طوفان الأقصى.. الأسباب والتداعيات – قناة العالم الاخبارية
وربما يتساءل البعض لماذا قامت المقاومة بعملية طوفان الأقصى وما سببها في هذا التوقيت؟ وهنا يجب أن نجيب بوضوح عن أسباب العملية التي تراكمت خلال سنوات ممتدة، فمنذ عام 2007 يفرض كيان الاحتلال الإسرائيلي حصاراً خانقاً على قطاع غزة أي منذ نحو 17 عاماً، وفي سنوات الحصار تآكل وجود الطبقة الوسطى في القطاع تآكلاً كبيراً، وذلك في ظل الأزمات المعيشية والاقتصادية التي عصفت به، ووفق تقديرات مؤسسات المجتمع المدني في القطاع، فإن معدل الفقر بلغ 64%، في الوقت الذي تعاني فيه 57% من الأسر الفلسطينية من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يقارب ست من كل عشر عائلات من القطاع. ومنذ عام 2007 شن كيان الاحتلال ما يزيد على ست حروب على القطاع، والبداية كانت مع حرب 2008 – 2009 التي سميت بمعركة الفرقان، وحرب 2012 وكان اسمها حجارة السجيل، وحرب عام 2014 العصف المأكول، وحرب عام 2019 وهي صيحة الفجر، وأخرى في عام 2021 وهي سيف القدس، ثم حرب عام 2022 وسميت بوحدة الساحات.
في هذه الحروب استُشهد وأُصيب وشٌرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وأدت هذه الحروب إلى تدمير آلاف المباني السكنية والمنشآت الاقتصادية، وهو الأمر الذي أدى إلى انضمام آلاف الأسر إلى قوائم الفقر والفقر المدقع على مدار ما يزيد على عقد ونصف العقد. ورغم المواجهات العسكرية التي تمت خلال السنوات الماضية، يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية مارست على كيان الاحتلال خطة الخداع الاستراتيجي، فأظهرت أنها غير معنية بأية موجة تصعيدية في قطاع غزة وابتعدت عن المشاركة في أي معركة في مواجهة كيان الاحتلال الذي ظن أنها خارج دائرة الصراع والمواجهة وأنها استكانت والتفتت لإدارة قطاع غزة ولا تريد المواجهة.
حتى كانت معركة طوفان الأقصى لتظهر لكيان الاحتلال ضعف استخباراته في توقع ما تحضّر له المقاومة، بالإضافة إلى أن المعركة أظهرت أن تكتيكات الاحتلال العسكرية ومناوراته والتي كانت آخرها في شهر مايو من العام الجاري، وفيها حاكى حرباً تنطلق من قطاع غزة، وأنها ستكون مواجهة تقليدية مثل باقي حروبه السابقة ولم يتوقع يوماً أن يخرج المقاومون من داخل السياج والجدار العازل وينقضون على جنوده، الذين أظهروا أقصى درجات الغباء والاستهتار العسكري. ووصل الأمر إلى تأكيد الإعلام العبري نقلاً عن مصادره العسكرية أن كثيراً من ضباط فرقة غزة كانوا يستضيفون أفراد عائلاتهم في المواقع العسكرية التابعة للفرقة عندما نفذت حركة حماس الهجوم، وأن هذا أمر اعتاد الضباط فعله في الأعياد، ويوم السبت، بل إن بعض الضباط كانوا يتركون المجال لعائلاتهم للنوم في المواقع العسكرية عند مناوباتهم، وهو ما وقفت عليه حركات المقاومة الفسلطينية، ويُفسر سقوط مدنيين كانوا داخل المواقع العسكرية، فمن سمح بوجودهم في هذه المواقع يتحمل مسؤولية مقتلهم في الهجوم.
إن قوة عملية طوفان الأقصى، وعظمتها أحدثت صدمة حقيقية لجيش الاحتلال فقام رئيس أركانه “هرتسي هاليفي” بالإعلان عن تحمله مسؤولية ما حدث، والاعتراف بالفشل في مواجهة حركة حماس، واعترف أيضا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أهارون حاليفا” بأن الجهاز الذي يديره فشل في منع الهجوم المفاجئ لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.
ولفتت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى سلسلة الإخفاقات التي حالت دون التحذير من عملية طوفان الأقصى، مشيرة إلى أن الاستخبارات العسكرية لم ترصد شبكات اتصال مركزية لمقاتلي القسام، تحدثوا فيها عن التخطيط للهجوم المفاجئ على غلاف غزة، بل تعقب الجهاز الاتصالات الوهمية التي سربتها حماس حول أنها ليست معنية بالتصعيد، وهذا كان بمثابة تضليل وقعت في فخه الاستخبارات الإسرائيلية.
وقد تراكم فشل كيان الاحتلال خلال السنوات الماضية، عندما وثق أحد خبراء الأقمار الصناعية على مدى أربع سنوات تدريبات ومناورات حماس التي شملت كل ما حدث في معركة طوفان الأقصى، والتسلل إلى مستوطنات غلاف غزة واحتلال المستوطنات، وإلحاق الأذى بالجنود، والتقدم من مستوطنة إلى أخرى، لكن الفرق الوحيد في تدريبات حماس مقارنة بما جرى يوم 7 أكتوبر أن التدريبات كانت قد شملت أيضا محاكاة تصدي للجيش الإسرائيلي، وهو ما لم يتم توثيقه أو الوقوف عليه. إن عملية طوفان الأقصى يمكن أن تكون بداية النهاية لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، فقد قدمت الحركة الديمقراطية المدنية في الكيان شكوى ضده إلى المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية جلي ميارا، بتهمة إتلاف وحرق وثائق يمكن أن تُدينه بالإخفاق في منع معركة طوفان الأقصى.
وطالبت في الشكوى بفتح تحقيق في الشبهات المنسوبة إلى ديوان رئيس الوزراء بحرق وثائق بتعليمات من نتنياهو الذي منع علنا قيادة الجيش من تسجيل محضر جلسات المشاورات الأمنية المتعلقة بسير الحرب على غزة، وذلك خلافا لما هو سائد. هذا الاجراء يوضح سعي نتنياهو الحثيث للهروب من المسؤولية عن العملية، ومحاولة إلقاء المسؤولية على قيادة الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ويخوض الآن صراعاً على مستقبله السياسي، في ظل تراجع شعبيته واتساع الأصوات التي تطالبه بالاستقالة. يأتي هذا في وقت أكد فيه استطلاع رأي أجرته صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، أن 75% من المستوطنين يحمّلون نتنياهو المسؤولية الرئيسة للفشل عما حدث في عملية طوفان الأقصى، وطالب 66% بضرورة استقالته في نهاية الحرب، وعاد الشارع في كيان الاحتلال للتظاهر في وجه نتنياهو وخرج الآلاف مطالبين بوقف الحرب على قطاع غزة والتفاوض على استعادة الأسرى، والتنحي عن منصبه بسبب الفشل الذريع الذي مُني به الجيش الإسرائيلي في عملية طوفان الأقصى.
أما على المستوى الاقتصادي وما تعرض له الكيان من خسائر تتصاعد بشكل يومي، تتوقع وزارة مالية الاحتلال أن تبلغ قيمة خسائر الكيان خلال أكتوبر 2023 فقط، أكثر من 18 مليار دولار، وأن يتخطى عجز الموازنة العامة 20 مليار دولار العام المقبل، ووفق إحصاءات القسم الاقتصادي لاتحاد أرباب الصناعة، فإن سوق العمل الإسرائيلي يتكبد أسبوعيا خلال الحرب خسائر تقدر قيمتها بمليار ومئتي مليون دولار، نتيجة عدم وجود أيدي عاملة وعدم توجه العمال والمستخدمين إلى أماكن العمل على خلفية تعطيل جهاز التعليم والجامعات والكليات والتعبئة الواسعة لقوات الاحتياط. وتُشير التقديرات إلى أنه في أول أسبوعين للحرب لم يتجه نحو مليون وثلاثمائة ألف عامل إلى أعمالهم، وبحسب شركة الاستثمارات في كيان الاحتلال “ميتاف”، فإنه لو استمرت الحرب ستين يوماً ستكون تكلفتها هي الأغلى من بين جميع الجولات السابقة، وستبلغ تكلفتها المباشرة نحو ستة مليارات ونصف المليار دولار تكلفة السلاح والذخيرة فقط، وهذا ضعف تكلفة حرب عام 2006 على لبنان.
يضاف إلى تداعيات الأزمة الكارثة على الكيان، وجود نحو نصف مليون نازح إسرائيلي من أماكنهم ومستوطناتهم إلى أماكن إيواء، بجانب انخفاض الاستثمار الأجنبي بنسبة تجاوزت الستين في المئة بعد مرور ثلاثة أسابيع فقط على بداية الطوفان، وهي أمور ستكون لها تأثيراتها الكبيرة ليس فقط على المستقبل السياسي لحكومة نتنياهو ولكن على مستقبل أمن واستقرار الكيان.
بقلم: الدبلوماسي الليبي علي جمعة العبيدي
المصدر
الكاتب:
الموقع : www.alalam.ir
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-11-01 17:11:44
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي