الدعاء بين العقيدة والإنسانية: هل تُفتح أبواب الرحمة للجميع؟

شفقنا – في سياق الدعاء الشريف “اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ السُّرُورَ”، تثار إشكاليات تتجاوز الأحكام الفقهية التقليدية، لتلامس رؤية أوسع للعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين. فهل الدعاء للآخر، حتى خارج إطار المذهب، يعبر عن نظرة إنسانية شاملة أم يخضع لحدود العقيدة والاختلافات الفقهية؟ وهل تتوافق النصوص الدينية مع هذا الأفق الواسع أم أنها تؤكد التمايز بين المذاهب؟ هذا التساؤل يقودنا إلى إعادة النظر في مفهوم الدعاء وحدوده بين الرحمة والتشريع.
إليكم نص المقال:
النافذة التي فتحها الدعاء الشريف “اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ السُّرُورَ” لمناقشة بعض القضايا المعرفية المتعلقة بتنظيم علاقاتنا مع غير المسلمين وغير المسلمين، وكذلك بعض الأحكام الشرعية في هذا المجال، قادتنا إلى بعض التساؤلات النهائية. فقد طرح في سياق هذا الدعاء الشريف منظور يمكننا تسميته بالنظرة الإنسانية إلى جميع البشر، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ومن بين المسلمين أنفسهم سواء كانوا من ذات المذهب أو من مذاهب أخرى. وفي هذا السياق، هناك مسائل قد تطرح كمحل تساؤل أو إشكال أو حتى شبهة، وقد عرضنا في الجزأين السابقين حالتين منها.
إن التوجه العام إلى الإنسان يشمل غير المسلمين أيضًا، إلا أن المناقشات السابقة أظهرت أنه من منظور النصوص الدينية، سواء كانت آيات قرآنية أو روايات أو فتاوى فقهية، وكذلك في ضوء التحليل المعرفي، يتضح أن هذا التوجه لا يعني تجاهل الفوارق بين المسلمين وغير المسلمين. كما أن هناك فروقًا بين المسلمين أنفسهم، مثل الفروق بين الشيعة وغيرهم.
لذلك، من الواضح أن هذا التوجه لا يعني إنكار هذه الفوارق أو إغفالها، إلا أن هذه الفوارق، على الرغم من الاعتراف بها إجمالًا، تظل في معظمها قضايا اجتهادية قد يختلف فيها الفقهاء. ومع ذلك، لا يعني هذا الاختلاف انتفاء النظرة الإنسانية تجاه جميع البشر، حتى في مسألة الطهارة والنجاسة، التي تعدّ إحدى المسائل التي اختلف فيها الفقهاء، وخصوصًا فيما يتعلق بطهارة ونجاسة الكفار أو غير المسلمين.
النقطة الأساسية وتأكيدنا هو أن الخلافات الفقهية في بعض هذه المسائل، التي يجب أن تناقش في مواضعها الخاصة، لا ينبغي أن تصرفنا عن تلك النظرة الإنسانية إلى البشرية وإلى بني آدم أيًّا كان مذهبهم أو معتقدهم أو دينهم؛ سواء في الإحسان والتعامل الإنساني في هذه الدنيا، أو في الحكم والتقدير لمصيرهم ومستقبلهم، سواء في هذه الحياة أو في الآخرة الأبدية. لا يمكننا ببساطة أن نحكم على جميع غير المنتمين إلى مذهبنا بأنهم أهل جهنم والعذاب، كما ناقشنا ذلك تفصيلًا في المقالات السابقة.
النظرة العامة
في سياق متابعة المناقشات السابقة، وبشكل خاص فيما يتعلق بظاهر الدعاء الشريف “اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ السُّرُورَ” وعموميته في الدعاء للآخرين، ولا سيما للمسلمين، قد يطرح السؤال التالي: ما الذي يمكن قوله بشأن الفرق الذي ورد في الروايات، وبالتالي في الفقه، بين الصلاة على الميت المسلم من ذات المذهب والصلاة على الميت المسلم من غير ذات المذهب؟ وهل تتوافق تلك الروايات مع هذه النظرة العامة التي أُبرزت وأُكدت في هذه الأبحاث أم لا؟
على سبيل المثال، فتح الكليني في كتاب الكافي، المجلد الثالث، بابًا بعنوان “الصلاة على المستضعف ومن لا يُعرف”. فإذا قُرئت عبارة “لا يُعرف” بصيغة الفعل المبني للمجهول، فالمقصود هو المستضعف فكريًا وإيمانيًا، أو الشخص الذي لا نعرف موقفه الاعتقادي.
أحيانًا نعلم أن هذا الشخص مسلم لكنه ليس شيعيًا، وقد أشير إليه بمصطلح “المستضعف”، وأحيانًا أخرى لا نعرف إطلاقًا ماهية إيمانه وعقيدته. لكن المقصود من المستضعف هنا ليس جميع المستضعفين، وإنما المستضعف المسلم فقط؛ لأن الصلاة الواجبة هي على الميت المسلم، أما الميت غير المسلم فلا تؤدى عليه صلاة، والسبب في ذلك، بعيدًا عن الأدلة الفقهية الخاصة، واضح أيضًا؛ فهو لم يكن يؤمن بالإسلام ولا بما يذكر في الصلاة من الشهادتين.
بناءً على ذلك، وكما ورد في نصوصنا وذكره الفقهاء، فإن وجوب صلاة الميت يقتصر على المسلم المتوفى، ولكن بالنظر إلى الاختلاف في بعض المعتقدات، وتحديدًا الفرق بين الشيعة وغير الشيعة، فهل تكون كيفية الصلاة عليهما واحدة أم لا؟ إذا استثنينا الناصبيين استنادًا إلى النصوص الأخرى التي وردت في باب منفصل بعد هذا الباب، نجد أن هذه الروايات تطرح مفهومين في هذا السياق: الأول هو الصلاة على المستضعف، والثاني هو الصلاة على الشخص المجهول. لهذا السبب، وعلى خلاف رأي محققي كتاب الكافي، نرجّح أن تقرأ عبارة “وعلى من لا يُعرف” بصيغة المبني للمجهول، وليس المبني للمعلوم، خاصة وأن الكليني كرر تعبير “وعلى من”، مما يدل على أنه عنوان مستقل وليس مجرد عطف تفسيري.
المستضعف فكريًا
سأذكر بعض هذه الروايات التي تتمتع بأسانيد صحيحة. الرواية الأولى التي نقلها الكليني بسند صحيح عن محمد بن مسلم تقول إن الإمام الباقر (ع) أو الإمام الصادق (ع) (لم تحدد الرواية أيهما)، قال: “الصلاة على المستضعف والذي لا يُعرف، الصلاة على النبي (ص) والدعاء للمؤمنين والمؤمنات”؛ أي أن الصلاة على الشخص المستضعف، وهو “المسلم المستضعف فكريًا وعقائديًا”، “والذي لا يُعرف” تعني الشخص المجهول الهوية (إذا قرئت بصيغة المبني للمجهول)، أو الذي نعرف أنه ليس شيعيًا (إذا قرئت بصيغة المبني للمعلوم)، وفي هذه الحالة ستكون الجملة عطفًا تفسيريًا، أي أن المستضعف هو من ليس مؤمنًا بالأئمة (ع).
الصلاة على هؤلاء تقتصر فقط على الصلوات على النبي (ص) والدعاء للمؤمنين، أي أنه في هذه الحالة لا يتم الدعاء مباشرة للميت نفسه.
توضيحًا لذلك: في صلاة الميت، كما هو معلوم، تقال خمس تكبيرات وأربعة أنواع من الذكر والدعاء، وإذا كان المتوفى معروفًا بأنه شيعي، يقرأ له دعاء خاص. لكن في هذه الرواية، لا يذكر هذا الدعاء الخاص، وإنما يقال عمومًا، كمثال: “ربنا اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم”، إلى نهاية الآيتين، أي: “اللهم اغفر لمن تاب واتبع سبيلك، واحفظهم من عذاب جهنم”. وهنا، لا يكون الدعاء موجّهًا بشكل مباشر لهذا الشخص الذي نعتبره مستضعفًا عقائديًا وفكريًا.
في رواية صحيحة أخرى نقلها فضيل بن يسار عن الإمام الباقر (ع) جاء فيها: عندما تصلي على مؤمن شيعي، فأكثر وخصص له الدعاء، ولكن إذا لم يكن شيعيًا وكان مستضعفًا، أي في واقع الأمر قد بقي متحيرًا في الطريق، فاقتصر على التكبير فقط: “وإن كان واقفًا مستضعفًا فكبّر”. أي أن الأشخاص الذين بقوا مترددين ولم يتمكنوا من إدراك الحق بسبب ضعفهم العقائدي والفكري، والذين وصفهم القرآن وبعض الروايات التي ذكرناها سابقًا بأنهم “لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا” إلى الإيمان، لم تكن لديهم الإمكانية الخارجية أو القدرة الداخلية لفهم الحقيقة ومعرفة الإمامة، فبقوا متحيرين ولم يكونوا من الشيعة، لكنهم في الوقت ذاته لم يظهروا العداء أو العداوة لأهل البيت (ع)، بل قد يكون بعضهم من المحبين لأهل البيت (ع) حتى وإن لم يعرفوهم كأئمة.
ثلاثة أصناف
في رواية ثالثة ذات سند صحيح، والتي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار بشكل خاص في هذا السياق، قسّم الإمام الصادق (ع) هؤلاء الأفراد إلى ثلاثة أصناف:
إذا كان الميت شخصًا مستضعفًا، فقل: “اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم”.
وإذا كان المتوفى مجهول الحال من الناحية العقائدية، فقل: “اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه.
أما إذا كان المستضعف المتوفى له صلة بك، كأن يكون أحد أقاربك، فعندها استغفر له، لكن ليس من باب “الولاية” الإيمانية، بل من باب “الشفاعة”: “وإن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية”.
أي أنه إذا كان الميت مستضعفًا وتعرف حاله، فادعُ له بتلك الصيغة، وإذا كنت لا تعرف حاله الإيماني، فادعُ له بشرطية كما ورد في الرواية. ولكن هناك حالة ثالثة، وهي إذا كان المستضعف المتوفى قريبًا لك وله صلة بك، مثل أن يكون والدك أو والدتك أو أخاك أو أختك، فيمكنك بل يستحب لك أن تدعو له وتطلب له المغفرة، ولكن ليس من منطلق الارتباط العقائدي الكامل، الذي يعبَّر عنه بمصطلح “الولاية”، وإنما من باب “الشفاعة”، وهو مفهوم ذو أهمية خاصة في المعارف القرآنية والحديثية.
هذا في الواقع يتماشى مع بعض الروايات الأخرى المتعلقة بمسألة الحج، حيث يسأل أحد الأشخاص الإمام (ع) عمّا إذا كان يمكنه أداء الحج والطواف نيابة عن والده الناصبي، وما إذا كان ذلك سينفعه أم لا؟ فتجيز تلك الروايات ذلك، وأدنى فائدة لذلك هي التخفيف من عذابه.
صلاة الميت
وفيما يتعلق بصلاة الميت، ورد أيضًا أنه إذا كان المتوفى من الأشخاص الذين لهم نوع من الحقوق الخاصة، كصلة القرابة أو الصداقة أو الجيرة، أو كان قد أحسن إلى المصلي أو خدمه، وهو ما يستدعي شعورًا خاصًا بالشفقة تجاهه، فقد قال الإمام (ع): “فاستغفر له على وجه الشفاعة”، أي يمكنك الاستغفار له بشكل خاص، وليس بالضرورة أن تقتصر على الدعاء العام المشروط، كأن تقول: “اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك”، بل يمكنك الدعاء له بشكل خاص، ولكن يجب أن يكون نهج الدعاء مختلفًا عن الدعاء الذي يخص الشيعي الاثني عشري الخالص، وذلك “على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية”.
ويلاحظ من خلال هذه الرواية المعتبرة أن الحدود العقائدية والتمييز بين أتباع المذهب الشيعي وغيرهم لم يتم إلغاؤها، ولكن سمح بالدعاء للآخرين بشكل خاص ومشروط، أو تحت عناوين عامة، ما داموا ليسوا في صف الأعداء.
أما الدعاء الخاص لغير المنتمين للمذهب، فقد يعتبر ترويجًا لعقيدتهم، لكن في الواقع، إذا كان الشخص صالحًا ومحبًا للخير ويسعى للحق، ولكن حال بينه وبين معرفته الصحيحة للحق قصور فكري أو عوائق وظروف خارجية، فيمكن الدعاء له بصيغة عامة أو مشروطة.
في القسم الثالث، الذي يتعلق بالدعاء لأولئك الذين لدى المصلي علاقة خاصة معهم، وبالتعبير العام في الرواية: “كان المستضعف منك بسبيل”، يطلب الرحمة والمغفرة من خلال الشفاعة والوساطة بين العبد المصلي والله الرحمن الرحيم.
وكأن المصلي يقول: “اللهم اغفر لهذا العبد من أجل اعتقاداتي الصحيحة وإيماني السليم”. لذلك، فإن إرسال الشفيع والشفاعة لا تقتصر على أتباع نفس الدين والمذهب بالمعنى الخاص. على أي حال، يسمح للشخص بأن يدعو بشكل خاص، لكن مع الحفاظ على الحدود العقائدية كما هو مذكور. هذه الرؤية هي في الواقع رد على الشبهة التي تقول إن هذه الروايات تحت العناوين العامة أو حتى في بعض الحالات الخاصة لا تمنع الدعاء ولا ترده.
وفي رواية مرسلة أخرى، عن شخص لا نعرفه تمامًا أو نعرف عقيدته ولكن لا نعلم سلوكه بدقة، ورد أن المصلي يقول: “اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم”. مع التوضيح أن هذا الدعاء العام إذا كان “مؤمنًا” فإنه يشمله، وإذا لم يكن مؤمنًا فإنه يخرج من ذلك: “فإن كان مؤمنًا دخل فيها وإن كان ليس بمؤمن خرج منها”.
الإمام الباقر (ع)
وفي الرواية الأخيرة من هذا الباب، نقل شخص اسمه “ثابت أبي المقدام” أنه كان مع الإمام الباقر (ع) عندما صادفوا جنازة أحد جيران الإمام. فشاهد الإمام (ع) يشارك في الصلاة، وكان قريبًا منه، وسمع الدعاء التالي: “اللهم إنك أنت خلقت هذه النفوس و أنت تميتها و أنت تحييها و أنت أعلم بسرائرها و علانيتها منّا و مستقرها و مستودعها، اللهم و هذا عبدك و لا أعلم منه شراً و أنت أعلم به، و قد جئناك شافعين له بعد موتهّ فإن كان مستوجبا فشفعنا فيه و احشره مع من كان يتولاه”.
إعادة سرد هذه المسألة وكيفية دعاء الإمام (ع) يظهر أن هذا الميت لم يكن من الشيعة بالمعنى الخاص ولا من المؤمنين بالمعنى الخاص أيضًا، وعادة ما يعتبره الفقهاء من الذين كان إيمانهم غير معروف؛ ومع ذلك، فإن بعض العلماء مثل العلامة المجلسي نظرًا للمعرفة العامة التي كان للإمام (ع) بالأفراد، وخاصة أن الشخص كان جارًا له، استبعد هذا المعنى وافترض أن الشخص كان “مستضعفًا” أو أن عمل الإمام (ع) كان له جانب تعليمي. كما أن صاحب الحدائق اعتبر ذلك متعلقًا بالأفراد المستضعفين الذين كانوا يشكلون غالبية المجتمع في ذلك الوقت: “والظاهر أنه من المستضعفين الذين هم أكثر الناس يومئذ كما يفهم من الأخبار”.
على أي حال، نفس مسألة الشفاعة التي طرحت في الرواية السابقة قد تم ذكرها هنا أيضًا، ومن هذه الرواية نفهم هذه الإضافة: أن هذا المستضعف وكان شخصًا غير منتمٍ للمذهب نفسه، لكنه كان مسلمًا، كان لديه صفة مشتركة مع الإمام الباقر (ع)، وهي أنه كان جاره، والجوار في النهاية يخلق حقًا.
الإمام (ع) في هذا الدعاء يتوجه إلى الله عز وجل قائلاً: “اللهم إنك أنت خلقت هذه النفوس و أنت تميتها و أنت تحييها و أنت أعلم بسرائرها و علانيتها منّا و مستقرها و مستودعها، اللهم و هذا عبدك و لا أعلم منه شراً و أنت أعلم به، و قد جئناك شافعين له بعد موتهّ فإن كان مستوجبا فشفعنا فيه و احشره مع من كان يتولاه”.
بالطبع هناك احتمال معتبر يشير إلى أن المقصود بـ “مستوجب” هو أنه إذا قام الشخص بأعمال لا نعلم عنها وتستحقه العذاب، فليقبل شفاعتنا ويخلصه من العذاب. وإذا كان قد فعل أشياء تجعله مستحقًا لغضبك وعذابك، فلا تغضب عليه، وقبل شفاعتنا له. من الطبيعي أن الشفاعة تكون لمن هو في مواجهة الجحيم وغضب الله وعذاب النار.
مستضعفين
في خلاصة هذه الروايات التي تميزت بين طريقة الصلاة للشيعة وغير الشيعة، يمكن القول إن هذه الروايات تظهر أنه لا يوجد مانع من الدعاء للآخرين إذا كانوا مستضعفين، وإذا كان هناك صفة مشتركة بين المصلي وهذا الشخص، فإن الدعاء بشكل طلب الشفاعة وارد ومطلوب. ومن الطبيعي أن هناك فرقًا بين الدعاء للـ “مؤمن” وغير المؤمن، وهذا أمر طبيعي.
الشخص الذي هو من نفس المذهب والشيعي الكامل، من الطبيعي أن نولي له اهتمامًا أكبر وندعو له أكثر. ولا يجب أن يكون الصلاة على شخص لا يحمل بعض معتقداتنا، بمثابة تجاهل لبعض الجوانب الفكرية التي نعتبرها خاطئة ومنحرفة. وبالتالي، الدعاء بشكل خاص لشخص له صفة مشتركة مع الإنسان لا مانع منه.
الدعاء في بعض الأحيان يكون اعتبارًا من منطلق المذهب، وبتعبير الرواية “على وجه الولاية”، وأحيانًا يكون “على وجه الشفاعة”، وهذا أيضًا يتوافق مع الواقع؛ لأن الواقع هو أن أحدهما يشترك في العقيدة والآخر لا، ولكن المصلي لديه دافع للدعاء له بشكل خاص، وهذا يعود إلى الشخص المصلي.
من خلال هذه النظرة، في الرواية الرابعة من هذا الباب التي نقلها الشيخ الكليني عن ابن فضال، والذي نقلها عن بعض أصحابه، ونحن لا نعرف من هو الشخص الذي نقل عنه، وبالتالي فإنها ستكون رواية مرسلة، قال الإمام الصادق(ع) بشكل عام إن طلب الرحمة ينقسم إلى قسمين: «الترحم على جهتين جهة الولاية وجهة الشفاعة؛ الترَحُم يتم من جانبين: من جانب الولاية ومن جانب الشفاعة».
في القسم الثاني، يطلب الإنسان من الله سبحانه وتعالى أن يغفر لشخص ما وينقذه من العذاب ويشمله برحمته ومغفرته، بناءً على المكانة والاحترام الذي يحظى به الداعي عند الله سبحانه وتعالى، ومعتمدًا على وعد الله باستجابة الدعاء، يعتبر نفسه شافعًا.
دلالة عامة
على الرغم من أن الكليني قد أورد هذه الرواية عن ابن فضال في هذا الباب وفي سياق الروايات المتعلقة بالصلاة على الميت، إلا أنها قد تكون لها دلالة عامة ولا تختص بمسألة الصلاة فقط؛ لأن الإمام(ع) وفقًا لهذا النقل، قد قسم طلب الرحمة للآخرين إلى نوعين بشكل عام، ومن المؤكد أن أحد الأمثلة الواضحة على ذلك هو ما ورد في بعض الروايات الأخرى في هذا الباب بشأن الصلاة على الجنازة. في الواقع، حتى لو لم تكن هذه الرواية موجودة، التي ظاهرها مطلق ولا يقتصر على دعاء صلاة الميت، يمكننا تعميم الحكم بناءً على الروايات السابقة التي ذكرناها، وبالتالي نقول إنه يجوز الدعاء بهذا الشكل حتى في غير صلاة الميت.
مقابل هذه المجموعة من المسلمين، توجد فئة أخرى يعتبرون أنفسهم مسلمين ويعيشون في المجتمع الإسلامي، ويشيّعون ويدفنون في مقابر المسلمين، وتصلى عليهم الصلاة، ولكن وضعهم مختلف؛ وبعض الروايات تصفهم بأنهم ناصبية، أي أنهم في عداد أعداء أهل البيت(ع)، وهو أمر نادر الحدوث. وضعهم مختلف، فليس لديهم استحقاق الدعاء، بل يمكن أن يلعنوا، ويفترض أنهم من الأشخاص المقصرين الذين لا عذر لهم ويعلمون أنهم يخاصمون.
هذه الفئة من الأشخاص هم أولئك الذين رغم أن محبة أهل البيت(ع) هي من المسلمات القرآنية، بعيدًا عن تفاصيلها ومن مسألة الإمامة، قد تعاملوا مع أهل البيت(ع) بعداوة. من هذا المنظور، على الرغم من أن الإمامة تحمل معنى خاصًا أكثر من المحبة، إلا أن “محبة ذوي القربى” التي وردت في آيات متعددة هي من الأمور البديهية والمسلمة، ومن خلال الإيمان بالقرآن لا يمكن لأحد أن يعادي أهل البيت(ع)، وإنكار ذلك سيكون مثل إنكار الصلاة أو الحج أو الصوم، وهي من الثوابت التي إذا جحدها المرء، فإن ذلك يعد من الكفر. بالطبع، من الناحية الفقهية، تحدث فقهاؤنا حول إنكار هذه المسلمات مع الحفاظ على اختلافاتهم في بعض التفاصيل.
مع هذا الاهتمام، يتبين أن الكليني، على سبيل المثال، بعد باب من الروايات التي تتعلق بالصلاة على جنازة مستضعف ومجهول الحال، فتح بابًا آخر يتحدث عن كيفية الصلاة على ميت ناصبي، وأورد عدة روايات عن كيفية الصلاة على أولئك الذين يعادون أهل البيت(ع). هؤلاء هم الأشخاص الذين تم تناول موضوع نجاستهم وطهارتهم في الفقه، والرأي الغالب هو أنهم نجسون، رغم وجود رأي آخر في هذا الصدد.
موضوع الكفر
هنا، ولإتمام حديثنا، سنورد بعضًا من هذه الروايات من هذه الفئة لنوضح أنه إذا تم فصل حساب هؤلاء عن الآخرين، فإن ذلك يتم وفق نفس المعيار الذي تم طرحه في موضوع الكفر في روايات أخرى، وأن الكافر بمعناه الخاص هو الذي ينكر عن علم، وهناك فرق بين الكافر “القاصر” والكافر “المقصر”.
إحدى تلك الروايات هي الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق(ع) حيث قال: «إذا صليت على عدو الله فقل: اللهم إنّ فلانا لا نعلم منه إلا أنه عدو لك ولرسولك؛ اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجل به إلى النار فإنه كان یتولى أعداءك ويعادي أولياءك ویبغض أهل بیت نبیك، اللهم ضیق علیه قبره فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه».
كما جاء في رواية أخرى من نفس الباب، أن سبب اللعنة على الميت هو أنه كان يتولى أعداء الله ويعادي أولياء الله، وكان يبغض أهل بيت(ع): «اللهم أخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيك(ص)».
حساب هذه الفئة من الأقلية أو النادرين مختلف، وهم مثل الكفار المعاندين، الذين حسابهم يختلف عن الكفار الذين نعتبرهم مستضعفين أو معذورين أو قاصرين، وهم في نفس رتبة المشركين الذين ورد ذكرهم في القرآن، حيث أن استغفار النبي(ص) لن يفيدهم، كما وضحنا سابقًا.
خلاصة القول إن حساب المعاندين والمبغضين لأولياء الله وأهل بيت(ع) مختلف، وإذا كانت الصلاة على جنازاتهم ضرورية، فهي صلاة لن تنفعهم.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.shafaqna.com
بتاريخ:2025-03-29 04:32:00
الكاتب:Shafaqna1
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>