اجتماع للمنتدى الاقتصادي الشرقي بروسيا
يعقد المنتدى الاقتصادي الشرقي الثامن في مدينة فلاديفوستوك شرق روسيا من 10 إلى 13 أيلول/ سبتمبر الحالي، حيث تستضيف جامعة الشرق الأقصى الفدرالية المنتدى الاقتصادي الشرقي، الذي يعدُّ منصة دولية رئيسة لتعزيز أجواء الاستثمار الروسي والدولي. وهو يهدف لإجراء تقييم شامل متخصص لإمكانات الشرق الأقصى الروسي الاقتصادية، وإظهار قدراتها الاستثمارية وظروف ممارسة الأعمال التجارية وقواعدها في مناطق تطور واعدة.
المنتدى أنشئ بموجب مرسوم رئاسي روسي في 19 أيار / مايو 2015، من أجل تعزيز تنمية اقتصاد الشرق الأقصى، وتوسيع التعاون الدولي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
شعار المنتدى لهذا العام “على طريق التعاون والسلام والازدهار” يجسد خطوة متقدمة لإبطال مفاعيل الإجراءات الاقتصادية الغربية المعادية لروسيا ولكل الدول المستهدفة بالعقوبات واستنسابية السياسات الغربية، ما يعبر عن رغبة متبادلة بين روسيا ودول عديدة تتقارب رؤاها مع موسكو في تعزيز التعاون وإقامة علاقات بناءة لما فيه مصلحة مشتركة ضمن مسار بناء عالم متعدد الأقطاب متحرر من الهيمنة.
وتتمتع منطقة الشرق الأقصى الفدرالية الروسية بأهمية جغرافية واقتصادية بالغة نظرا لاتساع مساحتها، وحدودها الممتدة مع الصين، واتصالها بحراً بدول شرق وجنوب آسيا وأميركا الشمالية عبر بحر أخوست والمحيط الهادئ. فهي تمتد من بحيرة البيكال غرباً إلى المحيط الهادئ شرقاً، على مساحة 7 ملايين كلم مربع، أي ما يعادل 41 % من إجمالي مساحة روسيا. ويعدُّ ميناء فلاديفوستوك الرئة الاقتصادية للشرق الروسي، حيث يبلغ حجم صادراته إلى المناطق الآسيوية 13 مليون طن سنوياً. ويمر خط الغاز الروسي” قوة سيبيريا” من فلاديفوستوك إلى شمال الحدود الصينية، لينقل ما يزيد عن 22 مليار متر مكعب من الغاز. كما يجري العمل على بناء خط “سيبيريا-2” بطاقة نقل تصل إلى 50 مليار متر مكعب سنوياً ويمر عبر منغوليا. هذه المنطقة هي الأغنى بمواردها الطبيعية في روسيا، حيث يوجد فيها 98 % من الألماس الروسي، ما يبلغ ثلث الألماس في العالم، و90% من مادة البورون الخام، و80 % من القصدير، و50 % من الذهب، إضافة إلى ثلث احتياطيات الفحم الحجري، وثلث احتياطي المياه العذبة في روسيا، و30 % من الغابات، و40 % من المنتجات البحرية. أما حجم الاستثمارات المدعومة من الحكومة الفدرالية فتقدر بـ 8 تريليونات روبل مخصصة لتطوير وبناء حقول النفط والغاز ومناجم الفحم
أكثر من سبعة آلاف ضيف من أكثر من خمسين دولة يشاركون في أعمال وجلسات المنتدى، كما تشارك وفود رسمية من بيلاروس، الصين، الهند، كازاخستان، فيتنام، كوريا الشمالية، لاوس، ميانمار، سنغافورة، الفلبين ومنغوليا.
هذا وأشار وزير الطاقة الروسي نيقولاي شولغينوف، على هامش أعمال المنتدى، إلى أن إنتاج روسيا الحالي من الغاز الطبيعي المسال لا يكفي لتلبية كامل الطلبات عليه في السوق الخارجية. وذكر أن جميع قدرات الإنتاج الروسية في هذا المجال تعمل بطاقتها القصوى. مؤكدًا وجود طلب متزايد على الغاز الطبيعي الروسي المسال في جميع أنحاء العالم، “ليس فقط من جانب الشركاء الجدد في جنوب شرق آسيا، بل ومن جانب المستهلكين الأوروبيين كذلك”، بحسب قوله. وأضاف أن “الطلب على الغاز عبر خطوط الأنابيب كان أكبر”. وأن “هناك طلبًا متزايدًا على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي المسال، لأنها أكثر كفاءة ومرونة مقارنة بالغاز عبر خطوط الأنابيب”. و قال شولغينوف: “حسب اعتقادي، نحن بحاجة حالياً إلى مزيد من خطوط التسييل – جميع القدرات المتوفرة اليوم تعمل بكل طاقتها. وأود التذكير بأننا أقررنا برنامجا لزيادة إنتاج الغاز المسال إلى 100 مليون طن بحلول عام 2030”.
وأضاف وزير الطاقة الروسي: “نحن نعلق آمالا كبيرة على مشروع “القطب الشمالي-2″، الذي يجري حاليا تنفيذ مرحلته الأولى. والذي سيعمل الخط بكامل طاقته – نحو 6.8 ملايين طن – في العام المقبل. كما تجري مناقشة إنشاء مصنع جديد للغاز المسال في مورمانسك، حيث يجري إنشاء ثلاثة خطوط تسييل بطاقة 6.8 ملايين طن”.
من جانبه، ذكر مساعد الرئيس الروسي مكسيم أوريشكين أن احتمال ارتفاع أسعار النفط في العالم أكبر من انخفاضها. لافتًا إلى استقرار أسعار النفط الخام، الذي تشهده الأسواق حالياً. وذكر أوريشكين أنه “حتى لو ازدادت أسعار النفط الخام هذه، أو حتى إذا ما حافظت على مستواها الحالي، فسيكون لدى “أوبك +” مجال لزيادة الإنتاج”. وأضاف في حديث له مع الصحافيين: “عند النظر إلى الأسواق العالمية، نرى أن احتياطيات النفط في العالم تتراجع على نحو جدي للغاية، وهذا يعني أن الأسعار على الأرجح سترتفع”.
وخلال جلسات المنتدى تحدث النائب الأول للمدير العام لشركة “سكك الحديد الروسية” سيرغي بافلوف، عن الآفاق الواسعة لممر الشحن “شمال-جنوب”، الذي يربط بين (روسيا-إيران-الهند)، موضحا أن الممر يتضمن 3 مسارات نقل. وكان نائب رئيس الحكومة الروسية مارات حوسنولين قد صرح في وقت سابق بأن حكومته بصدد توظيف نحو 280 مليار روبل في تطوير البنية التحتية لممر “شمال-جنوب” للشحن حتى سنة 2030.
ومن بين الفعاليات التي أقيمت على هامش المنتدى، عقدت أكاديمية المشكلات الجيو-سياسية طاولة مستديرة ضمت خبراء اقتصاديين-سياسيين دوليين، نوقشت فيها ملفات مجموعة “بريكس” في ضوء الوقائع المستجدة، ودور المجموعة في تشكيل نظام عالمي جديد ونظام اقتصادي متعدد الأقطاب. كان ذلك تحت عنوان “بريكس في عصر الواقع الجديد”
وخلال مشاركتها، عرضت الخبيرة الاقتصادية فلاديميرا فيتوفا من جمهورية تشيكيا مقارنتها عددًا من التباينات الأساسية بين البريكس والاتحاد الأوروبي، حيث تتقدم بريكس، برأي الخبيرة، من منظور اقتصادي وسياسي بما تقدمه لأعضائها ولدول العالم على طروحات وإمكانات الاتحاد الأوروبي بسياساته الاستعمارية.
ورات فيتوفا أن هناك رؤية خاطئة للساسة الأوروبيين، الذين يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي هو نادي النخبة الذي يرغب الجميع بالانضمام إليه. وطرح سؤالا عن عدد الدول التي تدعي رغبتها بالانضمام للاتحاد الأوروبي مقارنة بعشرات الطلبات الواقعية لدول تسعى للانضمام لمجموعة بريكس. وذكَّرت الباحثة الأوروبية بأن الاتحاد الأوروبي يفرض نوعاً من النهج السياسي الاقتصادي على مواليه، في حين أن الانضمام إلى بريكس لا يرتبط بشروط إيديولوجية سياسية أو استثناءات اقتصادية تفرض على الأعضاء. وفي هذا السياق، بحسب فيتوفا، يمنع الاتحاد الأوروبي أعضاءه من إجراء مفاوضات أو مباحثات ثنائية مع مجموعة بريكس ويفرض حصر العلاقة مع المجموعة بكيانه وعبره.
أما بروفيسور أكاديمية العلوم العسكرية فلاديمير ماركوفتشين، فقد قدم تقريرا بعنوان “بريكس في سياق تاريخي – الأسباب والمراحل”.
ماركوفتشين قسم مراحل تطور المجموعة منذ 17 عاماً إلى ثلاث، تتوجت مرحلتها الحالية بإعلان انضمام 6 دول في مطلع سنة 2024، حيث سيجري العمل على مسألة إنشاء عملة بريكس الخاصة، ما يسمح بمواصلة عملية التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي. وذكر الخبير السياسي-العسكري أن مجموعة السبع الكبرى “جي 7″، التي سبق لها أن سخرت من إنشاء بريكس، بدأت اليوم تشعر بالقلق نظراً للقرارات والأنشطة، التي تعمل عليها المجموعة، والتي تزداد أهميتها في السياسة العالمية. ما يؤكد من دون شك الاستنتاج بأن مؤسسي بريكس يسيرون في المسار الصحيح.
من ناحيته، قدم الباحث في الشؤون الدولية الرئيس المناوب لمركز اتجاهات الدولي للدراسات أحمد حاج علي ورقة بعنوان “توسع بريكس: نظرة من الشرق الأوسط”.
وذكر الباحث أن منطقة الشرق الأوسط الغنية بمواردها وإمكاناتها وتنوعها لطالما كانت محط تجاذب بين مصالح القوى العظمى. ورأى حاج علي أن العالم حالياً يعيش في مرحلة حرب عالمية جديدة، سواء أتمثلت بصورة حروب بالوكالة، أم بحرب الإجراءات والاقتصادية المعادية، أم حتى بالمواجهة العسكرية المباشرة في مناطق مختلفة. وأضاف أن هناك دولا في منطقة الشرق الأوسط كانت تعتقد أن ولاءها لمصالح الولايات المتحدة والغرب يمنحها نوعاً من الخصوصية والحماية والتفضيل على من سواها، غير أنها أدركت في الآونة الأخيرة أن العالم يتغير باتجاه التعددية القطبية، ولذا أصبحت تسارع إلى حجز مقعد لها في قطار بريكس وتجمعات الدول المبنية على مصالح مشتركة لا تفرض عليها سياسات أو إيديولوجيات محددة. ولا سيما أن الدول الشرق أوسطية المنضمة أو الراغبة بالانضمام إلى بريكس تدرك أن أيًا من القوى العظمى اليوم لم تعد قادرة على فرض هيمنتها الكاملة على دول العالم أجمع، أما السياسة الأحادية القطب والسياسة الاقتصادية المالية الاستنسابية التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية والنظام العالمي الحالي فوصلت إلى طريق مسدود لا أفق له. إذ إن دول الهيمنة والدول الاستعمارية نفسها تبحث عن نظام عالمي جديد ولا يمكنها نفي التعددية القطبية القادمة لا محالة، ولكنها تريد نظاماً متلائماً مع مصالحها”.
المصدر
الكاتب:
الموقع : almanar.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-09-11 19:36:15
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي