اشترك في :

قناة واتس اب
صحافة

تأثير الملاحقات وقرارات الاعتقال الدولي على قادة كيان الاحتلال

كان إنشاء للمحكمة الجنائية الدولية دور كبير في إرساء العدالة الجنائية خصوصا وان هذه الأخيرة تم إنشاؤها بواسطة اتفاقية دولية، مما يوحي أنها تعطي توازنات تكون بيد الدول الأطراف على العكس من المحاكم التي أنشئت بموجب قرارات من مجلس الأمن، إلّا أنّ المحكمة تواجه عدة إشكالات على ارض الواقع مما يجعل ممارسة الاختصاص صعب نوعا ما، وهو ما يعقد السير الحسن للعدالة الجنائية الدولية، وإرساء دعائم القضاء الجنائي الدولي.

بات نتنياهو وغالانت وقادة كيان الاحتلال اليوم ملاحقين دوليًا بشكل رسمي من قبل القضاء الجنائي الدولي، فيما يستمرّ الجيش الإسرائيلي بارتكاب الإبادة الجماعية في غزّة وعدوانه على لبنان. لكن من المتوقع أن تواجه المحكمة صعوبات في إلقاء القبض عليهما وتاليًا محاكمتهما. إنّ الاشكاليات التي تعترض المحكمة الجنائية الدولية قبل المحاكمة تقود إلى عدة نقاط منها:

-المجال المحفوظ للدول (السيادة)

-عقد اتفاقية إطارية خارج نظام المحكمة الجنائية

-التصديق على نظام المحكمة الجنائية الدولية.

-تعطيل عمل المحكمة بموجب قرار من مجلس الامن

-عدم القدرة على تقديم دعوى على الدول الاطراف في مجلس الامن.

اضافة الى ذلك هناك العديد من العوائق التي تعترض المحكمة الجنائية الدولية بعد المحاكمة منها:

-ضعف آليات التنفيذ الدولية

يقصد بالتنفيذ هو اعطاء الجانب التطبيقي لوضع من صدرت في حقهم قرارات قضائية بالادانة وذلك قصد وضع الاشخاص رهن الحبس او السجن، ومن هنا يمكن القول أن التنفيذ يثير اشكالات وسضعف من فعالية المحكمة الجنائية الدولية، لأن هذه الاخيرة إلى آليات الانفاذ الدولية.

-التزام بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية

إنّ اشكالية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في اطار تنفيذ الاحكام ينطلق من مسألة تعمّد الدول، أو رفض الدول لمسألة تنفيذ الاحكام والاوامر الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية، فقد لا تقتنع الدول التي تم اختيارها قصد تنفيذ احكام المحكمة بمسألة التنفيذ وذلك إعمالا بمبدأ السيادة على اقليمها الداخلي وقد يحمل الامر على أساس إنه تدخل في الشؤون الداخلية للدول التي لم تصدق على نظام روما أصلا.

لكن القانون الدولي العام والقانون الانساني يلزمون الدول الاطراف في الامم المتحدة في كل الحالات ووفقا للمنظومة الدولية بالقبض وتسليم او محاكمة المطلوبين (مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية) وفقا لمبدأ الاختصاص الجنائي الدولي ومبدأ التكامل بين القضاء الوطني والقضاء الدولي. وعليه، وامام خطر الملاحقة يبقى نتنياهو وغالانت والمسؤولين الاسرائيليين والضباط محاصرين دوليا وغير قادرين على التحرك بحرية في معظم دول العالم خوفا من القبض عليهم واحالتهم للمحاكمات.

من هذا المنطلق تؤثر بطاقات الاعتقال دون شك ليس فقط على التنقل بين الدول بل انها تخلق حالة من الارباك السياسي والدبلوماسي لقادة الكيان في ظل حالة من الغضب العالمي بسبب ما ترتكبه آلة الحرب الصهيونية من انتهاكات جسيمة مستمرة في حق الشعب الفلسطيني الاعزل في غزة.

في هذا الاطار سنتعرض لمسألتين:

1-واجب كل دولة محاكمة مجرمي الحرب او تسليمهم طبقا لمبدأ الاختصاص العالمي

2-اعتماد المحكمة الجنائية الدولية على تعاون الدول الاعضاء

3-تاثير احكام الاعتقال على قادة كيان الاحتلال

1)واجب كل دولة محاكمة مجرمي الحرب او تسليمهم طبقا لمبدأ الاختصاص العالمي:

اذا كانت المواد 49( الاتفاقية الاولى)، و50(الاتفاقية الثانية)، و129 (الاتفاقية الثالثة)، و146 (الاتفاقية الرابعة) المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 قد اعطت الدول الاطراف السلطة والاختصاص في تعقب مجرمي الحرب، فإنّ ذلك لم يكن قاصرا على مواطني الدولة الطرف، أو بالنسبة للجرائم التي ترتكب فوق أقاليمها فحسب، وإنما كان اختصاصا عاما بقطع المنظر عن جنسية الفاعلين لهذه الجرائم. وتجدر الاشارة في هذا الصدد إلى أن الجمعية العامة للامم المتحدة قد أوصت أعضاءها في اول دورة عادية لها في عام 1946 بموجب قرارها رقم 3 بأن تأخذ جميع الاجراءات اللازمة” “التسبب في القبض على مجرمي الحرب المسؤولين أو الذين شاركوا في الجرائم الدولية، وإعادتهم إلى البلدان التي ارتكبوا فيها أعمالهم الشنيعة، حتى تتم محاكمتهم ومعاقبتهم وفقًا لقوانين تلك البلدان.”

كما دعت الجمعية العامة في ذات القرار الدول غير الاعضاء في الامم المتحدة الى اتخاذ التدابير اللازمة من اجل ضبط والقضاء على مجرمي الحرب. وبموجب التوصية رقم 2583/1969 (الدورة24) دعت الجمعية العامة جميع الدول المعنية لاتخاذ الاجراءات اللازمة من اجل التحقيق في جرائئم الحرب والجرائم ضد الانسانية ومن اجل تعقب والقبض على وتسليم ومعاقبة مجرمي الحرب والاشخاص الفاعلين لجرائم ضد الانسانية. وعلى الرغم من ان الجمعية العامة للامم المتحدة لم تنشر صراحة توصيتها رقم 3074/1973 (الدورة 28) بشأن مبادئ التعاون الدولي لتعقب والقبض على وتسليم وعقاب الفاعلين لجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية إلى واجب البحث وتعقب الاشخاص المنسوب اليهم ارتكاب جرائم الحرب فإنها( الجمعية العامة) قد أعلنت في هذه التوصية الهامة أنّ” جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أينما وجدوا، والذين توجد أدلة على ارتكابهم لهذه الجرائم، يخضعون للتعقب والاعتقال والمحاكمة، وإذا ثبتت إدانتهم، يعاقبون.”

وازاء الانتهاكات البشعة للقانون الدولي الانساني في يوغوسلافيا السابقة فقد دعت الجمعية العامة بموجب توصيتها رقم 195/50 (1995) الدول الاعضاء” لتعزيز آليات التحقيق ومعاقبة المسؤولين وتقديم الجناة إلى العدالة.” وهو الامر الذي أكدته ايضا في توصيتها رقم 200/50 1995 بشأن الصراع في رواندا. وقد جاء نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية مؤكدا على مبدأ الاختصاص العالمي بقمع جرائم الحرب والعقاب عليها بالنص في ديباجته على أنّ” واذ تذكر بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على اولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية”.

وهكذا يمكن القول بأن القانون الدولي العام يقرر اختصاصا عالميا بتعقب الفاعلين لجرائم الحرب بقطع النظر عن جنسياتهم او اماكن ارتكاب جرائمهم، يخول لجميع الدول الحق في القبض عليهم ومحاكمتهم امام محاكمها او تسليمهم الى الدول التي تطلب تسليمهم سواء كانت الدول التي ينتمي اليها هؤلاء الاشخاص او تلك التي ارتكبت الجرائم فوق اقليمها.

وبناء عليه يتعين على الدول الحريصة على سيادتها والمتمسكة بأولوية اختصاص قضائها الوطني بالمعاقبة على أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي أن تقوم بموائمة تشريعاتها الوطنية وأنظمتها القضائية مع التزاماتها الدولية النابعة عن الاتفاقيات والمعاهدات التي صدقت عليها وانضمت إليها فضلاً عن التزاماتها المتجذرة في العرف الدولي بما يجعلها قادرة على ملاحقة ومقاضاة مرتكبي تلك الجرائم البشعة ومن ثم قطع الطريق على الاختصاص الجنائي الدولي. وقد لخص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3074 (د-28) المؤرخ 1973/12/3 – بشكل عبقري – أهم ملامح العلاقة بين مبدأي الاختصاص الجنائي العالمي والتكاملية على النحو الآتي:(9)

1. “تكون جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أيا كان المكان الذي ارتكبت فيه، موضع تحقيق، ويكون الأشخاص الذين تقوم دلائل على أنهم قد ارتكبوا الجرائم المذكورة محل تعقب وتوقيف ومحاكمة، ويعاقبون إذا وجدوا مذنبين.

2. لكل دولة الحق في محاكمة مواطنيها بسبب جرائم الحرب أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

3. تتعاون الدول بعضها مع بعض، علي أساس ثنائي ومتعدد الأطراف، بغية وقف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والحيلولة دون وقوعها، وتتخذ على كلا الصعيدين الداخلي والدولي التدابير اللازمة لهذا الغرض.

4. تؤازر الدول بعضها بعضاً في تعقب واعتقال ومحاكمة الذين يشتبه بأنهم ارتكبوا مثل هذه الجرائم، وفي معاقبتهم إذا وجدوا مذنبين.

5. يقدم للمحاكمة الأشخاص الذين تقوم ضدهم دلائل على أنهم ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ويعاقبون إذا وجدوا مذنبين، وذلك، كقاعدة عامة، في البلدان التي ارتكبوا فيها هذه الجرائم. وفي هذا الصدد، تتعاون الدول في كل ما يتصل بتسليم هؤلاء الأشخاص.

6. تتعاون الدول بعضها مع بعض في جمع المعلومات والدلائل التي من شأنها أن تساعد على تقديم الأشخاص المشار إليهم في (الفقرة 5) أعلاه إلى المحاكمة، وتتبادل هذه المعلومات.

7. عملاً بأحكام (المادة 1) من إعلان اللجوء الإقليمي الصادر في 14 كانون الأول/ديسمبر 1967، لا يجوز للدول منح ملجأ لأي شخص توجد دواع جدية للظن بارتكابه جريمة ضد السلم أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.

8. لا تتخذ الدول أية تدابير، تشريعية أو غير تشريعية، قد يكون فيها مساس بما أخذته على عاتقها من التزامات دولية فيما يتعلق بتعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

9. تتصرف الدول، حين تتعاون بغية تعقب واعتقال وتسلم الأشخاص الذين تقوم دلائل على أنهم ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ومعاقبتهم إذا وجدوا مذنبين، وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.”

فمما لا شك فيه أن الاختصاص الجنائي العالمي ليس هو السبيل الوحيد لمكافحة الإفلات من العقاب. إذ ينبغي أن تبقى القواعد الكلاسيكية للاختصاص الجنائي الوطني – الاختصاص القضائي الشخصي والإقليمي– هي الأدوات الرئيسية للقيام بذلك. وعلى هذا الأساس، ينبغي على الدول التي تعتز بسيادتها أن تجري تحقيقاً في الجرائم الجسيمة المزعوم ارتكابها من قبل رعاياها أو على أراضيها، وعند اللزوم محاكمة المشتبه بهم. ولا يوجد الاختصاص الجنائي العالمي إلا كملاذ أخير لضمان عدم هروب أحد من وجه العدالة في نهاية المطاف. ولأننا أمام كيان محتل ومتغطرس ولا يعترف بالشرعية الدولية ولا يلتزم بقراراتها ويمارس سياسة انتهاك ممنهج لقواعد القانون الدولي بكل الطرق، بات ضروريا بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية الاعتماد على تعاون الدول الاطراف في النظام الاساسي لتسهيل القبض على المطلوبين وتسليمهم للمحاكمة في لاهاي.

2)اعتماد المحكمة الجنائية الدولية على تعاون الدول الاعضاء

لا تملك المحكمة وسائل خاصّة بها لتنفيذ قراراتها، بل تعتمد لذلك على الدول الأعضاء فيها والتي يصل عددها إلى 124 دولة. وينصّ نظام روما الأساسي على التزام الدول الأطراف بالتعاون الكامل مع المحكمة في تحقيقاتها وملاحقاتها القضائية للجرائم الواقعة ضمن اختصاصها (المادة 86). فعند إصدار المحكمة قرارًا بالقبض، ترسل هذا الطلب إلى جميع الدول الأعضاء، وعلى هذه الأخيرة أن تمتثل لطلبات القبض وتسلّم المطلوبين للمحكمة (المادتين 59 و 89). ولا تبدأ محاكمة المتهمين إلّا لدى إلقاء القبض عليهم إذ لا تجري المحاكمة  في حقّهم بشكل غيابي، إلّا في حال تنازلهم عن حقهم في الحضور أو تعذّر العثور عليهم على الرغم من اتخاذ جميع الخطوات المعقولة لضمان مثولهم (المادة 61).

وعليه، تؤدّي أوامر القبض التي اصدرتها المحكمة بشكل أساسي إلى تقييد حركة السفر لنتنياهو وغالانت وعدد كبير من الضباط العسكريين بشكل كبير، لكون الدول الأطراف ملزمة بتوقيفهما في حال دخولهما إلى أراضيها، بخاصّة دول الاتحاد الأوروبي الذي يربطه اتفاق خاص مع المحكمة. وفيما سارعت الولايات المتحدة إلى رفض هذا القرار، علمًا أنّها لم تنضمّ إلى نظام روما، ذهبت دول أخرى (مثل إيرلندا وبلجيكا وهولندا) إلى تأكيد التزامها باستقلالية المحاكمة وتنفيذ قراراتها.

وقد سبق أن امتنعت بعض الدول الأطراف في نظام روما الأساسي عن تنفيذ قرارات المحكمة، وآخرها منغوليا التي رفضت تنفيذ قرار القبض ضدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 2 أيلول 2024. وكان بوتين قد توّجه إلى منغوليا في أوّل زيارة له إلى دولة طرف في نظام روما منذ إصدار الغرفة التمهيدية في المحكمة قرارًا بالقبض في حقّه في آذار 2023. وقد رفضت منغوليا تنفيذ القرار متذرّعةً بحصانته بصفته رئيس دولة، وهو ما يتعارض مع المادة 27 من نظام روما التي تنص أن الحصانات المرتبطة بالصفة الرسمية للشخص لا تحول دون ممارسة المحكمة لاختصاصها. على أثرها، قضت الغرفة التمهيدية الثانية بأنّ منغوليا أخلّت بالتزاماتها الدولية بموجب النظام الأساسي، وأحالت المسألة إلى جمعية الدول الأطراف في نظام روما لأخذ التدابير اللازمة.

وبالرغم من العوائق التي قد تواجهها المحكمة لتنفيذ أمر القبض ضدّ نتنياهو وغالانت، يبقى أنّه من المتوّقع أن يكون لقرارها آثار متعدّدة على صعيد تعزيز موقف حركة التضامن مع فلسطين في العالم، كما على صعيد تدعيم الحجج القانونية المقدّمة في إطار دعوى الإبادة الجماعية المقامة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وفي إطار الدعاوى المرفوعة أمام محاكم وطنية لوقف تسليح إسرائيل استنادًا إلى الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني.

3-تاثير احكام الاعتقال على قادة كيان الاحتلال

بداية لابد من الاشارة الى ان قرارات مكتب الادعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية لا يمكن اسقاطها، فالولايات المتحدة الامريكية  لا يمكنها استخدام حق النقض ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية، لأن قرارات المحكمة غير قابلة للاستئناف، كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا عضوين في المحكمة وبالتالي لا يحق لهما التصويت. ويترتب على قادة الكيان التعامل مع الإجراءات القانونية أثناء تقديم الدعاوى المضادة لإلغاء أوامر الاعتقال، والمثول أمام المحكمة في لاهاي، وسيكون عليهم تجنب السفر خارج البلاد خشية اعتقالهم وتسليمهم إلى المحكمة بموجب ميثاق روما، بالإضافة إلى التوقف عن زيارة الدول الأعضاء في المحكمة. وعليه سيواجه قادة الكيان تحديات غير مسبوقة قانونية ودبلوماسية على الساحة الدولية أهمها:

أ‌.القيود القانونية على الحركة الدولية لنتنياهو وغالانت

بموجب نظام روما الأساسي، يمكن لأي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية اعتقال الأفراد الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف لجرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. قرار المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق أو إصدار مذكرات توقيف، سيضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت أمام قيود صارمة على حركتهما الدولية. الدول الأعضاء في نظام روما (عددها حاليا 124 دولة)، ملزمة قانونا بتنفيذ مذكرات التوقيف، مما يعني أن نتنياهو وغالانت، قد يواجهان خطر الاعتقال في أي من هذه الدول. اما على الصعيد السياسي، فهذا الإجراء يمكن أن يؤدي إلى تقليص مشاركتهما في المؤتمرات الدولية والاجتماعات الرسمية، مما يعزل القيادة الإسرائيلية عن المحافل الدبلوماسية المهمة.

ب‌.انعكاسات القرار على الداخل الاسرائيلي

لا شك أن للقرار تداعيات مزدوجة على كيان الاحتلال المحتل، على المستوي الداخلي، الذي يعيش حالة انقسام غير مسبوق، وشعور أكثر من أي وقت مضى أن  كيانه الوجودي في خطر. وخارجيا، في ظل خسران الصورة الذهنية التي عمل على رسمها في الذهنية العالمية من ٧٠ عاما، كدولة ديمقراطية، ملتزمة بحقوق الإنسان، وأهم هذه الانعكاسات على المستوى الداخلي.

الإدانة الدولية التي قد تواجهها إسرائيل نتيجة تصعيد سياساتها تجاه الفلسطينيين، من شأنها أن تحدث تغييرات جذرية داخل المشهد السياسي الإسرائيلي:

تعميق الاستقطاب الداخلي: قرار الإدانة سيعزز الانقسامات بين معسكرات اليمين واليسار في إسرائيل. قد يستخدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القرار لتصعيد خطابهم تجاه الفلسطينيين والمجتمع الدولي، متهمين إياه بالتحيز ضد إسرائيل. مثل هذا الخطاب، إذا تبناه قادة الحكومة، قد يخلق توترات أكبر بين الإسرائيليين الذين يدعمون سياسات أكثر اعتدالا، والذين يفضلون مواقف أكثر تشددا.

إضعاف الحكومة الحالية: مع تزايد الانتقادات الدولية، قد يجد نتنياهو وحكومته أنفسهم تحت ضغوط محلية من المعارضة وحتى من داخل ائتلافهم. إذا أثرت العزلة الدولية على الاقتصاد أو المصالح الأمنية، قد يرتفع مستوى الدعوات لاستقالتهم، أو لإعادة النظر في السياسات التي تسببت في العزلة.

تعزيز الخطاب اليميني: التيار اليميني المتشدد قد يستغل الإدانة، لتأكيد رفض التدخل الدولي في شؤون إسرائيل السيادية، مما قد يؤدي إلى حشد دعم داخلي أوسع لسياسات تتسم بمزيد من الانغلاق تجاه المجتمع الدولي. قد تكون هذه الخطوة محاولة لإعادة توجيه السخط الداخلي نحو الخارج، وتعزيز الشعور القومي لصدّ الضغوط الخارجية.

بالخلاصة، وفي ظل اختلال موازين القوى، وعودة الهيمنة الاستعمارية بأساليبها القديمة، سيواجه القرار بعدد من التحديات أهمها:

رفض إسرائيل تنفيذ القرار: إسرائيل ليست طرفا في نظام روما الأساسي، المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، وتؤكد باستمرار رفضها الاعتراف بولايتها القضائية. يشكل هذا تحديا كبيرا؛ من حيث تنفيذ قرارات المحكمة، حيث يعرقل التعاون اللازم لإجراء تحقيقات فعّالة أو محاكمات عادلة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقويض قدرة المحكمة على فرض إجراءات حقيقية على الأرض.

الضغط على المحكمة الجنائية الدولية: الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة التي تعد حليفا وثيقا لإسرائيل، قد تستخدم نفوذها السياسي والدبلوماسي للضغط على المحكمة من أجل تعليق التحقيقات أو إلغائها. هذه التدخلات قد تعكس ازدواجية المعايير الدولية، وتثير تساؤلات حول قدرة المحكمة على الحفاظ على استقلاليتها في مواجهة الضغوط الجيوسياسية.

 ازدواجية المعايير الدولية: القرار يفتح بابا للانتقادات بشأن الانتقائية في العدالة الدولية؛ فبينما تواجه إسرائيل تحقيقات دولية، لا تخضع دول أخرى يُزعم ارتكابها جرائم مشابهة لمثل هذه الإجراءات، هذا قد يعزز الشعور بعدم التوازن، ويؤثر على مصداقية المحكمة في أعين بعض الدول.

 عدالة تتحدى المصالح السياسية: في نهاية المطاف، سيكون لهذا القرار تأثير مزدوج؛ رمزيا، سيمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للفلسطينيين، وسيكشف عيوب النظام الدولي في مواجهة المصالح السياسية للقوى الكبرى. وعمليا، سيضع صعوبات كبيرة أمام إسرائيل، سواء على المستوى السياسي أو القانوني.

إن نجاح القرار يعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي للعدالة وسيادة القانون،  وعلى دور الدول الاطراف في نظام روما الاساسي الذين يوجب عليهم النظام الالتزام بضرورة مساعدة العدالة الجنائية الدولية وتسهيل تنفيذ قرار القاء القبض على المطلوبين وتسليمهم للمحاكمة.

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :alkhanadeq.org.lb
بتاريخ:
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

/a>

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى