هآرتس: التشابه المخيف بين شهادات المعتقلين الفلسطينيين والمخطوفين الذين عادوا من غزة

هآرتس 21/3/2025، ايلانا هيمرمان: التشابه المخيف بين شهادات المعتقلين الفلسطينيين والمخطوفين الذين عادوا من غزة
“فرية”، هكذا اعتبرت وزارة الخارجية تقرير مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، الذي نشر في الأسبوع الماضي، وجاء فيه أن إسرائيل تستخدم العنف الجندري والجنسي في الحرب في قطاع غزة. ليس مجرد “فرية”، بل “حالة من الحالات الأسوأ للافتراء التي شاهدها العالم في حياته”. بنيامين نتنياهو قال: “السيرك المناهض لإسرائيل والذي يسمى مجلس حقوق الانسان، تم الكشف منذ زمن بأنه جسم لاسامي، فاسد، يؤيد الإرهاب ولا توجد له أي صلة. بدلا من التركيز على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبتها حماس في المذبحة الأكثر خطرا ضد الشعب اليهودي منذ الكارثة، الأمم المتحدة اختارت مرة أخرى مهاجمة بالذات دولة إسرائيل باتهامات عبثية، بما في ذلك اتهامات لا أساس لها حول العنف الجنسي. هذا ليس مجلس حقوق الانسان، بل مجلس حقوق الدم”.
أنا قرأت كل التقرير. معظمه يتناول دور النساء في غزة وأولادهن في الحرب. ليس كضحايا للتنكيل الجنسي بالتحديد، بل كضحايا للضرر الجندري. هكذا، لأن البنى التحتية المدنية في القطاع المكتظ تم تدميرها كليا بعمليات قصف من الجو وبقصف المدفعية من اليابسة، والمباني والبيوت التي تم تدميرها كان يعيش فيها بطبيعة الحال نساء وأطفال اكثر من الرجال، فان عددهم بين القتلى والمصابين والمعاقين كبير بشكل خاص. أيضا عشرات آلاف النساء الحوامل والمرضعات في غزة، هن والأجنة والأطفال يتوقع اصابتهم في ظل الظروف التي حدثت اكثر من مجموعات أخرى في السكان، وصفحات كثيرة في التقرير تم تكريسها لمعاناة النساء وكارثتهن.
هذا لا يهم الكثير من الإسرائيليين الذين طالبوا وما زالوا يطالبون بتدمير كل سكان غزة، نساء وأطفال وشيوخ، ولكن لا يمكن تسمية الإبلاغ عن كل ذلك “افتراء”. أيضا سبق هذا التقرير تقرير لنفس المجلس عن الجرائم التي ارتكبتها حماس في غزو إسرائيل في 7 أكتوبر. بالنسبة لمصير النساء والأطفال في غزة فانه قبل فترة قصيرة نشرت “هيومن ووتش” تقرير أكثر حرصا من التقرير الحالي “المهمل جدا” لمجلس حقوق الانسان، والذي ترجم للغة العبرية أيضا. “قطاع غزة: لا يوجد حمل آمن اثناء هجوم إسرائيل؛ مقاربة محدودة لمتابعة الحمل؛ ولادة غير آمنة؛ ولادة في ظروف تعرض الحياة للخطر”.
لكن لماذا لا نستمع الى الأصوات القليلة الواضحة التي ما زالت تخرج من داخلنا، من هنا من إسرائيل؟. مؤخرا تم نشر تقارير توثق الاضرار الممنهجة بحقوق الانسان، وهي حسب معرفتي لا تتم مهاجمتها، بل ببساطة يتم تجاهلها. ليس “افتراء” لأغيار، بل نتيجة تحقيقات وتوثيق مهني مثالي لمنظمة إسرائيلية وهي “بتسيلم”، التي قوانين إسرائيلية للدولة “اليهودية الديمقراطية” من شأنها أن تمحيها قريبا هي أيضا – سوية مع جمعيات مدنية أخرى – من الفضاء العام الحر الآخذ في التقلص في إسرائيل. هذه التقارير أيضا ما جاء فيها، وكذلك تجاهلها، تعطي الأساس للشك، وحتى الخوف حقا، بأنه لن تقوم قيامة لهذا المكان.
التقرير الأول بعنوان “اهلا وسهلا بالقادمين الى جهنم”، يتحدث عن مصير الفلسطينيين في منشآت الاعتقال الإسرائيلية. التقرير الثاني بعنوان “عقيدة غزة: الضفة الغربية تحت النار”، يستعرض عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
في التقرير عن منشآت الاعتقال يتم ذكر عشرات الشهادات لرجال ونساء كانوا مسجونين مؤخرا في إسرائيل وتم اطلاق سراحهم، معظمهم بدون محاكمة: غزيون تم اختطافهم من غزة (نعم، أيضا غزيون تم اختطافهم وعشرات منهم ماتوا في الأسر)، وفلسطينيون تم اعتقالهم في الضفة الغربية، وعرب من مواطني إسرائيل. التقرير يشير الى أنه منذ 7 أكتوبر تم اعتقال وحبس في منشآت الاعتقال الإسرائيلية آلاف الرجال والنساء الفلسطينيين.
معظم الشهادات يتم نشرها بالاسم الكامل للشهود، ومرفقة بها صورهم، الامر الذي يعطيها المصداقية الكبيرة، ويتبين منها، كما هو مكتوب في المقدمة، “سياسة مماسسة وممنهجة التي أساسها التنكيل والتعذيب المتواصل لجميع الاسرى الفلسطينيين، بما في ذلك استخدام العنف المتواتر، الصعب والتعسفي، والتحرش الجنسي والاهانة والتحقير والتجويع المتعمد، وفرض ظروف صحية متدنية، منع النوم، منع الصلاة والعقاب بسببها، مصادرة الأغراض العامة والشخصية، منع تقديم العلاج المناسب. كل ذلك تم وصفه في الشهادات مرة تلو الأخرى، بتفصيل وتكرار مخيفين. شهادات الاسرى تطرح نتائج عملية مسرعة التي في اطارها تحولت اكثر من 12 منشأة اعتقال إسرائيلية، مدنية وعسكرية، الى شبكة معسكرات هدفها الرئيسي هو التنكيل بالمعتقلين فيها.
في شهادة فتاة تم اختطافها من غزة وهي هديل الدحدوح، تم ارفاق صورة نشرت في “هآرتس”، ظهر فيها عشرات الرجال مضغوطين مثل السردين ومعصوبي العيون وشبه عارين، وهي تظهر فيها بوضوح، امرأة وحيدة مضغوطة بين الرجال، ترتدي ملابسها وعيونها معصوبة وشعرها مكشوف. وقد قالت في شهادتها: “كان هناك رجال ملتصقين بي بالضبط. وبعد أن تحررت شاهدت أنهم قاموا بتصويرنا في الشاحنة. تشاهدوني هناك في الصورة. الشاحنة سافرت الى منشأة اعتقال خارج القطاع. هناك ادخلوني الى غرفة مع نساء اخريات. الرجال قاموا بوضعهم بشكل منفصل. أنا كنت متعبة بعد ثلاثة أيام من المعاناة اللانهائية والضرب. بعد يومين جلبوا المزيد من النساء من القطاع، اصبحنا 19 امرأة في الغرفة. الطقس كان بارد جدا ورطب، كانت بطانية واحدة فقط للجميع. بعد ذلك اركبونا في حافلة، جرونا اليها مثل الحيوانات، أيدينا كانت مكبلة وعيوننا معصوبة. خلال ذلك قاموا بضربنا على رؤوسنا. الجنود قالوا لنا مرة تلو الأخرى: أنتن حماس.
“الحافلة نقلتنا الى منشأة اعتقال اسمها عناتوت. هناك الجنديات طلبن مني خلع ملابسي والبقاء بالملابس الداخلية. قاموا بتفتيشي، بعد ذلك سمحن لي بارتداء بنطال رياضة رمادي، طوال هذا الوقت قاموا بضربي وشتمي. مكثت تسعة أيام في هذه المنشأة، متعبة وفي طقس بارد وجائعة. كنت مكبلة طوال الوقت. بعد ذلك نقولونا الى سجن بئر السبع، هناك مكثنا خمسة أيام أخرى. كل مرة اخرجونا الى الساحة وضربونا، هذا كان متعب وصعب. بعد ذلك قاموا بنقلنا الى سجن الدامون قرب حيفا، هناك تم تفتيشي عارية.
“اخذوني للتحقيق خمس مرات، في كل مرة سألوني نفس الأسئلة: هل أنت حماس؟ أين كنت في 7 أكتوبر؟ وسألوني أيضا عن السنوار والانفاق، في كل مرة قالوا لي إنهم قتلوا زوجي واولادي. بعد 54 يوم اعتقال، في 26/1/2024 اخذونا الى معبر كرم أبو سالم واطلقوا سراحنا”.
شهادة لرجلين:
“قاموا باعتقال وبعد ذلك ضربوني. أحدهم ضربني بقوة على صدري، اصطدمت بسجين آخر بدأ يصرخ ويشتم. كان يمسك بمرآة مع اطار خشب سميك وحاول ضربي على رأسي، لكن آخرين منعوه. خلعوا ملابسي بالقوة وانزلوا بنطالي وملابسي الداخلية، مزقوا قميصي وعصبوا به عيوني. بعد ذلك ضربوني على الخصيتين بقوة. بعد ذلك السجانون قاموا برفعي واجلاسي على اطار معدني لحوض غسيل. احضروا سجينين آخرين وقالا لهما أن ينظرا وهم يقومون بضربي. حتى ذلك الحين كنت عاريا ورأيهم من خلال القميص الخفيف الموضوع على رأسي. السجانون سحبوهم من شعرهم كي يرفعوا رأسهم واجبارهم على رؤيتي.
“سمعت من الغرفة البكاء والصراخ للشباب الذين تم اخذهم قبلي وتم ضربهم. أنا بقيت الأخير في الغرفة وكنت ارتجف من الخوف. بعد ذلك اخذوني. اثنان من رجال الوحدة جروني بالقوة من الغرفة في الممر، الى غرفة استخدمت حتى 7 أكتوبر كغرفة طعام. عندما وصلت الى الغرفة رأيت كل السجناء من غرفتي، جميعهم كانوا عارين وينزفون. رموهم فوق بعضهم، الناس بكوا وصرخوا والسجانون صرخوا عليهم وشتموهم هم وأمهاتهم.
“قاموا باجبارنا على شتم أمهاتنا وشتم حماس والسنوار. اجبرونا أيضا على تقبيل علم إسرائيل وانشاد النشيد الوطني الإسرائيلي… ارتجفت من الخوف، بعد ذلك انقضوا علي. احدهم قام بصفعي والثاني بصق على وجهي وقال بالعربية: “يحيى السنوار سيموت”. أمروني بتكرار هذه الاقوال. اثنان خلعوا ملابسي مثل السجناء الآخرين، بعد ذلك رموني على الاسرى الآخرين. واحد منهم جلب جزرة وحاول وضعها في مؤخرتي، في الوقت الذي حاول فيه وضع الجزرة بعضهم وثقوني بالهواتف المحمولة. أنا صرخت من الألم والخوف، هذا استمر 3 دقائق تقريبا.
“بعد ذلك صرخوا علينا وقالوا إن لدينا دقيقتين لارتداء ملابسنا والخروج. شعرت بأنني محطم من الداخل. عندما ارتديت ملابسي سالت دموعي. مرت في رأسي أفكار مخيفة. بعد ذلك اعادونا الى الغرفة. عندها كنا في حالة صدمة، بكينا بهدوء. لم يتحدث أي أحد، لم نكن قادرين على النظر الى بعضنا البعض”.
عندما نقرأ في التقرير شهادات النساء والرجال الفلسطينيين من الضفة ومن إسرائيل الذين تم سجنهم في السجون الإسرائيلية، لا يمكن عدم ملاحظة التشابه الكبير والمخيف الموجود بينها وبين شهادات المخطوفين الإسرائيليين الذين عادوا من غزة: التنكيل الجسدي والنفسي، التجويع، التعطيش، عدم تقديم العلاج وتفاصيل أخرى كثيرة.
السجناء يشهدون على أجسادهم التدهور الخطير في ظروف سجنهم اعتبارا من 7 أكتوبر. ومعاناة المعتقلين المخطوفين من غزة تتفاقم وتزداد ظروفهم صعوبة بسبب ذكريات الفظائع التي شاهدوها وكانوا ضحايا لها في القطاع قبل اختطافهم: القصف الشديد والقنابل ومنظر القتلى والجرحى والنزوح المستمر من مكان الى آخر. هنا أيضا يوجد تشابه مع المصير المأساوي للرهائن الإسرائيليين في غزة.
تقرير “بتسيلم” عما يحدث في الضفة الغربية، لا سيما في مخيم جنين ومخيم طولكرم ومخيم نور شمس، يوثق بافلام الفيديو استخدام طرق القتال التي تم تطبيقها وتطويرها في قطاع غزة: استخدام متزايد للقصف من الجو وقصف المدفعية لتجمعات مكتظة بالمدنيين، تدمير متعمد بدون تمييز للبيوت والبنى التحتية المدنية، تهجير المدنيين من المناطق التي تم الإعلان عنها كمناطق قتال. هذه المناطق لم تعد تصلح للسكن، وأيضا عشرات آلاف السكان الذين تم تهجيرهم أو هربوا منها، وهم غير مسموح لهم العودة اليها. هذا حسب اقوال وزير الدفاع إسرائيل كاتس الذي قال “40 ألف فلسطيني تم اخلاءهم من مخيمات اللاجئين، التي ذكرت أعلاه في اعقاب نشاطات للجيش الإسرائيلي. الآن هي فارغة من السكان”. كاتس اعلن أيضا بأنه اصدر تعليماته للقوات بالاستعداد للتواجد في هذه المخيمات لمدة سنة وعدم السماح للسكان بالعودة اليها (بار بيلغ وهاجر شيزاف، “هآرتس”، 23/2).
“المذبحة الأكثر خطورة التي تم تنفيذها ضد الشعب اليهودي منذ الكارثة”، هكذا عرف نتنياهو الهجوم البربري لحماس في 7 أكتوبر. أي كلام فارغ! معظم اليهود في العالم يعيشون خارج دولة إسرائيل، واقتحام حماس لم يعرض حياتهم للخطر. الثمن الذي دفعه وما زال يدفعه ضحاياها، بما في ذلك المخطوفين وعائلاتهم، هو فصل فظيع آخر في النزاع الدموي بين إسرائيل والفلسطينيين. هذا هو السياق ولا يوجد غيره.
لكن بسبب القوة العسكرية لإسرائيل والسلاح الثقيل الذي توفره لها بالأساس الولايات المتحدة، فان من نزلت عليهم كارثة في الوقت الحالي – قتل جماعي وتدمير كامل للمنطقة التي هم محبوسون فيها – هم سكان غزة وليس سكان إسرائيل. ولكن في دولتنا تشوشت الوقائع وابعادها بدرجة لا يمكن إصلاحها، أيضا استخلاص الدروس من إبادة ملايين اليهود على يد الالمان برعاية الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة التي أغلقت أبوابها امام من يريدون الهرب منها.
لو أننا فقط تمكنا من فتح العيون ورؤية ليس فقط ما يفعلونه بنا، بل أيضا ما نفعله نحن بالآخرين، ونرى الخراب والقتل الذي نخلفه منذ عشرات السنين على السكان المدنيين. لو أننا فقط تمكنا من سؤال انفسنا فيما اذا لم تكن لدينا طوال هذه السنين طريقة أخرى للعيش والاندماج في هذه المنطقة عدا هذه الطريقة، التي أوصلت هنا الى الحكم حكومة الوزراء فيها يؤمنون بشكل علني بايديولوجيا انتحارية من القمع الداخلي والخارجي. الآن القدرة على توجيه هذه الأسئلة واختيار الطريقة الأخرى للتعامل مع معرفة أنه بدون السلام لن يكون لنا وجود هنا، وأنه الآن هذا الوجود مشوه ومشكوك فيه بالنسبة لكثيرين منا، فان هذه القدرة حتى لا تلوح في الأفق البعيد جدا.
“أنا اكتب فكرة لمقال لن يكتب”، هذا ما كتبه الكاتب درور مشعاني قبل سنة تقريبا في مذكراته الشخصية الجميلة التي نشرت مؤخرا. (“صورة صغيرة”، اصدار احوزات بيت): “مرتان في القرن العشرين حاول اليهود العيش مثل الشعوب الأخرى. مرة عندما حاولوا الاندماج في أوروبا، ومرة هنا عندما اقاموا دولة خاصة بهم. المحاولة الأولى انتهت بكارثة. فهل أيضا الثانية محكوم عليها بالفشل؟. ولكن اذا كان الامر هكذا فانه في هذه المرة ايضا لا يمكننا إلا اتهام انفسنا. هل حقا حاولنا كل شيء؟”.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-03-21 15:31:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>