انهيار الأمن في الشرق الأوسط
التابع. عمرو حمزاوي 31-12-2024: حصاد 2024: انهيار الأمن في الشرق الأوسط
ما الذي غيب العدل عن الشرق الأوسط وأوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم على الرغم من ثروات منطقتنا البشرية والطبيعية وعمقها الحضاري وتنوعها الثقافي؟
كيف انهارت فرص السلام الإقليمي وعجز المجتمع الدولي عن وضع نهاية لحرب مستعرة منذ أكثر من عام أكلت الأخضر واليابس في غزة ولبنان ولم تتوقف عند حدودهما؟
كيف يقبل الضمير الإنساني ممثلا في الأمم المتحدة أن تمنع الحكومة الإسرائيلية دخول مساعدات إنسانية وطبية كافية إلى الفلسطينيين دافعة بهم إلى حافة المجاعة وانعدام الأمن الصحي وأن تمارس تجاههم وتجاه المدنيين في لبنان قتلا على المشاع ولا يصدر عن مجلس الأمن الأممي (الجهة الموكول إليها حفظ السلم والأمن العالميين) قرارا ملزما واحدا يقضي بإيقاف كل هذه الجرائم؟
ما الذي صنع من أغلبية الشعب الإسرائيلي أغلبية تراوح بين الموافقة أو عدم الاعتراض على الجرائم التي ترتكبها حكومتها وتقبل باسم الأمن، وهو ادعاء مراوغ، كل هذه الدماء وذلك الدمار وتلك العنصرية؟
كيف تجاهلت إدارة بايدن ـ هاريس في الولايات المتحدة الأمريكية والتي رفضت الأغلبية التجديد لها بإسقاط هاريس في انتخابات 2024 وإعادة ترامب إلى البيت الأبيض، ومعها عديد الحكومات الغربية، إيقاف إمدادات السلاح والذخيرة وأنواع الدعم المالي والاقتصادي المقدمة لإسرائيل وما يقرب من خمسين ألفا من الفلسطينيين وآلاف اللبنانيين قضوا وأمن الشرق الأوسط يتهاوى من درك أسفل إلى درك أسفل آخر على وقع ما صار حرب استنزاف إقليمية جديدة؟
وعلى الرغم من أن كافة هذه التساؤلات يمكن الإجابة عليها تفصيلا باستدعاء ملاحظات كثيرة عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في دول المنطقة وطبيعة حكوماتها وتنوع تحالفاتها مع الدول الخارجية وفي مقدمتها القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا وتباين المصالح الحيوية «للأربعة الكبار» وتغليبهم لمقتضيات حماية المصالح على اعتبارات الضمير الإنساني، يظل الأهم في هذه الأسطر هو إظهار الخيط التحليلي الناظم بين التفاصيل والملاحظات ألا وهو أن خلاص الشرق الأوسط من حرائقه المشتعلة لم ولن تأتي به أفعال القوى الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من محاولة في النصف الثاني من القرن العشرين) ولا إرادة منفردة تمارسها دولة مؤثرة (مصر والسعودية في عقود سابقة وجنون المغامرات العسكرية العراقية والإيرانية والإسرائيلية والتركية المتكررة) بل يتمثل سبيله الوحيد في التنسيق الإقليمي بين جميع الدول المؤثرة بغية بناء منظومة متكاملة للأمن والتعاون والرخاء المشترك على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي التي أسست في 1975 ومكنت القارة العجوز من تجاوز الانقسام الحاد آنذاك بين دول الشرق الشيوعية ودول الغرب الرأسمالية وحالت دون نشوب حروب بينهم طوال الفترة الممتدة بين 1975 و1989 (انهيار المعسكر الشيوعي).
لا خلاص للشرق الأوسط من حرائقه المشتعلة حروبا وصراعات مسلحة ونزاعات أهلية سوى بهيئة للأمن والتعاون الإقليمي تستند إلى مبادئ السلام واحترام السيادة وحسن الجوار والامتناع عن التدخل في شؤون الغير وحماية كيان الدولة الوطنية ورفض وجود الميليشيات وحركات اللا ـ دولة وكذلك رفض سباقات التسلح وانتشار سلاح الدمار الشامل، وتقر الحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وفي الأمن لإسرائيل وفي العيش المشترك دون عنف في سوريا ولبنان واليمن والسودان وليبيا، وتؤسس لعلاقات اقتصادية وتجارية وثقافية ودبلوماسية طبيعية بين كافة دول وشعوب الشرق الأوسط طالما التزمت الحكومات بالمبادئ المعلنة ولم تحد عنها في أفعالها وأعمالها.
كيف يقبل الضمير الإنساني ممثلا في الأمم المتحدة أن تمنع الحكومة الإسرائيلية دخول مساعدات إنسانية وطبية كافية إلى الفلسطينيين دافعة بهم إلى حافة المجاعة؟
ليست هذه دعوة لفك الارتباط بين الشرق الأوسط وبين القوى الكبرى، ولا للتنكر للتحالفات الهامة بين بعض دول المنطقة وبين الكبار. بل هي، وقبل أي شيء آخر، محاولة لجعل نقاط الارتكاز والانطلاق في التعامل مع ما نحن فيه هي نحن شعوبا ودولا وحكومات ومجتمعات مدنية وتحميلنا للمسؤولية الجماعية عن أحوالنا وتحفيزنا على توظيف كل ما لدينا بما فيه علاقاتنا مع القوى الكبرى وعموم العالم الخارجي لتجاوز صراعاتنا وخلافاتنا (بين فلسطين وإسرائيل، بين إيران وإسرائيل، بين إيران والخليج، بين لبنان وإسرائيل، بين الجزائر والمغرب، وبين القوى المتناحرة داخل بعض الدول) ومن ثم الخلاص من الحروب والمشكلات والأزمات وسباقات التسلح التي تراكمت وأشعلت المنطقة وأرهقت كل أهلها باستعادة العدل الغائب.
والشاهد أن في الشرق الأوسط اليوم مجموعة من الدول النافذة والمؤثرة خارج حدودها الوطنية والتي تستطيع، إن أرادت، القيام بأدوار هامة لإطفاء الحرائق المشتعلة.
بحسابات القوة الشاملة (القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية والدبلوماسية والقوة المعنوية) وكذلك بحسابات الأوزان الإقليمية النسبية، تضم هذه المجموعة النافذة دول مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا وإسرائيل وإيران وهي دول تتفاوت سياساتها الراهنة بين الانخراط المباشر في الحروب والحروب بالوكالة كحال إسرائيل وإيران، وبين تورط متنوع المضامين والأدوات في الصراعات المسلحة والنزاعات الأهلية في جوارها القريب أو البعيد كحال السعودية (عسكريا وبأدوات أخرى في اليمن) والإمارات (عسكريا وبأدوات أخرى في اليمن وإلى حد ما في السودان) وتركيا (عسكريا وبأدوات أخرى في سوريا وبدرجة أقل في العراق) ومصر (بأدوات غير عسكرية في ليبيا وفي السودان وفي القرن الإفريقي).
يطغى الانخراط في الحروب والحروب بالوكالة على مجمل الفعل الإقليمي لإسرائيل وإيران، ويجعل منهما مسببين للعنف متعدد المستويات في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن ويباعد سياسيا ودبلوماسيا بينهما وبين الدول النافذة الأخرى إلا بالقدر الذي يكفي للحيلولة دون اشتعال المزيد من الحرائق (كالاتفاق السعودي-الإيراني على عودة العلاقات الدبلوماسية وتهدئة الوضع في اليمن والترتيبات المصرية ـ الإسرائيلية بشأن خفض التوتر في الشريط الحدودي بين الدولتين ومع قطاع غزة). في المقابل، يغلب على السياسات السعودية والإماراتية والتركية والمصرية التوجه نحو الحد من التورط العسكري وغير العسكري في الجوار، والبحث عن حلول تفاوضية وتوافقية تقلل من التهديدات الواردة على الأمن القومي للدول الأربعة وتقلل أيضا من إهدار مواردها العسكرية والاقتصادية والمالية في صراعات ونزاعات لن تحل أبدا بقوة السلاح. على هذا النحو تطورت في الآونة الأخيرة السياسات السعودية والإمارات تجاه اليمن والتركية تجاه سوريا والعراق والمصرية تجاه ليبيا والسودان والقرن الإفريقي الذي تواجه به القاهرة توغل أديس أبابا عبر بوابة أرض الصومال.
على الرغم من تناقضات الفعل والتوجه الحاضرة بين دول المجموعة النافذة، يظل إطفاء حرائق الشرق الأوسط المشتعلة وتجنيبه المزيد من الحروب والصراعات وسباقات التسلح المحمومة مرهونا بسعيها المشترك إلى صياغة ترتيبات للأمن والتعاون تستند إلى مبادئ عادلة وملزمة وتنتظم داخل هيئة إقليمية تفتح عضويتها لكافة الدول الواقعة في المساحة الفاصلة بين إيران شرقا والمغرب غربا، ولها من الأدوات ما يجعلها قادرة على تحفيز علاقات السلام وحسن الجوار والتجارة بين الدول الأعضاء، وتمكن من توظيف تنافس القوى الكبرى وأدوارها الكثيرة بطرق تتقاطع إيجابيا مع أهداف الأمن والتعاون الإقليمي وبإدراك يستند إلى غياب رغبة (وربما انعدام قدرة) الكبار (خاصة الولايات المتحدة الأمريكية) على ابتداع وقيادة نظام متكامل لأمن الشرق الأوسط.
إلا أن التوقف على مدى واقعية «سعي جماعي» لمصر والسعودية والإمارات وتركيا وإسرائيل وإيران وحدود فاعليته الإنقاذية إنما يرتبط بالقراءة الموضوعية لأحوال ورؤى وسياسات الدول الست، وحسابات القواسم المشتركة الممكنة في مقابل الأهداف الاستراتيجية المتعارضة، وتفضيلات الحكومات والقيادات ومواقعها على المنحنى الإقليمي المركب الواصل بين نهايتين قصويين، صفر سلام وصفر صراع. وربما جاءت محصلة القراءة الموضوعية لتنفي إمكانية ذلك «السعي الجماعي» للدول الست لأسباب عديدة من بينها غياب الثقة بينها أو لتدلل على فرصه الكثيرة واحتمالاته المرتفعة أو لتقترح تعديل في المسار ليقتصر الأمر على بعض الدول ويستبعد منه البعض الآخر وفقا لحسابات المصالح والسياسات.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2024-12-31 14:37:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>