هكذا تحدث الإمام موسى الصدر عن فلسطين ومقاومتها..
ويصادف اليوم السبت 31 اب/اغسطس الذكرى السادسة والأربعين لتغييب الامام موسي الصدر في ليبيا عام 1978 .
ولفلسطين موقع مميز في نفس الامام الصدر، فالقدس تمثل كما يدل اسمها رمز القداسة عند العرب والمسلمين والمسيحيين وهي تمثل ملتقى قيمهم وتجسد وحدتهم فيقول: “إن القدس هي قبلتنا وملتقى قيمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا، انها قدسنا وقضيتنا “.
تعيش فلسطين، أقله منذ بدايات القرن التاسع عشر، أكبر مظلومية شهدها التاريخ، فقد تعرضت ولا تزال لجميع انواع الظلم: ظلم اليهود والصهاينة الذين عاثوا فيها فساداً وقتلاً وتدميراً واحتلالاً، وظلم العرب الذين تهاونوا وتخاذلوا بالدفاع عنها، وظلم العالم الذي سكت وما يزال عن استلاب اراضيها وسرقة حقوقها.
واعتبر الامام الصدر التخلي والسكوت عن استلاب القدس كمن يسكت عن استلاب عرضه وشرفه وبالتالي فهذا الذل بعينه فيقول:” عيشنا دون القدس موت وذل “.
إن صيانة القدس والمحافظة عليها والدفاع عنها، بما تمثله من رمزية دينية عند المسلمين والمسيحيين، هو صيانة للدين ودفاع عنه، وإن التنازل عنها هو تنازل عن الدين والإيمان من هنا فإنه يقول ” عندما يتنازل الانسان المسلم او المسيحي عن القدس فهو يتنازل عن دينه “.
هذا واعتبر الامام الصدر أن المسجد الاقصى له: “مدلول رمزي كبير عند المسلمين”، كما أن لكنيسة القيامة مدلول رمزي كبير عند المسيحيين، لذلك فان إحتلال القدس من قبل الإسرائيليين يشبه إلى حد بعيد ” القضاء على الكعبة والقضاء على الكعبة معناه إماتة الإسلام رمزياً، والقضاء على المسجد الأقصى معناه إماتة انتشار الاسـلام “ ، كما يشابه الى حد كبير صلب السيد المسيح ، لذلك فإن الاسرائيليين:” عندما احتلوا القدس حاولوا ان يقصموا ظهر الإسلام ويحطموا واقـع المسيحية “.
لقد وعى الإمام الصدر أن احتلال فلسطين هو بداية لإحتلال كثير من الاراضي العربية، وأن سكوت العالم عن إحتلال فلسطين من قبل الصهاينة، بكل ما تمثله من رمز للقداسة، سيسهل على الصهاينة احتلال ما يشاؤون من أراض عربية، وانتهاك جميع المقدسات دون خوف أو رادع أو وازع، لذلك اعتبر أن مسؤولية تحرير الارض المقدسة من أولى واجباته وأن التخلي عن هذا الواجب سيسمح لإسرائيل باحتلال مناطق في لبنان أولها الجنوب فيقول ” إن مسؤولية تحرير الارض المقدسة هي واجبنا وفي التخلي عنها لا سمح الله تكون نهايتنا “.
إن مقاومة الاحتلال، بنظر الإمام الصدر، جاء رداً على تخاذل العالم، كل العالم، عن إنصاف الشعب الفلسطيني لعشرات السنين، واهمال قضيته وتشريده، بالإضافة الى ما كان يتعرض له هذا الشعب من اضطهاد واذلال، مما اضطره الى حمل السلاح لاسترجاع أرضه السليبة فيقول ” انتظر الشعب الفلسطيني عشرين سنة فما أنصفه أحد في العالم بل نسيه الكل حتى المؤسسات الدولية فأُضطر إلى استلام قضيته ووضع ثمناً لعودته غالياً هو التضحية بجيل كامل “.
وبرأي الإمام فإن هذه المقاومة، ليست ناجمة فقط عن تشريد شعب فلسطين والتنكيل به واحتلال أرضه، بل انها حتمية لصمت الأمة العربية والاسلامية وتخاذلها عن نصرة هذا الشعب، ومسايرتها الظالم وممالأته وعدم الوقوف في وجهه وعدم محاصرته في المهد، مما سمح له ان يتنامى ويتعاظم، ويمد أحابيله في نسيج الأمة بأجمعها، مؤسساً قاعدة الشر في أرض الخير، إنها إذن ثورة الامة على ماضيها ومحاولة لتصحيح خطأ وإثم تاريخي، فهي” ليست ثورة شعب مضطهد فحسب بل إنها ثورة الأمة على ماضيها القريب والبعيد، تلك الأمة التي أحست بالخطر فسكتت وتكاسلت وسايرت الظلم حتى قوي واشتد فأسس قاعدة الظلام في منطلق النور “.
واعتبر أن الرهان على الدبلوماسية، واللجوء الى المنظمات الدولية، والاتكال على الأنظمة العربية، وانتظار الفرج من خلال قرارات دولية او مفاوضات أو ما شابه، لن يؤدي غلى نتيجة وأن المقاومة هي الحل الوحيد لاسترجاع الأرض، لذلك فإن ” المقاومة الفلسطينية هي الحل الوحيد لتحرير فلسطين ولمحاربة هـذا العدو”.
إلى ذلك، فإن الإمام الصدر كان يرى أن المقاومة الفلسطينية ليست إرادة شعب فلسطين فحسب بل هي إرادة الله في حماية خلقه، ومحاربة من شوهوا صورة الله وقتلوا الأنبياء، وتعالّوا على سواهم من الناس فاعتبروهم بهائماً ودواباً خُلقوا لخدمتهم، فيقول في هذا الصدد ” إن الثورة الفلسطينية هي الطريق الى الأرض المقدسة وهي الشعلة المقدسة التي أوقدها الله تعالى لحماية خلقه ولكرامة هذه الامة وللقضاء على اعدائه وأعداء الإنسان”، كما اعتبر أن نضال الشعب الفلسطيني محاولة ” لتصحيح حدث تاريخي خطير فهو يتعدى نطاق فلسطين بل هو دفاع عن الأديان وعن قداسة القدس… “.
وليس تدنيس الصهاينة للمقدسات المسيحية والإسلامية وإقدامهم على حرق المسجد الأقصى وتقويض أساساته بحجة البحث عن هيكل سليمان سوى” كذبة تاريخية هيكل سليمان أو معبد سليمان هُدم قبل بناء المسجد الأقصى عدة مرات …”.
هذا فضلاً عما أقدم عليه اليهود من تشويه لصورة الله وسمعته، من خلال اظهاره أنه محب للدماء يأمر شعبه المختار أن يوغل في دماء الشعوب غير اليهودية، بالإضافة الى اظهاره عاجزاً أمام أنبياء وشعب بني إسرائيل، من هنا اعتبر الإمام الصدر ان السعي لتحرير فلسطين لا يقتصر على تحرير الأرض من احتلال العدو الإسرائيلي فحسب بل ايضاً تحرير المقدسات ودفاعاً عن سمعة الله في الأرض فيقول ” السعي لتحرير فلسطين سعي لإنقاذ المقدسات الاسلامية والمسيحية، سعي لتحرير الإنسان ، سعي لعدم تشويه سمعة الله في الأرض ” .
كما وقال “الثورة الفلسطينية في نظر الإمام ليست قضية الشعب الفلسطيني فقط بل إن المقاومة هي: ” قضية العرب وقضية لبنان … “.
ويرى الإمام الصدر، أن على لبنان أن يدعم المقاومة، ليس لأنه واجب فقط ، بل لأن لبنان ذو القوة العسكرية المتواضعة بالمقارنة مع قوة العدو الصهيوني المدجج بأحدث الاسلحة، والمسخرة له تكنولوجية الغرب كله، من مصلحته أن يملك مقاومة مسلحة تستطيع أن تقف في وجه العدو الإسرائيلي وعليه فإن: ” دعم المقاومة ليس فقط قدر لبنان ورسالته وواجبه حتى على صعيد الحرب الباردة في العالم وانما يمكن القول أن مصلحة لبنان أن يملك ورقة اسمها ورقة المقاومة”.
رأى الإمام الصدر أن من واجبه الحفاظ على الثورة الفلسطينية ودعمها وحمايتها والبذل في سبيلها كل غال ورخيص فيقول” إن الثورة الفلسطينية أمانة الله في أعناقنا نحميها ونصونها وننميها، ونصرف في سبيلها الغالي من الارواح والرخيص من جهودنا المتواضعة “.
إن أكثر ما كان يخشاه الإمام الصدر، ما كانت تتعرض له المقاومة الفلسطينية من غش وخداع وتدليس وتضليل واستغلال من قبل بعض القوى خدمة لمآربها ومصالحها الضيقة حتى لو كانت على حساب مصلحة الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، لذلك كثيراً ما كان الإمام يحذر المقاومة من الوقوع في براثن هذه القوى، أو أن تنحرف عن هدفها النبيل وهو تحرير الارض من العدو الصهيوني، ولأن إيمان الإمام الصدر بالمقاومة الفلسطينية ودعمه لها لم يكن منطلقاً من حسابات ضيقة، بل انطلاقاَ من إيمانه بشرف القضية الفلسطينية وقدسيتها أعلن :“أن السند الحقيقي للثورة الفلسطينية هو عمامتي ومحرابي ومنبري” مؤكداً ” نحن الذين سنحفظ المقاومة الفلسطينية ونصونها”.
لقد دعا الإمام الصدر المقاومة الفلسطينية أن تبقى على جهوزيتها وتحافظ على عقيدتها وجهادها وأن تتحلى بالإيمان حتى تستطيع ان تُحرر الارض معلناَ أن: “شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين وإلا على أيدي المجاهدين”.
في الختام .. فلسطين أرض الانبياء والرسل ومهد السيد المسيح، أُولى القبلتين وثاني الحرمين، اليها أُسري بالنبي محمد (ص)، ومنها عرج الى السماء، كانت ولا تزال رمزاً دينياً في نظر أهل الأديان السماوية ومحجاً لبعضهم، وكانت قدسها على مر التاريخ مدينة السلام والمحبة والتسامح ومثالاً فريداً على تعايش الأديان فيما بينها.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir بتاريخ:2024-08-31 21:08:57
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي