قراءة في البعد الاستراتيجي للعلاقات الخليجية الإيرانية بعد عملية 7 أكتوبر
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، منذ يوم رئاسته الأول والتوترات ترافقه، إذ افتتح اليوم الأول منها باستشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، الذي كان يحضر في طهران للمشاركة في مراسم تولي بزشكيان مقاليد الحكم، هذه الحادثة التي نفذها كيان الاحتلال الإسرائيلي بقيت وتبعاتها ترافقه منذ ذلك الحين، إذ اضطرت إيران للرد على هذه الجريمة التي وقعت على أرضها وقصفت ‘إسرائيل’، وهذا دفع الأخيرة للتهديد بضرب إيران، فوجد بزشكيان نفسه وحكومته وسط عاصفة هوجاء قد تأكل الأخضر واليابس.
الرئيس الإيراني توجهه واضح وهو صفر مشكلات مع الجوار، خصوصاً الدول العربية، إذ واصل سياسة سلفه الراحل إبراهيم رئيسي، في تصفير المشكلات والأزمات ومحاولة حلها بالحوار. فأوعز لوزير خارجيته عباس عراقجي، بزيارة جميع الدول العربية المحيطة بإيران بدأها باتصال هاتفي مع نظيره السعودي، ثم زيارة قطر وسلطنة عمان وسوريا ولبنان والأردن، واللافت في جولته زيارة الكويت التي بينها وإيران توترات بخصوص حقول النفط، والبحرين التي كانت العلاقات متوترة منذ سنوات بعيدة، ثم زيارته مصر، إذ كانت زيارة وزير خارجية إيراني الأولى القاهرة منذ عام 2013، وصولاً إلى زيارته تركيا، فكانت جولة هدفها الرئيسي نحن لا نريد الحرب لكننا مستعدون لها. جولة أراد الرئيس الإيراني أن تؤسس لبناء مجموعة ضغط سياسية من الدول العربية والإسلامية في مواجهة التصعيد الإسرائيلي في المنطقة.
العلاقات بين إيران ومحيطها يمكن أن نعتبرها إيجابية في هذا الوقت تحديدا، والتغيرات في السياسة الخارجية لبعض الدول العربية تجاه إيران، سواء بالتقارب أو التباعد، لعبت دورًا محوريًا في إعادة تشكيل هذه العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، فإن التحولات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك تقلبات أسعار النفط والغاز، أثرت بشكل مباشر على اقتصادات الدول العربية وإيران، مما دفعها إلى إعادة النظر في سياساتها الخارجية لتعزيز التعاون أو المنافسة. هذه التغيرات تتضمن تحولات في التحالفات الإقليمية، وتغيرات في السياسات الداخلية والخارجية للدول المعنية. كما أن التطورات السياسية في الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، قد ألقت بظلالها على المنطقة، مما أدى إلى إعادة تقييم الاستراتيجيات السياسية للدول الخليجية وإيران.
بلا شك أن التحولات في الاستراتيجيات الدبلوماسية بعد 7 أكتوبر 2023 قد تركت آثارا عميقة على الاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج الفارسي. وأسهمت الاستجابات الفورية والتغييرات اللاحقة لهذه التحولات، في تهيئة بيئة جيوسياسية دينامية ومائعة، اتسمت بالفرص والتحديات على حد سواء. فمن ناحية، أتاحت المشاركة الدبلوماسية المتزايدة وإعادة الاصطفاف الاستراتيجي إمكانية تعزيز التعاون وحل النزاعات. ووفر التركيز المتجدد على الحوار والتفاوض منبرا لمعالجة القضايا التي طال أمدها، و من ناحية ثانية خلقت مزيدا من الضغوط على تحديات سابقة و أخرى جديدة جعلت من المنطقة على شفير الانفجار.
من الثابت، أن تدخل القوى الدولية في شؤون الشرق الأوسط لم يكن جديدًا، لكن هذا التدخل اكتسب زخمًا جديدًا بعد 7 أكتوبر 2023. الولايات المتحدة، روسيا، والصين، على وجه الخصوص، زادت من انخراطها في المنطقة، سواء من خلال الدعم العسكري أو الاقتصادي أو الدبلوماسي. هذا التدخل أدى إلى تعقيد العلاقات الخليجية الإيرانية، حيث تسعى كل قوة دولية إلى تعزيز نفوذها من خلال دعم حلفائها المحليين. على سبيل المثال، زادت الولايات المتحدة من دعمها لبعض الدول الخليجية في مواجهة ايران، بينما سعت روسيا إلى تعزيز علاقاتها مع إيران كجزء من استراتيجيتها الأوسع في الشرق الأوسط. هذه الديناميكيات الجديدة أثرت بشكل كبير على استقرار المنطقة وأدت إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
منهجية التفكيك الاستراتيجي تخبرنا، أن العلاقات الخليجية الإيرانية من المواضيع المعقدة التي تتطلب فهماً عميقاً لنظريات العلاقات الدولية. تتنوع هذه النظريات بين الواقعية التي تركز على القوة والمصالح الوطنية، والليبرالية التي تركز على التعاون الدولي والمؤسسات، والبنائية التي تركز على الأبعاد الثقافية والهوية. في سياق العلاقات الخليجية الإيرانية، يمكن استخدام هذه النظريات لفهم الديناميات المتغيرة في المنطقة، خاصة في ظل التحديات والفرص التي أفرزتها الأحداث الدولية الأخيرة بعد 7 أكتوبر 2023. توفر النظريات الواقعية إطاراً لفهم التنافس على النفوذ الإقليمي، بينما تقدم الليبرالية رؤى حول إمكانيات التعاون من خلال المؤسسات الإقليمية والدولية. أما البنائية، فتسلط الضوء على كيفية تأثير الهوية الثقافية والدينية على السياسات الخارجية للدول المعنية.
أضافة لذلك، يوفر التحليل الاستراتيجي أداة حيوية لفهم الفرص والمخاطر في العلاقات الإيرانية العربية. حيث يمكن استخدام نماذج مثل تحليل SWOT (نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات) لتحليل الوضع الراهن وتحديد المجالات التي يمكن أن تشكل فرصاً للتعاون أو مخاطر للتصعيد. على سبيل المثال، يمكن أن تساهم الموارد الطبيعية المشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي، بينما قد تشكل النزاعات الحدودية أو الاختلافات الأيديولوجية تهديدات للاستقرار الإقليمي. كما يمكن استخدام تحليل PESTEL (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، التكنولوجي، البيئي، القانوني) لفهم العوامل الخارجية التي تؤثر على هذه العلاقات، مثل التغيرات في السياسة الدولية أو التطورات التكنولوجية التي قد تؤثر على الأمن الإقليمي.
لتقريب الفهم، تقدم دراسات الحالة من مناطق أخرى رؤى قيمة يمكن تطبيقها على العلاقات الخليجية الإيرانية. على سبيل المثال، يمكن دراسة العلاقات بين الهند وباكستان لفهم كيفية إدارة النزاعات الطويلة الأمد بين الدول المجاورة. كما يمكن النظر في تجربة الاتحاد الأوروبي في تعزيز التعاون بين الدول ذات التاريخ الطويل من الصراعات. توفر هذه الأمثلة دروساً حول كيفية بناء الثقة وتعزيز التعاون الإقليمي من خلال الحوار والتفاوض. علاوة على ذلك، يمكن أن تقدم تجارب مناطق مثل جنوب شرق آسيا رؤى حول كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية المشتركة رغم التحديات السياسية والأمنية. من خلال دراسة هذه الحالات، يمكن استخلاص استراتيجيات فعالة لتعزيز الاستقرار والتعاون في العلاقات الإيرانية العربية.
تتمثل المصلحة الاستراتيجية المشتركة بين الدول العربية وإيران في تحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية. هذه المصلحة تتطلب من الجانبين العمل معاً لمواجهة التحديات المشتركة، مثل الإرهاب والتطرف، والتغيرات المناخية، والأزمات الاقتصادية. التعاون في هذه المجالات يمكن أن يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
تتيح اللحظة الدولية الراهنة فرصاً للدول العربية وإيران لتعزيز علاقاتها وتحقيق مصالحها المشتركة. من بين هذه الفرص، تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، والاستفادة من التغيرات في التحالفات الدولية لتعزيز مكانتها الإقليمية. كما يمكن للدول الاستفادة من المجالات الواعدة التي يمكن أن تشهد تطورًا ملحوظًا في المستقبل القريب. النفط والغاز، يمكن أن يكون أساسًا لتعاون اقتصادي مثمر بين الدول الخليجية وإيران ويمكنهما من فتح أفاق تعاونية بعيدًا عن عقدة الاعتماد على النفط والغاز، مثل الاستثمارات المشتركة في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، والصناعة، والزراعة في تعزيز الروابط الاقتصادية بين الجانبين. إن تطوير البنية التحتية المشتركة، مثل شبكات النقل والاتصالات، يمكن أن يسهم في تعزيز التجارة البينية وزيادة التبادل التجاري بين إيران والدول العربية.
عربيا، من المهم جدا أن تنتبه الدول الخليجية إلى الكلفة الآنية والمستقبلية إذا لم تحسن بشكل جيد قراءة مخاطر الانجرار وراء الاصطفافات الدولية المناهضة لإيران، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تصاعد التوترات الإقليمية وزيادة عدم الاستقرار. من المهم أن تتبنى الدول العربية سياسات مستقلة ومتوازنة، تركز على الحوار والتعاون مع ايران بدلاً من المواجهة. في المقابل من المهم أن تعمل إيران على بناء علاقات إيجابية مع جيرانها في الخليج الفارسي، من خلال تعزيز الحوار والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك. تبني مثل هذه التوجهات البينية الإيجابية يتطلب بالضرورة ظهور المسارات الدبلوماسية المدفوعة بفهم مشترك للحاجة إلى الاستقرار والأمن الإقليميين، وهما أمران ضروريان للنمو الاقتصادي والتنمية القائمة على المبادرات التي تعطي الأولوية للحوار لا المواجهة.
العلاقات الإيرانية – العربية في هذه اللحظة تحديداً أمام امتحان حقيقي، إما النجاح والاستمرار وإما انتكاسة جديدة قد تكون مؤلمة أكثر من أي وقت مضى.. الثقة التي تم بناؤها خلال فترة حكم الفقيد رئيسي والآن بزشكيان تبشر بالخير وتؤكد أن هذه العلاقات نحو مزيد من التطور، خصوصاً وأن المحيط العربي بدأ يتفهم الجار الإيراني ويطمح للتجارة والتعامل معه، وهذا الملف تحديداً سيخدم المنطقة أكثر من أي ملف آخر.
علي جمعة العبيدي / دبلوماسي ليبي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir بتاريخ:2024-11-04 20:11:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي