هكذا وقعت تل أبيب في فخ التقديرات الخاطئة لقدرات المقاومة!
بذلك، تحوّلت هذه الجبهة إلى أحد العوامل الرئيسية للدفع في اتجاه وقف الحرب على غزة، وتكرّر على ألسنة المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس جو بايدن، أن استعادة الهدوء على جبهة لبنان مدخلها في غزة.
ويكشف هذا الخطاب الأميركي عن الخطر المتعاظم من الشمال وضرورة الالتفاف عليه، حجم الضغوط التي تشكلها جبهة لبنان على كيان العدو، وإلا لما كان المسؤولون الأميركيون معنيين باستحضار هذه الجبهة دائماً في خطابهم السياسي مع نظرائهم الإسرائيليين.
ومما يشير إلى أن التهديد المتصاعد لهذه الجبهة أصبح ملفاً رئيسياً بين تل أبيب وواشنطن، ما ذكرته قناة «كان» في التلفزيون الإسرائيلي، عن طلب إسرائيل «مساعدة» الولايات المتحدة «في ردع حزب الله». ويكشف ذلك عن مواجهة تل أبيب أزمة لا تستطيع التكيّف مع استمرارها، ولا تملك خيارات فاعلة إزاءها، لذلك تطلب من الولايات المتحدة تفعيل قدراتها ونفوذها لردع حزب الله.
وتزامن ذلك مع تأكيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لنتنياهو أن اقتراح الاتفاق الذي قدّمه بايدن لإنهاء الحرب في غزة يوسّع احتمالات الهدوء على الحدود الشمالية . والمعطى الثالث في هذا الاتجاه، تأكيد الوزير المستقيل بني غانتس لبلينكن، خلال لقائهما، أن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي دوراً مركزياً في إزالة تهديد حزب الله عن شمال الكيان، وهو موقف ينطوي على أكثر من إقرار بعجز “إسرائيل” عن القيام بهذه المهمة.
مع ذلك، فإن المخاوف الأميركية تتجاوز اللحظة السياسية والأمنية. لذلك، يقارب المسؤولون الأميركيون الوضع في ضوء آفاقه المفتوحة على أكثر من سيناريو خطير، ولذلك، أيضاً، أكّد بلينكن للمسؤولين الإسرائيليين أن الهدوء في غزة يحول دون اتساع رقعة الحرب مع حزب الله، والتي ترتفع احتمالاتها – من منظور أميركي – كلما طال أمد المعركة.
وهناك بعد آخر للمواقف الأميركية يتصل بمستوى تأثير المقاومة على المجريات السياسية والميدانية في رسم مستقبل الحرب وما بعدها.
فمفاعيل أي مقاومة يبدأ قياسها من الميدان، لكنها تصبح ملموسة عندما ينتقل تأثيرها إلى المستوى السياسي، وهو ما يستغرق أحياناً ويتم على مراحل. إلا أن مفاعيل المقاومة في غزة ولبنان واليمن وبقية جبهات الإسناد، ارتقت إلى هذه المرحلة في وقت قياسي، ويعود ذلك إلى معادلات القوة التي فرضتها، والمخاطر التي تتعاظم على الكيان الإسرائيلي والنفوذ الأميركي في المنطقة.
ومن العوامل الأساسية التي تُعزز هذا الاتجاه أيضاً أن تجربة الأشهر الثمانية الماضية أثبتت، حتى الآن، أن الوقت هو لمصلحة المقاومة، في مسارها التصاعدي وصمودها الثابت. وهو ما يبرز جلياً في متغيّرات الميدان. فبعد صراع محتدم بين منظومات الاعتراض الجوي الإسرائيلي وسلاح المُسيّرات في حزب الله، أقرّ جيش العدو، بحسب ما أوردت إذاعة الجيش، بأن المُسيّرات التي يستخدمها الحزب تشكل «تهديداً ليست له حلول سحرية، ومواجهة هذا التهديد بعيدة كل البعد عن أن تكون محكمة»، في اعتراف صريح بأن معدلات الاعتراض لن تصل إلى مستويات مرتفعة.
وتناول التقرير العوامل التي تساهم في تفوّق مُسيّرات حزب الله، وأبرزها، أولاً، حجم المُسيّرة، إذ كلما كانت المُسيّرة أصغر صعب على أنظمة الرادار اكتشافها، وثانياً الوقت الذي تستغرقه للوصول إلى الهدف. لكن ما لم يشر إليه التقرير هو أن حزب الله حقّق هذا الإنجاز رغم أنه لا يزال يستخدم أعداداً محدودة من المُسيّرات في كل ضربة يوجّهها، ويقتصر الأمر أحياناً على واحدة أو اثنتين، ولم ينتقل إلى مرحلة الأسراب الكبيرة، علماً أن العدو تحدّث عن امتلاك حزب الله الآلاف منها، وأن السيد حسن نصرالله سبق أن أعلن بأن الحزب يصنع نماذج متطورة منها على الأراضي اللبنانية.
في خلاصة ما كشفته المواجهة العسكرية حتى الآن، أن حسابات الكيان الصهيوني وتحليلاته كانت خاطئة جداً إزاء قدرات جبهة المقاومة. فهو على ما يبدو كان يراهن على فعالية منظوماته الاعتراضية، وعلى إمكانية ردع قوى جبهة المقاومة.
ويبدو أن خطأ العدو في فهم هذه الحقيقة دفعه إلى التورط في نفق مسدود، فأصبح مضطراً إلى البحث في خيارات على قاعدة ما هو أقل خطورة، وحول هذا السؤال تتعدّد التقديرات والآراء ويزداد الشرخ السياسي والمجتمعي اتّساعاً.
(الأخبار)
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir بتاريخ:2024-06-12 14:06:08
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي