التضامن المتأرجح والحاجة إلى الإجماع
في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أبدى الاتحاد الأوروبي تضامناً منقطع النظير مع كيان الاحتلال. ولكن مع ارتفاع حصيلة الشهداء المدنيين في غزة وتدهور الوضع الإنساني، بدأ معظم زعماء أوروبا ينأون بأنفسهم عن الحكومة الإسرائيلية ويعربون عن انتقادات شديدة اللهجة للسياسة الإسرائيلية المتبعة في الحرب.
بشكل عام، يدعم الاتحاد الأوروبي (الذي يضم 27 دولة) حل الدولتين، ويعارض المستوطنات الإسرائيلية، ويُعتبر أكبر مانح مالي للسلطة الفلسطينية ولوكالة الأونروا. ويلعب دوراً مهماً في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي (يأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث النفوذ والدعم المالي والدور السياسي). لكن أظهرت الحرب في غزة الصعوبات التي تواجهها الدول الأعضاء في أخذ موقف موحّد بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تراجع التضامن والاعتراف بدولة فلسطين
بسبب الحاجة إلى الإجماع، كان الإجراء الوحيد المتفق عليه من جانب الاتحاد الأوروبي هو فرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين ومنظماتهم. أما بقية الخطوات فقد اتخذتها مجموعات صغيرة من الدول الأعضاء: فقد انضمت بعض الدول إلى قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل”، واعترفت أربع دول جديدة بفلسطين كدولة، ليرتفع عدد أعضاء الاتحاد الذين يعترفون بدولة فلسطينية إلى 9 دول في مقابل 18 دولة ما تزال لا تعترف بدولة فلسطينية، وطلبت دولتان إعادة تقييم اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
لقد كشفت حرب غزة من جانب آخر، عن الانقسامات والاضطرابات وخصائص اتخاذ القرار المعقّدة التي يتسم بها الاتحاد الأوروبي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ففي أغسطس/آب، اعترف رئيس السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بأن “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو أحد أصعب القضايا التي يمكن بناء إجماع عليها بين دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، وربما أكثر من أي قضية أخرى”، مشيراً إلى أنه يشكل حجر عثرة أمام التدخل الفعّال.
ومع استمرار الحرب وتصاعد أعداد الشهداء الفلسطينيين في غزة وظهور أهوال الإبادة الجماعية والوضع الإنساني المتدهور، بدأ التضامن الأوروبي يتراجع تدريجياً عما كان عليه في أول أيام السابع من أكتوبر. وتحولت بعض الدول الأوروبية نحو انتقاد الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً فيما يتعلق برفضها المستمر لأي اتفاق لوقف إطلاق النار، وغياب خطط ملموسة لإعادة إعمار قطاع غزة أو إدارته بعد الحرب، ورفض أي دور مستقبلي للسلطة الفلسطينية في غزة، أو مناقشة إنشاء دولة فلسطينية.
قضية وقف إطلاق النار
تعتبر قضية وقف إطلاق النار محل انقسام داخل أعضاء الاتحاد الأوروبي، حيث تنقسم الدول في الاتحاد إلى ثلاث فئات: أولاً، هناك دول تؤيد وقف إطلاق النار بشكل فوري ودائم، وهي إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا وبلجيكا مما يعكس انتقادات قوية للعمليات العسكرية الإسرائيلية. ثانياً، هناك دول تدعو إلى وقف إطلاق النار بشكل مؤقت، من دون الإصرار على إنهاء معاناة سكان قطاع غزة بشكل كامل، أهمها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. وتؤكد هذه الدول على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس مع دعم الممرات الإنسانية لوصول الاحتياجات الحيوية والإنسانية لأهالي قطاع غزة. ثالثاً، هناك دول معارضة لوقف إطلاق النار أو مترددة في تأييده (سواء كان وقف إطلاق نار دائم أو مؤقت)، وأهمها المجر (هنغاريا) وجمهورية التشيك اللتان تنحازان بحزم إلى جانب إسرائيل.
الدعم المالي
ما بين 2014- 2020، خصص الاتحاد الأوروبي حوالي 2.2 مليار يورو مساعدات للفلسطينيين. ويُعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للسلطة الفلسطينية، حيث تجاوز التمويل المخصص للأعوام 2021- 2024 حاجز 1.2 مليار يورو. وقد زاد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير من دعمه المالي والإنساني للفلسطينيين بعد 7 أكتوبر 2023، حيث خصص 400 مليون يورو كدعم مالي طارئ للسلطة الفلسطينية لمواجهة تعثراتها المالية والمضي قدماً في الإصلاحات “المطلوبة“. من المهم الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي قد ربط الزيادة في تمويله بإصلاحات مطلوبة من السلطة الفلسطينية في مجالات الحوكمة والتربية والتعليم وجهاز القضاء. إضافة إلى ذلك، أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرات مثل “مبادرة أمالثيا” لنقل المساعدات إلى قطاع غزة، لكنها واجهت تحديات لوجستية كبيرة وأثبتت محدودية تأثيرها.
يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات واضحة تحدّ من تأثيره على المشهد الفلسطيني الإسرائيلي. وتُعد الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء من أبرز هذه التحديات، حيث أنها تُعيق تبني مواقف موحدة وفعالة. فضلًا عن ذلك، يعتمد الاتحاد الأوروبي غالباً على القيادة الأميركية في قضايا الشرق الأوسط، ما يُضعف استقلاليته.
لقد تسببت الحرب في غزة بإعادة تنظيم واسعة، ونأت العديد من الحكومات الأوروبية بنفسها عن الحكومة الإسرائيلية الحالية. وتثير الإجراءات في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية استياء دول الاتحاد الأوروبي، بعد وصم سلوك إسرائيل في غزة بمخالفته للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وبالاستناد إلى دراسة نشرها مركز الأمن القومي الإسرائيلي “من شأن الأحكام القانونية ضد إسرائيل أن تقلّص من مساحة المناورة المتاحة لأوروبا في دعم إسرائيل، ناهيك عن تعزيز العلاقات. والواقع أن هذا الدعم من المرجح أن يتقلص أكثر مع تماشي التركيز المعياري الأوروبي على القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان مع مصالحها الجيوسياسية المتعلقة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا”.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :alkhanadeq.org.lb
بتاريخ:
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>