العرب و العالم

هل يؤدي تقييد تركيا المحدود للصادرات إلى قطع العلاقات التجارية مع الاحتلال؟ – عربي21

أثار قرار تركيا تقييد تصدير منتجات إلى الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، تساؤلات عديدة حول أسباب اتخاذ أنقرة هذا الموقف بعد أشهر من العدوان على غزة وتصاعد المطالبات الشعبية بقطع التجارة مع “إسرائيل”، سيما أن ناشطين يرون أن الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه دفعا ثمنا باهظا في الانتخابات المحلية بسبب هذا الملف.وتحظى القضية الفلسطينية بأهمية كبيرة لدى التيار المحافظ في تركيا الذي يشكل قاعدة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وهو ما رفع نقاط حزب “الرفاه من جديد” بقيادة فاتح أربكان في الانتخابات المحلية، بسبب تبنيه موقفا رافضا بشكل قطعي للتجارة مع الاحتلال الإسرائيلي، ما سمح لأصوات المحافظين المنزعجة من حزب أردوغان بالتوجه نحو بديل آخر بعيدا عن اليسار التركي المعارض.

ولم تقتصر ردة الفعل على صناديق الاقتراع، حيث شهدت تركيا بعد انتخابات 31 آذار /مارس الماضي، تصاعدا في حدة الحراك الشعبي الرافض للتجارة مع الاحتلال الإسرائيلي، كما عاد هذا الملف إلى واجهة السياسة الداخلية عقب فض السلطات الأمنية مظاهرة في شارع الاستقلال بالشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول، طالبت بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل بشكل كامل، واعتقالها العشرات من المتظاهرين قبل أن يتم الإفراج عنهم بشكل كامل لاحقا.

اقرأ أيضا: بعد خسارة حزب أردوغان.. كيف أثرت حرب غزة على الانتخابات في تركيا؟
وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة التجارة التركية فرض قيود على الصادرات إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بهدف دفعها إلى وقف إطلاق النار في غزة، موضحة أن قرار تقييد الصادرات يشمل 54 منتجا منها حديد الإنشاءات والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك والأسمدة الكيميائية ووقود الطائرات.

وأشارت إلى أن القرار سيدخل حيز التنفيذ اعتبارا من تاريخ صدوره في 9 نيسان /أبريل الجاري، وسيستمر إلى غاية إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي وقفا فوريا لإطلاق النار بغزة، وسماحها بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة للشعب الفلسطيني في القطاع.

وأكدت أن “تركيا لم تقم منذ فترة طويلة ببيع إسرائيل أي منتج يمكن استخدامه لأغراض عسكرية”، وذلك في إشارة إلى التقارير التي تحدثت عن تواصل تصدير مواد متفجرة وبارود وذخائر إلى دولة الاحتلال منذ مطلع العام الجاري، وهو ما نفته الحكومة التركية بشكل قطعي.

ما أسباب التصعيد التركي ضد الاحتلال؟
ويرى الباحث بالشأن التركي محمود علوش أن التصعيد التركي الجديد ضد “إسرائيل” ينبع من دافعين أساسيين، أولهما الضغط الشعبي الذي يواجه حكومة أردوغان بسبب تواصل التجارة، موضحا أن هذا الضغط كان أحد الأسباب المتعددة التي أدت إلى خسارة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في الانتخابات المحلية الأخيرة.

ويضيف في حديثه إلى “عربي21″، أن الدافع الثاني يتمثل في رفض الاحتلال الإسرائيلي إدخال تركيا المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر الجو.

والاثنين، كشف وزير الخارجية هاكان فيدان، عن عزم أنقرة اتخاذ سلسلة تدابير جديدة ضد الاحتلال، على خلفية عرقلته مساعي بلاده لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وقال فيدان إن بلاده تعتزم اتخاذ سلسلة تدابير جديدة ضد الاحتلال، على خلفية عرقلته مساعي أنقرة الرامية إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

ولم يتطرق فيدان في حديثه للصحفيين بالعاصمة أنقرة، إلى فحوى التدابير غير أنه أشار إلى أن المؤسسات التركية المعنية ستعلن في وقت لاحق تفاصيل هذه التدابير.

اظهار أخبار متعلقة

إلى ذلك، يشدد علوش على أن “الخطوة التركية المتأخرة تعكس نقاط ضعف في الموقف الذي تبنته أنقرة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول /أكتوبر الماضي”، مشيرا إلى أن تركيا “سعت منذ البداية إلى إظهار الدعم للشعب الفلسطيني وتجنب انهيار جديد في العلاقات مع إسرائيل على أمل أن يمكنها ذلك من لعب دور أكبر في الجهود السياسية لإنهاء الحرب وتقديم نفسها كوسيط بين إسرائيل وحماس”.

ويلفت الباحث إلى أن ذلك “لم يتحقق، حيث تحولت تركيا في نهاية المطاف إلى لاعب هامشي مقارنة بالفاعلين الآخرين بملف الحرب الإسرائيلية على غزة”، موضحا أن “هذه الاستراتيجية وإن ساهمت في تحقيق أهداف بعيدة المدى لأنقرة إلا أنها أظهرت نقاط ضعف في الموقف التركي”.

هل يؤدي التصعيد التركي إلى قطع كامل للتجارة؟
أثار القرار التركي غضب الجانب الإسرائيلي حيث تعهد على لسان وزير خارجيته يسرائيل كاتس بالرد على تركيا بالمثل عبر اتخاذ إجراءات موازية من شأنها الإضرار بالاقتصاد التركي.

وقال كاتس في تدوينة عبر حسابه في منصة “إكس” إن تركيا “انتهكت من جانب واحد” الاتفاقيات التجارية بقرارها تقييد صادرات إلى إسرائيل، معتبرا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “يضحي مرة أخرى بالمصالح الاقتصادية للشعب التركي من أجل دعم حماس”.

وزعم أنه “قام بالاتصال بالمنظمات في الولايات المتحدة من أجل وقف الاستثمارات في تركيا ومنع استيراد المنتجات منها”، مضيفا أنه “طالب واشنطن بفرض عقوبات على تركيا بناء على ذلك”.

ويرجح علوش أن “العقوبات الاقتصادية التركية التي تعتبر تصعيدا في موقف أنقرة، لن تؤدي إلى نقطة تحول مفصلية في العلاقات بين الجانبين، لأن أنقرة لا تزال حريصة على ألا يؤدي التوتر مع تل أبيب إلى أزمة دبلوماسية على غرار أزمات العقد الماضي”.

ويوضح أن “إسرائيل لديها رغبة في الحفاظ على مستوى معين من العلاقات مع تركيا”، مشيرا إلى أن “الجانبين يريدان إدارة الأزمة بقدر ما يسعيان إلى منع أن تفضي هذه التوترات إلى نقطة اللاعودة”.

ويشدد علوش على أن “الخطوات الاقتصادية التركية متواضعة ولن تؤدي إلى تأثير كبير على مسار العلاقات التركية الإسرائيلية، باستثناء التأثير السياسي الواقع بالفعل جراء التدهور بعد حرب السابع من أكتوبر”، مبيّنا أن “من غير المتوقع أن تسعى تركيا إلى تطوير هذا الموقف بدرجة كبيرة تؤدي إلى أزمة كبيرة في العلاقات مع إسرائيل”.

اظهار أخبار متعلقة

ويرجح الباحث في حديثه إلى “عربي21” أن “الجانب الإسرائيلي، كما الأتراك، حريصون على تجنب انهيار جديد بالعلاقات مع تركيا”، لافتا إلى “أن الفعل ورد الفعل المتبادل من غير الممكن أن يتسبب في تحول كبير في مسار العلاقات بين الجانبين في حقبة ما بعد السابع من أكتوبر”.

“تصعيد تصاعدي”
يرى الباحث والكاتب التركي علي أسمر، أن “الموقف التركي تجاه ما يحصل في غزة هو موقف تصاعدي، بدأ بالنصيحة مرورا بتصريحات حادة النبرة إلى أن وصلنا إلى قطع العلاقات السياسية مع حكومة نتنياهو والآن تركيا تقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل”.

ويلفت في حديثه لـ”عربي21″، إلى أن سبب ذلك “يرجع للتعنت الإسرائيلي تجاه تركيا في موضوع إيصال المساعدات التركية إلى قطاع غزة، إضافة إلى الغليان الشعبي في تركيا”، موضحا أن “أنقرة حريصة على علاقاتها مع جميع دول المنطقة ومن بينها دولة الاحتلال ولكن نتنياهو ضرب المصالح الإسرائيلية في الشرق الأوسط بعرض الحائط وتحول لمجرم يحاول تأخير محاسبته عبر فتح جبهات كثيرة”.

وفي ما يتعلق بإمكانية تصاعد الموقف التركي ضد الاحتلال، يشدد أسمر على إمكانية حدوث ذلك، سيما أن “سلوك أنقرة تجاه ما يحصل في غزة هو سلوك تصاعدي مرتبط بتطورات الوضع في غزة”، موضحا أن “العلاقات التركية الإسرائيلية وصلت إلى مرحلة محرجة وخطيرة تنبئ بتصعيد قادم على المستويات السياسية والتجارية والأمنية”.

ويشير إلى أن أسباب تأخر العقوبات الاقتصادية التركية ضد الاحتلال، ترجع إلى “سعي أنقرة الدائم إلى إقصاء الجانب الاقتصادي من التوترات السياسية وهذا ما رأيناه سابقا عندما توترت العلاقات التركية مع بعض الدول الإقليمية”، مشددا على أن “تركيا سوق مفتوح لكل دول المنطقة، والعلاقات والاتفاقيات التجارية والاقتصادية لا تبدأ وتنتهي بضغطة زر”، حسب تعبير أسمر.

التجارة التركية مع الاحتلال بالأرقام
تشير بيانات هيئة الإحصاء التركية الرسمية “TÜIK” إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي احتلت المرتبة الـ 13 على قائمة صادرات تركيا بحجم تجارة قدره 5.4 مليارات دولار في عام 2023.

 وفي الربع الأول من عام 2024، انخفضت صادرات تركيا إلى الاحتلال بنسبة 21.6 بالمئة، وفقا لبيانات جمعية المصدرين الأتراك “TİM”.

وفي الربع ذاته، بلغت حصة الصادرات للاحتلال 2.06 بالمئة من إجمالي الصادرات، وكانت هذه الحصة بلغت في الفترة ذاتها من عام 2023، 2.69 بالمئة.

وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023، كشفت بيانات جمعية المصدرين الأتراك عن زيادة في المواد الغذائية المصدرة من تركيا إلى دولة الاحتلال بعد أشهر من العدوان المتواصل على قطاع غزة.

كما تصدرت الشركات التركية قائمة الدول التي استمرت في تصدير الخضار والفواكه إلى دولة الاحتلال خلال الأشهر الثلاثة التي تلت العدوان على قطاع غزة، بحسب وزارة زراعة الاحتلال الإسرائيلي.

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة :2024-04-09 17:53:46 على موقع:arabi21.com

ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من بتوقيت بيروت اخبار لبنان والعالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading