رهانات غريبة وغامضة على الحرب وسندات اليوروبوندز!
حتّى أواخر الأسبوع الماضي، أي قبيل اغتيال نصر الله، لم تكن أسعار اليوروبوندز -سندات الدين السيادي بالعملة الأجنبيّة- قد سجّلت أي تحرّك غير مألوف في أسعارها. حتّى تلك اللحظة، كانت السندات قد سجّلت ارتفاعًا بسيطًا في أسعارها لغاية 6.5 سنت للدولار (6.5% من قيمة السند الإسميّة)، مقارنة بـ 5.875 سنت للدولار في أواخر الأسبوع السابق. حتّى تلك اللحظة، لم يكن هناك ما يوحي أنّ ما جرى الأسبوع الماضي أثّر، إيجابًا أو سلبًا، على عمليّات سوق اليوربوندز، أو أنّ هناك من راهن على الحرب أو خشي منها.
وللتوضيح، من المهم الإشارة هنا إلى أنّ هذه الأسعار تمثّل قيمة التداول الحاليّة في السوق، مقارنة بقيمة السند الأساسيّة (الإسميّة) التي كان يفترض سدادها عند الإستحقاق، والتي تم على أساسها الإصدار والاقتراض. وتعكس قيمة التداول، بطبيعة الحال، تفاؤل المستثمرين أو تشاؤمهم بخصوص مستقبل هذه السندات، التي توقّفت الدولة عن سدادها منذ آذار 2020، من دون أن تعيد هيكلتها حتّى هذه اللحظة. ومن هنا تُفهم طريقة احتساب السعر، بوصفها نسبة مئويّة من القيمة الإسميّة للسند، كما يُفهم طبعًا –بالنسبة للبنان- تدنّي سعر التداول الحالي مقارنة بالقيمة الإسميّة.
قفزة غريبة في الأسعار هذا الأسبوع!
على نحوٍ غريب وغير متوقّع، وعلى وقع أصوات القصف اليومي، سجّلت أسعار سندات اليوروبوند هذا الأسبوع ارتفاعًا سريعًا وغامضًا، وصولًا إلى مستويات ناهزت الـ 7.8 سنت للدولار (7.8% من القيمة الإسميّة). أي بصورة أوضح، يمكن القول أنّ أسعار السندات قفزت هذا الأسبوع بعد فتح الأسواق، في المرحلة التي تلت اغتيال نصرالله، بنسبة 20%، مقارنة بسعر الإقفال أواخر الأسبوع الماضي. وهذا التطوّر جاء مخالفًا لبعض البديهيّات التي يتوقّعها المراقبون في العادة، إذ كان من المفترض أن تكون الحرب الواسعة مصدر قلق للمستثمرين، لا مصدر تفاؤل يدفع لشراء السندات والإقبال عليها.
منذ انتشار الخبر، كان هناك سؤال بسيط يُطرح على ألسنة المتداولين في السوق: من يراهن على الحرب، في أسواق سندات اليوبوروبوندز؟ من أقبل على شراء السندات بشهيّة، بمجرّد اغتيال نصرالله واتساع نطاق القصف هذا الأسبوع؟ وأي معلومة أو توقّعات تملكها هذه الأطراف؟
لفهم أهميّة ما جرى هذا الأسبوع، يمكن أن نذكّر بحقيقة بسيطة: أسعار السندات بعد هذا الارتفاع، لامست حدود أسعار ما قبل اندلاع المواجهات في الجنوب، في تشرين الأوّل 2023. قد يكون ذلك غريبًا، لكنّ اتساع نطاق الحرب اليوم رفع الأسعار إلى مستويات ما قبل الحرب، بل ومحى أثر الانخفاض الذي سببته عمليّات جبهة الإسناد في الجنوب على مدى سنة كاملة. خلال هذه السنة، ساهمت بعض الأخبار في رفع أسعار السندات بشكل طفيف للغاية، كما جرى حين تسرّبت أنباء عن رغبة الحكومة بإعادة شراء جزء من هذه السندات. غير أنّ هذه الأحداث لم تساهم يومًا في رفع أسعار السندات بالشكل الذي حصل هذا الأسبوع.
حين نتحدّث عن قفزات أو تحوّلات مفاجئة وغير مفهومة في سوق اليوروبوندز، نبحث دومًا عن نوعيّة التحليل أو المعلومة التي قادت المتداولين إلى قراراتهم الأخيرة. فالمتداولون في هذه السوق عادة، وخصوصًا في حالة لبنان المتعثّر، يضمّون كبار الصناديق الاستثماريّة والمؤسسات الماليّة، بما فيها تلك المتخصّصة في اقتناء ودراسة سندات الجهات المتوقّفة عن السداد، بانتظار إعادة الهيكلة. بهذا المعنى، تكتسب تداولات السوق هنا حساسيّة خاصّة، لانطوائها على رهانات يقوم بها لاعبون من الوزن الثقيل والمحنّك.
فرضيّات متعدّدة
حتّى لحظة كتابة هذه السطور، يتم تداول العديد من الفرضيات التي تحاول تفسير ما يجري في سوق سندات اليوربوندز اللبنانيّة، أو بعبارة أوضح: تفسير الرهان على الحرب، كعامل إيجابي بالنسبة لحملة السندات والمقبلين على شرائها. ويمكن تلخيص هذه الفرضيّات على النحو التالي:
1- ثمّة تحليل يفسّر الإقبال على شراء السندات، في ظل الحرب، بوجود رهان ما على حل دولي سيلي التصعيد الراهن، بما يشمل الإصلاحات الماليّة والتسويات السياسيّة التي ينتظرها الخارج. المتداولون بهذا المعنى يفسّرون انفجار الأوضاع في الميدان كمقدّمة لإعادة ترتيب الوضع المحلّي، بعد نهاية الحرب وفرض توازنات جديدة في الداخل. هذه الفرضيّة تأخذ بعين الاعتبار طبعًا ما لحق بحزب الله من ضربات خلال الأسبوعين الماضيين، وأصحاب هذه النظريّة يعتبرون أن هذه الضربات ستمهّد لواقع سياسي جديد في لبنان. جزء من هذا الواقع المنتظر، سيرتبط طبعًا بالوضع الاقتصادي، وعلاقة البلاد الماليّة بالخارج، بما في ذلك إمكانيّة الدخول في برنامج صندوق النقد. إعادة هيكلة السندات، جزء من سلّة الحلول الاقتصاديّة والسياسيّة التي ينتظرها لبنان لاحقًا، بحسب هذه الفرضيّة.
2- يذهب البعض الآخر إلى ربط هذه التطوّرات بمسائل أكثر تقنيّة وتفصيليّة، وأقل إستراتيجيّة. ترى هذه النظريّة أنّ أسعار سندات اليوروبوندز السابقة كانت منخفضة للغاية، قياسًا بالقيمة التي يمكن أن يحصّلها المتداولون لاحقًا، عند إعادة هيكلة السندات. وبذلك، كانت الحرب وما رافقها من تحرّكات قلقة في أسواق المال فرصة للاستفادة من السعر المنخفض وشراء السندات، من قبل الأطراف المستعدة لتملّك هذه الأدوات الاستثماريّة على المدى الطويل. والإقبال على شراء السندات، كان سببًا في “تصحيح” أسعارها.
3- أخيرًا، تربط بعض التحليلات ما جرى في سوق السندات باقتراب المهلة الأخيرة لتقديم المطالبات القانونيّة بالفوائد، في وجه الدولة اللبنانيّة، من قبل حملة السندات. وهذا ما يساهم الآن -بحسب هذه النظريّة- في تحريك السوق ودفع فئات من المتداولين لبيع محافظهم، مقابل استفادة جزء آخر من المتداولين من الظرف لشراء المزيد من السندات. وفي النتيجة، تكون هذه التداولات قد ساهمت في تعديل وتصحيح أسعار السندات من جديد.
أيًا يكن الأمر، من الواضح أنّ الدولة اللبنانيّة مازالت حتّى اللحظة غائبة عن كل مجريات هذه السوق، وما يحصل هناك من مضاربات ورهانات. فالدولة لم تباشر بعد عمليّة التفاوض مع الدائنين، ولم تحدد بعد أصلًا هويّة حاملي سنداتها المتداولة. وعلى هذا الأساس، لا يمكن للبنانيين حاليًا سوى التكهّن بطبيعة المضاربات والرهانات التي تجري، بانتظار استحقاق إعادة الهيكلة الموعودة.
The post رهانات غريبة وغامضة على الحرب وسندات اليوروبوندز! appeared first on Lebanon Economy.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :lebanoneconomy.net بتاريخ:2024-10-04 10:10:11
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي