ربما بسبب هاتين النقطتين تبدو مطالب ونبرة البيانات الختامية لاجتماعات صيغة موسكو مختلفة. ولذلك، فإن التركيز والأدبيات الواردة في البيان الختامي لقمة صيغة موسكو السادسة مثيرة للتفكير في بعض الحالات.

ان البيان الختامي لاجتماع صيغة موسكو، مع التأكيد على دمج طالبان في العمليات الإقليمية، ومواصلة التفاعل مع الجماعة، وإرسال المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان والتعاون مع طالبان في المشاريع الاقتصادية والتجارية، أعرب أيضا عن القلق بشأن وجود الجماعات الإرهابية في أفغانستان.

ما يميز لهجة وتعبير الاجتماع السادس لصيغة موسكو عن الاجتماع السابق هو أنه في هذا الاجتماع، تم انتقاد وجود الجماعات الإرهابية على الأراضي الأفغانية بشكل واضح، كما تم انتقاد وجود هذه الجماعات، بأبعادها الإرهابية والنزعة الانفصالية كونه يشكل تهديدا محتملا للنظام والاستقرار في بلدان المنطقة. وذكر البيان أن وجود الجماعات الإرهابية والانفصالية في أفغانستان لا يزال يشكل تهديدا خطيرا للأمن العالمي والإقليمي.

ودعا البيان حكومة طالبان إلى اتخاذ خطوات واضحة وملموسة لمحاربة الإرهاب. كما دعا الاجتماع حكومة طالبان إلى التصرف بشكل عادل وحيادي في القضاء على الجماعات الإرهابية في أفغانستان ومنع استخدام الأراضي الأفغانية ضد الدول المجاورة. ويبدو أن دول المنطقة تعتبر حرب حكومة طالبان ضد داعش صادقة، لكن لديها شكوك جدية حول الطريقة التي ستتعامل بها حكومة طالبان مع الجماعات المتطرفة والانفصالية الأخرى في المنطقة على الأراضي الأفغانية.

لكن القائم بأعمال وزير خارجية حكومة طالبان نفى في كلمته أمام اجتماع صيغة موسكو وجود إرهابيين في أفغانستان واستخدام أراضيها ضد الدول المجاورة. وقال أمير خان متقي إن بياناتهم الاستخباراتية أظهرت أن داعش أنشأ مراكز تدريب خارج حدود أفغانستان وأن منفذي الهجمات في السنوات الثلاث الماضية تحت اسم داعش في أفغانستان كانوا أيضا من الرعايا الأجانب.

 وفي بعض التصريحات الرسمية، يتهم مسؤولو طالبان بشكل مباشر الحكومة الباكستانية باستضافة وتدريب وتجهيز جماعة داعش خراسان بهدف ضرب حكومة طالبان.

وكانت إحدى النقاط المهمة التي أثيرت في البيان الختامي لاجتماع موسكو هي إمكانية نشر بنية تحتية عسكرية تابعة لطرف ثالث في أفغانستان. ووصف المشاركون في الاجتماع بأنه “غير مقبول” وقالوا إنه ليس في مصلحة السلام والاستقرار في المنطقة.

 ورغم أن البيان الختامي للاجتماع لم يذكر صراحة نوع المنشآت العسكرية والدولة أو البلدان المعنية، إلا أن الاجتماع الرئيس، الذي عقد خلف أبواب مغلقة، لا بد أنه ذكر ذلك بوضوح.

كما دعت صيغة موسكو الولايات المتحدة والدول الغربية إلى تحمل مسؤولية الأزمة الحالية في أفغانستان والوفاء بمسؤولياتها لتحسين اقتصاد البلاد ومستقبلها.

 دور ومدى تأثير صيغة موسكو على أفغانستان

بغض النظر عن آلية عمل صيغة موسكو، إذا قمنا بتعريف تشكيل هذه البنية الإقليمية والغرض منها، فإن دور وتأثير قمة صيغة موسكو لا يزال مثيرا للتفكير كما يحمل إمكانات خاصة. لقد تجاوزت التطورات في أفغانستان منذ فترة طويلة شكل قضية أفغانية داخلية، ودخلت في اجندة العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين.

 وفي الوقت نفسه، فإن تواجد الغرب في أفغانستان وانسحابه منها، ومواجهة الغرب الحالية للتطورات في أفغانستان، جعل البيئة الدولية ثنائية القطبية تماما تجاه قضايا أفغانستان. لا شك أن أفغانستان تواجه الآن نموذجين مختلفين؛ لقد تم تأسيس النظام الإقليمي والنظام الغربي. ومن المؤكد أن الكيفية التي تتصرف بها طالبان ودخول أفغانستان أو دمجها تحت حكم طالبان في أي من هذين النموذجين سيكون لها آثار أمنية واقتصادية متعددة على التطورات الإقليمية الكلية.

ومن هذا المنطلق، فإن صيغة موسكو، في الوضع الحالي، لها طبيعة ودور ووظيفة رقابية وحتى رادعة. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فمن المتوقع أنه حتى بدون استجابة واضحة من حكومة طالبان لمطالب صيغة موسكو، فإن الهيكل الإقليمي سيستمر بإرادة أقوى مما كان عليه في الماضي.

 آخر الكلام

إن أفغانستان وحدها لا تشكل أهمية بالنسبة للقطبين المتنافسين: المنطقة والغرب. إن أهمية أفغانستان مفهومة وملموسة نظرا لدورها في الألعاب الجيوسياسية. ومن هذا المنطلق فإن مصير أفغانستان المستقبلي يخرج من قلب التطورات والألعاب الكلية في المنطقة والغرب ويتشكل في هذا السياق.

 والآن بعد أن اشتد التنافس بين الشرق والغرب مرة أخرى، كما حدث أثناء الحرب الباردة، فمن المناسب ألا تنتظر حكومة طالبان حتى تصل اللعبة بين المنافسين الكبار في المنطقة والغرب إلى ذروتها. إن المصالح الوطنية لأفغانستان تتطلب من حكومة طالبان التحرك نحو النظام الإقليمي من خلال استراتيجية واضحة واستخدام الإمكانات الحالية للمنطقة لتعزيز النظام القائم في أفغانستان.

كما تظهر الدروس المستفادة من تطورات عقدين من الزمن في أفغانستان أن النسيج الاجتماعي والثقافي وطبيعة أفغانستان غير مستعدة لقبول النموذج الغربي للنظام ولا تبدو متوافقة مع هذا النموذج.

المصدر: موقع مطالعات شرق

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.shafaqna.com
بتاريخ:2024-11-04 01:18:00
الكاتب:Shafaqna1
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من بتوقيت بيروت اخبار لبنان والعالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading