الصلة بين الدماغ والبشرة قد تكون أقوى مما تعتقد
كيف يؤثر كل من الاكتئاب والقلق في البشرة بوصفهما أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في الولايات المتحدة الأمريكية؟
قد يقدم مجال جديد مختص في علم الأمراض الجلدية والنفسية جوابًا على السؤال السابق، ومن ثم الحصول على بشرة صافية ونقية.
أحيانًا تشعر أن لا شيء في الحياة قد يسبب التوتر والقلق، أكثر من ظهور بثور في الوجه قبل موعد مهم، لذا فإن حدوث العكس قد يبدو أمرًا منطقيًا، فقد تؤثر العواطف أيضًا في البشرة.
لقد ساعدت الدراسات الجديدة في مجال علم الأمراض الجلدية والنفسية على إيضاح العلاقة بين الدماغ والبشرة أكثر فأكثر.
العلاقة بين الدماغ والبشرة:
عانى روب نوفاك الأكزيما منذ طفولته، فقد امتدت الأكزيما طوال مرحلة المدرسة الثانوية والجامعة لتغطي كامل يديه، حتى وصل لمرحلة لم يستطع بعدها مصافحة أيدي الآخرين أو لمس الخضار النيئة أو حتى غسل الأطباق، لأن بشرته كانت ملتهبة للغاية.
لم يستطع أطباء الجلدية تحديد السبب الكامن وراء ذلك. وصف الأطباء له الستيروئيدات القشرية التي ساعدت على تخفيف الحكة والالتهاب فترة قصيرة، لكنها أدت في النهاية إلى ترقق البشرة لديه، ما جعلها أكثر عرضةً للتشقق والعدوى. عانى روب أيضًا الاكتئاب والقلق اللذين كانا شائعين بين أفراد عائلته.
واجهت جيس فاين الأكزيما طوال حياتها أيضًا، وساعدت الستيروئيدات وكريمات الكورتيزول التي وصفها لها الأطباء على تخفيف أعراض الأكزيما مؤقتًا، لكن عاود الطفح الجلدي الظهور في النهاية في مكان آخر من جسمها.
تقول جيس: «تمثلت نقطة التحول لديّ بلحظة انتشار طفح جلدي رهيب في جسدي. امتد الطفح ليغطي كامل وجهي، وتورمت عيناي أيضًا للغاية».
عانت جيس في تلك الفترة من القلق كثيرًا، ما تسبب في حلقة من ردود الفعل بين دماغها وبشرتها، وأكملت قائلة: «تسبب قلقي حيال الأكزيما إلى ازدياد حال بشرتي سوءًا، وأصبح القلق والتوتر أكثر سوءًا أيضًا كلما ساءت حالة بشرتي. خرجت الأمور عن السيطرة، وتعين عليّ أن أجد مخرجًا من هذه الدوامة».
اتخذ نوفاك في منتصف العشرينيات من عمره نهجًا تكامليًا جديدًا، إذ تجنب تناول أكبر عدد ممكن من الأغذية التي قد تسبب الالتهاب لديه في نظامه الغذائي، وقد تضمن ذلك كلًا من عائلة النباتات البرية (الباذنجانيات) والقمح والذرة والبيض ومنتجات الألبان، إضافةً إلى ذلك جرب الوخز بالإبر. نجحت الأساليب السابقة في تخفيف شدة الأكزيما لديه، لكن ما زالت تزعجه.
لم يشعر نوفاك بارتياح حقيقي حتى بدأ بالعلاج النفسي الجسدي، ووصف أهداف الأسلوب العلاجي السابق: «يهدف العلاج النفسي الجسدي إلى إطلاق العنان للمشاعر المكبوتة والتعبير عن العواطف».
تخلص نوفاك من الأكزيما كاملًا لأول مرة في حياته بعد إتمامه العلاج السابق. تحسن أيضًا القلق والاكتئاب لديه مع التزامه بالعلاجات النفسية والتنفيس الانفعالي.
عاودت الأكزيما الظهور مرة أخرى بعد سنوات عديدة حين كان في كلية الدراسات العليا، ويعود ذلك إلى الإجهاد المستمر وانشغاله عن حياته العاطفية محاولًا إدارة عبء العمل المرهق.
يقول نوفاك: «لاحظت حينها وجود علاقة بين كمية الانفعالات والمشاعر المكبوتة داخلي والأكزيما من ناحية أخرى».
ثقفت فاين نفسها أيضًا عن الأكزيما، وعالجت مشكلاتها الهضمية، إضافةً إلى أنها تلقت دعمًا معنويًا للتخفيف من القلق والتوتر لديها، وقد تجاوبت بشرتها مع الأساليب العلاجية السابقة.
تسيطر الآن فاين على الأكزيما خاصتها، إلا أنها تعاود الظهور أحيانًا في الأوقات العصيبة.
يُعد ربط الاضطرابات النفسية بالأمراض الجسدية أمرًا صعبًا، فقد يفشل الطبيب في تشخيص وعلاج الأمراض الجسدية الحقيقية، إذا تعامل الطب مع المشكلات الصحية على أنها (نفسية) بالكامل.
يوجد بعض الاضطرابات الجلدية التي تعود لأسباب جسدية بحتة، وتستجيب للعلاج الجسدي جيدًا، إذ لا يحتاج المريض في هذه الحالات إلى البحث عن حلول إضافية.
رغم ذلك، يشكل فهم علم الأمراض الجلدية والنفسية مفتاحًا مهمًا للعلاج في حالة المرضى الآخرين الذين يعانون الأكزيما المقاومة للعلاج وحب الشباب والصدفية وغيرها من اضطرابات البشرة التي تزداد سوءًا مع التوتر والقلق والاكتئاب.
ما تعريف علم الأمراض الجلدية والنفسية؟
يعرّف علم الأمراض الجلدية والنفسية على أنه اختصاص يجمع بين العقل (الطب النفسي والسيكولوجيا) والبشرة (الأمراض الجلدية)، إذ يتشكل هذا الاختصاص نتيجة التفاعل بين الجهاز العصبي والبشرة والجهاز المناعي.
تشترك الخلايا العصبية والخلايا المناعية وخلايا البشرة بأصل واحد من الناحية الجنينية، إذ تشتق جميعها من الأديم الظاهر، ونتيجةً لذلك تستمر الخلايا السابقة في التأثير والتواصل فيما بينها على مدى حياة المرء.
من المفيد اتخاذ التغيرات التي تحدث للبشرة عند شعور المرء بالإهانة أو الغضب، مثالًا في سبيل فهم العلاقة السابقة، إذ ترتفع مستويات هرمونات الشدة، وتبدأ مجموعة من الأحداث، تنتهي بتوسع الأوعية الدموية في أنحاء الجسم، ما يسبب احمرار الوجه وتعرّقه.
قد تسبب العواطف ردود فعل جسدية أيضًا، إذ يواجه بعض الأشخاص صعوبة في التحدث أمام عدد كبير من الناس، وقد يستخدم المرء أنواعًا متعددة من كريمات البشرة لتفادي احمرار وجهه وتورمه، لكن لا مفر من ذلك إن لم يعالج المرء السبب العاطفي النفسي من خلال تهدئة نفسه.
وضح بحث نُشر عام 2007 أن معالجة اضطرابات البشرة لأكثر من ثلث مرضى الأمراض الجلدية تتطلب استشارات نفسية.
قالت الطبيبة جوسي هاورد؛ الاختصاصية في الطب النفسي والباحثة في علم الأمراض الجلدية والنفسية: «يُعد 30% على الأقل من المرضى المترددين لعيادات الجلدية متعايشين في الأصل مع القلق أو الاكتئاب، ربما تكون التقديرات السابقة حتى أقل من الحقيقة».
يقدر الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد وعالم النفس السريري تيد غروسبارت أن 60% من المرضى الذين يراجعون مقدمي الرعاية الصحية لمواجهتهم مشكلات في البشرة والشعر، يعانون إجهاد وقلق كبيرين في حياتهم اليومية.
يعتقد الأستاذ غروسبات أنه لعلاج اضطرابات البشرة والتحكم فيها ينبغي استخدام مزيج من الأدوية والتداخلات العلاجية والعلاج الجلدي.
تقسم الأمراض الجلدية النفسية إلى ثلاث مجموعات:
الأمراض الجسدية النفسية:
تتمثل هذه المجموعة في كلّ من الأكزيما والصدفية وحب الشباب والشرى، إذ تشترك اضطرابات البشرة السابقة بظهورها في حالات التوتر العاطفي أو حتى أنها تزداد سوءًا بوجوده، فقد تؤدي بعض حالات الشدة النفسية إلى زيادة الالتهاب في الجسم.
يفيد في السيطرة على الحالة وضبطها اتباع أساليب علاجية جلدية، إضافةً إلى تقنيات الاسترخاء وضبط التوتر.
تُعد الأدوية المضادة للقلق، مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائي، مفيدة للغاية في حالات القلق والتوتر العاطفي الشديدين.
الاضطرابات النفسية الأولية:
تنجم اضطرابات البشرة هذه عن اضطرابات نفسية تؤدي إلى إيذاء المريض لنفسه، التي تشمل هوس النتف (هوس سحب الشعر)، إضافةً للاضطرابات النفسية التي تدفع المريض لتخريش الجلد وأذيته.
يتضمن العلاج الأفضل لهذه لحالات كلًا من الأدوية والعلاج السلوكي المعرفي.
الاضطرابات النفسية الثانوية:
تتسبب اضطرابات البشرة في هذه المجموعة باضطرابات نفسية، فقد تجذب بعض الأمراض الجلدية هذه انتباه الآخرين، إذ قد يواجه المرضى نتيجة ذلك التمييز عن غيرهم والشعور بأنهم منبوذون اجتماعيًا، إلى جانب الثقة المنخفضة بالنفس.
تتضمن اضطرابات البشرة التابعة لهذه المجموعة كلًا من العد الكيسي والصدفية والبهاق وغيرها الكثير من الأمراض التي تترافق مع الاكتئاب والقلق.
قد لا يتمكن الطبيب في هذه الحالات من علاج المرض الجلدي، لكن تفيد المتابعة مع اختصاصي الصحة النفسية في التغلب على الاكتئاب والرهاب الاجتماعي والتوتر.
يُعد الأسلوب العلاجي الشامل لكامل الجسم النهج الأفضل في علاج أي اضطراب.
كيف يؤثر القلق والاكتئاب في البشرة؟
أوضحت هاورد: «توجد ثلاث طرق يتقاطع فيها العقل والبشرة. أولًا، قد يتسبب القلق والاكتئاب برد فعل التهابي في الجسم الذي يضعف بدوره وظيفة الحاجز الجلدي سامحًا للمهجيّات بالدخول إلى الجسم بسهولة، وقد تفقد البشرة رطوبتها ما يبطئ عملية التئام الجروح».
ثانيًا، تتغير السلوكيات الصحية في حالات القلق والتوتر، وتقول هاورد: «قد يهمل مرضى الاكتئاب روتين العناية بالبشرة الذي يحتاجونه لعلاج حب الشباب والإكزيما والصدفية. من ناحية أخرى، يستخدم مرضى القلق الكثير من المنتجات، واضعين أنفسهم في دوامة من الهوس عند ملاحظتهم تجاوب بشرتهم مع الروتين».
قد يغير القلق والاكتئاب أخيرًا من إدراك المرء لذاته، وتضيف هاورد: «قد يتأثر إدراك الفرد لبشرته في حالات التوتر والاكتئاب، فقد يضخم المرضى الحبوب الصغيرة مثلًا، ما يدفعهم لعدم الذهاب للعمل، ومن ثم قد يؤدي تجنب النشاطات الاجتماعية إلى جعل التوتر والاكتئاب أكثر سوءًا».
اتخاذ تدابير شاملة:
يتبع الأطباء نهجًا ثلاثي الجوانب يشمل كلًا من العلاج وتعلم كيفية العناية بالذات والأدوية وعلاج الأمراض الجلدية.
اقرأ أيضًا:
هل تجب إضافة مكملات الكولاجين إلى روتين العناية بالبشرة؟
خمس نصائح لحماية البشرة في الصيف
ترجمة: رهف وقّاف
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: هادية أحمد زكي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.ibelieveinsci.com بتاريخ:2024-09-17 00:44:40
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي