هآرتس: وهم الوضع الراهن هو وصفة لكارثة اخرى

هآرتس 3/4/2025، شاؤول ارئيلي وماعوز روزنطال: وهم الوضع الراهن هو وصفة لكارثة اخرى
في الوقت الذي فيه الاهتمام العام ينصب على الحرب المتجددة في قطاع غزة، لبنان، سوريا واليمن، بقيادة حكومة اسرائيل القومية المتطرفة – المسيحانية، الى جانب محاولة اقالة حراس العتبة، وهي العملية الخطيرة جدا التي يتم تسريعها تحت رادار الاخبار. اسرائيل تسير بسرعة نحو الضم وفقدان الهوية كدولة يهودية وديمقراطية. هذه ليست نبوءة غضب لنهاية العالم، بل ادراك يرتكز الى تحليل منهجي وثابت للخطاب السياسي في اسرائيل حول موضوع النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.
بحث شامل أجري مؤخرا، يرتكز الى تحليل 15 ألف منشور في شبكة “اكس” (تويتر) لرؤساء الاحزاب الاسرائيلية من العام 2018 وحتى نهاية العام 2024، يكشف الاكاذيب التي توجد في نظرية “الوضع الراهن” – الوهم المريح والمعروف للجمهور في اسرائيل كـ “ادارة النزاع”. تحت غطاء ادارة الازمات الدارجة فان اسرائيل تسير بخطى ثابتة نحو ضم المناطق وفرض سيادة اسرائيل عليها. وهي العملية التي ستقرر مصيرها كدولة ابرتهايد أو كدولة ثنائية القومية.
البيانات تتحدث بوضوح مقلق: من بين الـ 15.135 منشور التي تم تحليلها، 9692 تطرقت الى الوضع الراهن، مقابل عدد قليل من المنشورات التي تطرقت الى بدائل سياسية بعيدة المدى: 886 للانفصال، 848 للضم، فقط 333 لاتفاق الدولتين. المعنى واضح، المؤسسة السياسية تفضل تطوير وهم الوضع الراهن، الذي ليس إلا قناع للضم الزاحف. هذه آلية خداع ذاتي وجماعي، تمكن الجمهور من الاعتقاد بأن الوضع الحالي يمكن أن يستمر الى الأبد، في حين أنه بالفعل كل يوم يدفع اسرائيل نحو واقع الدولة الواحدة، الذي لا يمكن التراجع عنه. في حين أن الجمهور اسير لوهم “الوضع الراهن” فان اليمين المسيحاني القومي – المتطرف يعمل على الدفع قدما نحو واقع الدولة الواحدة.
التحليل يكشف توزيع “المنطقة الايديولوجية” بين المعسكرات السياسية في اسرائيل. بتسلئيل سموتريتش يقود خطاب الضم مع 143 اشارة – تقريبا الثلث (31.1 في المئة من اجمالي الاشارات في هذه الفئة)، مع مستوى تأييد مطلق تقريبا. ايتمار بن غفير يعرض دعم كامل للضم، وبنيامين نتنياهو ايضا، رغم أنه من اجل الاعلان الدولي يغطي على مواقفه الحقيقية تحت غطاء “أنا لا صلة لي بذلك”، يظهر دعمه الكامل للضم عندما يطلب منه التعليق على الموضوع.
من المفاجيء، لكن ربما غير مفاجيء جدا، اكتشاف أن اسحق غولدكنوفف، رئيس حزب حريدي، شريك ايديولوجي نشيط لسموتريتش وبن غفير. هذا تأكيد آخر على تحالف مصالح بين المسيحانية الجديدة، الدينية القومية – المتطرفة، وبين الارثوذكسية الحريدية، تحالف يعرض الطابع العلماني – الليبرالي لاسرائيل الى الخطر.
في المعسكر الثاني يئير لبيد يقود الخطاب حول امكانية عقد اتفاق سياسي مع 83 اشارة، نصف الاشارات في هذه الفئة. يئير غولان وايمن عودة، اللذان يمثلان الطرف اليساري الاقصى في الطيف، يؤيدان بشكل ثابت حل الدولتين والانفصال. ولكن صوتهما آخذ في الخفوت في المشهد السياسي الآخذ في التطرف. بني غانتس يستمر في التمسك بخطاب الوضع الراهن (637 اشارة)، فقط احيانا يصرح في صالح الاتفاق السياسي. هذا مؤشر واضح على امتناع كبار السياسيين في اسرائيل عن مواجهة الحاجة الى اتخاذ قرار استراتيجي شجاع.
الظاهرة الممتعة التي كشفها البحث هي استخدام مفهوم “الانفصال” – كلمة السحر التي تسمح بكل شيء ولا شيء – من قبل جميع المعسكرات السياسية تقريبا، في حين أنه يوجد لكل معسكر التفسير الخاص لهذا المفهوم. بالنسبة لعودة وغولان فان الانفصال هو اساس الانفصال السياسي والجغرافي، الذي سيؤدي الى دولتين، لبيد وغانتس يعتبران الانفصال خطوة يمكن أن تضمن اكثرية يهودية في دولة ديمقراطية. في حين أن سموتريتش وبن غفير يفسران الانفصال بأنه انفصال عرقي بدون تنازلات اقليمية، الامر الذي يعني عزل الفلسطينيين تحت السيادة الاسرائيلية.
هذا تمرين كلاسيكي في فلسفة السياسة لجورج اورويل، نفس الكلمة تستخدم لوصف احلام متناقضة كليا، مع خلق وهم لاتفاق واسع. في الواقع مفهوم “انفصال” ليس إلا وهم له دلالات، يمكن من استمرار المماطلة والتهرب من اتخاذ القرارات. خلافا لما كان يمكن توقعه فان احداث 7 اكتوبر لم تؤد الى مراجعة استراتيجية بشأن فشل سياسة “ادارة النزاع”. بالعكس، هي استخدمت بالذات كمسرع لزيادة التطرف في المواقف وتعزز الخطاب الامني قصير المدى.
الدليل على ذلك هو أن 53.5 في المئة من المنشورات التي تؤيد الضم نشرت منذ اكتوبر 2023. الحوار حول الوضع الراهن تقريبا تضاعف، من 1451 منشور مع قبل تشرين الاول 2023 الى 2658 منشور مع بعد ذلك. تأييد الانفصال، في المقابل، انخفض 24 في المئة. هذا يعتبر تناقض مقلق بشكل خاص. بالذات الحدث الذي كشف فشل سياسة ادارة النزاع أدى الى تعزز الخطاب الذي يؤيد هذه السياسة الفاشلة. اسرائيل تتصرف مثل المدمن الذي يقف امام حوض مكسور، لكن بدلا من الفطام من الادمان على وهم الوضع الراهن هي تقوم بزيادة الجرعة.
الربع الاخير في 2024 يوفر لنا صورة وضع محدثة للخطاب السياسي. فرغم انخفاض حجم الخطاب حول النزاع (1097 منشور مقابل 1260 منشور في نفس الربع في السنة السابقة) فان توجه التطرف والاستقطاب يتعزز. 96 في المئة من المنشورات التي تطرقت الى الضم تؤيده – نسبة مقلقة تدل على الاجماع الآخذ في التبلور في اوساط الذين يتعاملون مع الموضوع. نتنياهو في تمرين في مناورة معروفة تتمثل بـ “النفي المتعمد” امتنع في الربع الاخير من نشر منشورات حول الضم. هذه عملية مكشوفة تستهدف الحفاظ على الغموض الذي هو بحاجة اليه في الساحة الدولية.
في موازاة ذلك، غولدكنوفف ينحرف عن التيار العام التقليدي للحريديين ويطرح موقف يميني واضح حول الضم، وهو اشارة مقلقة اخرى على التطرف العام في المنظومة السياسية. لبيد، غولان وعودة، يستمرون في التمسك بمقاربة الاتفاق السياسي والانفصال، لكن صوتهم يضمر في الخطاب العام للجمهور.
الباحثون في النزاعات يحذرون من أن نقطة اللاعودة في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين ليست موضوع نظري، بل هي عتبة حقيقية تقترب منها اسرائيل بسرعة. تقرير للامم المتحدة صدر في 2017 اشار الى أن الصراع يقترب من “نقطة اللاعودة” وأن التوجهات منذ ذلك الحين ازدادت حدتها.
الوضع الديمغرافي والجيوسياسي ووضع البنى التحتية في المناطق خلق وضع بحسبه الانفصال المادي بين المجموعات السكانية اصبح محتملا، لكن بثمن آخذ في الازدياد. الفلسطينيون في الضفة الغربية يبلغ عددهم حوالي 3.2 مليون شخص، لكن شبكة الطرق التي اقامتها وتقيمها اسرائيل خلقت واقع حبس الفلسطينيين بين المستوطنات التي اضيفت اليها بؤر استيطانية غير قانونية، بالاساس على شاكلة المزارع. في هذا الوضع فان التمسك بالوضع الراهن هو اختيار سلبي لمسار يؤدي الى واقع الدولة الواحدة، وهو الواقع الذي ستضطر اسرائيل الى الاختيار فيه بين الطابع اليهودي والطابع الديمقراطي.
النخبة السياسية في اسرائيل بقيادة نتنياهو اختارت استراتيجية تأجيل القرارات الحاسمة والتملص من الاختيارات الصعبة. ولكن المفارقة هي أن محاولة الامتناع عن الاختيار هي نفسها اختيار، الاختيار الذي أدى الى احداث 7 اكتوبر وسيؤدي الى ضياع الدولة اليهودية والديمقراطية. القانون الحديدي للوضع الديمغرافي لا يسمح لاسرائيل بمواصلة السيطرة على ملايين الفلسطينيين بدون اعطاء الحقوق المدنية والسياسية، من غير أن تصبح دولة ابرتهايد. في المقابل، اعطاء حقوق كاملة للفلسطينيين سيغير بشكل جوهري طابع الدولة اليهودي. الاختيار المتملص للوضع الراهن هو التدهور البطيء، لكن المضمون، نحو الهاوية. بالذات في فترة هزة جيوسياسية اسرائيل بحاجة الى قيادة شجاعة تكون مستعدة للقيام بالاختيارات الصعبة المطلوبة لضمان مستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية.
الانفصال عن الفلسطينيين واقامة دولتين لشعبين هو الحل الوحيد الذي سيضمن مستقبل اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. وأي حل آخر يمثل نسخة معينة من النفي هو وهم ذاتي أو خداع للنفس. كلما بكرنا في الاستيقاظ فان الثمن الوطني الذي سندفعه سيقل.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-04-03 13:40:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>