هل يقبل حزب الله بتنفيذ القرار 1701؟
وعلى لسان رئيس الوزراء انجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، اكد لبنان انه يدفع باتجاه تطبيق القرار الأممي 1701، من دون أي تعديل أو تغيير. في المقابل راحت الكيان الصهيوني تعلن من موقع القوة ومنطقها المهيمن أنها ذاهبة إلى تطبيق هذا القرار من وجهة نظرها الخاصة، أو بحسب رؤيتها الأمنية الخاصة لهذا القرار، وأصبح القرار المعدل موضوعا للتفاوض.. فماذا يعني ذلك؟ ما الذي تريده “إسرائيل” من خلال دفعها باتجاه تنفيذ هذا القرار المعدل بالقوة، إن لم يكن بالتفاوض والتوافق؟
واقعيا، لم يعد هذا القرار الجديد هو نفسه القديم، فهذه التعديلات التي أدخلتها تل أبيب عليه، قد حولته قرارا جديدا، وليكون شرعيا فإنه يستدعي إقرارا أمميا جديدا، وهو ما لا يمكن حدوثه.. إذن ستعمل “إسرائيل” بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، على تنفيذه وتطبيقه على أرض الواقع بقوة السلاح.. الأمر الذي دفع الإحتلال باتجاه توسيع دائرة النار، وتكثيف الضربات الجوية التي تهدف إلى قتل الروح المعنوية للمقاومة من جهة، ومن جهة أخرى بث الرعب في مجتمع المقاومة، علها تدفعها بعيدا عنها أو تلجئها إلى التخلي عنها.. الأمر الذي بات من المستحيل تحققه أيضا.. ما دفع “إسرائيل” إلى حشد عديد من الفرق العسكرية لتحقيق ما لم تستطع بقوة النار الجوية أن تحققه.
إبعاد حزب الله إلى ما بعد الليطاني بات من الماضي.. الآن صار القضاء على قدرات حزب الله القتالية، بوصفه هدفا أوليا بغية الوصول إلى القضاء المبرم والتام عليه، وتصفية وجوده، ليس في الجنوب فحسب، بل في لبنان كله… يمكن لحزب الله أن يتحول إلى قوة سياسية تناضل من أجل تحقيق مصالح جمهورها بحسب التوليفة اللبنانية والداخل اللبناني فقط، وهذا يعني إحداث تغيير جوهري وجذري في بنية حزب الله وعقيدته القتالية والسياسية، وتحويله إلى قوة تصارع التيارات الداخلية الأخرى، للحفاظ على وجودها وكسب مواقع ضامنة لتحقيق مصالح جمهور حزب الله..أما الصراع الوجودي مع الاحتلال الصهيوني، فهو ماض سيظل حزب الله يتغنى به ويردده في كل مناسبة أو محفل.. ليحقق بهذا التاريخ النضالي مكاسب حزبية أو سياسية، على غرار ما تفعل حركة فتح الفلسطينية الآن.
أهذا حقا ما تسعى إليه تل أبيب؟ إنه أشبه بحلم في ليلة خريفية غائمة شديدة الرياح المتغيرة السرعة والاتجاه .. فسرعان ما يعصف بها وبحلمها ريح عاصف تعيدها إلى رشدها.. إلى واقع لا ترى فيه سوى مقاتلي الحزب الأشداء الذين يقفون بقوة واقتدار في وجه الحلم الإسرائيلي المتمدد باستمرار، ليجعلوه مجرد أضغاث أحلام.. يهزون “إسرائيل” بقوة ليعيدوها بكل هيآتها وتشكيلاتها العسكرية والأمنية والسياسية والمجتمعية، إلى حظيرة تلزمهم بنقطة نظام فوق أرض لا تتوقف عن القلقلة والاهتزاز.. في مواجهة موقف ثابت، ليس فقط لا يستطيعون تغييره، وإنما أيضا لا يستطيعون تجاهله… ولا يملكون أية رؤية مستقبلية للتغلب عليه أو التعايش معه.
حين فوض حزب الله الرئيس نبيه بري للتفاوض عنه، كان يدرك تماما أن بري لا يمكن أن يخطىء في حساباته التفاوضية، أو أن يخضع للضغوط، وهي كثيرة وهائلة، فيقول بما يدرك تماما أن حزب الله يرفضه، أو لا يمكن أن يقبله.. لذلك أطلق حزب الله هذا المسار التفاوضي وهو مطمئن تماما إلى قدرة بري التفاوضية التي تحقق، بتفان واقتدار وإخلاص، رؤية الحزب لحل الصراع.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن قبول حزب الله غير المعلن بالقرار الأممي 1701، ينبع من واقع الوعي بما يحمل هذا القرار من تحول جدي في مسار المعركة الدائرة، التي تتفوق فيها “إسرائيل” بقوة النيران ورداءة الأخلاق القتالية ، ويتفوق فيها حزب الله بقوة الصمود والعظمة الأخلاقية والدفاع الأسطوري عن لبنان وغزة وشرف الأمة وكرامتها .. كما ينبع أيضا من الوعي بأن تل أبيب لن تقبل بهذا القرار من دون تعديلات تحقق لها مصالحها وتحافظ على إنجازاتها ومكاسبها في الميدان.. فهي غير مستعدة للتخلي عن الأرض اللبنانية في مزارع شبعا وكفار شوبا، التي ما زالت تحتلها منذ زمن بعيد.. فالعقلية الأمنية الإسرائيلية لا تثق بغيرها ولا تركن إليه، حتى لو كانت أمريكا، لتحقيق أمنها والحفاظ عليه… ولذلك وضعت هذه الشروط التعجيزية لتنأى بنفسها عن التجاذبات الدولية وردود الأفعال السلبية جراء الرفض المباشر.. ولأجل أن تبقى يدها هي العليا والمطلقة والمقتدرة على منع الحزب من التسلح أو التهيؤ للانتقال إلى مرحلة يكون فيها قادرا على تهديد أمنها… هذا إلى جانب رفضها المطلق للانسحاب من مزارع شبعا وكفار شوبا.
إن إدراك حزب الله بأن “إسرائيل” لا يمكن أن تقبل بذلك الآن كما لم تقبل بتنفيذه سابقا، قد وفر عليه عناء الرفض المسبق أو المطلق للقرار، وجعل الكرة – بهذا الموقف المتقدم خطوتين على الموقف الإسرائيلي – في الملعب الإسرائيلي نفسه، الذي يبدو أنه غير مستعد الآن على الأقل، للقبول به كما هو أو حتى جعله أساسا للتفاوض.
في مثل هذا المناخ المتشدد والمتأزم، لم يعد فيه متسع للسياسة، وأصبح القول الفصل، لدى الطرفين، للعسكر..لما يفرزه الميدان..لذلك وسع الإحتلال دائرة ضرباته، وبالغت بالقصف الذي راح يعصف بكل شيء..بالبشر والحجر والشجر.. لتجعل المنطقة كلها كتلة من النار الملتهبة، المشتعلة على الدوام، فتحيل الأرض قفرا لا حياة فيها، تمهيدا لجعلها – بحسب رغبة “إسرائيل” المعلنة – شريطا حدوديا فاصلا بعمق قد يصل في بعض المناطق، خاصة عند مارون الراس، عشر كليلومترات.
أمر آخر ينبغي عدم تجاهله في معرض الحديث عن القرار 1701، هذا الأمر هو الارتباط المصيري بغزة ، فالحزب أعلن منذ بدء طوفان الأقصى وقوفه المصيري إلى جانب غزة، وأنه لن يسمح بهزيمتها.. فهل يأتي القبول بهذا القرار إيذانا بالتخلي عنها، وتركها تواجه مصيرها وحدها؟ وهل القبول بتنفيذ هذا القرار يعيد لبنان إلى داخل حدوده، ويعيد مقاتلي الحزب إلى الداخل اللبناني، ويفك الارتباط بغزة؟
القرار نفسه لا ينص على ذلك، ولا علاقة له البتة بهذا الوضع الجديد…إذن ما قيمة هذا القرار بالنسبة لتل أبيب التي تجهد بكل قواها للفصل بين الجبهتين، وفك الارتباط بحماس وغزة؟
هنا يمكن أن يكون المسار التفاوضي شاملا لهذا المتغير الجديد في لفت أنظار الفرقاء إلى ضرورة التعاطي مع قضية الحرب الشاملة على غزة.. الأمر الذي يرفضه الكيان بقوة، وتراه هزيمة ساحقة لها، وتقويضا لكل إنجازاتها العسكرية والأمنية والسياسية.. وتهديدا حقيقيا ومستقبليا لوجودها.
فإذا كان الربط بين تنفيذ القرار والحرب على غزة، أمرا ترفضه “إسرائيل”.. وإذا كان فك الارتباط بغزة أمرا يرفضه الحزب، فعلى أي شيء – إذن – يمكن أن يكون التفاوض؟
بقلم الدكتور عماد أبو حسن /كالاتب والباحث السياسي فلسطيني
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir بتاريخ:2024-11-03 20:11:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي