تقديم تنازلات مؤلمة للفلسطينيين سيكون أقل فتكا بكثير من سفك الدماء اللانهائي

هآرتس26/2/2025، رافي فلدن: تقديم تنازلات مؤلمة للفلسطينيين سيكون أقل فتكا بكثير من سفك الدماء اللانهائي
تعريف الجنون بأنه تكرار لنفس الفعل مع توقع نتيجة مختلفة يعود لالبرت انشتاين. طوال نضال اسرائيل المتواصل ضد الارهاب الفلسطيني لم نستمع الى نصيحة هذا اليهودي الحكيم. وحتى الآن نحن ما زلنا نتبنى النهج الذي يقول بأن ما لم ينجح بالقوة سينجح بالمزيد من القوة. قبل بضعة ايام حصلنا على تذكير دراماتيكي بذلك عند انفجار الحافلات الثلاثة، التي لحسن الحظ كانت فارغة. من المخيف التفكير فيما كان سيحدث لو أنها كانت مليئة بالمسافرين.
نحن حساسون وبحق للارواح والضحايا، على الاقل عندما تكون من جماعتنا، لكننا نرفض الاعتراف للاسف الشديد، بأن المجتمع الحديث هو الاكثر تعرضا للضرر الذي لا يمكن اصلاحه ازاء الهجمات الارهابية. لذلك، لا حاجة الى الوية منظمة ومزودة بالسلاح المتقدم، يكفي بضعة اشخاص مصممين ومزودين بالبنادق والعبوات الناسفة البدائية، أو ببساطة بسيارات، كي ينغصوا حياتنا.
هذا الدرس تعلمته في السابق دول عظمى لها قوة غير محدودة، التي لم تستخدم أي قيود اخلاقية أو قانونية. روسيا، التي عملت في افغانستان بقوة كبيرة، انسحبت من هناك وهي تجر الذيل بسبب منظمة مسلحة بالكلاشينكوف، وهذا ما حدث ايضا للامريكيين في فيتنام، وللفرنسيين في الجزائر، التي انسحبوا منها رغم أنه تم الاعتراف بها كولاية فرنسية وعاش فيها مليون ونصف مواطن فرنسي.
هذا ما حدث عندنا ايضا في الانتفاضة الاولى والانتفاضة الثانية وفي الهجمات القاسية والمتكررة على غزة. لم نتعلم أن قمع الانتفاضة العنيفة لا يغير الوضع من جذوره. وأن النجاح هو مؤقت فقط، وأن بذور الهجوم القادم تمت زراعتها وستخرج الى حيز الوجود في المستقبل القريب. الدائرة المفرغة القاتلة تواصل تغذية نفسها بشكل ثابت ومثير للقشعريرة. رغم جنون الكهانيين الفاشيين والمسيحانيين الوهميين إلا أن الشعب الفلسطيني لن يتبخر، سواء من غزة أو من الضفة الغربية. ولكن يبدو أن هذا الامر لا يزعجهم، وهم يعلنون بسرور بأننا سنعيش الى الأبد على حد السيف.
الخطأ الخطير جدا الذي يمكن ارتكابه اثناء الحرب هو الضغط على العدو وظهره الى الحائط، بدون اعطاء أي أمل له في الازدهار، واي فائدة في الوقت الذي فيه حياته في الظروف القائمة ليست حياة. في هذه الظروف العدو يكون مستعد لكل شيء، حتى مع معرفته بأنه سيموت في محاولته للمقاومة. على الاقل هو سيحظى بالانتقام. بالقتل والدمار الفظيع الذي تسببنا به في غزة، والتنكيل الوحشي بسكان الضفة نحن نخلق بيدنا اجيال من الشهداء واصحاب الدوافع الكبيرة، الذين سيثورون ضدنا ويحاولون قتلنا. المخزون البشري لديهم لا ينفد. الآن نحن اصبحنا ندرك بأن حماس لا تجد صعوبة في ملء الصفوف بالمقاتلين رغم الآلاف الذين قتلوا. نحن لم نتعلم من تاريخ الشعب اليهودي الذي حارب ضد الطغاة الوحشيين؛ لم نتعلم من الآية في سفر الاسماء: “عندما يعذبونه هو سيتكاثر ويندفع”. هذا ساري ايضا على شعوب اخرى.
أنا غير ساذج وادرك جيدا الاخطار التي تحدق بنا. وقد خدمت لسنوات كطبيب في سلاح المظليين وشاركت في ثلاث حروب ووصلت الى رتبة مقدم. من الواضح لي أنه يجب علينا الحفاظ على القوة العسكرية التي تردع الاعداء، وتكون مستعدة لمهاجمتهم عند الحاجة.
عندما استوطنا في ارض اسرائيل تعلمنا أن الطريقة الصحيحة ليست مكافحة البعوض، بل تجفيف المستنقعات. انهار من الدماء سفكت في الحروب مع مصر والاردن، التي اعتبرت عدوين لدودين مصممين على تدميرنا. مع ذلك وجدنا طريقة لعقد اتفاقات سلام معهما مع تقديم تنازلات مؤلمة. وكما يقولون فان “السلام يتم صنعه مع الأعداء”. المقاربة التي تعرض كل العرب كجسم واحد مؤيد لحماس هي مقاربة شعبوية، كاسحة، ضارة وسطحية. سكان غزة هم ايضا رهائن في أيدي نظام قاتل ووحشي، وهناك شهادات كثيرة على كراهيتهم لمن أنزلوا عليهم كارثة فظيعة. من الواضح أنه لا توجد أي امكانية للحوار مع جهات اصولية متطرفة، التي تعمي الكراهية عيونها. يجب علينا بذل كل الجهود من اجل ايجاد طريقة للوصول الى الجهات المعتدلة نسبيا في المجتمع العربي، ويوجد كهؤلاء، من بينهم السلطة الفلسطينية، من اجل وقف الدائرة المفرغة للعنف والرد المضاد، الذي يصب الزيت على النار. يجب علينا التخلي عن اعتبارات الثأر والكرامة الوطنية والبدء في التفكير الواقعي والعقلاني، الذي من خلاله سيتم العثور على طريقة لتقليص النزاع قبل انهائه المحتمل. هذا سيكون مرهون بتقديم تنازلات مؤلمة، في اساسها اقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، التي ستكون بالتأكيد بجانب دولة اسرائيل. هذه التنازلات المؤلمة ستكون اقل فتكا بكثير من الحرب ومن سفك الدماء اللانهائي.
الالتزام بـ “النصر المطلق” على حماس هو شعار مكسور. ولا أشك بأن نتنياهو ايضا لا يؤمن به. هو يستخدمه بشكل ساخر كي يضمن بأن لا تنتهي هذه الحرب وأن يبقى في الحكم.
سفر التكوين يتحدث عن الصراع الدراماتيكي ليعقوب لليلة كاملة مع الملاك الذي نجح في اصابته. يعقوب تغلب على الملاك، وفي الفجر توجه هذا اليه وطلب أن يحرره. رد يعقوب كان “لن أحررك إلا اذا قمت بمباركتي”. هكذا، الملاك باركه. هذا هو جوهر النصر المطلق، ليس مواصلة القتل والتدمير، بل خلق الظروف التي في نهاية المطاف الخصم فيها يباركك أو على الأقل يسلم بوجودك. هذه يجب أن تكون طريقنا اذا كنا نحب الحياة.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-02-26 16:21:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>