صحة و بيئة

هل تساعد القهوة على الوقاية من مرض باركنسون؟ الإجابة قد تكون نعم

يشير الشلل الرعاشي (باركنسون) إلى مرض تقدمي يصيب الأعصاب، ويظهر عادة بمجموعة من الأعراض الحركية (ارتعاشات الأطراف)، ويبدو أن الكافيين يساهم في تخفيف خطر الإصابة بداء باركنسون، ولكن هل يساعد على تخفيفه؟

في حديث مجلة (Medical News Today) مع الدكتور دانيال ترونج، عالم أعصاب والمدير الطبي لمؤسسة ترونج لعلم الأعصاب ورئيس تحرير جريدة (Clinical Parkinsonism and Related Disorders)، يقول إن أعراض باركنسون تظهر عادة بسبب تلف في الخلايا العصبية دوبامينية الفعل في المادة السوداء المسؤولة عن التحكم الحركي. إذ لوحِظ أن الأشخاص المصابين لديهم معدلات أعلى من بروتين ألفا سينوكلين، وتؤدي هذه الزيادة إلى تكوين تكتلات بروتينية غريبة تسمى أجسام لوي التي تحفز بدورها ردود الفعل التحريضية، مثل تكوين الالتهاب وزيادة إفراز السيتوكينات التي يؤدي تراكمها في النهاية إلى إحداث أضرار غير قابلة للعلاج في الخلايا العصبية المسؤولة عن إنتاج الدوبامين في الدماغ، المسؤولة أيضًا عن تنظيم بعض الاستجابات الحركية وإدارة الإشارات الحركية الحسية في الجسم، وينتج من ذلك كله ظهور الأعراض الحركية المصاحبة لمرض باركنسون.

العلاقة بين الكافيين ومرض باركنسون

تؤكد كثير من الدراسات -القديمة والحديثة- وجود رابط بين استهلاك الأشخاص للكافيين وتقليل خطر إصابتهم بمرض باركنسون، والكثير من الأبحاث تثبت أن الأفراد الأكثر استهلاكًا للكافيين أقل عُرضة من غيرهم للإصابة بمرض باركنسون، فما العلاقة إذن؟

قد لا نتمكن حاليًا من إجابة السؤال حول العلاقة بين استهلاك الكافيين وتقليل احتمالية الإصابة بمرض باركنسون إجابة قطعية، لكننا نمتلك أفكارًا ونظريات تستند إلى قدر لا بأس به من المنطق والبحث العلمي الجاد والدقيق.

فبحسب ترونج مثلًا، قد يكون للأمر علاقة بالأدينوسين بوصفه مستقبلًا عصبيًا يعمل على تثبيط إفراز الدوبامين في الدماغ، إذ يعمل الكافيين على تعطيل مستقبلات الأدينوسين، ما يؤدي إلى زيادة إفراز الدوبامين بطريقة غير مباشرة، ويُعتَقد أن لهذا دور في الحماية من ظهور الأعراض الحركية المصاحبة لمرض باركنسون.

وتقترح بعض النظريات الأخرى أن للكافيين دور في تثبيط ردود الفعل المقاومة بالالتهاب، لأنه يتفاعل مع النواقل العصبية المختلفة ويؤثر في عملياتها الخلوية.
شجعت هذه النظريات الباحثين على التساؤل عن مدى جدوى استخدام الكافيين، ليس فقط بوصفه طريقة للوقاية، بل أيضًا بوصفه علاجًا يقلل حدة الأعراض المصاحبة لمرض باركنسون، وحتى الآن لا توجد إجابات قاطعة.

وجدت بعض الأبحاث أن استخدام الكافيين لعلاج باركنسون قد يساهم فعلًا في تحسين بعض الأعراض -الحركية غالبًا، لكن دراسات أخرى قالت إنه يؤدي إلى تدهور في الأعراض، وغيرها قالت إن الكافيين قد يبطئ فعلًا تدهور الأعراض الحركية المصاحبة لمرض باركنسون.

دراسة جديدة تعطي تصورًا أوضح

تضمنت الدراسة البحثية على 163 شخصًا مصابًا حديثًا بباركنسون، وحاول الباحثون إجابة السؤال:

«هل تساهم معادلة الكافيين والدوبامين حقًا في تحسين الأعراض الحركية لدى مرضى باركنسون؟ وهل هذه المعادلة -قدرة الكافيين على تحسين إفراز الدوبامين- حقيقية فعلًا؟».

تضمنت التجربة إخضاع المشاركين لمسح دماغي باستخدام أشعة جاما (SPECT scan) لقياس مستوى نشاط الدوبامين في أدمغتهم، مع مراقبة مستويات الاستهلاك اليومية للكافيين لكل فرد منهم، ثم أُعيد فحص 44 منهم بعد ستة أعوام تقريبًا، وكانت النتائج مذهلة!

أظهر أصحاب معدلات الاستهلاك الأعلى للكافيين انخفاضًا في معدلات نشاط الدوبامين في أدمغتهم (بين 8.3% و 15.4%)، أو بطريقة أخرى كان الأشخاص الأكثر استهلاكًا للكافيين هم أصحاب أقل معدلات نشاط للدوبامين، مع غياب أي اختلاف في تدرج حدة الأعراض أو تدهورها عن غيرهم من أصحاب الاستهلاك الأقل للكافيين.

أكد فالتيري كاسينين -مشرف الدراسة وأستاذ علم الأعصاب وكبير الأطباء بقسم علم الأعصاب بجامعة توركو فنلندا- أن نتائج التجربة كانت مخالفة تمامًا لجميع توقعاته!

كان من المتوقع أن تكون درجة نشاط الروابط الناقلة للدوبامين في الدماغ أعلى لدى الأشخاص الأكثر استهلاكًا للكافيين، وأن تكون درجة الاختلاف في معدل التسارع في تطور الأعراض لديهم أقل بشكل ملحوظ، لكن النتائج جاءت معاكسة تمامًا، فكان نشاط الارتباطات العصبية الناقلة للدوبامين لديهم أقل بشكل ملحوظ وآخذًا في التدهور على المدى البعيد أيضًا، وكانت درجة التسارع في تدهور الأعراض متساوية تمامًا مع باقي المشاركين من أصحاب الاستهلاك الأقل للكافيين!

كيف يؤثر الكافيين في صور المسح الدماغي إذن؟

صحيح أن الدراسة أكدت أن استهلاك الكافيين بمعدلات عالية يقلل معدلات نشاط دوائر الدوبامين في الدماغ على المدى الطويل، لكنها وجدت أيضًا أن استهلاك الكافيين قبل المسح الدماغي يزيد نشاط الروابط الناقلة للدوبامين في الدماغ بشكل ملحوظ.

بحسب تصريحات (كاسينين) فإنهم لاحظوا في أثناء الدراسة أن الاستهلاك المفرط للكافيين قبل عمل المسح الدماغي بوقت قصير، يزيد معدلات نشاط الدوبامين بما قد يؤثر في دقة نتائج المسح، خصوصًا في الحالات الحدية أو غير المؤكدة تمامًا! وقال كاسينين إنه ينصح بعدم استهلاك الكافيين في أربع وعشرين ساعة السابقة لعمل المسح الدماغي للتيقن تمامًا من دقة النتائج.

علق ترونج على ذلك بأنه من غير المرجح الآن أن نقول بقطعية بضرورة وقف استهلاك الكافيين قبل المسح الدماغي بـ 24 ساعة، وأن الأمر يتطلب بحثًا أعمق مع الأخذ بالحسبان وجود عوامل أخرى، مثل تقنية التصوير الدماغي المستخدمة في تلك التجربة تحديدًا، والحالة الصحية العامة للمريض، واحتمالية أن يتفاعل دواء معين -يتعاطاه المرضى في الدراسة- مع الكافيين ويحدث تأثيرًا ما في التجربة.

ربما الوقاية لا العلاج؟

اقترحت دراسات سابقة أن استهلاك الكافيين قد يكون مفيدًا في تقليل احتمالية الإصابة بمرض باركنسون، لكن الدراسات الأحدث تقلل مساحة التوقعات الممكنة لاحتمالات أبعد من الوقاية وحسب، إذ تقترح أن الكافيين ليس له أي تأثير مُثبَت على حدة الأعراض أو تطور المرض.

لكن الأمر لم ينته بعد، فما زال المجال مفتوحًا لمزيد من البحث، وما زالت مساحة الاجتهاد والدراسة متاحة للراغبين فعلًا في إحداث تغيير ما، واكتشاف شيء جديد، واستخدام العلم على النحو الصحيح لنفع البشرية وتقليل المعاناة.

اقرأ أيضًا:

هل يوقف دواء الربو تطور داء باركينسون؟

لأول مرة: دواء يبطىء أعراض داء باركنسون!

ترجمة: محمد جمال

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.ibelieveinsci.com بتاريخ:2024-07-02 02:01:09
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من بتوقيت بيروت اخبار لبنان والعالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading