المتاحف الغربية.. ما بين سرقة آثار المسلمين وتشويه صورتهم
شفقنا- تعدّ الدول الغربية نفسها وصية على رواية التجربة الإنسانية العالمية، متجاهلة الجذور الاستعمارية لها، والتي جعلتها تفرض رؤيتها ووجهة نظرها على تلك التجربة، ومحاولة محو وتشويه مشاركات الأمم والحضارات الأخرى في تلك التجربة، خصوصًا مشاركة الأمتين العربية والإسلامية.
وفي مقال للكاتب “ضرار علي” ، نشره موقع “تي ار تي وورلد” قال فيه إنه بعد وقت قصير من الغزو الأمريكي البريطاني للعراق كان يزور معرض “جميل” المقام في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن عام 2003، متعجبًا كيف يتعرض العراق، وهو واحد من أقدم الحضارات المستمرة منذ فجر التاريخ البشري، للقصف، فيما كان الأمريكيون والأوروبيون يتجولون في المتاحف مسحورين بما تعرضه تلك المتاحف من تاريخ غني للعراق!
وأوضح الكاتب أنه أدرك بعد ذلك أن الإجابة في تاريخ تأسيس المتحف ذاته، فعندما افتُتح عام 1735م كان يضم مجموعة من 71000 قطعة فقط، لكنه على مدى 250 عامًا بعد ذلك، وسع مجموعته إلى 8 ملايين قطعة أثرية جمعها خلال الحقبة الاستعمارية، جعلته يفتتح العديد من الفروع، خاصة أنه يضم عددًا من أشهر القطع في العالم، التي يوجد عليها نزاع كبير، مثل رخامات إلجين اليونانية، وحجر رشيد المصري، فيما يؤكد الكاتب أن ذلك التاريخ هو رمز للنصر الإمبراطوري المستمر حتى الآن.
واستعرض الكاتب تاريخ عدد من المتاحف الأوروبية الأخرى التي نهجت نفس النهج، مبينًا أن هذه المتاحف كلها أنشئت وازدهرت في ظل التوسع العالمي للاستعمار، والذي اعتمد على إنشاء الوسائل المختلفة من أجل الحصول على القطع الفنية والتحف والمصنوعات اليدوية المسروقة من الحفريات الأثرية والأماكن ذات الأهمية التاريخية أو الدينية والمخطوطات النادرة والقيمة، وحتى الرفات البشري، معتمدة على ترسيخ المبدأ القائل: خذ ما تستطيع، بأي وسيلة ضرورية.
ويوضح الكاتب أن هذه المجموعات كانت بمثابة برهان على القوى الأوروبية في الوصول، وقدرتها على جذب الجماهير وأسرهم من خلال إظهار الغموض والغرابة الموجود في “السكان الأصليين الظلاميين وغير المتحضرين” الموجودين في الأراضي البعيدة، لافتًا إلى أن تعريف المتحف البريطاني اليوم عن نفسه بأنه “فريد من نوعه في جمع ثقافات العالم عبر القارات والمحيطات تحت سقف واحد. ولا يوجد متحف آخر مسؤول عن تجميعات من نفس العمق والاتساع والجمال والأهمية”، هو بيان جريء يتجاهل السياق التاريخي الذي كان قادرًا فيه على “جمع” هذه الثقافات.
ويشير الكاتب إلى أن هذا لا ينفي أن هناك وعيا متزايدا في السنوات الأخيرة حول مشكلة الضعف في -أو في بعض الحالات عدم توفر- مصدر للفنون والأشياء الموجودة في المتاحف الغربية، حيث قام النشطاء الذين تعود جذور بعضهم إلى البلدان التي كانت مستعمرَة في السابق، بإطلاق حملات لاستعادة القطع الأثرية المنهوبة، وفي بعض الحالات وصلت هذه المطالب إلى المستوى الدولي.
ويرى الكاتب أنه منذ اللحظة التي وطئت فيها قدم نابليون مصر عام 1798، واحتل العالم العربي، وبالتالي العالم الإسلامي، مركز الصدارة في الخيال الأوروبي، حيث بدأ الأوروبيون -في محاولة لفهم مكانهم في تاريخ العالم- في بناء نماذج أصلية سلبية للمسلمين، وهي الظاهرة التي عُرفت بعد ذلك بالاستشراق، والتي أدت إلى إطلاق العديد من الحركات، بحيث أصبح جمع وعرض الأشياء من العالم الإسلامي إستراتيجية رئيسية في تشكيل وإعادة تشكيل الخيال الغربي، مشددًا على أن جيش علماء الاجتماع والمؤرخين والمساحين الذي انضم إلى نابليون في مهمته، توصلوا -في الغالب- إلى نفس النتيجة: لم يكن هؤلاء البدو الصحراويون الظلاميون والسكان الذين يعانون من الفقر الموجودون في متاهات المدن القديمة هم نفس الأشخاص الذين حكموا العالم المعروف، والذين كانوا روادًا في مجالات العلم والفلك، وكان من المقرر معاملتهم وفقًا لذلك.
ويكشف الكاتب عن أنه -اليوم- تضم متاحف اللوفر ونيويورك متروبوليتان للفنون وفيكتوريا وألبرت والمكتبة البريطانية في لندن ومتحف بيرجامون في برلين، مجموعات كبيرة من الأشياء النادرة والقيمة التي تم جمعها من جميع أنحاء العالم الإسلامي الواسع، وهذه المجموعات -أو المتاحف التي تحاول جمع أكثر من ألف عام من الثقافة والفن في عدد قليل من الغرف- تقدم نظرة ثاقبة حول كيف تستمر هذه المؤسسات في النظر إلى الإسلام والعالم الإسلامي الأوسع وكيف تعرضهما، ففي حين أن الأشياء المعروضة تدل على التطور والتألق التاريخي، فلا يوجد سرد يربط الماضي بالحاضر، وهذه ليست مصادفة.
وأكد الكاتب أن المسلمين كافحوا من أجل أن يتم تمثيلهم بشكل عادل ودقيق في الخيال الأوروبي، لكن عدم نجاح هذا الكفاح لم يكن بسبب قلة المحاولة، ففي السنوات الأخيرة، حاولت المعارض الممولة -والمنظمة جزئيًّا- من قبل منظمات من داخل العالم الإسلامي “تصحيح” سوء الفهم التاريخي القديم، مشيرًا إلى ما حدث في عام 2009، عندما اشترك متحف فيكتوريا وألبرت مع “فن جميل”، وهي مجموعة خيرية سعودية خاصة، لإطلاق “مسابقة جائزة جميل”، والتي منحت في عام 2021 الجائزة الأولى للفنان السعودي عجلان غارم عن عمله الفني، الذي حظيَ بثناء واسع، والذي كانت بعنوان “الجنة لها أبواب كثيرة”، حيث قال الفنان إن عنوان القطعة يشير إلى المسارات المختلفة إلى الجنة الموصوفة في القرآن، حيث يكرر العمل الفني تصميم مسجد تقليدي، لكنه مصنوع من أسلاك تستخدم لصنع أقفاص الدجاج، لكنها في المراكز الحدودية ومقرات الاحتجاز الشرطية، حيث يقول غارم عن عمله: “تثير المادة التي صُنع منه المسجد القلق، لكنها تجعل أيضًا ما بداخله مرئيًا ومفتوحًا لإظهار العناصر بداخله… كما يسعى العمل إلى إزالة الغموض عن الصلاة الإسلامية لغير المسلمين، ومعالجة الخوف من الآخر التي هي جوهر الإسلاموفوبيا”.
ويرى الكاتب أن العمل أثار العديد من التساؤلات الأخرى: هل يحاول الفنان تفسير الأعراف الاجتماعية والدينية الخانقة لبعض الاجتماعيات الإسلامية التي تجبر الناس على دخول المساجد؟ أم أنه يحاول “إزالة الغموض” عن الإسلام في محاولة “لمعالجة الخوف… في جوهر الإسلاموفوبيا”؟ وإذا كان للجنة بوابات عديدة، فكيف تبدو هذه البوابات؟ وإلى ماذا تؤدي؟ هل الجنة قفص؟ وهل أتباع هذا الإيمان سجناء؟
ويعبر الكاتب عن أمله في أن تولي مثل هذه المؤسسات اهتمامًا خاصًا لمنع سوء الفهم حول الإسلام، ومحاربة القوالب النمطية التي تصور أتباعه على أنهم غير متسامحين وخطيرين، خاصة مع ارتفاع معدلات الكراهية ضد المسلمين في المملكة المتحدة وأوروبا.
ويلفت الكاتب إلى محاولة أخرى لتصحيح المسار، لكنها جاءت بعكس المراد، مبينًا أنه في أوائل عام 2020، أقام المتحف البريطاني معرضًا بعنوان “مستوحى من الشرق: كيف أثر العالم الإسلامي على الفن الغربي؟”، مؤكدًا أنه كان من الأفضل أن يُطلق على المعرض اسم “الفن المستشرق: كيف ينظر الغرب إلى الشرق؟”، حيث كان من الممكن أن يتم عرض أعمال بعض أشهر الفنانين المستشرقين في أوروبا، من جان ليون جيروم وأنتوني فابريس إلى لودفيج دويتش وفريدريك آرثر بريدجمان، بشكل يقدم تجربة تعليمية تهدف إلى إعادة تثقيف الجماهير وتصحيح الأكاذيب المنتشرة، لكن لم يكن هذا هو الحال، فبدلًا من ذلك، كان المعرض عرضًا جريئًا واحتفالًا بالخيال الأوروبي لـ”الشرق” الذي كان موجودًا فقط في أذهان الفنانين كشيء يمكن تشكيله بالشكل الذي يرونه مناسبًا، فلم يكن هناك تعليق على الضرر الاجتماعي والثقافي الذي نتج عن ذلك الاختزال، وفي كثير من الأحيان، التخيلات غير الدقيقة، فلقد فشل المعرض أيضًا في تسليط الضوء على أن هذه القطع الشهيرة كانت دائمًا مفتعلة بالكامل تقريبًا، وأنها أنشئت بناءً على الصور النمطية العنصرية والمهينة التي كانت تهيمن على أوروبا في ذلك الوقت.
ويعتبر الكاتب أن تجوله في المعرض هو بمثابة تجول في خليط من المفاهيم القديمة عن الإسلام، والتي تم إحياؤها لعرضها على جيل جديد، مبينًا أنه كان من الممكن أن يتضمن المعرض أعمال ويليام موريس وإدوارد بيرن جونز وآخرين من حركة الفنون والحرف اليدوية، أو حتى الرسوم التوضيحية أو اللوحات الزيتية التي تصور القوام والأنماط الغنية والخط العربي الموجود على الحرير والقماش المستورد من الشرق، وكان من الممكن أن يركز القيمون على المعرض على الفن والهندسة المعمارية، أو المصابيح الزجاجية، والسجاد وتطريز الحرير والأقمشة، أو المخطوطات المضيئة والتجليد، فقد كانت مثل هذه المجموعة ستكون على الأقل بداية محترمة في احترام تأثير الإسلام على الفن الغربي خلال الألفية الماضية.
وينهي الكاتب مقاله بالتأكيد على أنه من النادر أن يُمنح المسلمون فرصة لعرض وتنسيق ثقافتهم وتاريخهم، وأنه من النادر أيضًا أن توفر المتاحف الأوروبية الكبرى هذه الفرص، معتبرًا أن الافتقار إلى الرؤية والشجاعة والتحلي بالجرأة عندما تكون هناك الآن منصات لتنظيم وعرض التراث والهوية الإسلامية أمر مخيب للآمال بالفعل.
*عربي 21
– ماجاء في المقال لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع
انتهى
الكاتب : Sabokrohh
الموقع :ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2022-07-03 09:30:42
رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي