صنعاء والقدرة على فرض خطوط المواجهة

التصعيد العسكري الأميركي في اليمن يكشف عن أزمة عميقة تعيشها واشنطن في التعامل مع معادلات القوة الجديدة في المنطقة. الضربات الجوية الواسعة التي استهدفت مواقع يمنية، تحت ذريعة حماية “حرية الملاحة”، لم تُحدث التأثير المطلوب، بل جاءت بنتائج عكسية، إذ أثبتت صنعاء مجددًا قدرتها على الرد بفاعلية وتصعيد مقابل التصعيد.
لم يكن التصعيد الأميركي سوى امتداد لاستراتيجية قائمة على الردع الفاشل، وهي ذاتها التي جُرِّبت سابقًا في ساحات أخرى ولم تؤدِّ إلا إلى تعميق الأزمات. التحليل الذي نشرته فرانس 24 أشار إلى أن “القوات اليمنية أظهرت صمودًا استثنائيًا في مواجهة الضربات الأميركية”، وهو ما يعكس تحولًا في موازين القوى، حيث لم تعد صنعاء الطرف الأضعف في معادلة المواجهة، بل طرفًا قادرًا على فرض شروطه الميدانية وإعادة صياغة قواعد الاشتباك.
منذ بدء الهجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، عملت واشنطن وحلفاؤها على تحييد صنعاء عبر التهديدات العسكرية، لكن الواقع الميداني أظهر أن صنعاء لم تكتفِ بالصمود بل رفعت من مستوى عملياتها، مستهدفة المزيد من السفن وموضحة أن التصعيد الأميركي لن يمر دون رد.
في هذا السياق، نقل اعتراض عن خبراء قولهم إن “تصعيد حرب اليمن قد يشعل صراعًا إقليميًا واسعًا في الشرق الأوسط”، وهو ما يتعارض مع رغبة واشنطن في تجنب انزلاقها إلى مستنقع جديد. لكن المفارقة أن استراتيجيتها الراهنة تدفع باتجاه سيناريو التصعيد، حيث تشير التقديرات إلى أن “القوات المدعومة أميركيًا في اليمن قد تستأنف عملياتها البرية”، وهو خيار يبدو محفوفًا بالمخاطر نظرًا للتجربة السابقة في مواجهة قوات صنعاء.
ما يزيد من تعقيد الموقف الأميركي هو ضيق هامش المناورة الاستراتيجية، إذ تجد واشنطن نفسها أمام معضلة غير مسبوقة: من جهة، تريد الحفاظ على خطوط التجارة البحرية وتأمين ممرات الشحن، ومن جهة أخرى، تدرك أن أي توسع عسكري سيؤدي إلى استنزاف أكبر، ليس فقط في اليمن، بل على مستوى الإقليم ككل.
تحليل نشره المصلحة الوطنية أشار إلى أن “الضربة الأميركية الأخيرة تأتي ضمن أجندة أوسع لمواجهة النفوذ الاقتصادي للصين وتقليص اعتمادها على النفط الإيراني”. بمعنى آخر، فإن التصعيد العسكري في اليمن ليس مجرد رد فعل على الهجمات البحرية، بل هو جزء من استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة. لكن هذه الحسابات لا تبدو دقيقة، إذ أن استهداف صنعاء لم يؤدِّ إلى تراجع عملياتها العسكرية، بل دفعها إلى توسيع نطاق استهدافاتها.
الأهم أن صنعاء لا تخوض هذه المعركة بمعزل عن المشهد الإقليمي الأوسع. التحالفات التي ترسخت خلال السنوات الماضية، سواء مع طهران أو مع قوى أخرى، تمنحها هامشًا من الدعم العسكري واللوجستي يجعل محاولات “الردع الأميركي” غير مجدية.
المعادلة التي تحكم المواجهة الحالية لم تعد تدور حول من يملك القوة العسكرية المطلقة، بل حول من يستطيع فرض إرادته على الأرض. في هذا السياق، أشار تحليل المصلحة الوطنية إلى أن “الحوثيين يمتلكون اقتصادًا حربيًا متنوعًا يسمح لهم بتمويل عملياتهم رغم العقوبات”، وهي نقطة أساسية تعكس عمق الأزمة الأميركية، إذ أن أدوات الضغط التقليدية لم تعد فعالة في مواجهة نموذج حربي جديد قائم على ديناميات غير تقليدية.
علاوة على ذلك، فإن الرهانات الأميركية على إمكانية عزل صنعاء أو خنقها اقتصاديًا تواجه تحديات حقيقية، إذ أن العقوبات وحدها لم تعد كافية، كما أن التحولات الجيوسياسية، لا سيما التوجهات الصينية والروسية، تخلق واقعًا أكثر تعقيدًا لواشنطن.
المعادلة اليوم لم تعد كما كانت قبل سنوات. الخيارات الأميركية تتقلص، فيما تثبت صنعاء أن قدرتها على الصمود تتجاوز التقديرات التقليدية. وبينما تسعى واشنطن إلى فرض معادلة جديدة في البحر الأحمر، يبدو أن صنعاء هي الطرف الذي بات يحدد قواعد الاشتباك، ويرسم الخطوط الحمراء لمعادلة أمنية جديدة تتجاوز الحسابات الأميركية التقليدية.
في المحصلة، لم ينجح التصعيد الأميركي إلا في تعميق مأزق واشنطن الاستراتيجي، فيما أثبتت صنعاء مجددًا أن ميزان القوة لم يعد يميل لصالح من يمتلك السلاح الأكثر تطورًا، بل لمن يملك الإرادة السياسية والقدرة على المناورة في معركة تتجاوز حدود اليمن، وتمتد إلى الإقليم بأسره.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :alkhanadeq.com
بتاريخ:
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>