الانتخابات الرئاسية الأمريكية …ما لها وما عليها
عملية انتخاب الرئيس الأمريكية في طبيعة الحال، وكما هو معلوم عملية طويلة ومعقدة، وهي محصورة بين مرشحي الحزبين “الديمقراطي والجمهوري”، إلا أن ذلك لايعني إنه لايوجد هناك مرشحين آخرين ولا أحزاب أخرى في النسق السياسي الداخلي للولايات المتحدة، بل غالباً مع كل عملية انتخابية يكون هناك عدد من هؤلاء المرشحين ولكن فرص نجاحهم تكون قليلة إن لم نقل نادرة، وخلال مسار العملية الانتخابية الطويل يقدم هؤلاء انسحابهم مقابل دعم أحد الحزبين بعد التوصل لصيغة من الصفقات والامتيازات التي يحصلون عليها في حال نجاح المرشح المدعوم من قبلهم.
وبالتالي يتحول هؤلاء المرشحين إن كانوا مستقلين أو ممثلين للأحزاب السياسية الصغر لجماعات مصالح، لذلك اعتاد المتابعون والمختصون الأكاديميون في المجالات السياسية والقانونية والإعلامية وحتى الاقتصادية، إن يركزوا اهتمامهم خلال أي انتخابات رئاسية نحو مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، الذين يمرون بخمس مراحل، ابتداء من اعتماد لجنة الانتخابات داخل الحزبين للأسماء المرشحة، وصولاً للمرحلة الخامسة في اعتماد المرشح الذي سيمثل الحزب في الثلاثاء الكبير، وهو الموعد المحدد لانتخاب رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، الذي يتزامن في أول ثلاثاء من شهر تشرين الثاني كل أربع سنوات، يتم خلاله انتقاء المجمع الانتخابي أو مايعرف (Electoral College) المكون من 538 مندوباً، ليكون موازياً لعدد أعضاء الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ، علاوة على ثلاثة أعضاء من مقاطعة كولومبيا التي يوجد بها العاصمة واشنطن على الرغم من أنها لا تملك أى تمثيل انتخابي فى الكونجرس.
حيث يكون لكل ولاية أمريكية داخل هذا المجمع الانتخابي عدد معين من الأصوات بحسب عدد سكانها وعدد النواب الذين يمثلونها في الكونجرس. فعلى سبيل المثال: يكون لولاية كاليفورنيا –وهي أكبر الولايات الأمريكية من حيث عدد السكان- 55 مندوبا في المجمع، في حين يكون لولاية فلوريدا 27 مندوبا، بينما يكون لولاية كارولينا الشمالية ثلاثة مندوبين فقط. ويحتاج الفائز بمنصب الرئيس من بين المرشحين إلى الحصول على 270 صوتا على الأقل من مجموع أصوات أعضاء المجمع الانتخابي، وتجرى الانتخاب وفقاً لقاعدة أن الولاية تعتبر دائرة انتخابية واحدة، بحيث أن المرشح الذي يحصل على أغلبية أصوات الناخبين في إحدى الولايات يحصل على جميع أصوات أعضاء المجمع الانتخابي الممثلين لهذه الولاية بغض النظر عن نسبة الأصوات الشعبية التي حصل عليها في تلك الولاية.
فعلى سبيل المثال: إذا حصل أحد المرشحين على أغلبية بسيطة في ولاية كاليفورنيا، فإنه يفوز بجميع أصوات المجمع الانتخابي للولاية البالغ عددها 55. وذلك باستثناء ولايتي نبراسكا وماين، اللتين تطبقان نظاما نسبيا. بحيث يحصل كل مرشح على عدد من أصوات أعضاء المجمع الانتخابي يتناسب مع عدد ما حصل عليه من أصوات الناخبين. وفي حالة عدم حصول أي من المرشحين للرئاسة على أغلبية أصوات الهيئة الانتخابية (أي 270 صوت)، يتوجب على مجلس النواب أن يقرر المرشح الفائز، حيث يقوم أعضاء مجلس النواب بالإدلاء بأصواتهم لاختيار المرشح الفائز بمنصب الرئيس، ويكون لكل عضو صوت واحد. وهو ماينطبق أيضاً في حالة المرشحين لمنصب نائب الرئيس، لكن هنا يتوجب على مجلس الشيوخ أن يقرر المرشح الفائز.
هذا التعقيد الانتخابي لايقتصر فقط على هذه النقطة، بل غالباً تبقى مسألة الولايات المتأرجحة أو الغير معروفة التوجه الانتخابي، هي أكثر التعقيد بالنسبة للمرشحين واحزابهم، وكذلك بالنسبة للرأي العام ووسائل الإعلام حتى اللحظة الأخيرة من انتهاء العملية الانتخابية، كون الولايات السبع المتأرجحة هي التي تحسم نتيجة الاقتراع لأنها لا تميل بشكل واضح إلى حزب أو آخر، وهذه الولايات هي ميشيغان وأريزونا ونيفادا وويسكونسن وبنسلفانيا وجورجيا ونورث كارولينا. واعتادت الحملات الانتخابية للمتنافسين على مدى عقود سابقة أن تصب اهتمامها وتركيزها وثقلها مع نهاية السباق على هذه الولايات لانتزاع الفوز، والتاريخ الأمريكي الحديث يذكرنا بدور هذه الولايات في حسم الانتخابات بفارق بضعة آلاف من الأصوات، ولاسيما ولاية ميشيغن.
وفي الابتعاد قليلاً عن طريق التصويت الانتخابي وتعقيدات المشهد، لابد من ذكر العناصر المتغيرة التي تميز انتخابات عام 2024م، في الشكل والمضمون والأرقام وغيرها من النقاط التي سيوردها الكاتب وفق الآتي:
أولاً- من المتوقع أن تكون الدورة الانتخابية الحالية الأكثر إنفاقا على الإطلاق، بمجموع 15.9مليار دولار، وهذا سيتجاوز إجمالي ما تم إنفاقه في موسم عام 2020 الذي سجل 15.1 مليار دولار، وفي حال فوز المرشحة الديمقراطية “كاملا هاريس”، ستكون أول امرأة تتقلد المنصب، وثاني نائب رئيس في المنصب يفوز بانتخابات الرئاسة منذ عام 1835، على غرار مافعله جورج بوش الأب في عام 1988. وتشير التقديرات أن حملة هاريس جمعت 997.2 مليون دولار حتى الآن بما في ذلك فترة ترشح بايدن، في حين جمعت لجنة حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب 388 مليون دولار، وذلك بين كانون الأول 2023 ونهاية تشرين الأول 2024.
ثانياً- الناخب الأمريكي _ وفق توصف النخب السياسية ووسائل الإعلام والمراكز البحثية والأكاديمية _ مع يواجهون أسوأ اختيار رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة، كونهم أمام مرشحين، الأول هو الجمهوري “دونالد ترامب” والمعروف لهم بتجسيده “انفجاراً من الأفكار المتناثرة والنوبات الانفعالية”، بينما تعبر المرشحة الديمقراطية “كامالا هاريس” نموذجاً عن الشخصيات السياسية المسارعة لتخلىها “عن مبادئ الجميلة لليبرالية”، فعلى صعيد السياسية الخارجية على سبيل المثال لا الحصر، كل من ترامب وهاريس يتبنيان أساليب مختلفة من “الغموض” في إدارة الأزمات والصراعات ولم يقدم أي منهما برنامج انتخابي واضح في هذا السياق وغيره من المجالات الأخرى.
ثالثاً- هذه الحملة تعد من أكثر الحملات الانتخابية التي تضمنت تبادلاً للاتهامات واستخدام المفردات التطرفية، وقد نشرت منظمة “أوبن سيكريتس” الأمريكية، دراسة تؤكد انعكاس هذا التطرف الذي يتضمنه الخطاب السياسي للمرشحين بنسب تزيد عن 37% وخاصة لدى الفئة الشابة، وهو ما ينبئ بتكرار حصول حادثة ” الكابيتول” الأمريكي في 6 كانون الثاني 2021 عندما اعتدى مناصري ترامب الإنجليين مبنى الكونغرس، ولكن هذه المرة التطرف سيكون أوسع وأكبر على مستوى الولايات في حال خسارة ترامب.
رابعاً- التحديات الجمة التي تنتظر الإدارة الأمريكية المقبلة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية وضمن السياستين الداخلية والخارجية، إذ تبدو معظم التقديرات تخوف الأوروبيون وأعضاء الناتو في حال عودة ترامب، وهو ماقد يشعل حرباً اقتصادية مجدداً مع الاتحاد الأوروبي والصين، لذلك هناك جملة تحديات خارجية تبرز في:
– كيفية التعامل مع الأزمات والصراعات الناشبة وخاصة فيما يتعلق بالازمة الأوكرانية وملف غزة والملف النووي الإيراني وكوبا وكوريا الشمالية وسورية وغيرهم.
– دور التحالفات ضمن معايير السياسية الخارجية وتعزيز العلاقة مع دول الحليفة التقليدية.
– مواجهة الأزمات البئية وما تتسبب به موجات العنف المناخي.
– الحرب السيبرانية ومنطق التعاون في الأمن الإلكتروني.
– مواجهة التحالفات والدول الصاعدة ودورها في التجارية الدولية.
إلا أن التحديات الداخلية ستشكل عبئ أكثر وأكبر، فما يتعلق بالهجرة، والحد من التطرف، وقضية الإجهاض، إلا أن العامل الاقتصادي والمعيشي سيشكل تحدياً كبيراً في عدة نقاط أهمها:
– مواجهة ارتفاع معدل البطالة التي تشكل أكبر المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي، وتشير معدلات البطالة اليوم لارتفع من 3.5% في اذار2023 إلى 3.9% في شباط 2024، بزيادة مقدارها 0.4%، إذ ارتفع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 334 ألفًا، أي بلغ إجمالي العاطلين في الولايات المتحدة الأمريكية 6.5 مليون، مقارنة بـ6 ملايين في شباط 2023.
– الحد من تباطؤ النمو الاقتصادي الذي تعرض له الاقتصاد الأمريكي في الربع الرابع من العام المالي 2023 و مطلع 2024،إذ انخفض النمو إلى 3.2% مقارنة بـ4.9% في الربع الثالث، وبالإضافة إلى ذلك يتوقع مكتب الميزانية بالكونجرس أن يتباطأ النمو الاقتصادي الأمريكي إلى 1.5 % حتى نهاية عام 2024 .
– الحد من ارتفاع عجز الموازنة الحكومية، بعد أن بلغ هذا العجز نحو 510 مليارات دولار نهاية عام 2023، وشهد شهر كانون الثاني 2024 وحده عجزا بقيمة 129,4 مليار دولار، وهو ما يعد أعلى بنسبة 52% مقارنة بعام 2022.
– مواجهة ارتفاع حجم الدين الذي يعاني منه الاقتصاد الأمريكي من ارتفاع كبير في حجم الديون الحكومية والخارجية، إذ ارتفع من 33,44 إلى 34,50 تريليون دولار، ويعد تجاوز الدين الحكومي في الولايات المتحدة الأمريكية 33 تريليون دولار من الأمور التي تحدث لأول مرة في التاريخ، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد من أكبر الدول في حجم الدين الخارجي، إذ بلغ 25,6 تريليون دولار في الربع الثالث من عام 2023، مقارنة بـ25,1 تريليون دولار في الربع الثاني من عام 2023، ومن هنا فإن حجم هذه التحديات عموما والوضع الاقتصادي بشكل خاص سيشكل تحديا كبيرا أمام الرئيس القادم.
*محمد نادر العمري /كاتب وباحث في العلاقات الدولية
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir بتاريخ:2024-11-04 13:11:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي