اليوم العالمي للمرأة: من يساعد النساء العربيات على التصدي للعنف الإلكتروني؟
صدر الصورة، غيتي الصور
معلومات المادة
مؤلف، سمية نصر
دور، بي بي سي عربي
قبل 30 دقيقة
تزوجت “سميرة” عرفيا بعد طلاقها من زوجها الأول، وذلك خوفا من خسارة حضانة أطفالها. تآمر “زوجها” الثاني مع طليقها لتصوير فيديو حميمي لابتزازها به وإرغامها على التنازل عن حضانة أطفالها، وإلا سينشر الفيديو على شبكة الإنترنت.
تتذكر آية منير مؤسسة مبادرة “سوبر ومن Superwomen” التي تقدم مساعدات للنساء اللاتي يتعرضن للعنف والابتزاز الإلكتروني حالة “سميرة”، وتصفها بأنها من أصعب الحالات التي واجهتها. فرغم الجهود التي قامت بها المبادرة لمساعدتها، اضطرت “سميرة” في النهاية للتنازل عن حضانة أطفالها خوفا من غضب أهلها ونظرات المجتمع لها.
الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لا يقتصر على الحديث عما تحقق من إنجازات لها فحسب، بل ينبغي أن يشمل إلقاء الضوء على بعض ما تواجهه من تحديات. فسميرة واحدة من عدد متزايد من النساء والفتيات العربيات اللاتي يتعرضن للعنف على الفضاء الرقمي، والذي يأخذ صورا عديدة ويتطلب اهتماما عاجلا، بحسب هيئات حقوقية.
وقد أدى انتشار تقنيات الاتصال الحديثة ورواج منصات التواصل الاجتماعي إلى ظهور أشكال جديدة من إلحاق الأذى بالنساء، تدخل في نطاق ما يوصف بمصطلح “العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تيسره التكنولوجيا”. ويشير المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين The European Institute for Gender Equality في تقرير صادر عام 2024 إلى أن النساء والفتيات أكثر عرضة للعنف السيبراني على المنصات الرقمية.
كما أن التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى أنماط جديدة من العنف السيبراني، ولا سيما مع انتشار تقنية “التزييف العميق” التي باتت تُستخدم على سبيل المثال في خلق محتوى إباحي للضحايا باستخدام صور عادية لهن متاحة على حساباتهم على وسائل التواصل.
صدر الصورة، غيتي الصور
العنف الإلكتروني ضد المرأة العربية بالأرقام
لا توجد دراسات كثيرة ترصد حجم المشكلة في الدول العربية المنفردة، ولكن الأعوام الماضية شهدت جهودا للأمم المتحدة وبعض الهيئات الحكومية لتسليط الضوء عليها.
على سبيل المثال، توصلت دراسة متعددة الأقطار أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في المنطقة العربية قبل بضع سنوات إلى أن حوالي 16 في المئة من النساء في الدول العربية تعرضن للعنف على الإنترنت مرة واحدة على الأقل في حياتهن، كما أن 44 في المئة من النساء اللاتي واجهن العنف الرقمي تعرضن له أكثر من مرة.
وأشارت الدراسة كذلك إلى أن ما يقرب من نصف مستخدمات الإنترنت في البلدان المشمولة لا يشعرن بالأمان بسبب ما يتعرضن له من تحرش على الفضاء الرقمي. والأكثر من ذلك أنه بالنسبة لواحدة من كل ثلاث نساء تعرضن للعنف السيبراني، انتقل بعض أو كل تجاربهن مع العنف على الإنترنت إلى خارج ذلك الفضاء. و أفادت نسبة 12 في المئة من النساء اللاتي تعرضن للعنف على الإنترنت بتعرضهن للعنف البدني بعد إبلاغ أفراد الأسرة بالواقعة.
تقول الدكتورة منال بنكيران نائبة ممثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الأردن والمسؤولة عن ملف العنف ضد المرأة في المكتب الإقليمي في تصريحات لبي بي سي عربي إن أكثر أشكال التحرش شيوعا، وفق الدراسة السابقة هي تلقي “صور أو رموز غير مرغوب فيها ذات محتوى جنسي (38%)، وتلقي مكالمات هاتفية مضايقة أو اتصالات غير لائقة أو غير مرحب بها (32%)، وتلقي رسائل مهينة أو مفعمة بالكراهية (31%)، و تلقي منشورات أو تعليقات مسيئة أو مهينة (31%)، وتلقي تهديدات لهن أو لعائلاتهن (17%)”.
ووفقا لمسح وطني حول العنف القائم على النوع الاجتماعي نشر في تونس عام 2022، قالت 84.7 في المئة من النساء المشمولات إنهن تعرضن لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف منذ بلوغهن سن الخامسة عشرة، وإن 14.4 في المئة من هذه الحوادث وقعت في الفضاء الافتراضي.
تقول سلاف فريخة، الأستاذة الجامعية التونسية المختصة في القانون العام وعلوم الإجرام والعضو بجمعية الحقوقيين بمدينة صفاقس، إن “هذه الأرقام تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تعزيز الجهود لمكافحة العنف السيبراني ضد النساء في تونس”.
أما في المغرب، فكان العنف الإلكتروني أكثر أشكال العنف التي تعرضت لها النساء وفق دراسة أجراها المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية) عام 2023.
وتحدثت هيئات حقوقية في بلدان عربية وغير عربية عن تزايد تلك الظاهرة، ولا سيما في أعقاب جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى انتقال العديد من مظاهر حياة البشر ووظائفهم إلى الفضاء الإلكتروني.
لكن الدكتورة لينا عويدات، خبيرة العلوم الإلكترونية والمنسقة الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن السيبراني في رئاسة مجلس الوزراء اللبناني، تلفت إلى أهمية “أن نكون حذرين في استنتاج تزايد العنف الرقمي ضد النساء استنادا إلى الإحصاءات المتوفرة، لأن الآليات غير السليمة لجمع البيانات قد تؤدي إلى نتائج غير دقيقة أو غير شاملة”. وتضيف: “الإحصاءات المتعلقة بالعنف الرقمي قد تكون غير دقيقة بسبب غياب الآليات المناسبة لجمع هذه البيانات، مثل التعاون بين الأجهزة القضائية والأمنية والاجتماعية”.
صدر الصورة، غيتي الصور
“امتداد للعنف ضد النساء على أرض الواقع”
العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات على الفضاء الرقمي ليس حكرا على المنطقة العربية، بل هو ظاهرة منتشرة في مختلف أنحاء العالم. ومع هذا، يرى كثير من الناشطين والباحثين الحقوقيين إن الثقافة الذكورية السائدة في المجتمعات العربية وما تنطوي عليه من نظرة دونية للمرأة تؤدي إلى تفاقم العنف الإلكتروني الذي يرونه امتدادا للعنف الذي تواجهه النساء على أرض الواقع.
تقول الأستاذة سلاف فريخة إن “المجتمعات الذكورية تستخدم الفضاء الرقمي كامتداد للمجال العام الذي يفرض قيودا على حرية المرأة، وتُستَغل التكنولوجيا لممارسة السيطرة والرقابة على النساء”، وتضيف أن ثمة تطبيعا مع العنف ضد النساء، إذ لا يُنظر إلى العنف السيبراني في العديد من المجتمعات العربية “على أنه جريمة، ما يجعل مرتكبيه يشعرون بالإفلات من العقاب. يُستخدم الفضاء الرقمي لإعادة إنتاج نفس أنماط العنف التقليدي مثل التحرش والتهديد والابتزاز العاطفي أو المادي للنساء بصورهن أو معلوماتهن الشخصية”.
وترى الدكتورة لينا عويدات أن الثقافة المجتمعية في البلدان العربية تلعب دورا كبيرا في مفاقمة العنف الرقمي ضد النساء، وتشير إلى بعض العوامل التي تعزز هذه الظاهرة بشكل مباشر مثل الوصمة الاجتماعية، إذ “يعاني العديد من الأفراد، سواء كانوا رجالا أو نساء، من القلق من الفضائح الاجتماعية والوصمة في حال تعرضهم لأية جريمة رقمية، ما يؤدي إلى ترددهم في الإبلاغ عنها. الثقافة السائدة قد تدفع بعض النساء إلى السكوت خوفا من فقدان سمعتهن، بينما قد يعزز بعض الرجال من سلوكهم العدواني ضد النساء دون الخوف من العقاب”.
مبادرات أهلية للتوعية والمساعدة
برزت في بعض البلدان العربية مؤسسات أهلية تهدف إلى توعية النساء والفتيات بكيفية الاستخدام الآمن لتطبيقات التواصل الاجتماعي والدردشة وتشجيع ضحايا العنف الرقمي على توثيق الجرائم التي يتعرضون لها والإبلاغ عنها.
على سبيل المثال، في الأردن هناك أداة “نهى” مفتوحة المصدر المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تساعد الباحثين على اكتشاف خطاب الكراهية القائم على الجنس باللغة العربية على الإنترنت. وفي العراق، أنشأت مؤسسة “انسم” منصة للمساعدة الرقمية تقدم الدعم لضحايا العنف من الجنسين.
وفي مصر، تعمل مؤسسة “قاوم” على توعية ضحايا العنف الرقمي وتشجيع الفتيات والنساء على وجه الخصوص على تقديم بلاغات رسمية. وتستقبل صفحة قاوم على فيسبوك طلبات المساعدة على مدى 24 ساعة، وتقدم الدعم النفسي والقانوني للضحايا وذويهم.
وهناك أيضا مؤسسة “اتكلم/ي Speak Up” التي لديها خط مساعدة لدعم ضحايا العنف، وتتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي لإزالة أي محتوى يهدف إلى التشهير بالنساء والفتيات أو ابتزازهن. وتقول المؤسسة إنها تساعد كل ضحايا العنف الرقمي داخل مصر وخارجها. وقد أعلنت أواخر فبراير/شباط الماضي عن شراكة مع موقع Pornhub الذي يمكّن مستخدميه من تحميل مقاطع فيديو إباحية، بهدف “إزالة فورية لأي محتوى غير رضائي يتم تحميله على الموقع”.
وتقول آية منير مؤسسة مبادرة “سوبرومن Superwomen” إن المبادرة “تقدم دعما رقميا ونقوم بتأمين حسابات التواصل الاجتماعي واستعادة الحسابات المسروقة، كما نقوم بتدخلات عاجلة في حالة الابتزاز بصور منشورة أو محتوى غير مرغوب فيه، إذ نسعى إلى حذفه من خلال التواصل مع فيسبوك ومنصات أخرى، كما نحيل الضحايا إلى الدعم القانوني والنفسي بالتعاون مع مؤسسات أخرى”.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Facebook. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Facebook وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية
نهاية Facebook مشاركة
تحديات وعراقيل
عن التحديات والعوائق التي تقف في طريق مكافحة الجرائم السيبرانية ضد المرأة في الدول العربية، تحدثت كل من الدكتورة عويدات والأستاذة فريخة والدكتورة بن كيران عن غياب التشريعات المختصة، وعدم التطبيق الفعال للقوانين، وقلة الوعي والتوعية، وعدم إبلاغ الضحايا.
تقول الدكتورة بنكيران إن دولا عربية عديدة “خطت خطوات مهمة لوضع التشريعات الملائمة للتصدي لظاهرة العنف الرقمي، لكن القوانين وحدها لا تكفي إذا لم تكن مصاحَبة بتدريب الجهات المنفذة لتقديم المشورة وإنفاذ مواد القانون بشكل يستجيب لاحتياجات النساء الناجية من العنف”.
وتلفت الأستاذة فريخة إلى أنه في تونس، رغم “صدور القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، إلاّ أنّه لا يغطّي بشكل كاف العنف السيبراني، مما يستدعي تحديث القوانين لتشمل هذا النوع المستجد من الجرائم”.
وترى الدكتورة عويدات أن “رفع الوعي بأهمية حقوق الأفراد في الفضاء الرقمي ضرورة ملحة. فغياب هذا الوعي يعرض الكثير من الأفراد، سواء كانوا نساء أو رجالا أو أطفالا، لخطر العنف الرقمي. وفي العديد من الحالات، قد تتحمل الضحية جزءا من المسؤولية نظرا لغياب الوعي بكيفية حماية نفسها أو التصرف عند التعرض للاعتداءات الإلكترونية وأحيانا استدراجها لها”.
وفضلا عن خوف كثير من النساء من الوصم الاجتماعي في حال إبلاغهن، فإن السبب في الإحجام عن الإبلاغ يعود أحيانا إلى عدم معرفتهن بآلياته في بلادهن، أو انعدام الثقة بأنه ذو جدوى. وفي بعض الحالات يُلقى باللوم على الضحية بدلا من معاقبة الجاني، وهو ما يجعلها تمتنع عن الإبلاغ.
ومن التحديات الأخرى التي تحدثت عنها الدكتورة بنكيران “غياب التزام منصات التواصل الاجتماعي بإيجاد حلول، ويزيد من تعقيد الحالات كون الجناة في دول أخرى في بعض الأحيان”.
صدر الصورة، غيتي الصور
دور الأسرة
يؤكد كثير من الناشطين في مجال حماية النساء والفتيات من العنف الرقمي على أهمية دور الأهل في دعم الفتاة أو المرأة التي تتعرض للعنف على فضاء الإنترنت.
تقول آية منير إن إجراءات الإبلاغ “تعرض النساء لخطر معرفة الأهل، وهذا يجعلهن يتراجعن حتى عندما يكون لديهن الوعي الكافي بأهمية اتخاذ إجراءات ضد الجناة. في كثير من الحالات التي صادفناها تختفي المرأة أو الفتاة تماما، وهذا يعني أن الزوج أو الأهل منعوها أو أخفوها، أو أنها باتت تتعرض لعنف مركب بسبب الواقعة”.
وتقول منصة “اتكلم/ي Speak Up” في إحدى منشوراتها على فيسبوك إنه في حالات الابتزاز، أكثر سبب يمنع الضحايا من الإبلاغ هو الخوف من الأهل، أكثر من خوفهم من المبتز، وإن الضحايا في أغلب الوقت يخضعن للمبتز، لأن ذلك بالنسبة لهم أهون من مواجهة الأهل، وتطالب الآباء بدعم أبنائهم في الوقوف ضد الجناة.
يمثل العنف ضد المرأة على الفضاء الرقمي مشكلة شائكة ومعقدة في البلدان العربية بسبب الوصم المجتمعي وضعف القوانين وقلة الوعي. ورغم وجود منظمات أهلية توفر الدعم والمساندة، فإن ثمة حاجة إلى تطبيق فعال للقوانين ودعم الأهل للضحايا وعدم إلقاء اللوم عليهن، والتعاون بين الحكومات والمجتمعات ومنصات التواصل الاجتماعي لضمان فضاءات رقمية أكثر أمانا للنساء والفتيات.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.bbc.com
بتاريخ:2025-03-08 13:10:00
الكاتب: ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي