الهلال والقطايف: كيف اجتمع الشكل الهندسي ذاته في رمزين رمضانيين؟

صدر الصورة، غيتي الصور
- مؤلف، مجدي القسوس
- دور، بي بي سي نيوز عربي
- قبل 30 دقيقة
عند الحديث عن رموز شهر رمضان، يبرز الهلال كأحد أقدم الرموز الإسلامية التي تعلن بداية الشهر المبارك، بينما تحمل القطايف مكانة خاصة على موائد إفطار العائلات، حيث أصبحت من أشهر الحلويات الرمضانية.
لكنّ اللافت للنظر أن الهلال والقطايف يشتركان في الشكل الهندسي ذاته: الهلال، مما يمنحهما ارتباطاً بصرياً وتاريخياً فريداً يجمع بين الروحانيات والاحتفالات الرمضانية.
الهلال ليس مجرد شكل هندسي في السماء، والقطايف ليست مجرد حلوى؛ بل هما انعكاس لثقافة بصرية مترسخة في ذاكرة رمضان، إذ يتشاركان في الشكل، والرمزية، والتاريخ، مما يعزز فكرة أن الهندسة ليست فقط في المعمار والفنون، بل أيضاً في الطقوس والمأكولات التي نرتبط بها وجدانياً.
الهلال: رمز الزمن والدين
يعتبر الهلال الشكل الأول الذي يعتمد عليه المسلمون في تحديد بداية الأشهر القمرية، ومن بينها شهر رمضان.
فقد ارتبط هذا الشكل منذ العصور الإسلامية المبكرة بالزمن، والتقويم الهجري، وحتى بفن العمارة الإسلامية، حيث تجده في الزخارف والمنارات والمآذن.
والهلال ليس مجرد علامة فلكية، بل هو رمز للعبادة، وانتظار الرحمة، والبدايات الجديدة.
الهلال هو أحد الأشكال المتعددة للقمر، حيث يظهر في بداية الشهر العربي تحت اسم “الهلال الجديد”، وفي نهايته يُسمى “الهلال القديم”.
يُمكن رؤية الهلال الجديد في الأفق الشرقي قبيل شروق الشمس، ويعد من التسميات القديمة التي استخدمها العرب الجنوبيون في عصور سابقة.
وفي الحضارة الإسلامية، أولى الفلكيون المسلمون اهتماماً خاصاً به، حيث كان يُستخدم لتحديد بداية الشهور العربية والأعياد والمناسبات الدينية الأخرى.
وما أن يظهر الهلال في السماء، يعلن المسلمون في أرجاء العالم بدء شهر رمضان، ويبدؤون طقوس هذا الشهر، من الصوم والصلوات، إلى الأطباق الخاصة، التي تتصدرها حلوى القطايف.
صدر الصورة، غيتي الصور
القطايف: الهلال القابل للأكل
أما القطايف، فهي ليست مجرد حلوى، بل تمثل هوية رمضانية قديمة.
يرجع تاريخها إلى العصر الأموي أو العباسي، بينما تكثرُ الروايات في أصولها التاريخية، ويقال إنها كانت تُقدم أيضاً في القصور الملكية.
واختيرت القطايف لتكون الحلوى الرمضانية استناداً إلى مرجعها الأموي. ووفقاً لبعض الروايات، فإن الخليفة عبد الملك بن مروان أصدر أمراً بتحضير حلوى خاصة لشهر رمضان، بحيث تكون سهلة التحضير وذات طعم لذيذ يتناسب مع متطلبات الصائمين، فتم إعداد القطايف واعتمادها للشهر الفضيل.
تقول الروايات أيضاً إن الطهاة كانوا يتنافسون في تحضير الحلويات، لا سيما القطايف، وكان الضيوف يتقاطفونها بشدّة للذتها، ينما يُرجع بعض المؤرخين أصل تسمية القطايف بهذا الاسم لتشابه ملمسها مع ملمس قماش القطيفة.
وبحسب متخصصين في التراث الثقافي استطلعت بي بي سي آرائهم بشأن تضارب الروايات التاريخية، فقد أجمعوا على أن غياب التوثيق التاريخي الدقيق حول العادات الرمضانية وحياة الناس الاجتماعية في العصور السابقة سبّب هذا التضارب، ومنع تحديد أصول العديد من الأمور في الثقافات القديمة، بحسب إفاداتهم.
واشتهر إعداد القطايف في مصر ودول بلاد الشام خلال شهر رمضان وهي عبارة عن فطيرة مصنوعةٍ من عجينة سائلة مخبوزة، وتؤكل إما باردةً بعد حشوها بالقشطة أو الجوز أو الجبنة وتحلى بالقطر، أو مقلية قلياً عميقاً بالزيت.
والمثير للاهتمام أن القطايف تُطهى وتُطوى على شكل هلال قبل أن تُحشى، مما يعزز ارتباطها البصري بالهلال السماوي.
التقاء الرمزين: روحانيات وزينة ومذاق رمضاني
يقول هاني قويدر، وهو شيف تنفيذي، إن القطايف حلوى تقليدية شامية تعود للعصور الوسطى، وتم اختيارها لتكون حلوى رمضان الأساسية لعدة أسباب؛ من بينها التراث الثقافي لبلاد الشام، حيث انتقلت من جيل إلى جيل، كما أنها سهلة التحضير.
وتقول الشيف رُبا الزعبي، وهي مؤسسةُ أكاديميةٍ أردنيةٍ لتدريب فنون الطهي، لبي بي سي إن الشكل الهلالي للقطايف ليس مجرد مظهر جمالي، بل يسهّل تحضيرها بشكل متناسق.
وتقول: عند طيّ العجينة على شكل هلال بعد صبها دائرياً نضمن توزيع الحشوة بشكل متوازن، مما يمنحها مظهراً جذاباً ويحافظ على تناسق الحجم والشكل عند القلي أو الخبز.
وتضيف أن الشكل الهلالي يمنع تسرب الحشوة عند غلق الأطراف، وهو ما يرفع من جودة التحضير.
ويؤكد قويدر لبي بي سي أنّ شكل القطايف مرتبط بالرمزية الإسلامية ويعكس التراث الثقافي والغذائي لبلاد الشام، حيث تعتبر جزءاً من تقاليد المنطقة. من جانبها، توضح الزعبي أن هذا الشكل الثابت للقطايف على مر السنين يعود إلى تقاليد راسخة يصعب تغييرها، إذ أصبحت القطايف جزءاً أساسياً من طقوس شهر رمضان وتراثه الثقافي.
“إن تغيير شكل القطايف، يفقد الحلوى رمزيتها الدينية والثقافية المرتبطة بالشهر الفضيل”، بحسب الزعبي.
صدر الصورة، غيتي الصور
وفي حديثها عن تأثير الشكل الهلالي للقطايف، توضح الشيف ربا الزعبي أن هذا التصميم لا يقتصر على الجانب الجمالي فقط، بل يمتد ليؤثر على الطهي والقوام وحتى طريقة التقديم.
وتشير الزعبي إلى أن “الشكل المنحني يساعد في توزيع الحرارة خلال القلي أو الخبز بشكل متوازن، مما يضمن تمازج القرمشة عند الأطراف مع الحفاظ على طراوة الجزء الداخلي المحشو”.
وتضيف أن الشكل الهلالي يسهم أيضاً في إبراز جمالية التقديم، قائلة: “عند ترتيب القطايف بشكل متراص، يظهر الطبق بطريقة أنيقة وجذابة، خصوصاً في التجمعات الرمضانية، مما يضفي لمسة مميزة على السفرة”.
يوجّه الشيف هاني قويدر، وهو أيضاً ناقد في فن الطعام، عدداً من الانتقادات لصناعة القطايف في الدول التي تشتهر بها؛ أبرزها: استخدام المكونات الصناعية كالسكر والدهون، أو التركيز على الكمية بدلاً من الجودة والمذاق، والاستهلاك المفرط للسكريات الذي ينعكس سلباً على حياة المستهلكين.
على مدار التاريخ، شكّل الهلال والقطايف جزءاً من الاحتفالات الرمضانية، فالهلال يزين الفوانيس والمساجد والأسواق، بينما تنتشر عربات القطايف في الشوارع، مما يجعل رمضان شهراً تتجسد فيه الأشكال الهندسية “الرمضانية” في الموروث الشعبي والديني.
فهل فكرت يوماً في أن لقمة القطايف التي تتناولها كل رمضان تحمل نفس شكل الهلال الذي تنظر إليه عند إعلان بدايته؟
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.bbc.com
بتاريخ:2025-03-23 09:54:00
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>