مفاوضات مع إيران أم استعراض قوة لفرض تراجعات استراتيجية؟

السيد الخامنئي أشار، في كلمته الأخيرة مع مسؤولي النظام، إلى المقترحات الجديدة للولايات المتحدة بشأن المفاوضات، مؤكدًا أن ما يُطرح اليوم من قبل الغرب لم يعد تفاوضًا، بل إملاءً. وحذر سماحته من النطاق الواسع لهذه المقترحات، مشيرًا إلى أن هدف هذه المفاوضات ليس فقط مناقشة البرنامج النووي الإيراني، بل إن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون إلى توسيع نطاق المفاوضات ليشمل المجالات الدفاعية والإقليمية لإيران.
جاء هذا الموقف، في وقت أعلن فيه الرئيس الامريكي دونالد ترامب، في مذكرة تنفيذية حديثة بشكل صريح أن سياسة الولايات المتحدة لم تعد تركز فقط على تقييد البرنامج النووي الإيراني، بل تشمل أيضًا البرنامج الصاروخي والقدرات الدفاعية والأنشطة الإقليمية لطهران.
هذه المذكرة التنفيذية، التي نُشرت تحت عنوان “مذكرة الأمن القومي الرئاسية” (NSPM)، تعكس تغييرًا جوهريًا في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران. على عكس الاتفاق النووي الذي كان يقتصر على الأنشطة النووية الإيرانية، تستهدف هذه المذكرة الجديدة ثلاثة مجالات رئيسية أخرى:
منع إيران من الحصول على أسلحة نووية وصواريخ باليستية عابرة للقارات.
مواجهة حركات المقاومة التي تدعمها إيران.
احتواء التطور التسليحي الإيراني، بما في ذلك الأسلحة التقليدية وغير المتكافئة.
وفي الواقع، يعكس هذا التحول في النهج، انتقال الولايات المتحدة من المفاوضات النووية إلى الدخول في مرحلة جديدة من الضغط على إيران، حيث الهدف هو تقليل القدرة الردعية والقوة الدفاعية للبلاد. ولكن القضية الأساسية هنا هي أن التفاوض حول الأسلحة التقليدية غير مقبول ولا سابق له.
في النظام الدولي، تُعتبر الأسلحة التقليدية جزءًا من الحق السيادي لأي دولة للدفاع عن نفسها، ولا توجد دولة على استعداد لوضع قدراتها الدفاعية المشروعة على طاولة المفاوضات والمساومة. في حين أن اتفاقات الحد من الأسلحة تركز عادةً على الأسلحة غير التقليدية مثل الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، إلا أنه لا يوجد سابق للتفاوض حول الصواريخ التقليدية أو الطائرات المسيرة أو غيرها من المعدات الدفاعية الشائعة.
إقرأ أيضا.. قائد الثورة: إيران لن تقبل مطلقا توقعات الدول المتغطرسة
ومع ذلك، تستهدف المذكرة التنفيذية لترامب هذه النقطة بالذات. في هذه المذكرة، لا تمنع الولايات المتحدة إيران فقط من تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث تشكك في البرنامج الصاروخي بشكل عام، وتطوير القدرات غير المتكافئة، وحتى الصناعات التسليحية التقليدية لإيران. هذا يمثل تغييرًا استراتيجيًا جوهريًا في سياسة واشنطن، حيث تسعى الآن إلى تقييد القدرات العسكرية الإيرانية في جميع أبعادها، مما يشكل تهديدًا للأمن الوطني لايران.
ولهذا السبب، أشار قائد الثورة الاسلامية في كلمته الأخيرة إلى أن الهدف الرئيسي للغرب من هذا النهج ليس التفاوض، بل فرض إرادته على إيران. في الواقع، الدخول في مفاوضات تشمل الأسلحة التقليدية يعني قبول قاعدة جديدة لا تقبلها أي دولة في العالم.
في المعاهدات الدولية، هناك تمييز واضح بين الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. تشمل الأسلحة غير التقليدية الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية، التي تخضع لمراقبة ورقابة دولية بسبب قوتها التدميرية العالية والتهديد العالمي الذي تشكله. ولهذا السبب، تم تشكيل مفاوضات مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) واتفاقية الأسلحة الكيميائية (CWC) للحد من هذه الأسلحة.
أما الأسلحة التقليدية، مثل الصواريخ الباليستية ذات المدى القصير، والطائرات المسيرة، والدبابات، وأنظمة الدفاع الجوي، فهي جزء من القدرة الدفاعية المشروعة للدول، ولم تكن هناك أي اتفاقية دولية تجبر دولة على تقييد هذه القدرات. في الواقع، حتى دول الأمم المتحدة لم تفاوض على قدراتها التسليحية التقليدية، لأن ذلك يعني إضعاف أمنها الوطني. الآن، تسعى الولايات المتحدة إلى إجبار إيران على قبول مفاوضات تشمل ليس فقط الأسلحة غير التقليدية، بل أيضًا القدرات الدفاعية التقليدية.
بشكل عام، يمكن القول إن المذكرة التنفيذية لترامب، التي أعادت تفعيل سياسة الضغط الأقصى، تعكس تغييرًا في استراتيجية واشنطن من نهج نووي إلى سياسة احتواء شاملة ضد إيران. هذه المذكرة لا تفرض فقط عقوبات اقتصادية شديدة على إيران، بل تسعى أيضًا إلى تقويض المكونات الرئيسية للقوة الدفاعية للبلاد. وأكد قائد الثورة الإسلامية على أن هدف أعداء إيران ليس التفاوض، بل فرض مطالبهم.
إقرأ أيضا.. قاليباف: لا ننتظر أي رسالة من أميركا
في الواقع، يمكن القول إن الولايات المتحدة تسعى إلى خلق انطباع بأن إيران يجب أن تفاوض حول برنامجها الصاروخي وأسلحتها التقليدية، لتمهيد الطريق لتراجعات استراتيجية من جانب طهران. لكن التجربة التاريخية أظهرت أن مثل هذه المفاوضات لن تؤدي في النهاية إلى تخفيف الضغوط، بل ستسهل فرض قيود جديدة.
والان يجب أن تركز سياسة إيران تجاه هذه الاستراتيجية الجديدة على مبدأ الحفاظ على القدرات الدفاعية والأمنية للبلاد، وتجنب الدخول في مفاوضات ذات طبيعة إملائية. في ظل الظروف التي تسعى فيها الولايات المتحدة بوضوح إلى فرض قيود غير مسبوقة على القدرة الردعية لإيران، فإن التراجع أمام هذه الضغوط يمكن أن يكون له عواقب لا يمكن إصلاحها على الأمن الوطني للبلاد.
وكالة تسنيم
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir
بتاريخ:2025-03-09 23:03:00
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>