ايران تبحث عن استراتيجية جديدة
هآرتس 27/12/2024، تسفي برئيل: ايران تبحث عن استراتيجية جديدة
يوجد للمرشد الأعلى في ايران علي خامنئي حلم وخارطة طريق حول الطريقة التي ستتصرف فيها سوريا بعد سقوط الأسد. “نحن نُقدر بأن تجمع قوي ومحترم سيقوم في سوريا، حيث أنه الآن لا يوجد للشباب في سوريا ما يخسرونه؛ المدارس والجامعات والبيوت والشوارع غير آمنة”، قال خامنئي في خطابه الذي القاه في بداية هذا الأسبوع. “لذلك فانهم ملزمون بالوقوف بتصميم ضد الذين يخططون وينفذون عدم الامن هذا”، شرح وكأنه محلل في صحيفة إيرانية رسمية.
في الوقت الذي كان يتحدث فيه قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنه “من السابق لاوانه الحكم الآن. هناك جهات كثيرة ستؤثر على مستقبل هذه الدولة (سوريا)”. في الواقع بصورة ضبابية. هذه التصريحات لم يتم استيعابها بسهولة من قبل الزعماء الجدد لسوريا. وزير الخارجية المؤقت اسعد الشيباني وجه لطهران سهم حاد من خلال تهديد غير مخفي. “نحن نحذرهم (الإيرانيين) من زرع الفوضى في سوريا، ونعتبرهم المسؤولين عن التداعيات التي ستكون للملاحظات الأخيرة التي اصدروها”، قال الشيباني الذي لم يكن يتحدث فقط باسمه.
قبل بضعة أيام من ذلك قام القائد الجديد لسوريا، احمد الشرع، في تأطير تدخل ايران في سوريا على النحو التالي: “في ظل الأسد سوريا أصبحت منبر، سيطرت من خلاله بعض العواصم العربية ووسعت الحرب وضعضعت الخليج بواسطة المخدرات، مثل حبوب الكبتاغون. في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” قال الشرع إنه “باسقاط نظام الأسد أعادت المعارضة مشروع ايران الإقليمي أربعين سنة الى الوراء. حول إعادة فتح السفارة الإيرانية في دمشق لا يتحدثون الآن، وبعد أن نشرت ايران بأنها تقيم علاقات مع القيادة الجديدة، يبدو أن العلاقات بين الدولتين هي بالأساس عبر وسائل الاعلام وهي لا تبشر بالخير لإيران.
سوريا أعلنت أنها تنوي مقاضاة ايران على الاضرار التي حدثت فيها اثناء الحرب الاهلية، وتطالبها بحوالي 300 مليار دولار، هذا في حالة حاولت ايران طلب تسديد الديون المتعلقة بالاستثمارات وخطوط الائتمان التي وفرتها لنظام الأسد، التي تقدر بـ 30 – 50 مليار دولار. ولكن قضية تسوية الدين هي الآن ثانوية إزاء الضربة الشديدة التي تلقتها ايران، سواء في سوريا أو في لبنان. الآن يجب عليها وضع الاستراتيجية الإقليمية والدولية الخاصة بها على طاولة الرسم كي تفحص كيف تموضع نفسها من جديد وكيف تحافظ لديها على الذخائر التي بقيت لها، بالأساس تعزيز مواقع سيطرتها في العراق الذي تحول بعد فقدان سوريا ولبنان الى المعقل الاستراتيجي الأهم بالنسبة لها.
الضغط الأمريكي على رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، من اجل حل المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران، لا يمكن أن يضمن نتائج عملية. ومثلما في لبنان فان هذه المليشيات وزعماءها، العسكريين والسياسيين، هي جزء لا يتجزأ من القيادة العراقية والبرلمان والحكومة. أي قرار لنزع سلاحها أو فصلها عن ثدي خزينة الدولة، يمكن أن يثير مواجهات عنيفة تهدد استقرار الحكومة، التي هي في الأصل لا تعاني من فائض في دعم الجمهور. خوف ايران هو من أن المشاعر العامة المناوئة لها في العراق يمكن أن تثير “عمليات سورية” وتحدد مجال تاثيرها.
لكن الخوف على سلامة الذخائر القريبة هو فقط جزء من الضغوط التي تمليها الثورة في سوريا على ايران، وسيطرتها في سوريا ولبنان، وتطوير مشروعها النووي دفعها الى مكانة قوة استراتيجية إقليمية، الامر الذي ساهم في تغير مواقف الدول العربية منها. استئناف العلاقات مع دولة الامارات قبل سنتين تقريبا، ومع السعودية مؤخرا، وانضمامها لمنظمة “بريكس” ومنظمة التجارة في شنغهاي، وتدخلها في الحرب في أوكرانيا بواسطة الصواريخ والمسيرات والوسائل القتالية التي زودت روسيا بها؛ التعاون مع الهند التي وقعت ايران معها في شهر أيار الماضي على عدد من الاتفاقيات لادارة ميناء شبهار، الميناء الرئيسي للتواصل بين الهند ووسط آسيا؛ مشاركة ايران في “الممر الشمالي – الجنوبي” الذي يربط بين روسيا والخليج الفارسي – كل ذلك منح طهران موقع تأثير قوي وجعلها بؤرة جذب استراتيجية، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي.
اذا كان مفهوم “محور الشر” يهدف الى وضع ايران وتأطيرها كجزء من الدول الداعمة للارهاب، فهي الآن عامل رئيسي في “محور الشر”، الاقتصادي والسياسي، الذي تشارك فيه روسيا والصين وكوريا الشمالية، الذي يسعى الى كبح ما يسمى في هذه الدول بـ “المحور الامبريالي” للغرب برئاسة الولايات المتحدة. أيضا هذا الحضن الدولي الدافيء هزته الثورة في سوريا.
على سبيل المثال، العلاقات بين ايران وتركيا حصلت على ضربة شديدة بعد اتهام خامنئي لتركيا (في الواقع دون ذكر اسمها) بالمشاركة في “المؤامرة الصهيونية – الامريكية” لابعاد نظام الأسد. دخول تركيا السريع الى مكان ايران وتبني النظام الجديد في سوريا واحتضانه، أوضح لإيران من هو صاحب البيت الجديد في دمشق. تركيا، وليس ايران، هي التي يتوقع أن تكون الدولة التي ستوجه سياسة الشرع، وتقود الجهود لاعادة اعمار سوريا، وهي ستجني أيضا المكاسب الدولية التي ستأتي مع هذه الشراكة. تغير الأدوار هذا لا يعني القطيعة بين ايران وتركيا، لأنه يوجد لهما حتى الآن مصالح اقتصادية وعسكرية، تلزمها باستمرار التعاون، مثل الغاز الذي تشتريه تركيا من ايران، أو الحرب المشتركة ضد التنظيمات الكردية. ولكن وزن ايران في ميزان القوة بينهما تضاءل بشكل كبير، ومن شأنه أن يؤثر أيضا على العلاقات بينها وبين دول عربية أخرى.
ايران ليست وحيدة في دائرة الدول التي تضررت من الانقلاب في سوريا. أيضا روسيا تحصي اضرارها في المنطقة. مكانتها في سوريا افضل من مكانة ايران، لكنها أيضا لا تثق بأنه يمكنها الحفاظ على قواعدها في حميميم وفي ميناء طرطوس. ولكن السؤال الأكثر أهمية هو كيف ستؤثر التطورات في سوريا على العلاقات بين ايران وروسيا.
للوهلة الأولى، يبدو أن العلاقات بين ايران وروسيا تعتمد على أسس متينة، ليس فقط بسبب التعاون الأمني بينهما في أوكرانيا. ولكن هذه العلاقات يشوبها الشك وعدم الثقة. ففي كانون الأول 2022 نشرت وسائل الاعلام في ايران بأن روسيا ستقوم ببيع طائرات قتالية لإيران من نوع “اس.أو 35″، وقد مرت سنتين وهذا الوعد بقي على الورق. وفي شهر تموز الماضي وقعت روسيا على بيان مشترك مع زعماء دول الخليج يرفض طلب ايران السيادة في الجزر الثلاثة في الخليج الفارسي، التي تدعي سيادتها عليها دولة الامارات. روسيا أيضا تؤيد إقامة ممر يربط بين نحتسيفان وأذربيجان، خلافا لموقف ايران.
عند بدء التمرد في سوريا وسقوط مدينة حلب وجه بوتين الانتقاد للجيش السوري و”المليشيات المؤيدة لإيران التي انسحبت بدون قتال”. بعد شهر قال بوتين إن ايران طلبت مساعدة روسيا من اجل اخلاء 4 آلاف جندي إيراني. “في السابق طلب الأصدقاء الإيرانيون المساعدة على نشر وحداتهم في سوريا، ولكنهم الآن يطلبون المساعدة من اجل انسحابها”، قال بوتين في مؤتمر صحفي. طهران غضبت جدا. “لم يكن لنا أي جنود في سوريا. فقط كان لنا مدربون”، هكذا احتج المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي. وقد أكد على أنه تم حقا اخلاء مواطنين إيرانيين من قاعدة حميميم، لكن بطائرات إيرانية وليس روسية.
هذا الحوار الذي جرى عبر وسائل الاعلام يظهر كحدث هامشي، لكنه يضاف الى ادعاءات اكثر عمقا بين الطرفين، تشمل ضمن أمور أخرى، احتجاج ايران على أن روسيا سمحت لإسرائيل بالعمل في سوريا ضد الأهداف الإيرانية، وبأن موسكو حصلت على معظم التسهيلات الاقتصادية من نظام الأسد، في حين أن ايران حصلت على الفتات، رغم أنها هي التي وفرت معظم التمويل لتفعيل النظام.
في هذا الأسبوع زار ايران وفد روسي رفيع، ضم نائبان لرئيس الحكومة الروسية، ميخائيل ميشوستن. في وسائل الاعلام نشر أن هذه الزيارة ركزت على وضع اللمسة الأخيرة لاتفاق التعاون الاستراتيجي، بهدف التوقيع عليه قبل دخول ترامب الى البيت الأبيض.
لكن النقاشات حول هذا الاتفاق الاستراتيجي مستمرة منذ ثلاث سنوات، وايران لا يمكن أن تكون على ثقة بأنه في هذه المرة سيتم التوقيع عليه حقا، واذا تم التوقيع عليه فهل لن يكون مصيره مشابه للاتفاق الضخم الذي وقعت عليه ايران مع الصين، الذي تقدر قيمته بحوالي 400 مليار دولار. حتى الآن استثمرت الصين فقط بضع مئات الملايين في مشاريع في ايران. النتيجة من شأنها أن تكون أن ايران بعد سوريا ستجد نفسها في مكانة الوكيل بدلا من الشريكة الاستراتيجية. وعن الوكيل، كما تعلمت ايران، يمكن أيضا التنازل.
السقوط في سوريا والضربة لمكانة طهران والشرخ في العلاقات بين ايران ودول المنطقة، لا سيما تركيا، تضاف اليه المشكلة المزمنة، الازمة الاقتصادية الشديدة التي تواصل تغذية مظاهرات الاحتجاج والانتقاد الشديد أيضا من قبل شخصيات رفيعة في المؤسسة. “كيف يعقل أن 20 مليون لتر من البنزين تختفي كل يوم، في حين أننا نحن الذين نقوم بانتاجها وتزويدها”، هكذا تم اقتباس الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في هذا الشهر في موقع “تبناك” الحكومي. “هذه الاقوال تسري أيضا على الغاز والكهرباء والمياه وكل شيء آخر”، أضاف.
البنك المركزي في ايران نشر في هذا الشهر بأن النمو في الأشهر آذار – أيلول انخفض بالنصف مقارنة مع السنة الماضية، وبلغ 2.9 في المئة فقط. الكثير من مصانع الادوية أغلقت، وقوة بشرية مدنية تركت المجال أو انتقلت الى دول أخرى؛ مدارس أغلقت بسبب نقص الوقود لتشغيل التدفئة؛ تصدير النفط عانى من تخفيض حقيقي. عندما تسلم منصبه اعلن بزشكيان بأن هدفه الاسمى هو تخليص ايران من الازمة الاقتصادية. وأنه سيعمل على رفع العقوبات عن ايران. وقد حصل على الضوء الأخضر من خامنئي لاجراء المفاوضات مع الدول الأوروبية، وحتى مع الولايات المتحدة، حول بديل عن الاتفاق النووي الذي سيؤدي الى رفع العقوبات.
لكن مثل الرئيس روحاني، أيضا بزشكيان واجه قوات معارضة قوية، سواء داخل حرس الثورة أو من قبل سياسيين محافظين، الذين يدفعون نحو زيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم ويهددون بإعادة فحص “العقيدة النووية” لإيران. وهو تهديد يعني التقدم نحو تطوير السلاح النووي خلافا للسياسة المعلنة التي تقول إن النووي الإيراني تم اعداده للاهداف السلمية. حتى أن محللين محافظين قالوا إنه بالذات بعد الانقلاب في سوريا والخطاب في إسرائيل الذي يدعو الى “مواصلة الزخم ومهاجمة ايران”، فان طهران ملزمة باظهار قدرتها على الردع من اجل أن لا يكون مصيرها مثل مصير سوريا. القرار حتى الآن لم يتم اتخاذه، وهو سيكون مرهون بدرجة كبيرة بسياسة الرئيس ترامب. ولكن ليس بها فقط. فالارث الذي يريد خامنئي أن يخلفه سيكون له دور حاسم.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2024-12-27 14:18:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>