حزب الله: ما هي الشبكة المالية الدولية لتمويله؟

بالإضافة إلى، كون حزب الله القوة المسلحة الأقوى في لبنان، فإن حزب الله أيضاً حزب سياسي شيعي مؤثر، وله حضور كبير، في كل من البرلمان اللبناني والحكومة.

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شن الجيش الإسرائيلي غارات، على عدة فروع للقرض الحسن، زاعماً أن الجمعية كانت غطاءً لجماعة حزب الله، المدعومة من إيران، لتمويل أنشطتها، فيما أصرت جمعية القرض الحسن، وحزب الله على أن الجمعية المالية، مجرد كيان مدني، يقدم قروضاً صغيرة للأشخاص، الذين يحتاجون إليها.

تسببت المواجهات، التي استمرت لأكثر من شهرين عام 2024، بين حزب الله وإسرائيل في لبنان، في دمار واسع النطاق في المناطق، التي يتمتع فيها الحزب، المدعوم من إيران، بحضور قوي.

وانتهت المواجهات، باتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وتلاه انهيار النظام السوري.

هذه التغييرات، من المرجح، أن تؤثر بشكل كبير على المصادر، التي اعتاد حزب الله الاعتماد عليها لتمويله.

فريق بي بي سي لتقصي الحقائق فند مصادر الدخل الرئيسية لحزب الله، وكذلك شبكاته المالية في لبنان والعالم.

في عام 2022، قدرت وزارة الخارجية الأمريكية، أن إيران تزود حزب الله، بما يصل إلى 700 مليون دولار، من الأموال سنويًا.

تفاخر زعيم حزب الله الراحل، حسن نصر الل،ه في خطاب ألقاه عام 2016 بأن تمويل المجموعة، يأتي بشكل أساسي من إيران. ولم يكشف عن أي أرقام مالية قائلاً: “ميزانيتنا ورواتبنا ونفقاتنا وطعامنا ومياهنا وأسلحتنا وصواريخنا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.

تمول إيران حزب الله، من خلال الحرس الثوري الإسلامي، الذي ساعد في تأسيس الحزب في الثمانينيات، كما أن الحرس الثوري الإيراني، هو أيضاً المورد الرئيسي لأسلحة حزب الله ، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار المتقدمة.

وبينما شكل تمويل إيران غالبية ميزانية حزب الله في الماضي، فإن الحزب يعتمد، بشكل متزايد، على مصادر أخرى، وفقاً لحنين غدار، الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

توضح غدار أنه “بسبب العقوبات المفروضة على إيران، وصل الأمر إلى نقطة، لم يعد الإيرانيون قادرين فيها على إرسال نفس المبلغ من المال، إلى حزب الله”.

ووفقاً لماثيو ليفيت، مؤلف كتاب “حزب الله: البصمة العالمية لحزب الله اللبناني”، بجانب دخل المجموعة من إيران، تحصل على عائدات، من خلال مجموعة من الأنشطة المالية غير المشروعة، بما في ذلك غسل الأموال.

جمعية القرض الحسن، هي إحدى المنظمات المتهمة بغسل الأموال، نيابة عن حزب الله. وتعد هذه الجمعية جزءاً رئيسياً من شبكة الخدمات الاجتماعية لحزب الله.

قبل الضربات الإسرائيلية على لبنان في 20 أكتوبر/تشرين الأول، والتي استهدفت مقرات الجمعية، كان لديها أكثر من 30 فرعاً، وغالباً ما كانت تقع في الطوابق الأرضية للمباني السكنية.

كانت تتيح للأفراد، الحصول على قروض صغيرة صغيرة خالية من الفوائد بالدولار، مدعومة بالذهب أو بضامن، إضافة إلى إمكانية فتح حسابات توفير.

قال نصر الله، في خطاب ألقاه عام 2021، إن جمعية القرض الحسن قدمت 3.7 مليار دولار، على شكل قروض لـ 1.8 مليون شخص في لبنان، منذ تأسيسها في أوائل الثمانينيات، وإن حوالي 300 ألف شخص، حصلوا على قروض منها في ذلك الوقت.

“البنك لا يهدف إلى تحقيق الربح، إنه يقدم المساعدة المالية، في المقام الأول، لقاعدته الشعبية”، وهذا تحليل جوزيف ضاهر مؤلف كتاب “حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله في لبنان”.

ويضيف ضاهر: رغم ذلك، فمن المرجح، أن يكون متورطاً في غسل الأموال، لصالح الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية لحزب الله.

وبعد وقت قصير من شن الغارات على مقرات الجمعية، اتهمت إسرائيل حزب الله، باستخدام المؤسسة المالية، لتمويل أنشطته الإرهابية.

كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المنظمة عام 2007، حيث قال مسؤولون أمريكيون إن حزب الله يستخدم المنظمة، كغطاء لإدارة أنشطته المالية، والوصول إلى النظام المالي الدولي.

تواصلت بي بي سي مع جمعية القرض الحسن، بشأن الادعاءات، المتعلقة بانتمائها إلى حزب الله، مؤكدة أنها ليست ذراعاً مالية، للجماعة المسلحة، ونفت الاتهامات بغسيل الأموال.

وأوضحت أنها جزء من الإطار المؤسسي الأوسع، لحزب الله، والذي يركز في المقام الأول، على المبادرات الإنسانية والخدمية، وليس المعاملات المالية أو الاستثمارات.

وأكدت الجمعية أنه لا توجد صلة مباشرة لها بالمنظمات أو الحكومات الأجنبية، بما في ذلك إيران. وقالت الجمعية: “نحن جزء من النظام المؤسسي لحزب الله، لكن تركيزنا ينصب على الجوانب الإنسانية والخدمية، وليس العمليات المالية”.

أضافت الجمعية: “لا يوجد ارتباط بأي جنسيات أو منظمات أجنبية، إيرانية أو غير ذلك”.

وأكدت الجمعية التزامها بالشفافية، وتركيزها على المساعدات الإنسانية، ووصفت المخاوف بأنها “سوء فهم” حول طبيعتها الخيرية.

كانت تقارير إعلامية قد تداولت أنه في ديسمبر/كانون الأول عام 2020، قامت مجموعة تسمى SpiderZ باختراق حسابات الجمعية، وكشفت عن معلومات حساسة، مثل قوائم المقترضين والمودعين، بالإضافة إلى فيديوهات من كاميرات أمنية خاصة بفروعها.

وقالت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن، إن الوثائق المسربة تظهر أن القرض الحسن لديه أكثر من 400 ألف حساب، ويرتبط العديد منها، حسب قولها، بمؤسسات تابعة لحزب الله وإيران.

تقول مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنها لا تتلقى تبرعات من أي حكومة، وتصف نفسها بأنها غير حزبية. ومع ذلك، فهي تعتبر إيران وحزب الله، مصدر تهديدٍ للولايات المتحدة وحلفائها.

يُزعم أن أحد الحسابات، تحت اسم “ولي الفقيه”، يعود لمكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

المؤسسات المرتبطة بخامنئي، مثل مؤسسة الشهيد اللبنانية، تحتفظ أيضًا بحسابات لدى AQAH، وفقاً لما أفادته مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.

أكدت جمعية القرض الحسن وقوع اختراق “محدود” عام 2020، لكنها نفت تورطها في الأنشطة غير الشرعية، والمزاعم حول هوية بعض عملائها.

ردا على أسئلة بي بي سي، لم تؤكد الجمعية أو تنفِ ما إذا كانت تدير حسابات مرتبطة بعلي خامنئي. ومع ذلك، قالت إن أي شخص داخل الأراضي اللبنانية، يمكنه فتح حساب، بما في ذلك الحسابات المخصصة للتبرعات.

كما أخبرت بي بي سي بأنها تربطها علاقات جيدة، مع مجموعة مؤسسة الشهيد اللبنانية، حيث أوضحت أن المؤسسة تُعد جزءاً من مؤسسات الخدمات الاجتماعية، التابعة لحزب الله.

وأضافت القرض الحسن أنها لا تتعامل مع جهات مالية خارجية، ولا تستقبل تحويلات مالية، أو أموالًا من الخارج.

وأشارت إلى أن أي مقيم في لبنان، يمكنه الاستفادة من القروض التي تقدمها، وبالمثل، يمكن لأي مقيم فتح حساب مساهمة وإيداع الأموال، “تحت عنوان كسب الأجر والثواب وفعل الخير”.

أظهرت الوثائق المسربة عام 2020 أيضاً أن جمعية القرض الحسن، كانت تحتفظ بحسابات لأشخاص مقيمين خارج لبنان، بما في ذلك في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وفقاً لمؤسسة FDD البحثية.

كما تقول غدار، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن “لدى حزب الله العديد من الشركاء التجاريين في العديد من الدول الأفريقية”، وتضيف: “إنهم متورطون في جميع أنواع الصناعات، بما في ذلك أعمال الماس والفنون”.

في عام 2019، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على جامع الأعمال الفنية، ناظم سعيد أحمد، متهمة إياه بأنه “أحد أكبر المتبرعين لحزب الله”. كما قال المسؤولون الأمريكيون إن أحمد لديه “علاقات طويلة الأمد بتجارة “الماس الدموي”، ومكان وجوده غير معروف.

وورد أن حزب الله يجني المال، من الإتجار بالمخدرات في أمريكا الجنوبية.

ووفقاً لتقرير حديث صادر عن مؤسسة بحثية تابعة للأمم المتحدة، كشفت التحقيقات في فنزويلا، عام 2011، عن مخطط معقد، لتهريب المخدرات، وغسيل الأموال بملايين الدولارات.

وأوضح معهد الأمم المتحدة لبحوث الجريمة والعدالة بين المناطق (يونيكري)، أن مخطط حزب الله كان له علاقات بكولومبيا، وجماعة فارك المسلحة وكارتل فنزويلي.

كما أفاد معهد يونيكري أن الجماعة المسلحة، طورت حضوراً قوياً، في منطقة الحدود الثلاثية، بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية، قد فرضت أيضاً، عقوبات على العديد من الأفراد والشركات، الموجودة في تلك البلدان، خلال العقدين الماضيين، متهمة إياهم بدعم، الشبكات المالية العالمية لحزب الله.

أحد رجال الأعمال اللبنانيين حسن مقلد، والذي فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات عام 2023، قال لبي بي سي، إن مثل هذه العقوبات، التي تفرضها الولايات المتحدة لها دوافع سياسية. وأضاف مقلد: “الهدف الحقيقي هو زعزعة استقرار الأساس الاقتصادي، لمجتمع حزب الله وإعاقة أي بدائل، للنماذج الاقتصادية، المدعومة من الولايات المتحدة في المنطقة”.

تشير بعض المزاعم، إلى أن حزب الله لديه عدة طرق أخرى، لجني المال.

كما أوضح ليفيت، مؤلف كتاب “حزب الله: البصمة العالمية لحزب الله اللبناني لـ بي بي سي أن الحزب “تمكن من جني قدر هائل من المال، من خلال الرعاية الصحية والتعليم، وغيرها من قطاعات الخدمات اللبنانية”.

ووفقاً لورقة بحثية صادرة عن تشاتام هاوس عام 2021، يستفيد حزب الله من التشريعات المالية، والعقود العامة المتساهلة في لبنان، ويستخدم شركات خاصة مرتبطة به، للمزايدة على العقود العامة والفوز بها.

وقد وجد نفس البحث أن حزب الله يدر حوالي 300 مليون دولار شهرياً، من خلال تهريب وقود الديزل، عبر الحدود مع سوريا، وذلك قبل إطاحة الرئيس السوري السابق بشار الأسد من السلطة، في ديسمبر/كانون الأول 2024.

وفي الوقت نفسه، ربط تحقيق، أجرته بي بي سي عربي عام 2023، المجموعة بتجارة مخدرات الكبتاجون، التي تقدر بمليارات الدولارات.

وقبل عامين من تحقيق بي بي سي عربي، نفى حزب الله الاتهامات، بشأن ضلوعه في إنتاج المخدرات، واصفاً إياها مزاعم تفتقر إلى “أي مصداقية”.

في يونيو/حزيران 2023، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، عن أول عملية ضبط على الإطلاق، لعملات رقمية، بزعم ارتباطها بحزب الله. وصادر مكتب مكافحة تمويل الإرهاب الإسرائيلي، ما يقرب من 1.7 مليون دولار من عملة ترون الرقمية، والتي يُزعم أن بعضها يعود إلى حزب الله وفيلق القدس الإيراني.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نقلت رويترز عن هايوارد وونغ، المتحدث باسم ترون المسجلة في جزر فيرجن البريطانية، قوله لوكالة الأنباء إن جميع التقنيات يمكن “نظرياً أن تُستخدم في أنشطة مشبوهة”.

استشهد وونغ، كمثال باستخدام الدولار الأمريكي في عمليات غسل الأموال. وأوضح أن ترون لا تملك السيطرة على من يستخدم تقنيتها، كما أنها ليست مرتبطة بالمجموعات، التي حددتها إسرائيل.

بعد عام، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على صراف لبناني، متهمة إياه بتزويد حزب الله بمحافظ رقمية، لتلقي الأموال من مبيعات النفط الإيرانية.

تواصلنا مع حزب الله للتعليق على ما ورد في هذا التقرير ولكن لم يصلنا أي رد منهم.