دراسة تدافع عن تأخير رفع أجهزة دعم الحياة في حالات الغيبوبة
ووفق نموذج رياضي طوَّرته الدراسة، وجد الباحثون أن بعض المرضى الذين تم سحبهم من أجهزة دعم الحياة، ربما نجوا واستعادوا مستوى ما من “الاستقلال”، بعد بضعة أشهر من الإصابة، ويشير مستوى الاستقلال إلى مدى القدرة على إدارة الرعاية الشخصية، والتنقل، والتواصل والوظائف الأساسية الأخرى التي تسمح للشخص بالعيش، بشكل مستقل، بينما تشير أجهزة دعم الحياة إلى مجموعة تدخلات طبية تُبقي على المؤشرات الحيوية للمريض.
وتدعم أجهزة دعم الحياة، أو تحل محل وظائف الجسم الأساسية التي تفشل، وتشمل: التهوية الميكانيكية للمساعدة على التنفس أو استبداله، والإنعاش القلبي الرئوي لإعادة تشغيل القلب والتنفس، والتغذية الاصطناعية والترطيب من خلال أنابيب التغذية أو الوريد، وغسيل الكلى لأداء وظائف فشل الكلى، والأدوية لدعم الوظائف الحيوية مثل القلب، أو ضغط الدم.
وتتضمن القرارات المتعلقة ببدء العلاج الذي يحافظ على الحياة، أو استمراره، أو سحبه دراسة متأنية لتشخيص المريض، ونوعية حياته، ورغباته الشخصية، وغالباً ما يتم ذلك بالتشاور مع عائلة المريض، وفريق الرعاية الصحية.وتقول الدكتورة يلينا بودين، الباحثة في مركز التكنولوجيا العصبية والتعافي العصبي بكلية الطب بجامعة هارفارد لـ”الشرق” إن نتائج الدراسة تتحدى النهج الحالي، لاتخاذ قرارات مبكرة بشأن سحب أجهزة دعم الحياة لمرضى إصابات الدماغ الرضية.
وتشير بودين إلى أنه وفي الوقت الحالي، ينتظر بعض الأطباء ساعات فقط، أو بضعة أيام قبل التنبؤ بما إذا كان المرضى الذين يعانون إصابات دماغية شديدة سيتعافون أم لا.
أعباء أجهزة دعم الحياة
ويعد سحب التدابير التي تحافظ على الحياة حدثاً شائعاً في وحدات العناية المركزة، ولكنه ينطوي على توازن معقد بين الاعتبارات الطبية، والقانونية، والأخلاقية، والدينية.
وتم تدريب عدد قليل جداً من مقدمي الرعاية الصحية، بشكل خاص، على سحب التدابير التي تحافظ على الحياة، ولا توجد مبادئ توجيهية شاملة للمساعدة في ضمان تقديم الأطباء لأعلى مستويات الجودة من الرعاية للمرضى وعائلاتهم، ويمكن أن يؤدي التأخر في رفع أجهزة دعم الحياة إلى تكاليف مختلفة، وتحديات طبية، وأخلاقية.
من الناحية الطبية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإقامة لفترات طويلة في وحدة العناية المركزة، واستمرار استخدام العلاجات باهظة الثمن مثل التهوية الميكانيكية وغسيل الكلى، مما يضع ضغطاً على موارد الرعاية الصحية، ويُحتمل أن يؤخر رعاية المرضى الآخرين.
كما يمكن أن يؤدي التأخر أيضاً إلى زيادة العبء الجسدي، والعاطفي على المرضى وأسرهم، مما يؤثر في نوعية الحياة، ويطيل المعاناة في الحالات التي يكون فيها الشفاء غير محتمل.
إصابات الدماغ المؤلمة
ومن الناحية الأخلاقية، يثير تأخير رفع أجهزة دعم الحياة تساؤلات حول مدى ملاءمة مواصلة العلاج عندما تكون هناك فرصة ضئيلة، أو معدومة للتعافي بشكل ملموس.
لكن الدراسة المنشورة في “Journal of Neurotrauma” تؤكد على ضرورة الانتظار فترات أطول قبل اتخاذ القرارات المتعلقة، بفصل أجهزة دعم الحياة عن المرضى المصابين بذلك النوع من الإصابات.
في كل عام، يعاني أكثر من خمسة ملايين شخص من إصابات الدماغ المؤلمة الشديدة، ورغم وجود أدلة قوية من دراسات واسعة النطاق تشير إلى أن التعافي من إصابات الدماغ المؤلمة الشديدة “أمر ممكن”، والمبادئ التوجيهية التي توصي بعدم التشخيص السيئ المبكر، إلا أن قرار بدء فصل أجهزة دعم الحياة عادة ما يتم اتخاذه في غضون 72 ساعة بعد إصابات الدماغ المؤلمة.
سوء التشخيص العصبي
وتقول الدراسة إن المعلومات المقدمة من الأطباء، والتي تشير إلى سوء التشخيص العصبي، سبب شائع لاختيار العائلات فصل أجهزة دعم الحياة عن ذويهم المرضى، ومع ذلك، لا توجد حالياً أي إرشادات طبية، أو خوارزميات دقيقة تحدد المرضى المصابين بإصابات الدماغ الرضية الشديدة الذين من المرجح أن يتعافوا.
وباستخدام البيانات التي تم جمعها، على مدى سبع سنوات ونصف، من 1392 مريضاً بإصابات الدماغ الرضية الشديدة في وحدات العناية المركزة، في 18 مركزاً لعلاج الصدمات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، طوَّر الباحثون نموذجاً رياضياً للتنبؤ باحتمالية سحب العلاج الذي يحافظ على الحياة بناءً على عوامل مختلفة، بما في ذلك التركيبة السكانية، والحالة الاجتماعية، والاقتصادية، وخصائص الإصابة.
وأجريت الدراسة على المرضى الذين لا يُعانون الموت الدماغي، أيّ أن الإصابة الدماغية لم تؤثر في جذع المخ، وقد مكَّنهم هذا النموذج من تقدير احتمالية سحب أجهزة الدعم التي تحافظ على الحياة لكل مريض.
وحدد الباحثون أزواجاً من المرضى، ووجدوا لكل مريض استمر في تلقي الدعم من الأجهزة التي تحافظ على حياته، مريضاً مشابهاً لديه درجة احتمالية مماثلة من النموذج، ولكن تم سحب الدعم المحافظ على الحياة.
ومن خلال إنشاء هذه الأزواج المتطابقة، استهدف الباحثون مقارنة النتائج، ومسارات التعافي المحتملة للمرضى الذين لم يتم سحب العلاج الذي يحافظ على حياتهم، مع أولئك الذين سُحب العلاج عنهم، وبالتالي تقييم ما إذا كان تأخير قرار سحب أجهزة دعم الحياة يمكن أن يؤدي إلى نتائج تعافٍ أفضل لبعض المرضى.
وجد الباحثون أن النتائج المقدرة لمدة ستة أشهر لنسبة كبيرة من المجموعة الأولى التي استمر الأطباء في دعمهم، كانت إما الموت، أو استعادة بعض الاستقلالية على الأقل في الأنشطة اليومية، ومن بين الناجين، استعاد أكثر من 40% من تلك المجموعة مستوى معيناً من الاستقلال.
بالإضافة إلى ذلك، اكتشف فريق البحث أن البقاء في حالة إنباتية بعد ستة أشهر من الإصابة كان نتيجة غير محتملة، والحالة الإنباتية حالة سريرية تتميز بنقص الوعي والاستجابة للبيئة، رغم اليقظة.
ضغوط هائلة على الأطباء
وتقول بودين، في تصريحاتها لـ”الشرق”، إن الأطباء يتعرضون لضغوط هائلة لتزويد العائلات بالتشخيص، ولمساعدة العائلات في اتخاذ قرار بشأن مواصلة العلاج الذي يحافظ على الحياة أم لا.
وتشير بودين إلى أنه في كثير من الحالات قد يكون الأطباء على حق في تحديد المرضى الذين من المحتمل أن يموتوا، حتى لو استمر دعم الحياة “ومع ذلك، تشير نتائجنا إلى أن بعض المرضى على الأقل الذين ماتوا بسبب توقف أجهزة دعم الحياة، نجوا وتعافوا بشكل كبير (وفق النموذج الرياضي للدراسة)، وبالتالي، ينبغي النظر في تأخير قرار الاستمرار، أو سحب أجهزة دعم الحياة”.
وترى أستاذة الأعصاب في جامعة هارفارد أن تأخير اتخاذ القرارات المتعلقة بدعم الحياة قد يوفر للمرضى فرصة للشفاء، أو التخلص من الغيبوبة، أو تحقيق الاستقرار الطبي “ففي بعض الظروف، قد يظهر المرضى تحسناً، مما يشير إلى إمكانية التعافي المستمر”.
ويؤكد الباحثون على الحاجة إلى مزيد من الدراسات التي تتضمن عينات ذات أحجام أكبر، تسمح بمطابقة أكثر دقة، في محاولة لفهم مسارات التعافي المتغيرة للمرضى الذين يعانون إصابات الدماغ الشديدة.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :asharq.com بتاريخ:2024-05-22 15:59:19
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي