معهد بحوث الأمن القومي (INSS): ماذا لا؟ دولة فلسطينية أو “دولة واحدة”؛ ماذا نعم؟ كيان فلسطيني بسيادة محدودة

معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 25/3/2025، أودي ديكل: ماذا لا؟ دولة فلسطينية أو “دولة واحدة”؛ ماذا نعم؟ كيان فلسطيني بسيادة محدودة
رغم أن مفهوم إدارة الصراع أدى إلى أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن إسرائيل لا تزال عالقة في فخ مفهوم “إدارة الصراع إلى الأبد”. إن سلوكها يؤدي إلى السيطرة في جميع الأبعاد والجوانب على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (وربما في قطاع غزة أيضاً) – وهو ما سيشكل عملياً “دولة واحدة” بين نهر الأردن والبحر.
وبما أن خطة “الدولتين لشعبين”، التي تنص على أن الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة غير قابلة للتنفيذ في المستقبل المنظور، ومن أجل منع إمكانية تشكيل “دولة واحدة”، فإن من مصلحة إسرائيل أن تحصل السلطة الفلسطينية على صلاحيات الحكم الذاتي. وبعد كل شيء، فإن السلطة الفلسطينية هي الشر الأقل في نظر القيادة الفلسطينية حالياً، والبديل الوحيد ذي الصلة لحماس.
وهذا نموذج للحكم الذاتي الفلسطيني الموسع/السيادة الفلسطينية المحدودة. ويعني هذا أن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة على مناطق حيوية، مع التركيز على الأمن وأمن الحدود. ومن المفترض أن يتم تنفيذ هذا النموذج لفترة انتقالية؛ يستجيب لمطلب السعودية بتحديد المسار السياسي لإقامة الدولة الفلسطينية في إطار التطبيع مع إسرائيل؛ ويكون ذلك بمثابة اختبار لمدى نضج الأطراف لمناقشة تفاصيل السيادة الفلسطينية الكاملة، والتي لن تمتلك في كل الأحوال قوات وقدرات عسكرية.
تتبنى إسرائيل مفهوم “إدارة الصراع الدائم” مع الفلسطينيين. فالتحركات الإسرائيلية تقودها إلى حالة من السيطرة في كافة الأبعاد والجوانب على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (وربما قطاع غزة أيضاً)، وهو ما سيشكل فعلياً “دولة واحدة” بين نهر الأردن والبحر. ومن ثم، فمن الضروري دراسة نماذج أخرى من شأنها أن تمنع إسرائيل من تحمل المسؤولية الكاملة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية (وفي قطاع غزة أيضاً، الذي يبدو أن إسرائيل في طريقها إلى احتلاله). أحد هذه النماذج هو الحكم الذاتي ــ وهو ترتيب سياسي يسمح لمجموعة متميزة داخل دولة ما بالتعبير عن هويتها الفريدة، وخاصة عندما تشكل أغلبية في منطقة محدودة ومحددة. إن الحكم الذاتي لا يعادل السيادة الكاملة، بل يركز على منح صلاحيات حكومية محددة لمجموعة من الأشخاص، مع الحفاظ على سلامة الدولة (وفقا للأستاذة روث لابيدوت). المشكلة في مصطلح “الحكم الذاتي” أنه يشير إلى ارتباط بينه وبين دولة إسرائيل، في حين أن إسرائيل في واقع الأمر تسعى إلى إبعاد نفسها عن واقع “الدولة الواحدة”. ولذلك فمن الأفضل استخدام مصطلح الكيان الفلسطيني ذو السيادة المحدودة.
إن السيادة الفلسطينية المحدودة في الضفة الغربية، أي تسوية سياسية إقليمية، قد تكون في الوضع الحالي حلاً معقولاً بالنسبة لإسرائيل من منظور أمني، في حين تتعرض لضغوط دولية وإقليمية متزايدة لان تقترح مخططا لتسوية مع الفلسطينيين؛ وعلى الجانبين – الإسرائيلي والفلسطيني – لا توجد شروط لتجديد المفاوضات للتوصل إلى تسوية شاملة؛ هناك فهم واسع النطاق (مؤسس على أسس متينة) في إسرائيل مفاده أن السيادة الفلسطينية الكاملة قد تشكل تهديداً أمنياً خطيراً؛ الوضع على الأرض متوتر، وبالإضافة إلى الحرب المستمرة في قطاع غزة، هناك أيضاً احتمال متزايد لانفجار على نطاق واسع في الضفة الغربية.
الفكرة المركزية هي ألا تسيطر إسرائيل على السكان الفلسطينيين، وتشكل واقعاً من الانفصال السياسي والجغرافي والديمغرافي، ولكن ليس الأمني، عن الفلسطينيين. ويحكم الفلسطينيون أنفسهم، وفي الوقت نفسه تحافظ إسرائيل على هويتها كدولة يهودية وديمقراطية.
الجانب الإقليمي – تغطي منطقة السيادة الفلسطينية المحدودة المناطق القائمة (أ) و(ب)، ويمكن توسيعها بنقل المنطقة (ج) (حتى 8%) إلى السلطة الفلسطينية من أجل تعزيز السيطرة الفلسطينية في عدة مناطق: ستحتوي على أغلبية مطلقة (أكثر من 99%) من السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية؛ سيتم خلق استمرارية حركة المرور؛ سيتم تخصيص مناطق الإنتاج والأراضي الزراعية والمحاجر. إن التحديد والتواصل من شأنهما أن يسمحا بترسيم حدود مادية وحاجز أمني بين الأراضي التي يسيطر عليها الكيان الفلسطيني وبقية الأراضي الإسرائيلية، وإنشاء نقاط عبور للسيطرة على دخول وخروج الأشخاص و/أو البضائع.
السلطات – يتم منح الحكومة الفلسطينية صلاحيات في أوسع منطقة ممكنة: الحكومة والمؤسسات الحاكمة؛ السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية على كافة جوانب الحياة في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي؛ السلطات المعنية بقضايا البنية التحتية؛ الجوانب الأمنية الداخلية – نظام إنفاذ يشمل الشرطة والمفتشين والهيئات القضائية. ويمكن انتخاب الحكومة الفلسطينية من قبل السكان الفلسطينيين المقيمين داخل أراضيها.
التداعيات على السلطة الفلسطينية – لن يتغير وضعها كسلطة مستقلة تمثل الشعب الفلسطيني، على الرغم من أنها تقدم نفسها كـ “دولة” على الساحة الدولية. إن احتمال موافقة السلطة الفلسطينية على السيادة المحدودة كحل دائم للصراع، مع التخلي عن السيادة الكاملة، ضئيل للغاية، وبالتالي سيكون من الضروري إقناع قادتها بأن هذه فترة انتقالية، مع تحسين نسيج الحياة للفلسطينيين.
قطاع غزة – سيعتبر إقليماً منفصلاً وستحكمه إدارة تكنوقراطية مرتبطة بالسلطة الفلسطينية وبدعم عربي مشترك. وهذا الوضع سوف يسمح باتخاذ ترتيبات مختلفة فيما يتعلق بالقطاع. وفي المستقبل، ومع قيام السلطة الفلسطينية بتنفيذ الإصلاحات اللازمة وإظهار حكم فعال في الضفة الغربية، فقد يصبح قطاع غزة مقاطعة داخل الكيان الفلسطيني.
الرد الأمني الإسرائيلي ـ المفهوم العملياتي الحالي ـ سوف يستمر على أساس: (1) المراقبة الاستخباراتية الشاملة ومتعددة المجالات ـ من أجل إحباط المنظمات والعمليات الإرهابية، فضلاً عن استيلاء حماس والعناصر المتطرفة الأخرى على الكيان الفلسطيني؛ (2) السيطرة الأمنية المستمرة – حرية العمل العملياتية لجيش الدفاع الإسرائيلي في كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن لإحباط نمو البنى التحتية والتهديدات الإرهابية، وتحييد الانفجارات الوطنية، والحد من الجريمة؛ (3) سيكون لإسرائيل الحق في فرض الترتيبات الأمنية، وفي مقدمتها نزع السلاح من المنطقة الفلسطينية من القدرات العسكرية؛ (4) مراقبة وإحباط تهريب الأسلحة – من خلال السيطرة الإسرائيلية على الغلاف والمعابر.
دعم من الدول العربية المعتدلة – قد تكون الدول العربية المعتدلة أكثر انفتاحا على فكرة السيادة المحدودة، وخاصة في الواقع الذي نشأ بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، شريطة الحفاظ على أفق “حل الدولتين لشعبين”. وفي إطار المحادثات لتثبيت التطبيع بين السعودية وإسرائيل، قد يشكل هذا النموذج استجابة للمطلب السعودي بصياغة مسار سياسي عملي لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإقامة حكومة فلسطينية مستقلة.
إن تطبيق هذا النموذج قد يؤدي إلى تحقيق التوازن الأمثل في الظروف الحالية بين احتياجات إسرائيل الأمنية وما هي إسرائيل مستعدة للسماح به للفلسطينيين، من أجل إزالة عبء السيطرة المدنية على السكان الفلسطينيين، وكذلك تحديد أفق سياسي. ويأتي هذا على الرغم من أن التنفيذ من المتوقع أن يتضمن التعامل مع تحديات كبيرة تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.
مبادئ السيادة الفلسطينية المحدودة
ستحافظ إسرائيل على السيطرة الأمنية الكاملة، وفي هذا الإطار:
أ. عدم وجود جيش فلسطيني: لن يُسمح بإنشاء جيش فلسطيني أو قوة ميليشيا مستقلة؛ وتقتصر صلاحيات قوات الأمن الفلسطينية على حفظ الأمن الداخلي والشرطة المدنية والحفاظ على النظام العام.
ب. حرية العمل العملياتية لإسرائيل: ستحتفظ إسرائيل بحق العمل في جميع مناطق الكيان الفلسطيني لإحباط الإرهاب وتفكيك البنى التحتية الإرهابية ومنع المنظمات المعادية.
ج. السيطرة الإسرائيلية على الغلاف: السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الغلاف الخارجي للكيان الفلسطيني، بما في ذلك الحدود مع الأردن ومصر؛ سيطرة كاملة وتفتيشات أمنية إسرائيلية على المعابر الحدودية البرية والجوية والبحرية.
د. السيطرة الإسرائيلية على المجال الجوي: السيطرة الإسرائيلية على المجال الجوي الفلسطيني لمنع تسلل الطائرات المعادية أو إساءة استخدام الطائرات بدون طيار والطائرات بدون طيار وغيرها من الطائرات؛ قد تسمح إسرائيل للسلطة الفلسطينية بإنشاء مطار (على سبيل المثال، في وادي هرقانية شرقي القدس) وفقًا لاعتبارات الأمن والسلامة، مع الإشراف الأمني الإسرائيلي الكامل وتفتيش المطار باعتباره معبرًا حدوديًا جويًا.
ه. السيطرة على المجال البحري: لن يُسمح للفلسطينيين بالحفاظ على قوة بحرية/خفر سواحل مستقلة؛ وستتم كافة الأنشطة البحرية تحت إشراف البحرية الإسرائيلية، بما في ذلك حركة البضائع والأشخاص عبر البحر ومناطق الصيد المسموح بها.
و. السيطرة على المجال الكهرومغناطيسي: بما في ذلك شبكات الهاتف الخلوي والانترنت في أراضي الكيان الفلسطيني. ستقوم إسرائيل بتخصيص الترددات للاستخدام الفلسطيني.
ح. الحد من القدرة على توقيع التحالفات العسكرية والاتفاقيات الدولية: لن تتمكن الكيان الفلسطيني من توقيع اتفاقيات أمنية أو عسكرية مع دول أجنبية دون موافقة إسرائيلية.
ط. النظام القضائي: سيكون الكيان الفلسطيني قادراً على تشغيل نظام قضائي مستقل ولكنه سيكون ملزماً بتطبيق مبادئ منع الإرهاب؛ وسيكون بمقدور المؤسسة الأمنية الإسرائيلية محاكمة الفلسطينيين بتهمة ارتكاب جرائم أمنية خطيرة.
مزايا النموذج
- الحفاظ على احتياجات إسرائيل الأمنية – تسيطر إسرائيل على جميع المجالات الأمنية، وتكون قادرة على إحباط التهديدات الإرهابية والعسكرية، وفرض نزع السلاح داخل الكيان الفلسطيني.
- الإدارة الذاتية للفلسطينيين – سيتم السماح للفلسطينيين بإدارة حياتهم المدنية بشكل كامل.
الاستقرار – يقع على عاتق إسرائيل منع قيام دولة فلسطينية معادية، واستيلاء حماس عليها، وتحويلها إلى قاعدة للعدوان على إسرائيل.
- الأفق السياسي – تزعم إسرائيل أنها لا تنوي السيطرة على السكان الفلسطينيين، أو انهيار السلطة الفلسطينية، أو ضم أراضيها إلى إسرائيل. وهذا من شأنه أن يزيل العوائق أمام تعزيز التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتوسيع اتفاقيات إبراهيم.
العيوب
- عدم الرضا الفلسطيني – إن الفلسطينيين يؤمنون ويتمسكون بحقهم في السيادة الكاملة وقد يواصلون النضال السياسي والقانوني وحتى اللجوء إلى العنف والإرهاب من أجل تحقيق هدف الاستقلال السياسي.
- الاحتكاك بين السكان – الاحتكاك المحتمل بين السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية والمستوطنين الإسرائيليين، الذين يصعب في الوضع الحالي الفصل بينهم، سوف يستمر.
- الضغوط الدولية – عاجلاً أم آجلاً، سوف يمارس المجتمع الدولي ضغوطاً على إسرائيل للسماح بالسيادة الفلسطينية الكاملة
- .التبعية الاقتصادية – من المرجح أن تظل الكيان الفلسطيني معتمداً اقتصادياً على إسرائيل.
المنطق الاستراتيجي للكيان الفلسطيني ذو السيادة المحدودة
نموذج الكيان الفلسطيني ذو السيادة المحدودة
نموذج الكيان الفلسطيني ذو السيادة المحدودة يدعم رؤية دولة إسرائيل – يهودية، ديمقراطية، آمنة، ومزدهرة – ويجب تقديمه وفهمه باعتباره ترتيباً انتقالياً على الطريق إلى اتفاق شامل. ولضمان تنفيذه، يتعين على إسرائيل أن تواصل تعزيز التعاون الأمني مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وتحسين الظروف المعيشية والوضع الاقتصادي في أراضي الكيان الفلسطيني بشكل كبير، والتعاون مع آليات الأمن الداخلي والشرطة الفلسطينية، وتقديم النموذج كمرحلة انتقالية من شأنها أن تعزز الاستقرار على المدى الطويل – حتى تصبح الأطراف مستعدة لمناقشة تفاصيل السيادة الفلسطينية الكاملة، والتي لن تشمل في كل الأحوال قوات وقدرات عسكرية.
وفي هذا الوقت من المناسب تعزيز الحوار مع الدول العربية بهدف دراسة جدوى دعمها للنموذج، باعتباره نموذجاً يسمح بتعزيز التطبيع بين السعودية وإسرائيل وتوسعها في تحالف إقليمي من الدول العربية المعتدلة والولايات المتحدة وإسرائيل، والاندماج فيه. وفي الخلفية – توقع من الدول العربية المعتدلة دعم الكيان الفلسطيني ومساعدته اقتصاديا ووظيفيا وفي التربية على التسامح واقتلاع التطرف>
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-03-25 16:23:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>