بدون سياسة تهديدات ترامب الفارغة من المضمون

هآرتس 21/3/2025، تسفي برئيل: بدون سياسة تهديدات ترامب الفارغة من المضمون
“كل طلقة يطلقها الحوثيون ستعتبر من الآن فصاعدا وكأنها اطلقت من السلاح الايراني ومن القيادة الإيرانية”، حذر في هذا الأسبوع الرئيس الأمريكي ترامب. “ايران ستتحمل المسؤولية والنتائج، التي ستكون قاسية جدا”. الصاروخ الذي اطلقه الحوثيون نحو إسرائيل وصفارات الإنذار التي ايقظت مواطنيها في الساعة الرابعة فجرا من شأنها أن تثير التوقع – هناك من يقولون الأمل – بأنه في القريب ستظهر على شاشات الرادار تلك النقاط المضيئة التي ستبشر بهجوم جوي امريكي أو اطلاق الصواريخ نحو ايران.
ترامب في الحقيقة أمر بمهاجمة قواعد الحوثيين بحجم غير مسبوق، ولكن حتى الآن من غير الواضح ما هو الهدف النهائي للهجوم. الردع؟ تقليص القدرة؟ تدمير سلطة الحوثيين؟ هل ربما فرض على الحوثيين مفاوضات لوقف هجماتهم؟ في شهر آب الماضي غرد ترامب باستهزاء: “من الذي يجري باسمنا مفاوضات في الشرق الأوسط؟ القنابل تسقط في كل مكان. وجو الناعس ينام على شاطيء كاليفورنيا بعد أن تم نفيه على يد الحزب الديمقراطي”. الآن قنابل ترامب “تسقط في كل مكان”. ورد أمريكا مرعب اكثر من الذي كان في عهد جو بايدن. ولكن حتى الآن لم يوقف صواريخ الحوثيين.
ماذا بشأن تهديد ايران؟ قبل أسبوع تقريبا بدأ العد التنازلي للستين يوم التي منحها ترامب للقيادة في ايران من اجل بلورة اتفاق نووي جديد – حسب تقرير براك ربيد في اكسيوس. من غير المعروف اذا كانت الرسالة التي أرسلها ترامب للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بواسطة اتحاد الامارات تتضمن أيضا تهديد لايران اذا لم تستجب لـ “دعوته” للتفاوض. هل أيضا سيفتح عليها الرئيس أبواب جهنم أو أن مصير هذا التهديد سيكون مثل مصير التهديدات الأخرى التي اطلقها ترامب في ثلاثة اشهر ولايته؟.
ايران، بالمناسبة، أصبحت معتادة على تهديدات ترامب. ففي كانون الثاني 2020، بعد بضعة أيام على اغتيال قاسم سليماني، ترامب هدد ايران. “نحن حددنا 52 موقع في ايران (تمثل عدد الرهائن الأمريكيين الذين تم اسرهم على يد ايران)، بعضها مهم لإيران ولحضارتها. نحن يمكننا ضربها وضرب ايران بسرعة وبقوة كبيرة”. الأهداف توجد حقا؛ الذريعة الجديدة أصبحت ناضجة؛ لكن من الأفضل حبس الانفاس لأنه يصعب التخمين اذا كان ترامب سيفضل الانتظار الى أن ترد ايران على دعوته للتفاوض أو أنه سيقرر تحطيم احتمالية اجراء المفاوضات بمهاجمة ايران لأن الحوثيين اطلقوا صاروخ على إسرائيل، أو ليس أي منهما.
في غضون ذلك يبدو أنه باستثناء دعوة التفاوض فانه لا يوجد لترامب خطة عمل واقعية، سواء دبلوماسية أو عسكرية بالنسبة لإيران، بالضبط مثلما انسحابه من الاتفاق النووي في 2018 لم يكن له استراتيجية لليوم التالي. ترامب لم تكن لديه خطة بديلة للاتفاق النووي الأصلي، و”معظم الضغط”، حسب رأيه، الذي استخدمه ضد ايران في اعقاب الانسحاب أدى الى ازدهار المشروع النووي وزيادة واضحة لكمية اليورانيوم المخصب وارتفاع خطير في مستوى التخصيب حتى 60 في المئة بدلا من 3.67 في المئة، كما تقرر في الاتفاق الأصلي.
ايران ليست الوحيدة التي تنتظر تطبيق تهديدات ووعود ترامب. اكثر من مليوني غزي لا يعرفون اذا كان يجب عليهم البدء في حزم اغراضهم التي بقيت بعد القصف والاستعداد للانتقال الى “أماكن جميلة لن يريدوا العودة منها”، أو أنه من الأفضل إيجاد خيمة فارغة أو مبنى لم يتم تدميره بالكامل كي يقضوا فيه الحرب التي تجددت – التي لا نعرف كم ستستمر. ترامب تراجع عن خطته الكبيرة للسيطرة على غزة وأوضح بأنه لن تكون هجرة قسرية. ولكنهم في مصر والأردن والسعودية ما زالوا يحاولون معرفة ما هو معنى “هجرة ليست بالقوة”.
استئناف الحرب وتوسيعها بعملية برية بعد عمليات القصف القاتلة لإسرائيل، التي حسب تقارير قتلت المئات، يثير في مصر الخوف من أنه يستهدف دفع الغزيين الى اختراق الحدود. الكابح الوحيد الذي سيقف امامهم في حينه سيكون الجيش المصري، الذي يستعد على الحدود لمواجهة اقتحام مئات آلاف الغزيين. هذا سيناريو الكابوس لمصر التي ما زالت تعمل على اقناع واشنطن بتبني خطة السيطرة المدنية على غزة بواسطة “إدارة خبراء” تخضع للسلطة الفلسطينية.
في يوم الأربعاء الماضي التقى في الدوحة وزراء خارجية مصر، السعودية، الأردن، اتحاد الامارات وقطر، وحسين الشيخ الأمين العام للجنة التنفيذية في م.ت.ف، مع ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، وتناقشوا في الخطة المصرية. حسب التقارير تم الاتفاق على أن تواصل الأطراف التشاور من اجل الدفع قدما بهذه الخطة. ورغم أن ترامب رفض هذه الخطة وقال إنها لا تتعامل مع الواقع في غزة، إلا أن الوزراء خرجوا من اللقاء مع الشعور بأن النقاشات مع ويتكوف وموافقته على فحص الخطة تدل على أنه يرى فيها أساس محتمل لتخطيط السيطرة على غزة.
العائق الرئيسي أمام تطبيق الخطة هو الناقص فيها: لا توجد فيها خطة لابعاد حماس من غزة. هي لا تتحدث عن نزع سلاح حماس، ولا توجد أي دولة مستعدة لارسال قوات عسكرية أو شرطية يمكنها أن تواجه حماس. بدون إجابات على هذه القضايا، وفي الوقت الذي فيه إسرائيل تضع حاجز لا يمكن تجاوزه امام وجود السلطة الفلسطينية في غزة، فقد بقي للولايات المتحدة فقط الموافقة على عدم طرد بالقوة سكان القطاع. هي تترك استمرار سيطرة إسرائيل في غزة بدون حل سياسي – وتسمح لها بفعل ما تريد.
استئناف الحرب في غزة لم يكن أمر محتم أو تطور خارج السيطرة. هذه استمرارية مباشرة لخرق إسرائيل احادي الجانب لاتفاق وقف اطلاق النار الذي عمل عليه ويتكون لايام كثيرة. في 3 شباط كان يتوقع أن تبدأ المفاوضات حول المرحلة الثانية التي تشمل انسحاب إسرائيل من كل القطاع (باستثناء منطقة عازلة على طول الحدود مع إسرائيل) والاعلان عن وقف دائم لاطلاق النار، أي انهاء الحرب واطلاق سراح جميع المخطوفين. إسرائيل كما نذكر لم ترسل حتى وفد للبدء في المفاوضات حول المرحلة الثانية. بعد ذلك أوقفت بشكل حادي الجانب ادخال المساعدات الإنسانية وقامت بقطع خطوط الكهرباء الأخيرة بينها وبين القطاع.
هذه الخروقات لم تحصل على رد مباشر من ترامب. فقط السفيرة الامريكية في الأمم المتحدة دروتي شاي، أعلنت بأن “حماس هي المسؤولية حصريا عن استئناف الحرب في غزة، والولايات المتحدة تؤيد خطوات إسرائيل”. قبل أسبوعين قال بعض المخطوفين الذين تم تحريرهم لترامب بأنه منحهم الأمل، وأنه “رسول من قبل الله”. فترة سريان هذا الأمل اوشكت كما يبدو على الانتهاء، ويبدو أن بعثة ترامب الإلهية ستكتفي بما نجح في تحقيقه حتى الآن – على ذلك هو يستحق الشكر.
ترامب، خائب الأمل من انهيار حلم الترانسفير المترف، في ظل عدم وجود خطة بديلة أو استراتيجية لليوم التالي للحرب، يمكن أن يتخلى عن المخطوفين ويبقي غزة لإسرائيل، وأن يكرس وقته لمواضيع مسلية أكثر، مثل حل وزارة التعليم في أمريكا، أو عناق صديقه بوتين. الكارثة الإنسانية في غزة لا تهمه حقا، والآن أيضا ليس لديه كونغرس مشاكس يهدد باغلاق صنبور السلاح لإسرائيل – مثل الكونغرس الذي فرض على ترامب وقف صفقات السلاح مع السعودية من اجل وقف الحرب في اليمن.
على هامش الطريق بين اليمن وغزة وايران توجد مواضيع أخرى ملقاة ومتروكة تنتظر سياسة أمريكية لها هدف محدد. احتلال أراضي في لبنان وترسيم الحدود البرية بين الدولتين؛ السيطرة على مواقع في سوريا وبلورة استراتيجية تجاه النظام الجديد في سوريا؛ سحب القوات الامريكية من سوريا والتزام أمريكا بالدفاع عن الاكراد؛ الحرب الاهلية الدموية في السودان. أيضا حتى الآن من غير المعروف كيف ينوي ترامب معالجة الدفع قدما بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية، واذا ما كان سيذهب الى حلف دفاع مع السعودية حتى بدون التطبيع. صحيح أنه مرت فقط ثلاثة اشهر منذ القاء ترامب لخطاب تتويجه، والميزان الفاحص الأول من المعتاد القيام به بعد 100 يوم. ولكن حسب التهديدات التي اطلقها (والتي تراجع عنها)، والوعود والاحلام والاوهام التي زرعها، يبدو أن ترامب قد لبى بالفعل حصة الإنتاج المحددة لولاية رئاسية كاملة.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-03-21 15:21:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>