صحة و بيئة

لماذا لا يُعد مؤشر كتلة الجسم (BMI) مقياسًا دقيقًا للصحة؟

يعد مؤشر كتلة الجسم أو ( BMI – Body Mass Index)، مقياسًا يعتمد على قياس الطول والوزن، ويمكن تطبيقه على النساء والرجال البالغين.

استخدمت هذه القيمة على نطاق واسع لمعرفة ما إذا كان الشخص يتمتع بوزن صحي بالنسبة إلى طوله أم لا، ثم تخضع القيمة الناتجة للتصنيف إلى نحافة، أو زيادة وزن، أو وزن طبيعي حسب المجال الذي وقعت فيه القيمة.

في الخمسين عامًا الماضية، تحول مؤشر كتلة الجسم من أداة ديموغرافية إلى مقياس معتمد للقيمة الشخصية، أي أن امتلاك مؤشّر كتلة الجسم فوق رقم معين، يعني استعداد الشخص للتقليل من تقديره وتعرضه إلى الكثير من التنمر، وليس غريبًا أن يرتبط ارتفاع مؤشّر كتلة الجسم بانخفاض احترام الذات، وارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق، وزيادة احتمال مواجهة سوء المعاملة من جانب الأسرة أو الأشخاص من حولنا.

أسوأ ما في الأمر، أن الأهمية التي اكتسبها مؤشّر كتلة الجسم قد تجعلنا نعتقد أنه نتيجة لسنوات من البحث من قبل خبراء الصحة، لكنه ليس كذلك، بل في الواقع، لم يكن من المفترض استخدامه على الأفراد على الإطلاق.

ظهرت فكرة مؤشر كتلة الجسم في أوائل القرن التاسع عشر من قبل بلجيكي يدعى لامبرت أدولف كويتيليت، الذي أوضح كيث ديفلين أنه كان عالم رياضيات وليس طبيبًا، وقد أنتج هذه الصيغة لإعطاء طريقة سريعة وسهلة لقياس درجة السمنة لدى عامة السكان لمساعدة الحكومة في إدارة الموارد.

بالنسبة لعالم رياضيات أو إحصائي، فإن المقياس يبدو منطقيًا، وإن ما ينطبق على عينة كبيرة الحجم بما يكفي، نستطيع تعميمه ليصبح حقيقة، لكن لم يكن القصد أبدًا أن يصبح مؤشّر كتلة الجسم مقياسًا للصحة أو حتى للسمنة.

بالإضافة إلى أن جمهور العينة كانوا رجالاً أوروبيين معظمهم من فرنسا واسكتلندا، ومعروفين بنمط حياتهم المستقر، فإن الفكرة قائمة على الرجال البيض العاملين أصحاب الدخل والمستوى التعليمي الجيد.

أي إن مؤشّر كتلة الجسم لا يعد مقياسًا سكانيًا لا فرديًا فحسب، بل ربما لست حتى فردًا من السكان الذين يقيسهم.

لكننا نعلم أن أجسادنا بطبيعتها تختلف بصفاتها حسب الجنس، على سبيل المثال تمتلك الفتيات كتلة عضلية أقل ونسبة دهون أكبر من الذكور، ونحن نعلم أيضًا أن كتلة العضلات تنخفض وتتبدل في جميع أنحاء الجسم مع تقدمنا في العمر.

بالمثل، أكدت الأبحاث أيضًا اختلافات كبيرة في وزن الجسم وتكوينه ومخاطر الإصابة بالأمراض على أساس العرق التي تفرض على الأشخاص من أصل آسيوي امتلاك مؤشر كتلة جسم أقل، وبالمقابل تسمح للأشخاص من أصل بولينيزي أن يكونوا ذوي مؤشر كتلة جسم عالي، ويتمتعون بصحة جيدة في نفس الوقت.

إذن، مؤشر كتلة الجسم لا يقيس الصحة، فكيف يصبح أداةً في كل مكان لقياس الصحة الفردية؟

يتوضح الأمر أكثر عندما نعلم هويات اثنين من الداعمين الرئيسيين لاستخدام مؤشّر كتلة الجسم مقياسًا في الرعاية الصحية: شركات التأمين وشركات الأدوية.

أوضح الصحفي أوبري جوردون، أنه في عام 1867، اعتمدت أول شركة أمريكية للتأمين على الحياة جداول الطول والوزن بهدف فرض رسوم أكبر على العملاء البدينين.

أي أن الأمر كله يدور حول عالم رياضيات اعتُقِد أنه كان يقوم بتحليل سكاني، لتأتي مجموعة من الأشخاص الذين استغلوا الأمر لأهداف ربحية، شركات التأمين أولًا ثم شركات الأدوية.

لأن العمل على مؤشر كتلة الجسم يعد استخدامًا سهلًا ورخيصًا ويختصر مجموعة كاملة من الأسئلة وصولًا إلى علاقة واحدة بين قياسين وهما الطول والوزن، وبالنظر إليها من هذا المنظور، تصبح عيوبها كمقياس صحي أكثر وضوحًا.

قال ديفلن: «لا يأخذ مؤشّر كتلة الجسم نسب كل من العظام والعضلات والدهون في الجسم في عين الاعتبار، ولكن العظام أكثر كثافة من العضلات ولها ضعفا كثافة الدهون، لذلك فإن الشخص الذي لديه عظام قوية، وتوتر عضلي جيد، ودهون منخفضة، سيكون لديه مؤشر كتلة جسم BMI مرتفع».

لهذا السبب، فإن استخدام مؤشّر كتلة الجسم وحده يعطي نتائج غير دقيقة.

أوضح ديفلن أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم لا يعني دائمًا أن الفرد يعاني زيادة الوزن، ناهيك عن السمنة، وعندما يقارن مؤشّر كتلة الجسم مع طرق أخرى لقياس الصحة، فإن نقاط ضعفه تظهر بوضوح.

على سبيل المثال، أجريت دراسة عام 2016 على أكثر من 40 ألف أمريكي، وبينت أن نحو نصف الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن، و 29٪ من الأفراد الذين يعانون من السمنة، كانوا أصحاء من الناحية الاستقلابية، ومن جهة أخرى، وجدت أن أكثر من 30٪ من الأفراد الذين وزنهم طبيعي، كانوا غير أصحاء من الناحية القلبية.

بالمثل، لا يمكن للمؤشر حساب توزيع الدهون في الجسم، وهذا أمر مهم أكثر بكثير مما نظن، فإن تجمع الدهون حول المعدة مرتبط بخطر الإصابة بأمراض مزمنة أكثر بكثير من الأشخاص الذين لديهم دهون مخزنة حول الوركين، لأن ذلك يشير إلى كمية الدهون الحشوية التي تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والنمط الثاني من مرض السكري وأمراض القلب.

يفتقر مؤشر كتلة الجسم إلى الدقة والوضوح، وفي شكله الحالي، يفتقد قياس العديد من العوامل الهامة التي تؤثر على خطر الإصابة بالأمراض المزمنة المختلفة، ولا ينبغي أبدًا أن يكون المقياس الوحيد الذي نستخدمه.

إن شرعية استخدام مؤشر كتلة الجسم مقياسًا ذي مغزى هي على أرضية هشة منذ البداية، ولا يوجد سبب فيزيولوجي لتربيع طول الشخص، وهذا شيء قرر كويتيليت القيام به لتتبع البيانات التي جُمعت على منحنى غاوس، أي بحسب ديفلن: «إذا لم تتمكن من إصلاح البيانات، تلاعب بالصيغة!».

بعد حساب مؤشر كتلة الجسم، يأتي دور التصنيف وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض CDC، فإن مؤشّر كتلة الجسم البالغ 25 أو أعلى يجعل الشخص يندرج تحت تصنيف زيادة الوزن، أما البالغ 30 أو أكثر فهو تحت تصنيف السمنة، وبحسب كاثرين فليجال الأستاذة الاستشارية في علم وبائيات السمنة بجامعة ستانفورد، فإن لا أحد يعرف حقًا من أين تأتي هذه التصنيفات وهذه الأرقام العشوائية.

إذن، من غير المجدي استخدام مؤشّر كتلة الجسم لقياس الصحة، وبصراحة، من الغريب أننا ما زلنا نستخدمها.

في الختام، لا يعد مؤشر كتلة الجسم جيدًا، وتوجد إجراءات أخرى فعالة أكثر بكثير، فقد يؤدي اعتماد قيمته لإبعاد عدد كبير من المرضى ظنًا مننا أنهم بصحة جيدة أو على العكس، إلى مفاقمة الأعراض المرضية لآخرين، وربما يكون له نتائج سيئة مع الرياضيين وكبار السن، لكن تبقى حجة استخدامه الأخيرة هي أنه سهل الاستخدام وأرخص من الوسائل الأخرى.

اقرأ أيضًا:

لماذا لا يمكن الاعتماد على مؤشر كتلة الجسم فقط لتقييم الصحة؟

مؤشر كتلة الجسم عامل خطورة أكثر تأثيرًا من العامل الوراثي في الإصابة بمرض السكري

ترجمة: تيماء القلعاني

تدقيق: نور حمود

المصدر

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.ibelieveinsci.com بتاريخ:2024-05-15 01:52:08
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من بتوقيت بيروت اخبار لبنان والعالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading