عين على العدو

الهجوم على منزل نتنياهو: كيف تمّ خداع منظومة الاعتراض؟

الهجوم على منزل نتنياهو: كيف تمّ خداع منظومة الاعتراض؟

يديعوت : رون بن يشاي

على ما يبدو، انتقل “حزب الله”، الذي يملك أكثر من ألف مسيّرة انقضاضية، إلى استخدامها بصورة مكثفة، من خلال شنّ هجمات بالمسيّرات، في آن واحد، على عدد من الأهداف، وخصوصاً الأهداف العسكرية والتابعة للسلطة في إسرائيل.
في الأيام الأخيرة، شهدنا تراجعاً نسبياً في كميات الصواريخ والقذائف، وأيضاً الصواريخ النوعية (الدقيقة والبعيدة المدى) التي يطلقها الحزب في اتجاه الأراضي الإسرائيلية.
ورغم النتائج المأساوية للقصف على الكريوت، وعلى عكا، حيث قُتل شخص وجُرح آخرون، فإن القصف المباشر بالصواريخ والقذائف كان قليلاً نسبياً في الأيام الأخيرة.
المرحلة الجديدة، أو الأسلوب الجديد لـ”حزب الله”، هما فعلاً غير جديدَين.
يحاول الحزب المزج ما بين صليات مكثفة من الصواريخ القصيرة المدى وبين القصف بالمسيّرات، والهدف بلبلة وتضليل المنظومة الدفاعية في الكشف والاعتراض، وخصوصاً “القبة الحديدية”.
وفي الوقت عينه، التسبب بسقوط شظايا الصواريخ الاعتراضية في مناطق أُخرى، حتى لو لم تكن هذه المناطق قد تعرضت مباشرة لإطلاق الصواريخ.
هذا هو “الإشباع الثلاثي” لوسائل الكشف والمنظومات الاعتراضية، مثل “القبة الحديدية”، واستخدام الشظايا الاعتراضية كسلاح لإلحاق الضرر بمناطق لم تتعرض للقصف مباشرة. وهنا الكميات هي الأساس، عدد الصواريخ والمسيّرات هو جوهر الأسلوب الذي ينتهجه “حزب الله” حالياً.
وفي الواقع، إن استخدام المزج بين القصف بالقذائف والصواريخ وبين استخدام المسيّرات على أنواعها، وفي وقت واحد، يخلق تحديات للمنظومة الاعتراضية.
عندما يكون المقصود المسيّرات، يتركز الاعتراض في الجزء الأكبر منه على الطائرات والطوافات العسكرية ووسائل أُخرى. بينما يجري اعتراض الصواريخ من خلال وسائل الكشف والتحكم (الرادارات) في “القبة الحديدية”.
التفسير تقني ومعقد، لكن على ما يبدو، يسعى “حزب الله” لاستخدام الحد الأقصى من القصف من أجل تزخيم هجماته. وضمن هذا الإطار يركز الحزب على إطلاق عدد كبير من الصواريخ واستهداف منطقة صغيرة نسبياً، بينما يطلق المسيّرات في كل الاتجاهات، بهدف تشتيت الاهتمام وتركيز وسائل الكشف في مناطق أُخرى.
في الخلاصة، هناك خسائر قليلة في الأرواح، لكن الخسائر المادية وفي الأملاك كبيرة، وهدف “حزب الله” على صعيد الوعي أن يثبت خصوصاً لسكان لبنان والعالم العربي أنه لا يزال واقفاً على قدميه، ويردّ ويقاوم، وهو بذلك يحضّر مكانه في المفاوضات التي تدور فعلاً بشأن لبنان.
إن سبب تراجُع عدد ونوعية الهجمات بالصواريخ والقذائف والارتفاع الكبير في عدد إطلاق المسيّرات الانقضاضية يعود، على ما يبدو، إلى تطوير سلاح الجو قدرات استخباراتية وعملانية جديدة وناجعة لإغلاق الحلقة الاستخباراتية وضرب مُطلقي الصواريخ من فوق الأرض وتحتها، فور انطلاق هذه الصواريخ، وقبل أن يتمكن مطلقوها من الفرار.
وسواء أكان المقصود منصة إطلاق متحركة متعددة الفوهات، أو مُطلقاً مختبئاً تحت الأرض، أو في منطقة جبلية في الجنوب اللبناني ووسطه.
هذه القدرة على اصطياد مُطلقي الصواريخ بسرعة ومهاجمة مخازن الصواريخ القريبة منهم تسببت بتآكل ترسانة منصات إطلاق الصواريخ النوعية التي يملكها الحزب. وحتى عندما يطلق عناصر الحزب هذه الصواريخ فإن معظمها يجري اعتراضه بوساطة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية. هناك أماكن لا تزال صواريخ “حزب الله” القصيرة المدى فاعلة فيها بسبب الظروف الطبوغرافية الخاصة، لكن عموماً، يجري اعتراض أغلبية الصواريخ، وبالتالي، فإن نجاعة السلاح الصاروخي آخذة في التراجع.
في مقابل ذلك، إن عدد الخسائر والإصابات المباشرة التي تسببت بها المسيّرات الانقضاضية لـ”حزب الله” في الفترة الأخيرة آخذ في الارتفاع.
لا يزال لدى “حزب الله” آلاف الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، بينها صواريخ دقيقة، ويمكنه أن يطلقها علينا، والتهديد لا يزال قائماً.
ويبدو أن “حزب الله” لديه شعور بأنه قريب من استنفاد ما يمكن أن يقوم به بوساطة الصواريخ، وفي المقابل، فإن قدرة المسيّرات المتفجرة التي هي في الحقيقة صواريخ كروز صغيرة لا تزال بعيدة عن الاستنفاد.
ويتحدث الحزب عن أسراب من المسيّرات، لكنه حتى الآن، يستخدم مجموعات بأعداد لا تتخطى الخمس مسيّرات، يُطلقها في وقت واحد نحو هدف واحد.
ويمكن أن نتوقع أن يزيد “حزب الله” كثيراً في استخدام المسيّرات المتفجرة، سواء بسبب صعوبة الكشف عنها واعتراضها عندما تحلّق على علو منخفض، أو بسبب دقّتها.
يُعتبر منزل رئيس الحكومة في قيساريا، بالنسبة إلى “حزب الله”، هدفاً سهلاً نسبياً، لأن مكانه الدقيق معروف ومشهور، والمسيّرة التي اتجهت نحوه قادرة على التحليق فوق البحر على علو منخفض من لبنان في اتجاه ساحل قيساريا دون أن يجري كشفها، وإذا حدث ذلك، فمن الصعب جداً اعتراضها.
كان إطلاق المسيّرة من جانب “حزب الله” دقيقاً ومُحكماً، لكنها لم تصب أفراد عائلة نتنياهو الذين لم يكونوا في المنزل عند وقوع الهجوم. ومن حسن الحظ أنه لم يكن أحد هناك… نحن نعلم أن الحزب يعرف كيف يستخلص الدروس ويتعلمها. ويجب أن نقدّر أنه في المرة القادمة، يمكنه أن يصيب الهدف، إذا لم نكن مستعدين له بما فيه الكفاية.
في هذا الهجوم شهدنا ظاهرة لم نعهدها من ذي قبل عندنا، وهي انطلاق صفارات الإنذار في مناطق معينة دون أن تكون تطبيقات الجبهة الداخلية هي التي أعطت الأوامر بانطلاقها في هذه المناطق (ظاهرة “المضلع” (Polygone)، حسبما يسمونها في الجبهة الداخلية). وهذا ناجم عن سياسة جديدة يجري اعتمادها خصيصاً إزاء ازدياد استخدام المسيّرات، سواء من طرف “حزب الله” في لبنان، أو الميليشيات الشيعية في العراق وسورية.
تقوم هذه السياسة على أنه في أثناء اللحظة التي يُطلق تحذير من مسيّرة، وهناك تقدير حيال مسار تحليقها، تنطلق صفارات إنذار في كل الأماكن التي توجد فيها أهداف عسكرية، أو بنى تحتية، أو أماكن سكنية مكتظة. لكن دون وجود تهديد حقيقي، بل تهديد محتمل حيال هذه المواقع والمستوطنات التي تُسمع فيها صفارات الإنذار.
جرى اعتماد هذه السياسة بصورة خاصة بعد الهجوم على قاعدة تدريب لواء غولاني، حيث نجحت المسيّرة في التملص من الطائرات الحربية المعترضة، ومن صواريخ “القبة الحديدية” التي أُطلقت نحوها.
الميزة السيئة في هذه السياسة هي “العذاب” الذي يعانيه سكان هذه المناطق واضطرارهم إلى اللجوء إلى الأماكن المحصنة في هذه المناطق أكثر من مرة.
الأخبار الجيدة هي أنه قريباً، سيكون هناك قدرة أفضل للكشف والاعتراض، والأهم هو مهاجمة المسيّرات في المناطق التي انطلقت منها.


لمراسلتنا
https://wa.me/beiruttime

للاشتراك بقناتنا قناتنا على واتس اب
https://shorturl.at/TWf91

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى