تحديات التضخم تقلص فرص انتعاش سريع للاقتصاد العالمي
تتبدد الآمال في تحقيق الاقتصاد العالمي ازدهارا خلال 2024 بعدما واجهت الدول على مدار سنوات سلسلة من الأزمات تمثلت في ارتفاع حاد في الأسعار وزيادة معدلات الفائدة بسبب الحرب في شرق أوروبا إلى جانب تأثير الاحترار المناخي وغيرها.
ويمضي الاقتصاد العالمي في مسار تسجيل نمو متواضع في العامين المقبلين وسط تباطؤ النشاط في الولايات المتحدة ووصول النمو إلى أدنى مستوى في أوروبا وزيادة الاستهلاك والصادرات في الصين، لكن المخاطر التي تهدد المسار كثيرة.
وحذر صندوق النقد الدولي في تحديث لتوقعاته الاقتصادية العالمية من تباطؤ الزخم في جهود التصدي للتضخم، ما قد يرجئ خفض الفائدة ويبقي ضغوط قوة الدولار على الاقتصادات النامية.
ويظل خفض التضخم إلى المستوى المستهدف هو الأولوية للكثير من الحكومات، خاصة وأن اتجاهات كبحه قد تبدو مشجعة، حيث تعزى أغلب الأنباء السارة إلى تراجع أسعار الطاقة والسلع، لكن أغلب الدول والتكتلات الاقتصادية لم تبلغ المستوى المستهدف بعد.
غير أن ما يثير القلق إلى حد ما هو أن التقدم نحو أهداف التضخم يفقد قوة الدفع خاصة مع مؤشرات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التي تؤكد ارتفاع عدد من السلع على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، وقد تكون هذه انتكاسة مؤقتة، لكن ثمة ما يدعو إلى الاستمرار في توخي الحذر.
وأبقى صندوق النقد توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحقيقي في العام الحالي دون تغيير عن أبريل الماضي، عند 3.2 في المئة، لكنه بدا متفائلا قليلا بالعام المقبل حينما زاد توقعاته بمقدار 0.1 نقطة مئوية إلى 3.3 في المئة.
ولا تكفي التوقعات لصعود النمو من المستويات الضعيفة، التي حذرت مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا من أنها قد تؤدي إلى ما يشبه “العشرينات الفاترة”.
لكن يتجلى في التوقعات بعد تحديثها بعض التغيرات بين الاقتصادات الكبرى، فتم خفض توقعات النمو في الولايات المتحدة لعام 2024 بمقدار 0.1 نقطة مئوية إلى 2.6 في المئة، لتعكس استهلاكا أبطأ من المتوقع في الربع الأول.
وظلت التوقعات للنمو الاقتصادي الأميركي لعام 2025 دون تغيير عند 1.9 في المئة، وهو تباطؤ أدى إليه تراجع قوة سوق العمل وتقلص الإنفاق استجابة للسياسة النقدية المتشددة.
وقال كبير خبراء الصندوق بيير- أوليفييه غورينشا في تدوينة مرفقة بتقرير إن “النمو في الاقتصادات المتقدمة الكبرى أصبح أكثر اتساقا في ظل انكماش فجوات الناتج”.
وأوضح أن ظهور علامات التباطؤ يتزايد في الولايات المتحدة، في حين تتجه أوروبا نحو انتعاش.
وزاد الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني كثيرا إلى 5 في المئة، وهو ما يتوافق مع هدف الحكومة لهذا العام، صعودا من 4.6 في المئة في أبريل الماضي، بسبب انتعاش استهلاك الأفراد في الربع الأول وقوة الصادرات.
وزادت المؤسسة المالية الدولية المانحة أيضا توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني في 2025 إلى 4.5 في المئة صعودا من 4.1 في المئة في أبريل الماضي.
لكن الزخم الصيني قد يتعثر بعد إعلان بكين الاثنين الماضي عن نمو الناتج المحلي في الربع الثاني بنسبة 4.7 في المئة فقط، وهو أقل بكثير من التوقعات وسط ضعف الإنفاق الاستهلاكي في غمرة تراجع طويل الأمد في قطاع العقارات.
وقال غورينشا في مقابلة مع رويترز إن “البيانات الجديدة تمثل مخاطر نزولية على توقعات الصندوق لأنها تشير إلى ضعف ثقة المستهلكين واستمرار المشكلات في قطاع العقارات”.
ولتعزيز الاستهلاك المحلي يتعين على المسؤولين في ثاني أكبر اقتصاد في العالم العمل على حل شامل لأزمة العقارات لأنها تمثل الأصول الرئيسية لأغلب الأسر الصينية.
وأضاف غورينشا “حين تنظر إلى الصين تجد أنه كلما ضعف الطلب المحلي زاد اعتماد النمو على القطاع الخارجي”، وهذا يحفز المزيد من التوترات التجارية.
وفي ملاحظة أكثر إيجابية رفع الصندوق قليلا توقعاته لنمو منطقة اليورو للعام الحالي، بمقدار 0.1 نقطة مئوية إلى 0.9 في المئة، وترك توقعاته لعام 2025 دون تغيير عند 1.5 في المئة.
وقال إن منطقة اليورو “وصلت إلى القاع” وشهدت نموا أقوى في الخدمات في النصف الأول من العام، في حين أن ارتفاع الأجور الحقيقية سيساعد على استهلاك الطاقة العام المقبل، كما أن تيسير السياسة النقدية سيدعم الاستثمار.
وخفض الصندوق توقعات النمو في اليابان لعام 2024 إلى 0.7 في المئة من 0.9 في المئة في أبريل، ويرجع ذلك جزئيا إلى تعطل الإمدادات بسبب إغلاق مصنع كبير للسيارات وضعف استثمار القطاع الخاص في الربع الأول.
كما خفض توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي بنحو نقطة مئوية، مرجعا ذلك بصورة أساسية إلى تخفيضات إنتاج النفط. ومن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلد 1.7 في المئة هذا العام، بانخفاض 0.9 نقطة مئوية عن تقديرات أبريل.
وفي خضم ذلك تتصاعد مخاطر التضخم في الأجل القريب، في ظل استمرار ارتفاع أسعار الخدمات وسط نمو الأجور في القطاع كثيف العمالة.
ويرى خبراء الصندوق أن تجدد التوترات التجارية والجيوسياسية قد يؤدي إلى إذكاء ضغوط الأسعار مرة أخرى، نتيجة زيادة كلفة السلع المستوردة على امتداد سلسلة التوريد.
وذكر الصندوق في التقرير أن “خطر التضخم المرتفع يعزز احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة المخاطر الخارجية والمالية والتمويلية”.
وقال غورينشا إنه “رغم انخفاض الأسعار في الولايات المتحدة الشهر الماضي يستطيع الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) تحمل مغبة الانتظار لفترة أطول قليلا قبل البدء بخفض الفائدة لتجنب أي مفاجآت تضخمية”.
ويحذر الصندوق أيضا من التقلبات المحتملة في السياسة الاقتصادية نتيجة لكثرة الانتخابات هذا العام، التي قد تؤثر سلبا على بقية العالم.
وقال إن “هذه التحولات المحتملة تتبعها مخاطر إسراف مالي ستؤدي إلى احتداد ديناميكيات الديون، وهو ما يؤثر سلبا على العائدات طويلة الأجل ويدعم التوجه الحمائي”.
ومن المحتمل أن تؤدي زيادة الرسوم الجمركية وتوسع نطاق سياسة الصناعة المحلية إلى “تداعيات ضارة تمتد عبر الحدود، فضلا عن إثارة ردود فعل انتقامية تؤدي إلى سباق مكلف نحو القاع”.
وبدلا من ذلك حث الصندوق صناع السياسات على استعادة استقرار الأسعار وتيسير السياسة النقدية تدريجيا وتجديد الاحتياطيات المالية التي استنزفتها جائحة كورونا، واتباع سياسات تعمل على تعزيز التجارة وزيادة الإنتاجية.
The post تحديات التضخم تقلص فرص انتعاش سريع للاقتصاد العالمي appeared first on Lebanon Economy.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :lebanoneconomy.net بتاريخ:2024-07-19 06:08:47
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي