اخبار لبنان
النزوح غير المسبوق: لبنان على أعتاب كارثة إنسانية رغم تعهدات الدعم الدولي
النزوح غير المسبوق: لبنان على أعتاب كارثة إنسانية رغم تعهدات الدعم الدولي
أ.د ماريز يونس
أستاذة علم الإجتماع في الجامعة اللبنانية
رئيسة الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية
يعاني لبنان من أزمة نزوح غير مسبوقة في تاريخه الحديث، مع تجاوز عدد النازحين 1.3 مليون شخص، وسط تصاعد عمليات الإخلاء والنزوح اليومي.
ورغم أن مؤتمر باريس يمثل خطوة إيجابية نحو الدعم الدولي، إلا أن الواقع يشير إلى فجوة عميقة بين المساعدات المقدمة والاحتياجات المتزايدة على الأرض.
مؤتمر باريس: وعود بالمساعدة وتحديات التنفيذ
شهد مؤتمر باريس المنعقد في 24 أكتوبر التزام العديد من الدول بتقديم دعم إنساني للبنان، مع تعهدات مالية تجاوزت 800 مليون دولار. شملت هذه التعهدات مساهمات من فرنسا، وألمانيا، والإمارات، وعدد من الدول الأخرى، بهدف دعم الاستجابة الإنسانية المتزايدة للنازحين.
ومع ذلك، تبقى هناك تحديات كبيرة في توزيع هذه المساعدات على النازحين بشكل فعّال، خاصةً أن المؤتمر لم يتطرق إلى تقديم أي دعم لإصلاحات اقتصادية جذرية، مما يثير تساؤلات حول مدى فعالية المساعدات الإنسانية في مواجهة الأزمة المستمرة.
التحديات اليومية للنازحين: صراع البقاء في مراكز الإيواء
مع استمرار الحرب واستهداف المناطق السكنية، أصبح ثلث لبنان تقريباً غير صالح للعيش، مما دفع العديد من النازحين للتوجه إلى مناطق أكثر استقرارًا في بيروت والشمال والجبل.
إلا أن هذه المناطق هي الأخرى تواجه صعوبة في تلبية احتياجات العدد المتزايد من النازحين، الذي فاق التوقعات وقدرات الاستيعاب. فلا تقتصر معاناة النازحين على خسارة منازلهم، بل يواجهون ظروفًا حياتية قاسية في مراكز الإيواء المؤقتة التي تعاني من الاكتظاظ ونقص الموارد الأساسية، خصوصا في ظل ضعف التنسيق الفعّال بين المؤسسات الإغاثية المحلية والدولية.
فيما يخص الوضع الصحي، تعاني مراكز الإيواء من نقص كبير في الخدمات الطبية، خاصةً مع ارتفاع عدد المصابين بأمراض مزمنة بين النازحين مثل المسنين والأطفال. ولا يقتصر الوضع على نقص الأدوية، بل يمتد أيضًا إلى نقص النظافة بسبب الانقطاع المستمر للمياه، فضلا عن عدم صلاحيتها في العديد من المناطق التي تتعرض لقصف عنيف، إضافة إلى قلة أدوات التعقيم، مما يزيد من مخاطر انتشار الأمراض وسرعة انتقال العدوى.
في مناطق الجبل تحديدًا، حيث بدأ فصل الشتاء، يواجه النازحون نقصًا حادًا في الأغطية والملابس الشتوية ووسائل التدفئة، دون وجود أي خطة استباقية لمواجهة البرد القارس، ما يجعل فصل الشتاء تحديًا قاسيًا للنازحين، الذين يعانون من ضعف الإمكانيات والبنية التحتية المتواضعة.
النزوح من بعلبك: تهديدات الإخلاء وتضاعف الضغط على الموارد
تعتبر بعلبك واحدة من المناطق اللبنانية التي شهدت تدفقًا غير مسبوق للنازحين نحو مناطق أكثر استقرارًا في الشمال وبيروت والجبل، نتيجة القصف العنيف وتهديدات العدو الفجائية. يعاني هؤلاء النازحون من تجربة قاسية فقدوا فيها كل ما يملكون، وتواجههم ظروف حياتية صعبة في مراكز الإيواء، حيث ازدادت حدة الأزمة مع الاكتظاظ وتضاعف الضغط على الموارد والمساعدات المتاحة.
تروي عائلات بعلبكية قصص النزوح المفاجئ وتركهم لمنازلهم في ظروف مفاجئة قاسية، واصفين حجم المأساة التي يعيشونها جراء تشتت أسرهم ونقص الرعاية والخدمات الأساسية في المناطق المستضيفة.
أزمة الثقة في توزيع المساعدات: غياب الشفافية وعدالة التوزيع
إلى جانب التحديات المادية، يعاني لبنان من أزمة ثقة في توزيع المساعدات، حيث لا تصل هذه المساعدات إلى جميع المستحقين بطرق عادلة بسبب غياب الشفافية والفساد المستشري. تعاني مراكز الإيواء من نقص في التنسيق بين المؤسسات الإنسانية، حيث تُحرم بعض الأسر من المساعدة بينما تتلقى أخرى ما يزيد عن حاجتها، مما أدى إلى حالة من الإحباط والظلم والإحساس بالتمييز بين النازحين.
المجتمع اللبناني والمبادرات الأهلية: نموذج من التضامن الإنساني
في ظل هذا الوضع الكارثي، برز المجتمع اللبناني بمبادرات أهلية تعبّر عن روح التضامن، حيث يقوم الأهالي والجمعيات بمبادرات محلية تضامنية لتخفيف المعاناة عن النازحين. يظهر الشباب عن روح عالية من المسؤولية بمبادراته الانسانية، والاستثمار في امكاناته التواصلية الرقمية عبر السوشيال ميديا لجمع التبرعات سواء النقدية منها او العينية. ولا تقتصر أهمية هذا الجهد الشعبي التضامني اللبناني في مساعدة النازحين وسد حاجاتهم، إنما هو يساهم بشكل كبير في تعزيز الروح الوطنية وتكريس الوحدة بدل التفرقة، ما يجنب لبنان أي فتنة داخلية.
التأثير الاقتصادي للحرب والحاجة إلى جهود منسقة لخطة التعافي
قدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في آخر تقاريره، أن الناتج المحلي الإجمالي للبنان سينخفض بنسبة 9.2%، ما يعادل نحو 2 مليار دولار. ويعتبر هذا التراجع أكثر حدة من التأثيرات الاقتصادية التي خلّفتها حرب 2006. كما أن تراجع قطاع السياحة اللبناني وحده قد يؤدي إلى خسائر تصل إلى 23% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يقضي على أحد القطاعات التي كانت تعد رافدًا مهمًا للاقتصاد اللبناني.
أما القطاع الزراعي فيواجه أيضًا أضرارًا كبيرة بسبب تدمير مساحات واسعة من الأراضي والمزارع. وقد أدت الحرب إلى قطع سلاسل التوريد وتضرر طرق التجارة والنقل، فضلا عن زيادة نسبة البطالة جراء فقدان آلاف الأسر لمصادر رزقها. بالإضافة إلى ذلك، تسببت الحرب في تعطيل الخدمات الأساسية وتهالك البنية التحتية بشكل كبير، ما زاد من وطأة الأزمة الاقتصادية على النازحين والمجتمع اللبناني بأكمله.
في ظل تزايد الأزمة والنزوح المستمرّ، يبقى لبنان بحاجة إلى استجابة دولية شاملة تتخطى المساعدات الإنسانية الطارئة لتشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. إن دعم مؤتمر باريس يُعدّ خطوة مهمة، لكن لا بد من اتخاذ تدابير شاملة لضمان استمرارية هذا الدعم وتوجيهه بشكل فعال. لبنان يحتاج إلى إصلاحات جذرية، واستخدام منظم للمساعدات لتعزيز الثقة وإرساء الشفافية.
اليوم، تطالب الحكومة اللبنانية المجتمع الدولي بدعم يمتدّ ليشمل التعافي الاقتصادي، بحيث يتضمن خططًا لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتطوير القطاعات الإنتاجية. وفي حديثه بمؤتمر باريس، دعا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى اعتماد خطة إنعاش اقتصادي تضمن قدرة لبنان على الصمود.
إلا أن التجارب السابقة مع مؤتمرات الدعم الدولي، تؤكد على ضرورة التزام الدولة اللبنانية بالإصلاحات الاقتصادية التي غالبًا ما تكون شرطًا لتقديم المساعدات. فقد أظهر مؤتمر سيدر 2018 ومؤتمر الدعم بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020 أهمية الإصلاحات لالتزام المانحين، إلا أن الدولة اللبنانية لم تلتزم بهذه الإصلاحات، مما جعل الدعم مقتصرًا على الجانب الإنساني، وهو ما حصل مجددًا اليوم في مؤتمر باريس، حيث تم فصل الجانب الإنساني عن أي دعم دولي لإصلاحات اقتصادية، وهو ما يشكل تحديًا كبيرا أمام لبنان، في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي والتدهور الاقتصادي المتسارع.
ظهرت المقالة النزوح غير المسبوق: لبنان على أعتاب كارثة إنسانية رغم تعهدات الدعم الدولي أولاً على pravda tv.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :pravdatv.org
بتاريخ:2024-11-01 14:31:00
الكاتب:قسم التحرير
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي