هل تؤثر الأعشاب والتوابل في صحة فلورا الأمعاء؟
أجرى الباحثون في الجامعة الدولية للطب الطبيعي في بورتلاند في ولاية أوريغن مؤخرًا دراسةً على عديد الفينولات الموجود في الطعام، والأعشاب، والتوابل، وهل يمتلك تأثيرًا إيجابيًا على صحة فلورا الأمعاء أم لا؟ وذلك عند استهلاكه بوصفه جزءًا من الحمية النموذجية للأشخاص الأصحاء.
استعان فريق البحث بمعلومات من دراسة International Cohort on Lifestyle Determinants of Health لاستكمال تحليلاتهم.
تبين للباحثين أن بعض ميكروبات فلورا الأمعاء المفيدة، مثل العصيات اللبنية، ازدادت فعاليتها عند تناول المشاركين في التجربة أطعمةً غنيةً بعديد الفينولات، وقلت كمية الميكروبات الضارة لدى المشاركين في الحالة ذاتها.
توجد الدراسة على موقع صحيفة Nutrients.
فلورا الأمعاء وعديد الفينولات
تبحر الباحثون أكثر في تأثير فلورا الأمعاء في صحة الجسم العامة. تبين لهم أن صحة فلورا الأمعاء مهمة جدًا، وذلك لدورها الأساسي في الهضم، والوظيفة المناعية، وصحة الجلد، وغيرها الكثير.
تعرف فلورا الأمعاء بأنها مجموعة من الميكروبات، مثل الجراثيم، والفطور، والفيروسات، إضافةً إلى جيناتهم التي تعيش على أجسامنا وداخلها على نحو طبيعي، وذلك وفقًا لمعاهد الصحة الوطنية.
تأخذ ترليونات العضيات من الأمعاء مسكنًا لها، إذ تؤدي كل من البيئة التي تعيش فيها، والأطعمة التي تتناولها، والأدوية التي تأخذها، دورًا في تحديد تركيبة الأمعاء.
تشمل فلورا الأمعاء كلًا من نوعي البكتيريا المفيد والضار. تعزز البكتيريا الجيدة صحة فلورا الأمعاء، إذ يستطيع الناس تحفيز هذه البكتيريا بتناول الأطعمة المخمرة أو البروبيوتيك (المؤيدات الحيوية).
توجد أيضًا بكتيريا ضارة في فلورا الأمعاء، مثل السالمونيلا، التي قد تتسبب في أمراض عدة.
أثار ذلك فضول الباحثين للبحث عن عدد من الطرق لتقوية صحة فلورا الأمعاء، ما دفعهم لتعميق معرفتهم بشأن عديد الفينولات.
مصادر عديد الفينولات الغذائية
يوجد عديد الفينولات في عدد من الأغذية نباتية المصدر كالشاي، والفواكه، والخضار، والشوكولاتة، إضافةً إلى مساهمته في تخفيض خطر الإصابة ببعض الأمراض كالسكتات والسكري.
نوه الباحثون إلى أن الدراسات السابقة تشير إلى فائدة عديد الفينولات في تعزيز صحة فلورا الأمعاء، لكن بينت بعض الدراسات الأخرى أنه من غير الواضح أن يستطيع الفرد تلقي هذه الفوائد ذاتها بتناوله نظامًا غذائيًا عاديًا.
اختار الباحثون مجموعة مكونة من 96 مشاركًا بالغًا صحيًا، بالاستعانة بالمعلومات التي جمعت من دراسة INCLD Health. أجاب المشاركون على استبيانات شملت أسئلةً عن عاداتهم الغذائية، إضافةً إلى تحليل rRNA (الحمض النووي الريبي الريبوزومي) لفلورا الأمعاء؛ وذلك لتأهيلهم وإدراجهم في الدراسة.
شملت أسباب استبعاد بعض المشاركين كلًا من الأسباب التالية:
- الاستخدام الحالي للمضادات الحيوية.
- مرض التهاب الأمعاء أو الداء البطني.
- إصابة سابقة بأحد أمراض المناعة الذاتية.
كانت أغلبية المشاركين في الدراسة من النساء بنسبة (84.4%)، وذوي البشرة البيضاء بنسبة تقارب (78%). شكّل غير المدخنين نسبة 88.5%، وأفاد 60% منهم تعاطيهم الكحول بالحد الأدنى منه (من 0 إلى 3 مرات شهريًا).
جمع الباحثون 29 نوعًا من الأعشاب والتوابل الغنية بعديد الفينولات، وأكدوا على استخدام المشاركين لستة منهم فقط باستمرار. شملت الأعشاب والتوابل التي ركز الباحثون عليها كلًا من:
- الفلفل الأسود.
- البصل.
- الثوم.
- القرفة.
- الزنجبيل.
- الكركم.
اندرج أحد هذه التوابل ضمن قائمة أكثر الأطعمة غنىً بعديد الفينولات، وهي القرفة، إذ تحوي ما يقارب 3,000 ملغ/ كلغ أو أكثر. احتل الفلفل الأسود مرتبة البهار الأكثر استخدامًا، الذي يحوي كمية متوسطة من عديد الفينولات تقدر بنحو 1,000-1,999 ملغ/ كلغ.
سجل الباحثون استخدام المشاركين كمية كبيرة من الثوم والبصل، اللذان يحويان كميات أقل من عديد الفينولات تقدر بأقل من 1,000 ملغ/ كلغ.
قسّم فريق البحث بعدها المشاركين مجموعات بناءً على كمية عديد الفينولات ضمن الأطعمة التي تناولوها. تضمنت المجموعات كلًا من قليلي الاستهلاك، ومتوسطي الاستهلاك، وكثيري الاستهلاك لعديد الفينولات.
زيادة فلورا الأمعاء الجيدة بزيادة تناول عديد الفينولات
تابع الباحثون بتحليل بيانات التسلسل الجيني للحمض النووي الريبي الريبوزومي (16s rRNA) للميكروبات، التي استخلصوها من الحمض النووي الميكروبي في عينات براز المشاركين.
وصف الباحثون هذه المرحلة بأنهم (كشفوا عن المؤشرات الحيوية الميكروبية الدالة على وجود عديد الفينولات، ثم تابعوا استخدام هذه المؤشرات الحيوية المحددة في تعيين مقارنات إحصائية هادفة أكثر).
حدد فريق البحث الأصناف الميكروبية التي ارتبط وجودها بتناول عديد الفينولات، وفحصوا بعدها فلورا الأمعاء وأصنافها السابقة الخاصة بكل مجموعة من مجموعات استهلاك عديد الفينولات؛ وذلك للكشف عن الارتباطات فيما بينها.
تبين للباحثين من خلال التحليلات أن التنوع الميكروبي في فلورا الأمعاء كان متماثلًا لدى جميع المجموعات بغض النظر عن استهلاك المشاركين لكمية أكبر أو أقل من عديد الفينولات، لكن لاحظ فريق البحث رغم ذلك وجود بعض الاختلافات في بعض الأصناف الميكروبية المحددة.
لاحظ الباحثون وجود ارتباط بين المجموعة كثيرة الاستهلاك لعديد الفينولات ووجود وفرة من فلورا الأمعاء المفيدة، مثل جراثيم العصيات اللبنية، إذ تتركز فائدة العصيات اللبنية في منع تضرر الأمعاء.
ذكر فريق البحث أيضًا انخفاض تعداد فلورا الأمعاء الضارة لدى المجموعة كثيرة الاستهلاك لعديد الفينولات ذاتها، إذ وصفوا ذلك قائلين: «تناقصت أعداد فلورا الأمعاء الانتهازية والمحفزة للالتهابات لديهم أكثر».
كتبوا في ذلك: «تشير النتائج إلى فوائد تناول كميات أكبر من عديد الفينولات من مصادره الاعتيادية في تعزيز بيئة الأمعاء وتحسينها، ما يقلل من كمية فلورا الأمعاء الممرضة والانتهازية مقارنةً بفلورا الأمعاء الأقل ضررًا وأذى منها».
ما زال العلماء في حاجة إلى إجراء أبحاث أكثر بشأن استهلاك عديد الفينولات في الحمية النموذجية، لكن تُظهر الدراسة وجود فوائد وتأثيرات إيجابية محتملة لبعض التوابل والأعشاب في صحة فلورا الأمعاء، ما قد يساعد على تحسين الصحة العامة وتقويتها.
من الضروري إجراء مزيد من الأبحاث
أجرت صحيفة Medical News Today مقابلة موضوعها هذه الدراسة مع الطبيب ديفيد كلارك، وهو الأستاذ المساعد السابق المختص في أمراض الجهاز الهضمي، والمدير المساعد في مركز أخلاقيات الطب بجامعة ولاية أوريغان للصحة والعلوم.
علق كلارك على الدراسة السابقة قائلًا: «يُعد ذلك دليلًا مبدئيًا على فوائد عديد الفينولات المحتملة على الصحة العامة، لكن من الضروري إجراء مزيد من الأبحاث بشأن ذلك».
أضاف: «استهلك المشاركون في هذه التجربة كميات أكبر من عديد الفينولات في نظامهم الغذائي، ما رفع من مستويات فلورا الأمعاء المفيدة لديهم، وخفض معدلات الفلورا الضارة. قد يوجد رغم ذلك تفسيرات أخرى لنتائج هذه الدراسة».
فسر الطبيب كلارك قوله بوجود عدد من الأطعمة الأخرى التي تُعد غنية بعديد الفينولات، وقد تمتلك تأثيرًا مشابهًا للأعشاب والتوابل السابقة في فلورا الأمعاء، مثل القهوة، والشاي، والنبيذ الأحمر.
أجرت الصحيفة أيضًا مقابلة مع كريسي أرسنولت، وهي أخصائية تغذية مسجلة في أكاديمية المدربين.
علقت كريسي على الدراسة السابقة قائلة: «وجد البحث أن الأصناف الميكروبية ضمن فلورا الأمعاء تختلف تبعًا لكمية استهلاك عديد الفينولات في نظامهم الغذائي، لكن يجب إجراء مزيد من الأبحاث لتعميق فهم العلاقة المعقدة ما بين النظام الغذائي الغني بعديد الفينولات وفلورا الأمعاء المفيدة لصحة الإنسان؛ نظرًا إلى أن الدراسة كانت استقصائية ومقتصرة على البالغين الأصحاء فقط».
أكدت أرسنولت رغم ما سبق على أهمية هذا النوع من الدراسات، وفائدته في مساعدة مختصي الرعاية الصحية على تقديم أفضل النصائح والعناية الصحية لمرضاهم.
أضافت قائلة: «لا تقتصر فوائد عديد الفينولات على أنه مضاد أكسدة فقط، إذ يُجرى حاليًا مزيد من الدراسات بشأن تأثيراته الإيجابية في فلورا الأمعاء، ما قد يؤثر في آلية تعامل مختصي الرعاية الصحية والتغذية مع صحة وفلورا الأمعاء لدى مرضاهم».
اقرأ أيضًا:
قد تؤثر الإضافات الغذائية الشائعة على فلورا الأمعاء وتسبب زيادة معدلات القلق !
ترجمة: رهف وقّاف
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: هادية أحمد زكي
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.ibelieveinsci.com بتاريخ:2024-04-17 01:04:18