النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء القوة الجويّة وقوات الدفاع الجوّي التابعة للجيش
بسم الله الرحمن الرحيم،[1]
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقية الله في الأرضين.
أيّها الإخوة الأعزاء، أرحّب بكم، وأبعث سلامي وتحياتي من صميم قلبي إلى جميع الكوادر الكادحة والفعّالة للقوّة الجويَة لجمهوريَة إيران الإسلاميَة في كل بقعة من البلاد هم فيها. وأبارك سلفاً عيد المبعث السعيد، و«عشرة الفجر»، والحادي عشر من شباط/فبراير، ونتمنى – إن شاء الله – أن يكون مستقبل الحركة الناجحة للقوّة الجويّة مستقبلاً مشرقاً ومُتقدّماً مقارنة مع بضعة عقود مضت.
لقاؤنا اليوم – كعادة كل عام – بمناسبة ذكرى الحدث المذهل للتاسع عشر من بهمن 1357 (8/2/1979)؛ كان حدثاً مذهلاً بحق. لقد تحدّثت – أنا العبدَ – معكم أيّها الأعزاء في لقاءات مختلفة مرّات عدّة وبالتفصيل عن ذلك الحدث، واستعرضت لكم زوايا من القضايا المرتبطة به، غير أنّ حِكَم ذلك الحدث وعِبَره ودروسه لا تنتهي، في رأيي. كذلك الأمر، فالعمل من أجل الله إذا اتّصف بالشجاعة والإيثار، فإنّه يغدو مباركاً. إنّ الله المتعالي يُبارك الأعمال كافة التي تُؤدّى من أجله. فما معنى «يُبارك»؟ أي إنّ آثاره ومنافعه وفوائده لا تنتهي بل تستمر؛ هذا هو معنى هذه «البركة». كذلك هو ذلك الحدث. لقد كرّرنا مراراً دروساً من ذلك الحدث وطرحناها وبحثناها، وتحدّث أيضاً في هذا الصدد غيري – أنا العبد –: أنتم والأصدقاء ومسؤولو جيش جمهورية إيران الإسلاميّة والآخرون.
عندما يُمعن الإنسان النظر، يدرك أنّ هذا الحدث يَحمِل في طيّاته سِعة للتعلُّم واستخلاص الدروس منه. وها أنا اليوم أتطرّق إلى أحد هذه الموارد التي ينتهي إليها نظري، وأتحدّث عنها.
كانت القوّة الجويّة سبّاقةً في الالتحاق بالثورة. لا شك أن جسم الجيش الذي كان هيكلاً سليماً وجماهيرياً ومسلماً ومؤمناً التحق بيُسرٍ بالثورة، غير أنّ القوّة الجويّة كانت مُتقدّمة على الجميع. أولاً في بيعة التاسع عشر من بهمن (8 شباط/فبراير) حين جاؤوا وصنعوا ذلك الحدث العجيب، ومن ثمّ في مقاومتهم أمام قوّات حرس الشاه التي شنّت هجوماً على مركز تدريب القوّة الجويّة، فقد شنّوا هجوماً في ليلة الحادي والعشرين [من بهمن] (10 شباط/فبراير)، وقاومت تلك العناصر في القوّة الجويّة التي كانت في مركز التدريب – المركز الحالي للتدريب نفسه، مركز الشهيد خضرائي – وفتحوا باب مخزن الأسلحة، وأعطوا الأسلحة للناس، وصمدوا، وقَدِم أيضاً الشباب والعناصر الثورية بحماسة، وخاضوا الميدان، وقد مضوا لنُصرة القوّة الجويّة في تلك المنطقة نفسها، كما انطلقوا في مدينة طهران. أذكر بنفسي – ربما كانت الساعة الثانية عشرة ليلاً أو الواحدة بعد منتصف الليل، في شارع إيران حيث كنّا في منزل هناك – حين كان الشباب يمشون ويصرخون: إنّهم آخذون في القضاء على القوّة الجويّة، فانزلوا أيّها الناس [إلى الشوارع]، وكان الناس أيضاً يخرجون من البيوت ويمضون لمؤازرتهم. كانت هذه خطوة كبيرةً للقوّة الجويّة في الالتحاق بالثورة.
إذاً، هذه هي النقطة التي أودّ الإشارة إليها: إنّ هذه الريادة التي تحقّقت سرّعت الثورة. هذه هي نقطة اليوم. كان هذا في الثامن من شباط، وأحداث مركز التدريب ذاك في التاسع والعاشر من شباط، وكان أيضاً الحادي عشر من شباط يوم انتصار الثورة، حين انتهى الأمر وانتصر الشعب. وهنا يتجلّى بوضوح إعطاء هذه الحادثة دفعة [للثورة] إلى الأمام. إنّ العنصر المُسرِّع له دور مصيري في الأعمال كافّة، وسأعود لاحقاً إلى الحديث عن [العنصر] المُسرِّع. استطاعت القوّة الجويّة بعملها هذا أن تُضاعف أمل الناس. فبطبيعة الحال، كان الثوريّون يواجهون في الشوارع قوات حرس [الشاه] وما شابههم، فزاد [هذا العمل] أمل الناس وشجاعتهم، وضعَّف الروح المعنويّة للطرف المقابل ولمناوئي الثورة وللقصر ولأنصارهم، أي إنّ هذا التسريع جرى بتلك الطريقة.
هذه أيضاً نقطة مهمّة للغاية، إذ بعد هذه الخطوة الأولى، يبدو لي أنّه ربما لم ينقضِ أكثر من خمسة أشهر أو ستة حتّى تأسّس جهاد الاكتفاء الذاتي. كانت القوّة الجويّة أوّل مكانٍ في الجيش تأسّست فيه مؤسسة جهاد الاكتفاء الذاتي. إنّ هذه لهي روح المبادرة تلك، أي الروح نفسها التي تؤدّي إلى أن يتمكّن العنصر الفعّال، وهو من داخل الجيش، المنتمي إلى القصر والملك، من أن يُخلّص نفسه، ويبادر إلى الالتحاق بالثوريين. حالة الجرأة هذه والاستطاعة والقدرة الروحية والمعنويّة نفسها تتقدّم مرّة أخرى إلى الأمام في ميدان آخر هو ميدان البناء، وتؤسّس جهاد الاكتفاء الذاتي.
كانت القوّة الجويّة أوّل مكان يؤسّس فيه جهاد الاكتفاء الذاتي. وهذا أيضاً حدث، وهو مهم. أن يأخذوا داخل القوّة الجويّة بالتفكير في أن تُصنِّع العناصر بنفسها المعدّات والإمكانات والقِطع، وتُصلّح المُعطّلة منها، ويكتشفوا بأنفسهم الأسرار والرّموز المعقّدة للتقنية الأمريكيّة – الأمر الذي لم يكن يُسمح لهم به إلى ذلك اليوم – وباختصار أن ينكبّوا على العمل، فهذه خطوة واسعة.
قبل هذه الخطوة الواسعة، وفي الحقيقة قبل هذه النهضة، كانت القوّة الجويّة بأسرها تنتمي إلى الأمريكيين. كانت العناصر المؤمنة كثيرة في القوّة الجويّة بطبيعة الحال، وأنا – العبدَ – نفسي كنت أعرف [أفراداً منهم]. كان هنالك عناصر من القوّة الجويّة على ارتباط بي – أنا العبد – قبل الثورة، وكنّا أصدقاء ويتردّدون [علينا]. كانت العناصر المؤمنة كثيرة في القوّة [الجوية]، لكنّ قادتها منتمون إلى أمريكا. كانت معدّات القوّة – المقاتلات وسائر المعدّات في القوّة – متعلّقة بأمريكا وملكه. صحيح أنّ إيران قد دفعت أموالها واشترتها، وكانت الطائرة في حظيرة الموقع الجوي الفلاني، غير أنّها كانت ملك أمريكا، وكان التحكّم فيها وفي قادتها أيضاً بيد أمريكا. ما أقوله مقرونٌ بالوثائق، أي ليس شعاراً وما شابه. تقول والدة محمّد رضا شاه في مذكراتها: جاءني محمد رضا ذات يوم وقال: تباً لهذه السَّلطَنة. فقلت: ما الذي حدث؟ قال: أنا ملك هذه البلاد والقائد العام لقوّاتها، ويأتي الأمريكيون ويأخذون طائراتنا ويذهبون بها إلى فيتنام وأنا لا علم لي! كان الأمر كذلك. هذا معنى «ملكيّة» أمريكا. فحتى لو كان عنده خبر، لم يكن ليملك الجرأة على المنع، ولكان يسمح، غير أنّ أولئك لا يطلبون حتى الإذن، مع أنّهم على يقين أنّ طلبهم لن يُرد. مع ذلك وإلى هذه الدرجة هم لا يعيرون ملك البلاد اهتماماً ليبادروا إلى أخذ الإذن منه أن: يا سيد نريد أن نأخذ مقاتلتكم هذه ونستخدمها في فيتنام ضد الأهالي! أي كان وضع القوّة الجويّة على هذا النحو.
هكذا، حوّلت العناصر المؤمنة للقوّة الجويّة هذه القوّة من كونها أمريكيّة إلى إيرانيّة، فجعلوها إيرانيّة وغدت كذلك، فقادتها وعناصرها ومتّخذو قرارها إيرانيون، ومعدّاتها أيضاً. نعم، كانت من صنع أمريكا لكنّها كانت ملكاً لإيران ولم يعد لديهم الجرأة على المساس بها. لصباحات عدة، كان يريد بعضهم – عن غفلةٍ – أن يردَّوا [مقاتلة] «إف 14» التي لنا – إن شاء الله كانت غفلة ولم تكن خيانة – ويقولون لسنا في حاجة إلى «إف 14»! بطبيعة الحال، حيل بينهم وبين ذلك. صارت القوّة الجويّة تنتمي إلى إيران، وصارت إيرانيّة. بناء عليه للقوّة الجويّة مثل هذا التاريخ، أي الريادة والقدرة على صناعة التحوّل داخل القوّة وفي أدائها، وهي تقدّم إلينا نماذج مشرقة وبارزة شبيهة.
حسناً، قُلنا أنّه يلزم وجود «مسرّعة»[2] وكانت هذه القوة الجويّة مسرّعة للثورة الإسلاميّة. تحوّلت هذه القوّة في موضعٍ معيّن إلى مسرّعة لانتصار الثورة الإسلاميّة، ومسرّعة لعمليّة قطع تبعيّة القوّة والجيش للآخرين، أي تحوّلت إلى مسرّعة، وأنا أودّ الآن تعميم القضيّة. هناك حاجة إلى قوّة دافعة في الأزمان كلّها. لماذا؟ لأنّ هذه الحركات الكُبرى والهادفة تُبتلى في عدد من المواضع بالركود، وحتى إن لم تُبتلَ بالتوقّف لكنّها تُبتلى بالتباطؤ والتراخي. هذه حال الحركات الكُبرى. عندما تنظرون إلى عدد من الثورات في العالم، [تجدون أنه] وقعت الثورة بدايةً، وإنجاز عملٍ معيّن لإحداث تحوّل عميق وجذري، ثمّ بعد انقضاء أعوام تتكرّر الأوضاع السابقة.
في عهد رئاسة الجمهوريّة، ذهبت إلى بلدٍ في أفريقيا[3] وكان البرتغاليّون يحكمون المكان سابقاً، وكان رئيس جمهوريّة[4] محلّي ثوريّ قد تولّى الحكم هناك أيضاً. الجماعة التي ذهبنا والتقيناها – استضافتنا وكنّا نتجوّل معها – كانت بالهيئة نفسها تماماً للقائد البرتغالي، كأنّما جلس مكان هذا السيّد ذي البشرة السمراء، الذي صار الآن رئيس جمهوريّة هنا، قائد برتغاليّ تماماً دون أن يكون هناك أيّ تغيير! إذاً، هذه هي الحال، أي إنّ الحركات الاجتماعيّة تُبتلى بمثل هذه الآفات: التباطؤ والتوقّف والتراجع إلى الوراء. تحتاج هذه الحركة – في حال أرادت الاستمرار – إلى [عنصرٍ] مُسرّع. من هو هذا [العنصر] المُسرّع؟ سوف أتحدّث عن ذلك.
طبعاً يوجد هنا في الثورة الإسلاميّة اختلافٌ جوهريّ مقارنة مع سائر الأماكن هو أنّها تشتمل في ذاتها على أمور ذات قدرة على الجذب، ونقاط الجذب هذه تجذب النماءات. وحتى لو كان لدينا تساقطات أيضاً، فإنّ هذه النماءات تحلّ مكانها. نقاط جذب مثل ماذا؟ مثل هذا النطاق الواسع من الأهداف والأساليب والمطالب لدى الجمهوريّة الإسلاميّة. كما أنّ مكافحة الظلم والظالم والوقوف في وجه غطرسات أعتى جبابرة العالم حاضرة في الجمهوريّة الإسلاميّة في أصعب الميادين، وهناك أيضاً محاريب العبادة ومسجد جمكران وليالي الإحياء ومسيرة «الأربعين» والاعتكاف في شهر رجب أيضاً. لاحظوا النطاق الواسع للعمل، إذ هناك مكافحة الظلم، وهناك جهاد النفس أيضاً. هناك اهتمام بمستقبل البلاد جنباً إلى جنب مع التوجّه إلى الله والروحانيّة والذكر والجنّة وأمثال هذه الأمور. هذا يؤدّي بحدّ ذاته إلى أن تستقرّ النماءات مكان التساقطات، فلا يحدث أيّ تباطؤ، أو يكون قليلاً. لا أرغب في القول إنه لن يحدث [أيّ تباطؤ]، لكن طبيعة الثورة الإسلامية، في ذاتها وداخلها وجوهرها، هي كذلك.
إذاً، هناك حاجة إلى مسرّعة. ما ضرورة هذه المسرّعة؟ لكيلا تتباطئ هذه الحركة، ولا ينشأ شعورٌ بالرّعب والذعر مقابل الأعمال الكُبرى، ولتجنّب الشعور بالعجز والضعة في المجموعة العاملة عندما يتقرّر عمل عظيم. هنا تلعب القوّة الدافعة دورها.
من هو هذا العنصر المُسرّع وما مهمّته؟ إنّ مهمّته ما ذكرنا، لكن من هم العناصر المسرّعة؟ وفق تعبيري العنصر المسرّع هو ذاك الشيء الذي نُطلق عليه اسم «الخواص»، خواصّ المجتمع. ما معنى «الخواص»؟ هل «الخواص» هم المشهورون مثلاً أو المتعلّمون والعلماء؟ لا، ليس هذا معنى «الخواص». إنهم تلك المجموعة من الناس الذين يقوم عملهم على الفكر والمعرفة والتشخيص ولا يميلون مع كلّ ريح. هؤلاء هم «الخواص». يمكن لهؤلاء أن يكونوا بين مختلف الناشطين الثوريّين وبين النقابات والعمّال وعلماء الحوزات ومختلف المجموعات وأن يكونوا بين الناشطين الصحفيّين، وقد يكونون بين الناشطين الجامعيّين والسياسيّين. تحدّثت ذات مرّة في السابق، منذ سنوات، عن «الخواص» بالتفصيل.[5] هذا معنى «الخواص». طبعاً ليسوا – لحُسن الحظ – قليلين في بلدنا وأوساط شعبنا، فأولئك الذين يعملون ويتخذون القرارات انطلاقاً من مخطّط وفكر وتشخيص منتشرون في أنحاء البلاد، وهذه من بركات الثورة الإسلاميّة. ليست الحال على هذا النحو في عدد من دول العالم. أنا لم أذهب بنفسي لكن يقدّمون لي تقارير عن بعض الدّول الكُبرى والمعروفة في العالم وفيها أنّ الناس الذين يسيرون في الأزقّة والشوارع ليسوا مدركين ما يجري حولهم في العالم، وهم يفكّرون [فقط] في اكتساب لقمة العيش أو زيادة حجم ثرواتهم بعض الشيء. ليست الحال كذلك في بلدنا، فليسوا قلّة من يعملون وفق التشخيص ويدركون ما يفعلونه ويعرفون اصطفاف الجبهات والعدوّ وأساليبه ويعرفون الصّديق، بل هم كُثر وفي مقدورهم تأديةُ دورهم. هؤلاء قادرون على إنجاز الأعمال من أجل البلاد في المواقف الحساسة.
إن مسؤولية هؤلاء ثقيلة، وهذا ما أروم قوله لكم وللشعب كافة. هؤلاء الذين نُطلق عليهم اسم «الخواص»، أي أصحاب الفكر وذوو النظرة القائمة على التدبر والدراية والذين يفهمون الأوضاع ويعرفونها ويُدركون مجريات الأمور، ورؤوسهم ليست منكّسة ولا يسيرون حيث ما سار الآخرون، هؤلاء لديهم مسؤوليّة وهي ثقيلة، فعليهم أن يحفظوا الاتجاه العام لحركة المجتمع وألّا يسمحوا لهذه الحركة أن تُبتلى بالانحراف. لو غَفل خواصّ المجتمع عن هذه المسؤولية، فإنّ الأحداث التي تقع ستوجّه ضربات تاريخيّة إلى الشعوب. شهدنا دوماً في تاريخ الإسلام حوادث كثيرة من هذا القبيل. كان هناك أشخاص يُعدّون من «الخواص» في زمن أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين. يفهمون الوضع ويشخّصونه، لكنهم لا يحضرون في اللحظة اللازمة والوقت المناسب، إذْ كان يساورهم التردد وينتابهم التأمّل والكسل، ويقترفون الخيانة في بعض الأحيان، كما كان لهم تأثير سلبي في الآخرين والجمع الذين يميلون مع كل ريح. كان لدينا [مثل هذه الحالات]. في حرب صفين، أصيب بعض الأشخاص بالتردد جرّاء رفع المصاحف على الرماح، وتسببوا في التردد للآخرين أيضاً. طبعاً بعض ما يُنقل – لا أستطيع الجزم بالطبع – أن بعض هؤلاء كانوا متعمدين ولم يخطئوا، بل فعلوا ذلك تواطئاً مع العدو! هذا يُقال أيضاً. ربما يحدث مثل هذه الحالة.
لذا، أودّ أن أقول لكم: لدى جبهة العدوّ اليوم مشروعها الخاصّ للخواص. لديهم مشروعهم للخواص في بلدنا وفي كثير من الأماكن الأخرى، وهو أنْ يصيبوا هؤلاء بالتردد، وأن يجعلوهم يتأمّلون ويتعلّلون، وقد يذيقونهم أحياناً حلاوة الدنيا ودسامتها، فيجذبونهم لكيلا يُقدموا في المواقف الحرجة والمواضع الحساسة على ما ينبغي لهم الإقدام عليه، ولا يحدث ما هو متوقّع من الخواص من إعطاء دفعة إلى الأمام. لديهم خطة لهذا المشروع.
مسؤوليّة الخواص أن يحبطوا بثّ العدوّ للشكّ والتردد، وأن يبيّنوا [القضايا] في المواضع الضروريّة. هذا ما يصبو إليه «جهاد التبيين» الذي تحدّثتُ عنه.[6] لقد رأينا أنّ أشخاصاً وعناصرَ في القوة الجوية نفسها – بعض هؤلاء الشهداء الذين وُضعت صورهم هنا وكنّا نعرفهم من كثب – كانوا من أهل التحدّث والمنطق والاستدلال والتأثير في الآخرين، وأدّوا عملهم في المواضع اللازمة. يوجد في القرآن أنموذج مهم جداً – في رأيي – هو قضية الرجل المؤمن الذي أتى ذكره في سورة يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)}. عندما بعث الباري [عزّ وجل] ثلاثة أنبياء في هؤلاء القوم ولم يؤمن الناس وتآمروا عليهم وقرّروا أن يقضوا عليهم، سارع رجلٌ شجاعٌ ومؤمنٌ نحو جموع الناس وقال: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}؛ اتّبعوا هؤلاء. {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)}. ثمّ يصل [القول] إلى هنا، وههنا النقطة التي أروم إليها: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)}، {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً… (23)}… {إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)}؛ يُعلن إيمانه بصوت عالٍ وبصراحة. يجب أن يكون الخواص صريحين وأن ينتهجوا الصراحة في كلامهم، كما ينبغي لهم إزالة الشبهات من الأذهان وألّا يتكلّموا بكلام موارب وازدواجي ومشوبٍ بالتردّد. {إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُون}؛ اسمعوا! لقد آمنت. هذا أنموذج من العمل الذي يمكن للخواص عمله.
حسناً، إذا أردنا الآن أن نتحدّث عن حالة محدّدة في عصرنا، ففي رأيي إنها قضية غزة هذه. يتحمّل الخواص في العالم الإسلامي المسؤوليّة، وهم علماء الدين والعلماء والسياسيّون والصحافيّون. إنّهم يرون ما يحدث في غزّة، ويرون أيّ ضربة توجّهها أمريكا للإنسانيّة والبشرية بمساندتها هذا الكيان الصهيوني. إنهم يرون ذلك. حسناً، يجب أن يخبروا شعوبهم بهذا ويوضحوه ويحثّوهم ويُطلقوا مطلباً عامّاً في أوساط الناس حتى تُجبَر حكوماتهم على توجيه الضربة الحاسمة إلى الكيان الصهيوني. ما الضربة الحاسمة؟ لا نقول أنْ يخوضوا الحرب، فهم لن يخوضوها – قد لا يكون ذلك متاحاً لكثيرين منهم أيضاً – لكنّهم قادرون على قطع العلاقات الاقتصاديّة. هذه ضربة حاسمة. سيحدث هذا لو طالبت الشعوب حكوماتها ومارست الضغوط، وهذا الحدث مؤثّر. في مقدور الشعوب جعل الحكومات تصطفّ في هذا المجال وأن تجبرها على وقف دعم الكيان الظالم والمستذئب الذي يقتل النساء والأطفال والمرضى والمسنين على هذا النحو، وقد قتل أكثر من عشرين ألفاً خلال بضعة أشهر، أي [ما من شأنه] الحؤول دون دعم هذا الكيان. تناهى إلى سمعي أن بعض الدول الإسلامية تقدّم أسلحة إلى الكيان الصهيوني، وبعضها أيضاً تقدم مساعدات اقتصادية مختلفة. حسناً، فليُمنع هذا الأمر. إنها مهمة الشعوب، ويمكن لها أن تمارس الضغط وتجبر الحكومات. مَن القادر على إيقاظ الشعوب؟ الخواص. لاحظوا مدى أهمية دورهم وكيف يمكنهم أخذ زمام الأمور في حادثة على هذا القدر من الأهمية والمُضي بها.
الآن في بلادنا أيضاً، ومع اقتراب الانتخابات،[7] يمكن للخواص أن يؤدّوا دورهم. لا شكّ أنّه كلّما جرت الانتخابات في البلاد بأقصى درجة من الحماسة، فإن ذلك سيُظهر الاقتدار الوطني أكثر، وهذا الاقتدار يحقق الأمن الوطني. أي عندما تنظر جبهة العدو وترى مشاركة الناس، وتشاهد قوة النظام، وأن هذا البلد بلدٌ قوي، والشعب حاضر وجاهز، حينئذ سيبطل تهديد العدو. إن الاقتدار الوطني يحقّق الأمن الوطني، وهذا أمر قيّم ومهم للغاية. هنا يمكن للخواص أن يؤدّوا دورهم ويجعلوا الانتخابات حماسية. جميع الأعمال الثورية على هذا النحو. لدينا مسيرات «22 بهمن» بعد بضعة أيام، وسوف يشارك الناس الأعزاء في هذه المسيرة الحماسية إن شاء الله، فهذا يُظهر الاقتدار أيضاً. على مدار السنوات الخمس والأربعين هذه، نزل الناس إلى الشوارع في 22 بهمن من كل عام، دون توقف مرة واحدة، في جميع أنحاء البلاد – المدن الكبيرة والصغيرة وحتى القرى – وردّدوا الشعارات ودافعوا عن ثورتهم، وهتفوا باسمِ الإمام [الخميني] الجليل، وأعلنوا ولاءهم وجددوا بيعتهم له. وإن شاء الله، سيكون هذا العام على هذا النحو أيضاً، بفضل الله.
أسأل الله المتعالي أن يوفق الشعب الإيراني وأن يرفع شأنه ويعزّه وأن يمحق أعداءه وأن ينصره عليهم، وأن يشمل أحوالكم جميعاً – أيها الأعزاء في القوة الجوية لجيش جمهورية إيران الإسلامية وجميع القوات المسلحة من الجيش و«حرس الثورة» وقوة الشرطة والتعبئة والآخرين – باللطف والهداية والعون الإلهي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم تقريراً العميد حميد واحدي (قائد القوة الجوية في جيش جمهورية إيران الإسلامية).
[2] في الشركات المعرفية وريادة الأعمال، هناك ما يُصطلح عليه بالـ«مسرّعة» (Accelerator) والتي تهدف إلى مساعدة الشركات الناشئة في الانطلاق والنمو.
[3] زيارة إلى دولة الموزمبيق في كانون الثاني/يناير 1986.
[4] سامورا ماشيل (1933-1986)، القائد القومي للموزمبيق وأوّل رئيس جمهوريّة لذاك البلد (1975-1986).
[5] كلمة الإمام الخامنئي خلال لقاء مع قادة «فرقة 27 محمّد رسول الله»، 9/6/1996.
[6] من جملتها كلمته في لقاء جمع من المداحين بمناسبة ذكرى ولادة السيدة الزهراء (ع)، 23/1/2022.
[7] تُجرى انتخابات الدورة الثانية عشرة لـ«مجلس الشورى الإسلامي»، والدورة السادسة لـ«مجلس خبراء القيادة» في الحادي عشر من اسفند 1402 (1/3/2024).
المصدر
الكاتب:..
الموقع : arabic.khamenei.ir
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-07 12:02:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي