عين على العدو

في الخليج يتبلور محور بين طهران وواشنطن يتجاوز إسرائيل

هآرتس 14/3/2025، تسفي برئيل: في الخليج يتبلور محور بين طهران وواشنطن يتجاوز إسرائيل

الرئيس دونالد ترامب تعود على استخدام حسابه على شبكة “اكس” من اجل اخبار العالم كيف ينوي الظهور واي قرارات مصيرية اتخذها ضد حلفاءه في أوروبا، وأمام كندا والمكسيك أيضا. التقدير هو أن ترامب يعرف أيضا كيفية استخدام البريد الالكتروني. ورغم ذلك قرر الرئيس تبني قناة دبلوماسية قديمة، والرسالة المهمة التي يجب عليه ارسالها الى الزعيم الأعلى في ايران، علي خامنئي، قام بارسالها في رسالة. مثلما في الكثير من الخدمات البريدية أيضا رسالة الرئيس تباطأت بضعة أيام قبل اعطاءها الى المبعوث، يومين آخرين قبل وصولها الى يد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومنه لخامنئي.

الأمور الهامة في الرسالة بكر ترامب في تلخيصها لجمهور مستمعيه العالمي ببضع كلمات، التي أوضح فيها “فنان الصفقات” بأنه يفضل اجراء المفاوضات مع ايران، وأنه من الأفضل لها تبني اقتراحه وإلا فهي ستتعرض للرد العسكري. خامنئي سارع الى الرد على التهديد حتى قبل قراءة الرسالة، وقال إن ايران لن تجري أي مفاوضات مع “إدارة بلطجية” وأنه ضد التهديدات الامريكية أيضا ايران يمكنها الرد بضربة خاصة بها. قبل يومين نشرت بعثة ايران في الأمم المتحدة بيان يقول بأن “ايران يمكنها فحص اجراء محادثات فقط حول إمكانية تحويل مشروعها النووي الى مشروع عسكري. ولكن اذا كان القصد هو أن يؤدي ذلك الى تفكيك المشروع النووي للأغراض السلمية فان هذه المفاوضات لن تجري في أي يوم”. كما هو سائد، خطوة الى الامام وخطوتين الى الوراء. هذه كانت طبيعة الحوار السابق، في حين أن جواب رسمي على رسالة ترامب لم يتم تسلمه بعد. 

في يوم الثلاثاء كان هذا هو الرئيس مسعود بزشكيان الذي حدد نغمة الحوار السياسي. ففي الخطاب الذي القاه وجه أقواله لترامب قائلا: “في الوقت الذي تهددني فيه أنا لا اريد اجراء المفاوضات معك. افعل ما تريد”. ولكن بزشكيان، الذي دفع منذ بداية رئاسته الى اجراء حوار مع الولايات المتحدة من اجل التوصل الى رفع العقوبات، هو رئيس خائب الأمل، والقرار حول سياسة بلاده ليس في يده. بعد سبعة اشهر في هذا المنصب، التي بدأت بدعم كامل من خامنئي، وجد نفسه امام برلمان مشاكس عزل وزير اقتصاده واتهمه باهمال الاقتصاد. نائبه للشؤون الاستراتيجية جواد ظريف اجبر على الاستقالة بـ “توصية” من رئيس جهاز القضاء. لأنه حسب القانون الشخص الذي له قرابة شخصية مع الغرب لا يمكنه أن يعمل في وظائف رفيعة، واولاد ظريف ولدوا في أمريكا ولديهم جنسية مزدوجة.

بزشكيان يواجه لوحده تقريبا الانتقاد اللاذع من المحافظين والاصلاحيين، ويواجه أيضا ازمة اقتصادية شديدة، التي تفاقمت وتثير في ايران القلق من اندلاع جديد للاحتجاجات والمظاهرات.

مع قيادة تتحدث بعدة أصوات فان ايران مثل كل دول العالم تجد صعوبة في معرفة الى أين يسعى ترامب. هل يجب عليها أن تخاف من أنها ستكون ضحية المصالحة بين ترامب وبوتين، كما حذرت قبل شهر وسائل اعلام إيرانية؛ هل اللقاءات التي جرت بين وفد الولايات المتحدة والوفد الروسي في السعودية وزيارة رئيس أوكرانيا زيلنسكي في الرياض، تشير الى تغير استراتيجي سيجبر ايران على إعادة فحص قوة السور الدفاعي السياسي، الروسي والصيني، الذي يحيط بها؛ كيف تلائم بين تصريحات ترامب، الذي “يفضل المفاوضات على قصف ايران”، وبين التهديد الجديد بضربها اذا لم تجلس على طاولة المفاوضات.

الرد الأول الذي خرج في يوم الخميس من الكرملين على اقتراح ترامب جاء من يوري اوشكوف، مساعد بوتين الذي شارك في المحادثات في السعودية. “وقف اطلاق النار سيعطي لاوكرانيا فرصة لاعادة التنظم، وهو لا يفيد روسيا”، قال اوشكوف. هذه الاقوال ظهرت كاشارة لنهاية مبادرة ترامب، وكان يمكن أن تهديء ايران، لكن بعد بضع ساعات من ذلك، في مؤتمر صحفي عقده في الكرملين مع رئيس روسيا البيضاء، الكسندر لوكشنكو، بعث بوتين بالتحديد روح الحياة في وقف اطلاق النار عندما قال: “نحن نوافق على اقتراحات وقف النشاطات العدائية. ولكننا نواصل على أساس حقيقة أن وقف النار يجب أن يؤدي الى سلام بعيد المدى، يزيل الأسباب الاصلية التي أدت الى الازمة”.

تفسير مفهوم “الأسباب الاصلية” يحتاج الى الانتظار الى حين التوصل الى وقف اطلاق النار، هذا اذا تم التوصل اليه، والى آلية المفاوضات التي ستأتي في اعقاب ذلك. في نفس الوقت ايران لا يمكنها الاكتفاء بالجلوس على المنصة وانتظار انتهاء أو انهيار المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. يجب عليها الاستجابة اما الى دعوة ترامب الجلوس على طاولة المفاوضات أو الاستعداد للحرب.

الأوراق الني بقيت في يد ايران من اجل اتخاذ قرار استراتيجي كهذا ليست مؤثرة كما يبدو. من “حلقة النار” التي اقامتها من اجل الدفاع عن نفسها من هجمات إسرائيل وامريكا لم يبق الكثير. حزب الله ما زال يمكنه المس بإسرائيل، لكن لبنان، الذي يحاول ترميم نفسه وبدأ في اجراء مفاوضات مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البرية، يمكن أن يظهر ككابح ناجع امام استئناف العمليات العسكرية لحزب الله. وسوريا، التي شكلت بالنسبة لإيران مسار لوجستي حيوي وقاعدة متقدمة لقواتها، تحولت في ظل احمد الشرع الى دولة عدوة لإيران. يبدو أن قدرة ايران على أن تحدث في سوريا حرب أهلية جديدة، أو القيام بثورة مضادة بقيادة بقايا نظام الأسد، محدودة جدا. المليشيات الشيعية في العراق تخضع لضغط الحكومة العراقية، نزع سلاحها والاندماج في الجيش العراقي. الحوثيون ما زالوا يشكلون خطر، لكنه ليس خطر يمكن أن يردع هجوم على ايران.

مصالح مشتركة

إن فحص قوة الردع التي بقيت لـ “حلقة النار” يعطي فقط صورة جزئية لوضع تهديد ايران. هو لا يأخذ في الحسبان قدرة ايران على تهديد جيرانها العرب، والمس بآبار النفط وحقول الغاز لديها، ووقف حركة الملاحة في الخليج الفارسي، وهكذا أيضا التسبب بأزمة طاقة عالمية. يبدو أن هذا التهديد بالذات هو الذي يضع في أيدي دول الخليج أداة ضغط حقيقية لمنع الحرب ضد ايران. وهكذا، خدمة نفس حلقة النار. هذه الدول جميعها أعضاء في النادي “المؤيد لامريكا”، وفي نفس الوقت لديها علاقات دبلوماسية كاملة مع ايران (دولتان من بينها، اتحاد الامارات والبحرين، وقعت على اتفاقات مع إسرائيل). هذه الدول توجد لها سياسة علنية تعارض الحرب ضد ايران بسبب النتائج التي ستقع عليها، وعلاقاتها مع طهران تنبع من هذه الرؤية. 

اتحاد الامارات بدأت في تحسين علاقاتها مع ايران في 2019، وفي آب 2022، بعد ثمانية اشهر على مهاجمتها بالصواريخ والمسيرات الحوثية، استأنفت العلاقات مع طهران. السعودية استأنفت علاقاتها قبل سنتين والبحرين بعد سنة من ذلك. هذه الدول تم التخطيط لها لأن تكون شريكة في حلف الدفاع الإقليمي ضد ايران، الذي كان من شأن إسرائيل أن تنضم اليه. في نفس الوقت هي رفضت حتى الآن الدعوة للانضمام الى التحالف العسكري الذي اقامته الولايات المتحدة في البحر الأحمر، وزعماؤها يوضحون باستمرار بأنهم لن يجعلوا أراضيهم قاعدة انطلاق للهجمات ضد ايران.

هذه الاستراتيجية تستند أيضا الى نسيج متشعب لمصالح اقتصادية. اتحاد الامارات هي الشريكة التجارية الأكثر أهمية لإيران في الشرق الأوسط العربي، مع حجم تجارة يبلغ 25 مليار دولار، والتطلع الى توسيعه في هذه السنة الى 30 مليار دولار. حوالي نصف مليون ايراني يعيشون في هذه الدولة، التي يعيش فيها حوالي 11 مليون شخص، بينهم فقط 1.100 مليون مواطن اصلي. اكثر من 7 آلاف شركة إيرانية باحجام مختلفة تعمل في أبو ظبي. وحجم الاستثمارات الإيرانية في هذه الدولة يقدر بعشرات مليارات الدولارات. ليس بالصدفة أن انور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لحاكم الدولة محمد بن زايد، هو الذي تم اختياره لنقل الى ايران رسالة ترامب. قرقاش الذي اجرى المفاوضات حول استئناف العلاقات بين طهران وأبو ظبي قام في بداية الشهر بزيارة طهران والتقى مع وزير الخارجية في محادثات، تركزت ضمن أمور أخرى، حول إمكانية الدفع قدما بالمفاوضات بين ايران والولايات المتحدة.

حجم التجارة بين السعودية وايران اقل بدرجة كبيرة، لكن الدولتين تناقشان بشكل مستمر توسيعها وحول التعاون الأمني بعد اللقاء بين رئيس الأركان السعودي فياض الرويلي ونظيره الإيراني في تشرين الثاني. اختيار السعودية كدولة تستضيف لقاءات الوفود الامريكية والروسية، وبعد ذلك المحادثات مع البعثة الامريكية، وارسالية البريد الالكتروني مع ايران التي القاها على اتحاد الامارات من شأنها أن تشير الى الدور الذي يخصصه الرئيس لدول الخليج في إدارة المفاوضات مع ايران، التي تستند كما يبدو الى اعترافه بقدرتها على التأثير في سياستها. 

ترامب اظهر في السابق المرونة امام ضغط الدول العربية، لا سيما الدول الغنية من بينها التي تضخ مليارات الدولارات في اقتصاد أمريكا، وفي حالة السعودية فقد تعهدت باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة في فترة ولايته. وتراجعه عن فكرة تهجير سكان غزة، مثلا، لم يأت بعد محادثات صعبة اجراها مع ملك الأردن والرئيس المصري. فقد القى جانبا قرار الجامعة العربية. كانت هناك حاجة الى تجنيد السعودية واتحاد الامارات لاستكمال خطواته. هاتان الدولتان هما اللتان يمكن أن تشكلا معا مع ترامب خطة “الجزرة” التي سيتم عرضها على ايران من اجل موافقتها على التفاوض على المشروع النووي، وكذلك القناة التي ستتجاوز إسرائيل وتربط مباشرة بين واشنطن وطهران.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-03-14 17:01:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

/a>

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى