وإن لم تكن إبادة جماعية؟ الازمة الانسانية في قطاع غزة هي من صنعنا!
هآرتس 29/12/2024، تومر بيرسيكو: وإن لم تكن إبادة جماعية؟ الازمة الانسانية في قطاع غزة هي من صنعنا!
بين 16 – 19 آب 1982 ناقشت الجمعية العمومية للامم المتحدة نشاطات اسرائيل العسكرية في لبنان، في اطار ما اطلقت عليه اسرائيل في حينه عملية “سلامة الجليل”، ممثلو 23 دولة، من بينها نيكاراغوا، تشيكوسلوفاكيا، المغرب، بولندا، سيريلانكا والاتحاد السوفييتي سابقا، اعتبروا أن سلوك اسرائيل في بيروت يساوي الابادة الجماعية، وبعض هذه الدول طلبت فرض العقوبات عليها.
في 16 كانون الاول من نفس السنة، بعد مذبحة صبرا وشاتيلا، قررت الجمعية العمومية بشكل رسمي بأن قتل الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين هو ابادة جماعية، وكانت هناك دول قالت بأن الامر يتعلق بتنفيذ سياسة متعمدة لاسرائيل. اتهام اسرائيل بالابادة الجماعية، ربما تتفاجأون من سماع ذلك، تكرر ايضا في عملية “الجرف الصامد” في العام 2014، لكن في هذه المرة من منظمات لحقوق الانسان.
بنظرة الى الوراء هذه الاتهامات تظهر مثل روايات تاريخية مضحكة، لكنها تسلط الضوء على ما يحدث في هذه الفترة. اتهام اسرائيل بالابادة الجماعية لا يعتبر أمر جديد، والآن مثلما كان في ذلك الوقت، الحديث يدور قبل أي شيء آخر ليس عن تقييم علمي للحقائق، بل عن اداة سياسية في حملة استمرت لسنوات كثيرة من اجل تشويه سمعة اسرائيل.
الهدف بالنسبة لكثيرين ليس فحص افعال أو سياسة اسرائيل، بل حرمانها من شرعية مجرد وجودها، من خلال تلطيخ اسمها بأكثر الجرائم فظاعة التي يمكن لدولة ان ترتكبها، وتحويل اسرائيل الى كيان سياسي ميؤوس منه، يتم لفظها من أسرة الشعوب وطردها من الحوار المشروع. والأكثر من انقاذ حياة الفلسطينيين الهدف هو قتل الدولة اليهودية.
الاتهام بالابادة الجماعية هو ايضا صورة معتدلة لانكار الكارثة، سواء من ناحية تسطيح واختزال أي حرب الى ابادة جماعية، الامر الذي يرمز الى أنه يبدو أنه لم يحدث أي شيء استثنائي لليهود والارمن والتوتسي، أو من ناحية الاستمتاع الخاص بتشويه سمعة اليهود، وتحويل الضحية المطلقة الى الشرير المطلق، أو المقارنة السخيفة بين اليهود والنازيين، التي تساوي في جدول النتائج العالمي الظلم الذي ارتكب ضد اليهود ما يحدث الآن للفلسطينيين. نوع من “الاصلاح التاريخي” المعكوس، الذي يحول الجميع الى نفس النوع من المساكين، ويلغي في المستقبل أي ادعاء لليهود بكونهم ضحية.
هذا يرتبط ايضا بعدم استعداد اجزاء من اليسار الراديكالي قبول أي نوع من الضحية اليهودية. لأنه في نهاية المطاف اذا كان في العالم الاخلاقي ما بعد الكولونيالية الضحية تحمل دائما طلب شامل لعدالتها فانه يجب نزع من اليهود أي اشارة تشير الى أنهم ضحية. ببساطة، من غير المعقول أن يكون وضع معقد ومشوش اليهود فيه في نفس الوقت هم ضحايا ويتسببون بضحايا، مثل “البيض” و”الكولونياليين” يجب أن يكونوا هم المعتدين وليس المتضررين. هكذا نحصل على فرية مزدوجة، التي فيها اليهود يتم اتهامهم بأخطر الجرائم، وفي نفس الوقت يكونون ضحايا لاخطر جريمة يتم شطبها.
للاسف، هذا التمرين الذهني هناك من يحاولون تنفيذه بشكل معكوس. بالنسبة للبعض منا فان حقيقة أن اليهود عانوا كثيرا، سواء في الكارثة أو في 7 اكتوبر، تحصنهم من امكانية أن يكونوا مجرمي حرب، أو تكفر مسبقا عن أي جريمة يرتكبونها. ومثل الذين يشهرون باسرائيل، ايضا بالنسبة لبعض اليهود الذين يدافعون عن اسرائيل فانه لا يمكنهم أن يكونوا في نفس الوقت ضحايا ويتسببون بضحايا. اذا كان بالنسبة لليهود الاوائل هم فقط معتدون فانه بالنسبة للاخيرين فان اليهود فقط هم المتضررون.
لكن للاسف الشديد نحن اليوم ايضا معتدون. في نهاية المطاف المشكلة الكبيرة لنا ليست اللاساميين أو الذين يريدون الاحتجاج على حق اسرائيل في الوجود، بل مشكلتنا هي ما يحدث الآن بالفعل في غزة. بأي اسم سمينا ذلك، فان استمرار الحرب لفترة طويلة جدا بعد انجاز معظم الاهداف، يدخل نشاطات اسرائيل ضد السكان الغزيين الى مسار سلبي ومظلم. اسرائيل تصمم على احتجاز مليوني شخص في مخيمات خيام بشكل مكتظ جدا وبدون وسائل توفر المستوى المعقول للحياة وبدون أي أفق للنهاية.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده بنيامين نتنياهو عشية تقديم شهادته في المحكمة (9/12)، اعترف، ربما للمرة الاولى، بأنه لا يدخل بما فيه الكفاية من المساعدات الانسانية الى سكان القطاع. وقد تحدث عن “الحمائل” التي كان يمكنها توفير المواد الغذائية، ولكنها وفشلت في ذلك، وقال إن اسرائيل تبحث عن طريقة “لفعل ذلك بشكل كامل”. اشارة رئيس الوزراء الى فشل “الحمائل” تشير الى الهاوية الاخلاقية التي غرقنا فيها. المسؤول عن توفير احتياجات السكان في مناطق الحرب هو القوة المحتلة – في هذه الحالة اسرائيل. المسؤولية تقع علينا، ومن البداية كان واضحا لكل شخص عاقل بأن “الحمائل” لا يمكنها فعل ذلك، وهناك شك في أنها تريد توفير الخدمات المعقولة للسكان المدنيين.
اسرائيل فشلت في التعامل مع السكان في القطاع لأنها غير مستعدة لصياغة لنفسها ما تريده في غزة. حتى “اليوم التالي” لم تتم مناقشته، ونحن يتم جرنا الى حرب عديمة الهدف. كجزء من هذا الوضع اسرائيل ترفض تطبيق حكم عسكري كامل في القطاع وتحمل المسؤولية عن توفير الغذاء، بسبب النقص في القوة البشرية والتكلفة العالية التي يقتضيها ذلك، وبسبب أن الجنود الاوائل الذين سيقتلون بسبب العبوات التي تم زرعها تحت طرق ارساليات الشحنات اليومية على مداخل خانيونس، سيثيرون الجمهور ضد الحكومة.
من جهة اخرى، اسرائيل ترفض ادخال الى القطاع قوة متعددة الجنسيات، عربية و/أو السلطة الفلسطينية، وبالتالي، البدء في اعادة اعمار القطاع ونقله الى سلطة ليست حماس. لأن هذه العملية ستفكك الائتلاف الحكومي. الاطراف الاصولية في الحكومة ما زالت تحلم بالاستيطان في غزة، وهي غير مستعدة لانهاء الحرب في غزة، ونتنياهو اضعف من أن يقف أمامها.
في الوسط هناك 2 مليون شخص عالق، نصفهم من الاطفال. الشتاء حل وذروته امامنا. هؤلاء الناس لا يوجد لديهم ما يكفي من المياه والغذاء والاطباء والادوية ووسائل التدفئة. يمكن الافتراض أن الاكبر سنا والاقل سنا من بينهم، بالتحديد الذين من الواضح أنه ليست لهم أي علاقة باعمال حماس الفظيعة، يتعرضون لخطر الموت الحقيقي بسبب البرد والامراض، والآخرون ايضا سيعانون من الامراض والاعاقات المختلفة والصدمة بعد أن يستطيعوا محاولة بناء حياتهم.
نتنياهو يقوم باطالة الحرب بدون أي فائدة. ففي الطريق هو يتسبب بازمة انسانية كبيرة، معاناة غير مسبوقة لملايين الاشخاص. يمكن ويجب رفض باحتقار الاتهام بالابادة الجماعية، التي هي ليست إلا حلقة اخرى في سلسلة فريات طويلة وقذرة. في المقابل، يجب الاهتمام بما يحدث تحت مسؤوليتنا للملايين. يجب على الحكومة توفير وبشكل فوري مساعدات انسانية كافية للسكان الغزيين، هذه هي مسؤوليتها ومسؤوليتنا ايضا.
ما يحدث حقا في غزة سيطاردنا لفترة طويلة بعد أن يتضح أن الاتهام بالابادة الجماعية هو رواية تاريخية اخرى. الازمة الانسانية هناك هي من انتاجنا. الملايين الذين يعانون هناك هم تحت مسؤوليتنا، ونحن سنتحمل هذا الظلم التاريخي الذي سيغرقنا فيه هذا الوضع لسنوات كثيرة. الأمهات لا ينجحن في اطعام الاولاد والاطفال يرتجفون بسبب البرد ونحن نتحدث عن “الحمائل”. هذا يحدث الآن ونحن لا نفعل بما فيه الكفاية للمساعدة. اليوم التالي سيأتي، وذات يوم ستكون نهاية لهذه الحرب، وغزة ستبدأ في ترميم نفسها. ونحن حينها يجب علينا اعادة ترميم بقايا ضمائرنا والاخلاق اليهودية وصورة دولة اسرائيل.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2024-12-29 15:34:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>