عام على طوفان الأقصى.. الأسباب والتداعيات الاستراتيجية
لقد وصلت عملية طوفان الأقصى إلى عامها الأول و يبقى السؤال المهم هو: لماذا قام مقاتلو حماس بالتخطيط وتنفيذ عملية طوفان الأقصى، وما هي نتائج هذه العملية؟ ماهي الأسباب وراء عملية طوفان الأقصى؟
يُعدّ يوم 7 أكتوبر 2023 يوم انتفاضة الفلسطينيين ضدّ الكيان الصهيوني المحتل للقدس. في هذا اليوم، شنّ مقاتلو حماس هجمات برية وجوية وبحرية على الأراضي المحتلة، في الوقت الذي كانت فيه غزة تحت حصار الصهاينة لمدة 17 عامًا منذ عام 2006.وجَّه مقاتلو حماس في يوم 7 أكتوبر ضربة للهيبة العسكرية والاستخبارية للكيان الصهيوني لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذا الكيان الذي يمتد لـ 75 عامًا.
يشير حسين رويوران، الخبير في الشؤون الفلسطينية، إلى أهمية عملية طوفان الأقصى قائلاً: “هذه العملية تجاوزت عدة خطوط حمراء للكيان الصهيوني. أولها هي الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبّدها الصهاينة، والثاني هو تهديد أمن العاصمة تل أبيب، والخط الأحمر الثالث هو التشكيك في الهيبة الاستخبارية والعسكرية للكيان الصهيوني.” وبالنظر إلى هذه الظروف، يمكن طرح عدة أسباب مهمة لحدوث عملية طوفان الأقصى، ولكن يمكن تلخيص أبرز هذه الأسباب في المحاور التالية.
الف: الأوضاع في غزة أصبحت لا تطاق
زاد الكيان الصهيوني الزائف الذي أُسس باحتلال جغرافيا وأراضي الفلسطينيين، من صعوبة حياة أصحاب الأرض يوماً بعد يوم، وفرض عليهم أوضاعاً إنسانية لا تطاق. استمرَّ الاحتلال في الاستيطان المتكرر والمكثف، مما أجبر المزيد من الفلسطينيين على النزوح القسري من أراضيهم ومنازلهم. أما الحصار المفروض على غزة فقد فرض ضغطًا ومعاناة كبيرة على سكان غزة، حيث تحولت غزة على مدى 17 عامًا إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، حتى المرضى لم يكن لديهم وسيلة للخروج للعلاج. إرسال المساعدات الإنسانية، خاصة الأدوية، إلى غزة كان إما مستحيلاً أو نادراً ما يتم.
وقال ناصر أبو شريف، ممثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في طهران، في هذا الصدد: «الحصار المفروض على قطاع غزة استمر 17 عامًا. هذه المنطقة محاصرة منذ 17 عامًا، أما دخول المساعدات إلى هذه المنطقة فيتم ببطء شديد وبطريقة تبقي على حياة الناس. وفيما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فإن 60% من الفلسطينيين المقيمين في غزة عاطلون عن العمل، و40% منهم أطفال وشباب». كما فرض الكيان الصهيوني حروبًا متكررة على الفلسطينيين، وخاصة سكان غزة، مما أدى إلى استشهاد الآلاف وإصابة مئات الآلاف وتهجير الملايين. وبعد عملية طوفان الأقصى، أعلنت حركة حماس في بيان أن أحد أسباب تنفيذ هذه العملية هي هذه الحروب التي فرضت على القطاع، وقالت: «قطاع غزة عانى من خمس حروب مدمرة، وفي كل مرة كانت إسرائيل هي البادئة. ومنذ عام 2000 وحتى سبتمبر 2023، استشهد 11,299 فلسطينيًا وأصيب 156,768 آخرون على يد قوات الاحتلال، وكانت الغالبية العظمى من الضحايا من المدنيين.
بـ: طوفان الأقصى، عملية من أجل “الوجود”
إلى جانب الظروف الإنسانية الصعبة التي فرضها الكيان الصهيوني على سكان غزة، أصبح هذا الكيان تهديدًا «وجوديًا» للفلسطينيين. لم تتوقف عملية الاحتلال منذ 75 عامًا، بل إن الكيان اتجه نحو احتلال كامل للأراضي الفلسطينية. إيتامار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، وسموتريتش، وزير المالية في الحكومة الصهيونية الجديدة، من بين أولئك الذين يؤمنون بوجوب أن يكون للفلسطينيين وطن ثانٍ ليتم طردهم بالكامل من فلسطين. في الوقت نفسه، كثف الكيان الصهيوني عمليات تهويد القدس.
القدس هي الهوية الدينية والتاريخية للفلسطينيين، لكن الصهاينة لم يدخّروا جهدًا في محاولة تهويدها. تحرَّك الصهاينة خطوة بخطوة للقضاء على حلم إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وفي هذا السياق، جاء في بيان حماس حول أسباب تنفيذ عملية طوفان الأقصى: «عملية طوفان الأقصى كانت خطوة ضرورية وردًّا طبيعيًا لمواجهة مخططات القضاء على القضية الفلسطينية. طوفان الأقصى جاء لمواجهة برامج تل أبيب للسيطرة على أرض فلسطين وفرض سيادتها على المسجد الأقصى. كانت عملية طوفان الأقصى خطوة ضرورية لإنهاء الحصار الظالم على قطاع غزة ومرحلة طبيعية في إطار التحرر من المحتلين.
ج: تولِّي الحكومة الصهيونية الأكثر تطرفًا
في عام 2022، وبعد إجراء خمس انتخابات منذ عام 2019، تشكّلت حكومة جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو بمشاركة شخصيات متطرفة وعنصرية. مع وصول هذه الحكومة إلى السلطة في عام 2022، تصاعدت الضغوط بشكل كبير على الفلسطينيين. كان تشكيل الحكومة الأكثر راديكالية في تاريخ الكيان الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو في عام 2022 -أي قبل عام واحد من عملية طوفان الأقصى- دافعًا رئيسيًا لهذه العملية. هذه الحكومة، التي وصفها حتى المسؤولون في البيت الأبيض بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، بدأت منذ اليوم الأول بتطبيق سياسات وإجراءات ضد الفلسطينيين والمسلمين، تجلّت فيها أقصى درجات العنصرية والقسوة، سياسات تهدف إلى اضطهاد العرب الفلسطينيين والمسلمين بشكل ممنهج في الأراضي المحتلة.
مع تولي هذه الحكومة، تصاعدت حدة التوترات بين الفلسطينيين والصهاينة بشكل غير مسبوق كانت أعمال العنف ضد الفلسطينيين في وطنهم الأم تزداد بشكل يومي. قبيل عملية طوفان الأقصى، كانت تحدث مواجهات يومية في حي الشيخ جراح في القدس بين الفلسطينيين الذين رفضوا بيع منازلهم للصهاينة وبين القوات الإسرائيلية.
كان الكيان الصهيوني يجبر سكان هذه المنازل على إخلائها بحجة توسيع المستوطنات. ومع تشكيل حكومة نتنياهو المتطرفة، وبدعم من الوزراء المتشددين مثل إيتامار بن غفير، بلغ اضطهاد المستوطنين الصهاينة، الذين يُعتبرون من أعتى المجرمين وأكثرهم كراهية، ذروته ضد الفلسطينيين. هذه الجرائم عززت عزيمة مقاتلي حماس لتنفيذ عملية طوفان الأقصى. وبذلك، أصبحت فلسطين، وخاصة قطاع غزة، في الذكرى الخامسة والسبعين للاحتلال الصهيوني، غير قابلة للعيش. لذا ما قام به مقاتلو حماس هو مثال واضح على الدفاع المشروع المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
د: يأس الفلسطينيين من المجتمع الدولي في تحقيق العدالة واسترداد الحقوق
فشل الكيان العالمي فعليًا في مواجهة جرائم الصهاينة والدفاع عن حقوق الفلسطينيين. لم تُحفز الحرب والحصار الشامل على غزة الأمم المتحدة والقوى العالمية للتحرك دفاعًا عن حقوق الإنسان في غزة أو اتخاذ إجراءات لوقف الجرائم المتعددة التي ارتكبها الصهاينة. أداء المنظمات والهيئات الدولية تجاه الفلسطينيين وتجاهلها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قِبَل الكيان الصهيوني الذي سلب من الفلسطينيين حتى «حق الحياة» , كان مثالًا واضحًا على التمييز في تنفيذ حقوق الإنسان من قبل المنظمات الدولية والقوى العالمية. هذا في وقت ارتُكبت فيه جرائم كبرى مثل التهجير القسري والنفي، والإبعاد من الأرض، وتدمير المنازل، والحرمان من فرص العمل، ومنع دخول الدواء والغذاء إلى غزة، والقتل المتعمد، والتجويع الممنهج، وغيرها من الجرائم ضد الفلسطينيين.
لم تهتم القوى العالمية بحقوق الإنسان للفلسطينيين فحسب، بل اتخذت أيضًا خطوات مختلفة لتأمين مصالح الصهاينة. قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمتابعة وتنفيذ خطة الفصل العنصري والتي أطلق عليها «صفقة القرن»، ثم تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني. لذا، لم تُتخذ أي خطوة من قبل القوى التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان لدعم الفلسطينيين، بل تم السعي بشكل جاد لإخراج الكيان الصهيوني من العزلة الأمنية والسياسية، وتهميش وتقويض قضية فلسطين، بمشاركة بعض الدول العربية.
هذا الوضع كان أحد الأسباب الرئيسية لتنفيذ عملية طوفان الأقصى. في الواقع، وصل الفلسطينيون إلى نتيجة مفادها أنه لإنقاذ فلسطين، يجب عليهم بأنفسهم القيام بحركة ضد الصهاينة.
2- نتائج عام من الحرب على غزة
يمكن تناول نتائج عملية طوفان الأقصى من عدة زوايا، ولكن يمكن تقسيم أهم هذه النتائج إلى ثلاثة مستويات: داخلي (بالنسبة لطرفي النزاع)، إقليمي و دولي..
الآثار على طرفي الحرب
لقد خلفت الحرب المستمرة في غزة لمدة عام نتائج مهمة لكل من حماس والكيان الصهيوني. وهذه بعض النتائج على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس):
أ. الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة**
قام الكيان المحتل خلال العام الماضي بقتل أكثر من 42 ألف فلسطيني بوحشية لامثيل لها وجرح أكثر من 96 ألف آخرين. أكثر من مليوني فلسطيني نزحوا من ديارهم في غزة. كما تفشّى الفقر والجوع والأمراض بشكل واسع في القطاع. كل هذه الأحداث المؤلمة تأتي في ظل حصار شامل فرضه الصهاينة على غزة منذ عام 2006، أي لمدة 18 عامًا. لا شك أن استشهاد وإصابة حوالي 140 ألف شخص، يشكل النساء والأطفال ثلثهم على الأقل، يعتبر ضربة نفسية كبيرة للعائلات الفلسطينية.
بـ. تدمير البنية التحتية
من النتائج الأخرى للحرب التي دامت عامًا كاملًا بالنسبة لحماس، هو أن الكيان الصهيوني دمر البنية التحتية في غزة بشكل كامل. المراكز الصحية والمستشفيات، المدارس والمنازل، مخيمات اللاجئين، الطرق ووسائل المواصلات، وغير ذلك، تم تدميرها نتيجة القصف اليومي واستخدام القنابل المحظورة دولياً. إعادة بناء هذه البنية التحتية ستحمِّل حماس أعباء مالية ثقيلة.
ج: استشهاد عدد كبير من قادة حماس
من بين تبعات الحرب التي دامت عامًا كاملًا على حماس، قيام الكيان الصهيوني باغتيال عدد كبير من قادة حماس، حيث استشهد العديد من القادة العسكريين والزعماء السياسيين للحركة. ورغم الضربات التي تكبدتها الحركة خلال العام الماضي، إلا أن حماس لا تزال موجودة، تواصل نشاطها، وتحظى بدعم شعبي، وتستمر في طريق المقاومة والنضال ضد الصهاينة. يمكن فهم خطوة يحيى السنوار، قائد حماس، في إرسال رسالة إلى قادة المقاومة وبعض الدول وشكرهم على دعمهم لفلسطين في هذا السياق.
د: عودة القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية
من أهم النتائج التي أسفرت عنها الحرب التي دامت عامًا كاملًا على غزة بالنسبة لحماس والفلسطينيين، هي إعادة قضية حقوق الفلسطينيين إلى محور الاهتمام العالمي. وردود الفعل الإقليمية والدولية تجاه الحرب شكلت تحديًا دبلوماسيًا لإسرائيل. في حين كانت قضية فلسطين تتجه نحو النسيان أو على الأقل التحول إلى قضية هامشية قبل طوفان الأقصى، ولكن العنف غير المسبوق الذي مارسه الصهاينة أعاد قضية فلسطين لتصبح مرة أخرى من أهم القضايا على أجندة النظام العالمي. قامت دول مثل الجزائر وجنوب أفريقيا برفع قضية جرائم الصهاينة إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، والتي تحقق حاليًا في جرائم الكيان. كما يتم متابعة موضوع إنشاء دولة فلسطينية مستقلة بجدية أكبر على المستوى العالمي، بل حتى الرأي العام العالمي بات مجندًا لدعم فلسطين في قلب أوروبا وأمريكا.
الآثار على الكيان الصهيوني
لقد خلفت الحرب التي دامت عامًا كاملًا في غزة نتائج مهمة للنظام الصهيوني أيضًا، ومن أهم هذه النتائج:
أ. الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية للحرب
شهد الكيان الصهيوني هزيمة استخباراتية وعسكرية مع بدء عملية طوفان الأقصى، وصفها قائد الثورة الإسلامية بأنها هزيمة غير قابلة للإصلاح. صحيفة الغارديان كتبت في تقريرها: “الأفلام التي نشرها الفلسطينيون تُظهر انهيار الجدران والأسوار التي حاصرت 2.3 مليون شخص في قطاع غزة على مدار 16 عامًا، وهذه المشاهد كانت غير متوقعة على الإطلاق. وتم نشر أفلام أخرى تُظهر القوات الإسرائيلية في حالة حصار وأيديهم وأرجلهم مقيدة.” رئيس تحرير المجلة الصهيونية ” “Jewish Chronicle كتب في منشور على منصة “إكس”: “إسرائيل تعرضت لهزيمة عسكرية واستخباراتية كبيرة، لم أشهد مثل هذا الأمر طوال حياتي.”
كما أكد السيد علي خامنئي، قائد الثورة الإسلامية: “في هذه القضية، النظام الصهيوني الغاصب تعرض لهزيمة عسكرية واستخباراتية غير قابلة للإصلاح. الجميع تحدثوا عن الهزيمة، لكن تركيزي هو على كونها غير قابلة للإصلاح. أقول إن هذا الزلزال المدمر قد هدم بعض الأعمدة الرئيسية في هيكلية هذا الكيان الغاصب، وإعادة بناء هذه الأعمدة ليست سهلة. من الصعب أن يتمكن الكيان الصهيوني الغاصب، رغم كل الضجيج والدعم الذي يتلقاه من الغرب، من إصلاح تلك الأعمدة. أقول إنه منذ يوم السبت، السابع من أكتوبر، لم يعد الكيان الصهيوني كما كان، والضربة التي تلقاها ليست سهلة الإصلاح.
إلى جانب الهزيمة في يوم 7 أكتوبر، شهد الكيان الصهيوني خلال عام من الحرب تفاقمًا في الهزيمة الاستخباراتية والعسكرية. في بداية الحرب، حدد هذا النظام ثلاثة أهداف واضحة: تحرير الأسرى الصهاينة، القضاء على حماس، وتجريد قطاع غزة من السلاح. ومع مرور عام على الحرب، لم يتحقق أي من هذه الأهداف المعلنة. بل إن أحد الأهداف الرئيسية لبنيامين نتنياهو وحكومته في اللجوء إلى العنف الواسع والاغتيالات الجماعية كان التغطية على هذه الهزيمة العسكرية والاستخباراتية الكبيرة خلال عام من الحرب ضد غزة.
بـ: الخسائر العسكرية الكبيرة
على الرغم من أن الكيان الصهيوني ارتكب إبادة جماعية في غزة، إلا أنه تكبد أيضًا خسائر بشرية فادحة. في أغسطس الماضي، أفاد الجيش الصهيوني بأن إدارة التأهيل في وزارة الحرب الصهيونية تستقبل شهريًا أكثر من 1000 جريح جديد، وأن أكثر من 3700 جندي صهيوني أصبحوا معاقين. كما أعلن الجيش الصهيوني أن عدد القتلى من جنوده وضباطه حتى الشهر الحادي عشر من الحرب تجاوز 710 قتلى، لكن المحافل والإعلام الصهيوني يعترفون بأن الخسائر الحقيقية أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه. ووفقًا لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في فبراير الماضي، تم تدمير أكثر من 1108 مركبة عسكرية صهيونية منذ بدء الحرب على قطاع غزة على يد قوات المقاومة.
ج: الكلفة الاقتصادية العالية
من بين النتائج الأخرى للحرب التي استمرت عامًا كاملًا على الكيان الصهيوني، هي التكاليف الاقتصادية الباهظة التي تحملها. وقدّر المسؤولون الصهاينة أن تكلفة الحرب قد تصل إلى نحو 66 مليار دولار بحلول نهاية عام 2025، وهو ما يمثل أكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا الكيان. تم تقدير هذه التكلفة بناءً على سيناريو دخول إسرائيل في حرب مع حزب الله وليس حربًا إقليمية شاملة. وقد بلغ العجز في الميزانية لمدة 12 شهرًا في أغسطس 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا العجز المالي السنوي، دون احتساب جائحة كورونا، هو الأكبر في القرن الحادي والعشرين لهذا الكيان. وفي نفس الشهر، خفضت وزارة المالية الصهيونية توقعاتها للنمو الاقتصادي لعام 2024 من 1.9% إلى 1.1%.
بالإضافة إلى ذلك، انخفض تصنيف النظام الصهيوني في الترتيب الاقتصادي بشكل ملحوظ. شركة “موديز ريتينغز” خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل للمرة الثانية هذا العام، مشيرة إلى التكاليف الاقتصادية الكبيرة التي تحملتها تل أبيب نتيجة الحرب في غزة والتوتر المتزايد مع حزب الله. وأشارت الشركة إلى أن إسرائيل باتت تفصلها ثلاث مستويات فقط عن “التصنيف غير الاستثماري”، ولا تزال التوقعات الاقتصادية لإسرائيل سلبية.
د: ظهور الانقسامات السياسية في الحكومة وبين الشعب والحكومة
نتيجة أخرى للحرب على النظام الصهيوني كانت بروز الانقسامات السياسية داخل الحكومة. تكررت مرات عديدة الخلافات بين بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، كما برزت الانقسامات بين الوزراء، خاصة بين إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي المتطرف، والوزراء الآخرين. هذه الانقسامات أظهرت أن الحرب لم تنجح في تقليص الانقسامات السياسية. إلى جانب ذلك، لم يمنع العام الكامل من الحرب الناس في الأراضي المحتلة من النزول إلى الشوارع، بل استمرت الاحتجاجات، وفي الشهر الثاني عشر من الحرب خرج أكثر من نصف مليون شخص في تل أبيب وحدها في مظاهرات ضد نتنياهو وحكومته، رافضين سياسات الحكومة ومطالبين بإنهاء الحرب والإفراج عن الأسرى.
و: ظهور الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني بلا تجميل أمام الرأي العام العالمي
على مدى عقود، سعت وسائل الإعلام الصهيونية والغربية من خلال ادعاءات واهية إلى تصوير جيش إسرائيل بأنه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. لقد حاولوا من خلال عمليات إعلامية خداع شعوب العالم بأن إسرائيل تستهدف فقط القوات العسكرية للمقاومة، لكن الصور التي انتشرت من جرائم هذا النظام كانت كافية لتبديد أي شك لدى الناس الأحرار والمستقلين. حتى أكثر الأشخاص تشككًا في الرأي العام الغربي، أصبحوا مقتنعين بأن الأفعال الوحشية التي ارتكبها جيش النظام الصهيوني عبر التاريخ لا مثيل لها، مما جعل العديد من اليهود حول العالم وحتى سكان الأراضي المحتلة يشعرون بالخجل من انتمائهم لهذا الكيان.
على سبيل المثال، أعلنت “أفيغيل بارنال”، الناشطة والكاتبة اليهودية، في مقطع فيديو: “عندما أدركت أن الشرير في القصة هو نحن، ألغيت جنسيتي الإسرائيلية.” شهد العالم تنظيم مظاهرات غير مسبوقة ضد الكيان الصهيوني، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع حتى في قلب أوروبا، وفي أمريكا حمل الطلاب والأساتذة الجامعيون أعلام دعم فلسطين. وأثبتت هذه المظاهرات بشكل واضح أن الرأي العام العالمي قد شاهد الوجه الحقيقي والمجرم للكيان الصهيوني بلا تلاعب.
تبعات الحرب على المستوى الإقليمي
لقد كانت سنة من الحرب ضد غزة، بالإضافة إلى تداعياتها على المستوى الداخلي، تحمل أيضًا تداعيات مهمة واستراتيجية على المستوى الإقليمي، ومن بين هذه النتائج:
أ: تحويل الحرب الفلسطينية-الصهيونية إلى حرب متعددة الجبهات
جميع الحروب التي وقعت في الماضي بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني كانت تُعتبر حربًا فلسطينية-صهيونية. ولكن على عكس فترات الحروب السابقة حيث كان الفلسطينيون يقاتلون وحدهم ضد العدو، هذه المرة كانت المقاومة الفلسطينية تحت دعم كامل من محور المقاومة بأسره. بالإضافة إلى المقاومة الفلسطينية، قام حزب الله اللبناني في الجبهة الشمالية، والحوثيون من جهة البحر الأبيض المتوسط، والمقاومة العراقية من جهة الخليج الفارسي باستهداف الكيان الصهيوني بالصواريخ، في إظهار لوحدة ساحات المعركة في محور المقاومة وللضغط على هذا الكيان.
وبذلك، وجد الكيان المحتل نفسه محاصرًا منذ عام من قبل حلقات المقاومة، وقد أجبرته هذه المعارك متعددة الجبهات على توزيع قواته بين الجنوب والشمال. هذه الحالة أدت إلى إخلاء مستوطنات غلاف غزة، وكذلك المستوطنات الشمالية في فلسطين المحتلة، خاصة الجليل الأعلى، بشكل كامل، مما جعل الصهاينة يتذوقون طعم التهجير لأول مرة. كما تعرض ميناء إيلات المحتل، الذي يعد منطقة اقتصادية استراتيجية للصهاينة، باستمرار لهجمات صاروخية وطائرات مسيرة من قبل المقاومة اللبنانية والحوثيين والمقاومة العراقية.
**ب: المواجهة المباشرة بين جمهورية إيران الإسلامية والكيان الصهيوني**
أحد أهم نتائج عام من الحرب ضد غزة هو أن جمهورية إيران الإسلامية قامت بعمليات عسكرية ضد الأراضي المحتلة انطلاقاً من أراضيها. حاول النظام الصهيوني خلال العام الماضي مرارًا إدخال جمهورية إيران الإسلامية بشكل مباشر في الحرب، على أمل أن يتورط بذلك الولايات المتحدة أيضًا، لكن إيران اتبعت استراتيجية “ضبط النفس والصبرالاستراتيجي” تجنباً لحرب جديدة و حتى لا يتعرض الأمن في منطقة غرب آسيا لمزيد من عدم الاستقرار. ومع ذلك، فإن جرائم الصهاينة أدت إلى اتخاذ إيران إجراءين عسكريين ضد الأراضي المحتلة.
أدى الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا واستشهاد عدد من القادة الإيرانيين في أبريل الماضي، واستشهاد إسماعيل هنية في طهران، واستشهاد السيد حسن نصر الله والقائد نيلفروشان في بيروت، إلى قيام إيران بعملية عسكرية مباشرة ضد الأراضي المحتلة. كانت هذه الخطوة بمثابة إنذار لتل أبيب بأن إيران تمتلك القدرة العسكرية لاستهداف الأراضي المحتلة.
بناءً عليه، بعد أن تم تفسير ضبط النفس الإيراني إزاء جريمة اغتيال الشهيد هنية في طهران على أنه ضعف من قبل الصهاينة، وبعد أن اغتالوا السيد حسن نصر الله، الأمين العام الراحل والشجاع لحزب الله اللبناني، واللواء نيلفروشان في ضاحية بيروت الجنوبية، قامت جمهورية إيران الإسلامية بتنفيذ عملية عسكرية واسعة وغير مسبوقة ضد الأراضي المحتلة. في الوقت الذي كان فيه نتنياهو والجيش الصهيوني ومسؤولو هذا الكيان والمستوطنون الصهاينة في حالة من السعادة والابتهاج بسبب الاغتيالات الأخيرة، فوجئوا فجأة بوابل من صواريخ إيران في تل أبيب، مما جعل نتنياهو أول من يهرع إلى الملجأ.
في الأول من أكتوبر، استهدفت إيران للمرة الثانية هذا العام مواقع الكيان الصهيوني بـ 200 صاروخ. هذه المرة، استخدمت طهران صواريخ أكثر تطورًا في قصف المواقع الإسرائيلية، وتم الهجوم دون تحذير، على عكس المرات السابقة. بالإضافة إلى ذلك، كانت إيران تهدف من خلال ذلك إلى إظهار أنها الدولة الوحيدة في غرب آسيا التي تتصدى للكيان الصهيوني. كانت الصواريخ تعبر عن إرادة وقدرة إيران على الهجوم على الأراضي المحتلة و اختراق أنظمة الدفاع الخاصة بهذا الكيان ، هذا الحدث يُعتبر نقطة تحول كبيرة في الحرب التي استمرت لمدة عام على غزة، وكذلك في الأمن والاستقرار في غرب آسيا في المستقبل.
في الوقت الذي تعرضت فيه الأراضي المحتلة لقصف الصواريخ “الفرط صوتية” الإيرانية، كان الكيان الصهيوني يمتلك أسلحة نووية، وهذه هي المرة الأولى في العالم التي تقوم فيها دولة لا تمتلك أسلحة نووية بإجراء عملية عسكرية واسعة ضد كيان يمتلك أسلحة نووية. العملية العسكرية لجمهورية إيران الإسلامية، وفقًا للتقارير، استهدفت قاعدة نيفاتيم الجوية؛ قاعدة حتسريم؛ قاعدة جليلوت؛ قاعدة تل نوف الجوية؛ وحدة 555. مقر الموساد، وحتى طائرا F-35، مما أظهر أن الكيان المزعوم لبنيامين نتنياهو، الذي حاول إضعاف المقاومة وإيران وتهميشهم، قد فشل. وأثبتت أنه لا يمكن تشكيل أي كيان في غرب آسيا دون وجود بارز للمقاومة وجمهورية إيران الإسلامية. إن تحذير قائد الثورة الإسلامية في خطبة صلاة الجمعة بتاريخ 5 أكتوبر يُظهر أيضًا أن جمهورية إيران الإسلامية لا تتردد في الحرب المباشرة مع الكيان الصهيوني اذا اقتضى الأمر.
أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أعمال القوات المسلحة، قائلًا: “ما قامت به قواتنا المسلحة هو أقل عقوبة للكيان الغاصب مقابل الجرائم الشنيعة لهذا الكيان الوضيع، كلب أمريكا المسعور في المنطقة. ستقوم الجمهورية الإسلامية بأي واجب يتطلبه الأمر بقوة وثبات وحسم. لن نتأخر أو نتساهل، ولن نكون متهورين.تم تنفيذ ما هو منطقي وصحيح من قبل صانعي القرار السياسي والعسكري، وإذا دعت الحاجة، فسيتم تنفيذه في المستقبل”.
تبعات الحرب على المستوى العالمي
لقد كانت للحرب في غزة آثار على المستوى العالمي، ومن بين أهم هذه الآثار:
أ: زعزعة مصداقية الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن
أظهرت المجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة وجرائمهم في لبنان، خصوصًا بإلقاء 80 طنًا من القنابل في لحظة واحدة في الضاحية الجنوبية بهدف اغتيال الأمين العام وقادة حزب الله اللبناني، أن الأمم المتحدة عاجزة عن أداء واجباتها الأساسية، وأن حق الفيتو هو عائق كبير أمام وقف الجرائم وإحلال السلام، وأن حقوق الإنسان لا تعني شيئًا للسلطات الغربية، كما أن هناك معايير عنصرية في تنفيذ مبادئ حقوق الإنسان. لم يواجه عام من المجازر التي ارتكبها الكيان الغاصب الصهيوني في غزة حتى قرار إدانة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتصدرت الدول غير الدائمة في مجلس الأمن جهود إرساء السلام ووقف الجرائم الصهيونية ضد غزة، لكن الفيتو المتكرر من الولايات المتحدة حال دون اعتماد قرار جاد في هذا الصدد.
أثبتت الكارثة في غزة أن الأمم المتحدة أداة في يد القوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة، وأنها أضعف من أن تتخذ إجراءات مستقلة وعادلة بعيدًا عن النظرة الانتقائية والتمييز. أظهرت المجازر في غزة أكثر من أي حدث آخر أن منطقة غرب آسيا هي الأكثر واقعية في العالم، حيث إن القوة العسكرية وحدها يمكن أن توفر الأمن. كما جعلت المجازر في غزة المجتمع الدولي بلا ماء وجه ولا مصداقية، وأثارت تساؤلات جدية حول المعايير والقيم الأخلاقية والإنسانية التي وردت في الوثائق والمعاهدات المتعددة للقانون الدولي.
ب: تغيير في الاستراتيجية الشرق أوسطية للولايات المتحدة
من بين أهم نتائج عام من الحرب ضد غزة هو أنه على الرغم من أنه أظهر بطلان ادعاءات حقوق الإنسان والمعايير الخاصة بالولايات المتحدة، فإنه أدى أيضًا إلى زيادة انتباه أمريكا مجددًا نحو منطقة غرب آسيا. في السنوات الماضية، كانت الولايات المتحدة تسعى لتقليل حضورها في غرب آسيا والتركيز على شرق آسيا ومنافسة الصين، لكن في ظل تصاعد الحرب والتوترات بين إيران الكيان الصهيوني، زادت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في غرب آسيا لدعم هذا الكيان في مواجهة هجمات إيران وحزب الله.
في حال تحولت المواجهة بين الكيان الصهيوني وحزب الله وإيران إلى حرب شاملة، فإن واشنطن قد تدخل في ساحة الحرب لدعم هذا الكيان في نزاع آخر في غرب آسيا؛ حرب ستكون مختلفة عن جميع الحروب الأمريكية في هذه المنطقة، لأن جمهورية إيران الإسلامية أثبتت أنها تمتلك الجرأة والقدرة على توجيه الضربات إلى الولايات المتحدة الكيان الصهيوني. على الرغم من أن إدارة الولايات المتحدة تسعى لتجنب الدخول في صراع عسكري مكلف آخر في غرب آسيا، إلا أنها أثبتت حتى الآن أنها غير قادرة على إيقاف الكيان الصهيوني. ومع اقتراب انتخابات الرئاسة في نوفمبر، تعمل إدارة بايدن كـ “البطة العرجاء” وتظهر عدم قدرتها على مواجهة سرعة التطورات الغريبة في غرب آسيا.
النتيجة
بينما وصلت “طوفان الأقصى” إلى عامها الأول، لا يزال قائد الثورة الإسلامية يعتبرها “حركة صحيحة ومنطقية وقانونية دولية” في سياق حق الفلسطينيين في الدفاع المشروع عن أنفسهم ضد الكيان الصهيوني. بعد عام من “طوفان الأقصى”، شهدت غرب آسيا عملية عسكرية مباشرة وشديدة من إيران ضد الكيان الصهيوني ردًا على جرائمه، ويبدو أن تطورات هذه المنطقة لا تزال في تسارع، وسنكون شهودًا على استمرار عنف اسرائيل ضد محور المقاومة، وربما مواجهة تل أبيب مع جمهورية إيران الإسلامية؛ مواجهة يمكن أن تكشف عن الضعف الناجم عن ضعف العمق الاستراتيجي للكيان الصهيوني.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.mehrnews.com
بتاريخ:2024-10-07 15:23:58
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي